بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مقدمة:
ها قد وصلنا لنصف رمضان، فقد مرت الأيام سريعًا وصدق الله العظيم إذ يقول ((أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ...)) (البقرة: ١٨٤) وسرعان ما ينتهي الشهر الكريم. تُرى ماذا فعلت فيما مضى من رمضان؟ وماذا سيكتب لك فيما تبقى؟ أما زلت محتفظا بنية كبيرة وتتمنى أن ينتهي رمضان وقد أعتقت رقبتك من النار وغفر لك ما تقدم؟ يا من قصرت في النصف الأول من الشهر مازالت الفرصة كبيرة في النصف الثاني، ويا من بذلت كل جهدك في النصف الأول تيقن أن العبرة بالخواتيم وبنهاية رمضان وبليلة القدر وآخر أيام رمضان. فتح الله علينا ويجعل من رمضان هذا العام نقلة في حياتنا. من يدري؟ فقد يسمعنا الآن شخص بدأ قلبه يتحرك ليأخذ نية ويتوب إلى الله ويفتح صفحة جديدة مع الله قد يغير رمضان مسار حياته إلى رضا ورحمة ومغفرة وجنة وعتق. فابقَ مع الله وابذل جهدك في الأيام الباقية.
رمضان شهر القرآن:
النقطة الثانية التي أود أن أتطرق إليها هي القرآن في رمضان. كم ختمة للقرآن انتهيت منها حتى الآن؟ فالنبي يقول: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة) هل تريد أن يشفع لك القرآن يوم القيامة؟ هل تتمنى أن تأتي سورة البقرة وسورة آل عمران يوم القيامة وتظللان عليك في حر يوم القيامة وتدافعان عنك؟ فقد سأل سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب النبي صلى الله عليه وسلم: "في كم أختم القرآن؟ فقال له النبي: "اختمه في شهر" فقال: "يا رسول الله إني شاب أطيق أكثر من ذلك" فقال: "اختمه في عشرين" فقال له: "يا رسول الله إني شاب وأطيق أكثر من ذلك" فقال له الرسول: "اختمه في خمسة عشر" قال: "يا رسول الله والله أطيق أكثر من ذلك" قال: "اختمه في عشر" فقال: "يا رسول الله إني شاب ذو طاقة" فقال له النبي: "اختمه في ثلاثة أيام ولا أقل من ذلك". لماذا لا تَغيرون من سيدنا عبد الله بن عمر؟ هل هناك من ختم أو من شارف على الانتهاء من ختم القرآن؟ فالعبادة منازل وجبال من الحسنات وكلُّ حسب اختياره.
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقضي يومها كله في قراءة القرآن في رمضان، ثم في التراويح وقيام الليل، فسألوها أليس ذلك بالكثير؟ فقالت: "وهل رمضان إلا للقرآن؟" كان النبي يسميه شهر القرآن. ولذلك قمنا بتنظيم حملة "سنحيا بالقرآن" هدفها الوصول إلى عشرة ملايين ختمة في رمضان هذا العام. فمن يختم يدخل على موقع www.amrkhaled.net وكذلك نسجل لمن لا يستطيعون الدخول على النت. لكن ما الهدف من التسجيل ما دمت قد أخذت ثوابها؟ حتى نقوي بعضنا البعض ونفرح ونقول لله سبحانه وتعالى: يا رب قد جئناك هذا العام في رمضان ۲۰۰۹ ومعنا عشرة ملايين ختمة حفظنا فيها وتقربنا بها إليك وأحببنا فيها القرآن ورفعنا فيها شعار سنحيا بالقرآن.
الشوق إلى الله:
محور حديثنا اليوم إيماني ورقيق جدَّا وهو الشوق إلى الله. هل تشتاق إلى الله؟ هل تشتاق إلى رضاه؟ هل تحن إلى الليل فتقوم وتصلي بين يديه؟ فتلك منزلة رفيعة. العبادة منازل: فهناك من يتجنب المحرمات وهذه منزلة، وهناك من يتقي الله، وهناك منزلة اسمها الشوق إلى الله. هل مررت بتجربة شوق لأحد ووصلت إلى درجة أنك لا تستطيع أن تتحكم في مشاعرك؟ فقد وصل سيدنا موسى إلى هذه المنزلة. انظر إلي سيدنا موسى تجده عظيما في كل شيء: في قيادته لأمته وفي شجاعته أمام فرعون وقيادته لبني إسرائيل، كذلك في عبادته تراه عابدا خاشعًا متوكلا على الله، فهو نبي عظيم وهو من أولي العزم من الرسل وكليم الله وهي منزلة اختص بها الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى، ولم يقترب من هذه المنزلة أو يرتقي إليها إلا الرسول صلى الله عليه وسلم في المعراج.
اليوم سيدنا موسى يشتاق إلى الله. أريد أن أسألك هل يأتي عليك لحظات تشتاق فيها لقراءة القرآن ولختمه؟ انظر إلي سيدنا عبد الله بن حذافة قبل قتله على يد ملك الروم بكى فظن الملك أنه تراجع وخاف فأتى به فقال له سيدنا عبد الله بن حذافة: " يا ليت عندي بعدد شعر جسدي أنفس تخرج الواحدة تلو الأخرى حبا لله وفي سبيل الله". من الممكن أن يكون هذا الكلام نظريا أو إنشائيا لو أن الذي قاله ليس مشرفًا على الموت، لكن من يقول هذا الكلام في لحظات الموت يكون شاعرًا به ومؤمنًا به. لا أطلب منك أن تكون مثله فهو صحابي لكن أين نحن؟!
استشهد سيدنا عبد الله بن حرام في غزوة أحد فبكى ابنه جابر بن عبد الله فقال له النبي: "أتبكي يا جابر؟ يا جابر ما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحًا. فقال له: "يا عبدي تمنى علي" فقال: "يا رب أتمنى أن أعود إلى الدنيا فأقتل مرة أخرى في سبيلك لِما وجدت من حلاوة الشهادة والقرب منك" فقال الله: "إني كتبت عليهم أنهم إليها لا يرجعون فتمنى أمنية أخرى يا عبدي" فقال: "يا رب بلغ عني أهل الأرض ما أنا فيه من السعادة". أرأيت الشوق إلى الله؟ الآن وأنت في نصف رمضان هل أنت مشتاق لله؟ متى آخر مرة بكيت من خشية الله، وحبًا له، وشكرًا على نعمه وليس لأجل مشكلة عندك؟ هل تحن للقرآن أو للعمرة أو للقيام؟ تلك منزلة قلبية عالية فهنيئًا لمن مر بها، ومسكين يا من غرق في المادية الطاغية ولم يتذوقها.
الميقات:
وعد الله سيدنا موسى بالذهاب إلى ميقاته، الميقات أي لقاء الله، ومتى كانت آخر مرة؟ كانت قبل ذلك بخمس عشرة سنة في جبل الطور. اليوم وبعد هذه المدة وبعد غرق فرعون ونصر موسى وتحقق وعد الله لموسى دعاه مرة أخرى للقائه في المكان نفسه، انظر إلى الآية: ((وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً... )) (الأعراف: ١٤۲) فقال الله سبحانه وتعالى لموسى لو صمت لي وعبدتني حق العبادة ثلاثين ليلة سأعطيك مكافأة وقربا، وسأعطيك التوراة، كتابي نورا وهدى وسأقربك مني قربًا شديدًا. فصام سيدنا موسى الثلاثين ليلة وبعدما أتمها حيث أمره الله أن يتممها بعشر ليزيد قوة وإيمانًا ليستعد للقاء الله.
وماذا عن بقية بني إسرائيل؟ فلقد استخلف سيدنا موسى سيدنا هارون على بني إسرائيل لأنه ذاهب للقاء الله وحده لمدة ثلاثين ليلة وليبقى هو مع بني إسرائيل ولا يتركهم. انظر إلى حظ أمة محمد، فالميقات كان لموسى وحده وحرمت بني إسرائيل منه، فقد منّ الله سبحانه وتعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بشهر رمضان، ثلاثين ليلة عبادةً وصومًا ليهيئكم لتكن لكم منزلة كبيرة (من صام رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه) و(إن الجنة لتتزين من السنة إلى السنة لشهر رمضان) انظر إلى جوائز رمضان وتيقن كيف نحن (غاليين) على الله! يقول لنا النبي: (من أتبع رمضان بست من شوال كمن صام الدهر) وسيدنا موسى صام ثلاثين ليلة وأتبعهم بعشر. انظر كيف أن أمة محمد هي خير أمة أخرجت للناس!
يذهب سيدنا موسى للقاء ربه عند جبل الطور، وكان اللقاء في الليل، لقاء طويل وجميل يسأل فيه سيدنا موسى الله ويستفيض، والله يجيب ويمن عليه ويعطيه التوراة كما طلب سيدنا موسى النظر إلى الله.
كلمة ميقات تعني موعد محدد دقيق يلتقي فيه كليم الله بالله سبحانه وتعالى ويتلقى التوراة. وكلمة توراة جاءت من " الطور" حيث تلقاها فسميت نسبة إلى المكان، فكانت المكافأة والهبة أن زاده الله تشريفًا وتكريمًا فأعطاه الكتاب. فماذا ينال من يصوم الثلاثين يومًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ عاد سيدنا موسى للمكان نفسه، لجبل الطور الذي كلف فيه بالرسالة منذ خمس عشرة سنة، لماذا؟ حتى نعلم أن وعد الله حق وأن الله لا يخلف الميعاد ألم يقل له: ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) (طه: ۲٤) و ((قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ)) (الشعراء: ١۲) و ((قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)) (طه: ٤٦) وقال ))وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ(( )القصص: ۳٥( في جبل الطور منذ خمسة عشر عامًا، فكان لابد بعد الانتصار وبعدما عبر البحر وشاهد معجزة الله وكيف نجاه ونصره؟! من الممكن أن يكلفك الله بعمل فتدور الأيام، ويذكرك بوقفته معك في مكان وقف فيه معك قبل ذلك. هذا ما حدث مع سيدنا موسى، ذهب إلى ميقات ربه كما تذهب أمة محمد إلى ربها كل عام في رمضان لتعبده وتتقرب إليه، وبينما هو ذاهب إلى الميقات يقول له ربه: ((وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طه: ٨۳-٨٤) أي أنه كان متعجلاً من الشوق إلى الله.
أسئلة سألها موسى لله:
ولقد سأل موسى الله أسئلة ذكرها النبي وأخرى ذكرها اليهود الذين أسلموا في المدينة مثل عبد الله بن سلام. على الرغم من أنها آثار إلا أني سوف أذكرها لأنها مؤيدة لسيرة النبي وذكرها النبي بأحاديث مماثلة، هيا نعيش مع هذه المعاني الرقيقة: فالحوار مع الله سبحانه وتعالى خاصية أعطاها الله لموسى عليه السلام في الدنيا، وستكون لنا إن شاء الله في الآخرة، في الجنة، حيث نسأل الله كيفما نشاء ونقول له أعطنا كذا ونتمنى كذا.
قال موسى: "يا رب من أدنى أهل الجنة منزلة؟" فقال: "ذلك آخر رجل يخرج من النار حبوًا يريد أن يدخل الجنة، كلما أراد أن يخرج منها أُعيد فيها حتى يخرج منها ويقول الحمد لله الذي نجاني منكِ" فيقول الله تبارك وتعالى:" اذهب فادخل الجنة"، فيذهب فينظر فيخيل إليه أنها ملأى فيقول: "يارب وجدتها ملأى" فيقول له الله: "أما ترضى أن يكون لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا" فيقول الرجل: "يا رب أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟" فيقول له الله تبارك وتعالى: "لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا ومثله ومثله ومثله ومثله ومثله" فيقول العبد: "رضيت يا رب" فيقول له الله تبارك وتعالى: "لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثاله ولك فيها ما اشتهت نفسك وتمنت عينك وأنت فيها خالد". هذا أدنى شخص منزلة، فقال موسى: "يا رب أذلك أدناه منزلة؟" فقال الله: "نعم يا موسى" قال: "فمن أعلاهم منزلة؟" فقال له الله: "أولئك الذين أردت زرعت كرامتهم بيدي فلا تدري عين ولا تسمع أذن ولا يخطر على قلب بشر ماذا أريد أن أعطيهم" ومعنى كرامتهم أي سعادتهم.
قال موسى لله: "يا رب كيف لا تأخذك سِنة ولا نوم؟" فقال له الله: "يا موسى ابق الليلة وأنت تمسك بزجاجتين في يدك فبقى سيدنا موسى وهو ممسك بالزجاجتين فغفل فنام فسقطت منه الزجاجتين فانكسرتا. فأوحى الله إليه: "يا موسى لو تأخذني سِنة أو نوم لسقطت السماء على الأرض". فقال موسى وهو يشعر بالحياء من الله وأن الله عظيم يستحق الشكر على هذه النعمة ألا تنطبق السموات على الأرض: "كيف أشكرك وشكري لك نعمة تستحق الشكر؟"، فهذا من توفيقك لي أنك أعنتني على الشكر، فأوحى الله إليه: "يا موسى إذا عرفت ذلك فقد شكرتني". ما هذا اللقاء والميقات الذي حدثنا عنه الله في القرآن! و الله يا قائمين ويا صائمين لو صمتم بحق ستتذوقون حلاوة القرب من الله مثل سيدنا موسى. حاول بعد هذه الحلقة أن تدخل إلى غرفتك وتناجي الله.. قل له يا رب ليس لي سواك، قربني منك، سامحني واعف عني، حتى وإن كنت مليئا بالذنوب وهذا.
قيمة "لا إله إلا الله":
تطرق سيدنا موسى لموضوع آخر، فقال له: يا رب دلني على كلمة أو دعاء أو ذكر أذكرك به كثيرًا، فقال له الله: "يا موسى أكثر من قول لا إله إلا الله" ، فقال له موسى: "يا رب كل عبادك يذكرونك بلا إله إلا الله، خصني بذكر أذكرك به لك وحدك"، فقال له الله: "يا موسى لو أن السموات السبع والأراضين السبع وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت كفة لا إله إلا الله".
من الملاحظ أن كل قصة لها مع رسول الله حديث أو دعاء أو ذكر مماثل؛ فقد روى النبي قصة الرجل الذي جاء يوم القيامة فقال الله للملائكة: "ابسطوا له سيئاته" فبسطت له سيئاته فإذا هي تسعة وتسعون سجلا من السيئات مدها مد البصر، فوضعت في الميزان فرجحت، فظن أنه هالك، فقال له الله: "هل بقي لك شيئا؟" فقال :"لا يا رب" فقال له الله: "أظلمتك الملائكة؟" قال: "لا يا رب" قال الله: "ألك عذر؟" قال: "لا يا رب" قال الله: "بلى يا عبدي بقي لك شيء" قال: "وما هو يا رب" قال الله: "لك عندي بطاقة مكتوب فيها لا إله إلا الله" فقال: "يا رب وماذا تفعل البطاقة؟!" فقال الله: "إني لا يظلم عندي أحد، يا ملائكتي ضعوا البطاقة في كفة الحسنات"، فوضعت في كافة الحسنات فطاشت السجلات فقال النبي: "و لا يثقل مع اسم الله شيء". يجب أن نقول لا إله إلا الله بحق، فلا يجب أن يُعبد مثله ولا أن نخضع لغيره، ولا نذل لأحد إلا الله.
كرم الله ورحمته:
من ضمن الأشياء التي سأل عنها سيدنا موسي قال: "يا رب إن هناك رجلين من بني إسرائيل أحدهما صالح والآخر عاصٍ، وقبل أن آتي إلى الميقات وجدت الاثنين يدعونك قائلين: يا رب، فماذا فعلت بهما يا رب؟" فقال له الله تبارك وتعالى: "قلت للصالح لبيك عبدي، وقلت للعاصي لبيك عبدي.. لبيك عبدي.. لبيك عبدي" فقال موسى: "أتقول للصالح ذلك وتقول للعاصي ذلك؟". فقال له الله: "يا موسى أما الصالح عندما قال يا رب فكان يعتمد على عمله، وأما العاصي حين قال يا رب فكان يعتمد على رحمتي". يا عصاة، يا من ملئتكم الذنوب، لو ذهبتم إلى الله وعرفتم أنه سيرحمكم سيقول لكم لبيك عبدي.. لبيك عبدي.. لبيك عبدي.
مازلنا مع لقاء موسى مع ربه، ونحن نقتطف من ثمار هذا اللقاء: قال الله : "يا موسى إن من عبادي من أدخلهم جنتي وأخيرهم فيها بين قصورها وثمارها وأنهارها ما شاءوا" فقال له موسى: "من هؤلاء يا رب؟" فقال الله: "من يدخل السرور على المؤمنين وعلى أهل بيت من المسلمين" ما أحلى أن تدور على بيت فقير أو أسرة فقيرة فتقيم لهم مشروعًا تساعدهم به فيعود الأولاد إلى المدارس مرة أخرى! هيا نبدأ بها اليوم.
الحب في الله:
وأوحى الله إلى موسى: "هل عملت لي عملا قط؟" فقال موسى: "يا رب صليت لك وذكرتك وقمت بين يديك وصمت لك"، فقال له الله: " يا موسى أما الصلاة فلك نور، وأما الصدقة فلك برهان ولكن هل عملت لي عملا قط؟" فقال موسى: "وما العمل؟" فقال له الله: "هل أحببت فيّ أحدًا قط؟ هل واليت لي وليًّا قط؟" فعلم موسى أن أعلى درجات القرب من الله أن تحب في الله وأن تآخي في الله.
التذلل إلى الله:
قال له الله: "يا موسى أتدري لماذا اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي؟" فقال: "لما يا رب؟" فقال الله تبارك وتعالى: "يا موسى إني قلبت قلوب عبادي ظهرًا وبطنًا في زمانك فلم أجد قلبًا أذل لي من قلبك يا موسى، فأردت أن أرفعك على عبادي". كل هذه الآثار تعرض لك أفكارًا للدخول إلى الله، كالأخوة في الله، أو الإكثار من قول لا إله إلا الله، حتى تختار بابًا يكون طريقك إلى الله. أحد هذه الأبواب هو التذلل لله؛ فمن تواضع لله رفعه. كلنا نعبد في رمضان، لكن من يقرب؟ من الذي يتذلل إلى الله ويسجد ويضع رأسه على الأرض ويقول له أنا فقير إليك. أحد العلماء يقول: "طرقت الأبواب إلى الله فوجدتها ملئى، فطرقت باب الذل فوجدته فارغًا وقلت هلموا هذا هو الباب".
أمنيات سيدنا موسى:
تمنى سيدنا موسى في هذا اللقاء الجميل وبعد هذه الأسئلة، وبعدما أوحى الله إليه ما أوحى أمنيتين: الأولى عندما قال: "يا رب إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن لك أمة من الأمم الحسنة عندهم إذا هموا بها فلم يعملوها كتبت لهم حسنة فإذا عملوها كتبت لهم عشرة فاجعلها أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد" فقال: "يا رب إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن أمة تأتي يوم القيامة يكونون هم الشافعون المشفعون فاجعلهم أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد" فقال: "إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن هناك أمة هي خير أمة أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلها أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد" فقال: "إني قد وجدت في الألواح مكتوبًا أن هناك قومًا هم أكثر أهل الجنة فاجعلها أمتي" فقال له الله: "يا موسى هذه أمة محمد". أمة محمد غالية على الله، لماذا رخصنا أنفسنا؟ لماذا عصينا ونسينا وبعدنا؟ تستطيع اليوم أن تصلي ركعتين في لقاء مع الله وتصلي التراويح وتقرأ القرآن وتسمع كلام الله إليك وتذكر الله فيذكرك هذا هو الهدف من هذه الحلقة المليئة بالروحانيات.
في النهاية طمع سيدنا موسى في شيء ((...قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ...)) (الأعراف: ١٤۳) انظر لأي درجة ملأ الشوق قلبه. فقال له الله: ((...قالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا...)) (الأعراف: ١٤۳) ولماذا الجبل؟ لأن الجبل قوي وضخم فإذا تجلى الله على الجبل جعله دكا فما بال الإنسان. ثم انظر إلى كلمة " دكا " أي سواه بالأرض ولذلك خر سيدنا موسى صعقًا على الأرض. تأمل في كلمة تجلى واسم الله الجليل ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) (الرحمن: ۲٧) تستشعر هذا الاسم عندما تقف أمام منظر طبيعي جميل فتعجب به حتى إنك لا تستطيع أن تتركه، أتذكرون أول مرة رأيت فيها الكعبة؟ والهيبة التي شعرت بها؟ هذا في الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة فما بالك في الجنة ورؤية الله؟
خاتمة:
لقد أكرمني الله أن دخلت الكعبة من الداخل يوم غسلها فلم أستطع أن أدعو من الهيبة والجلال لبيت الله فما بالك برؤية الله عز وجل. لذلك يعلمنا النبي فيقول: " لا تفضلوني على موسى، فإن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطِشًا بساقِ العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللـه؟" أي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدري أفاق قبله أم جوزي بثواب صعقة يوم الميقات. ما أعظم عدل الله! وما أجمل تواضع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم! ((...فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ...)) (الأعراف: ١٤۳).
دار الترجمة
http://amrkhaled.net/newsite/articles1.php?articleID=NTMzOA==&id=5338