بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في حلقة جديدة في برنامج : "الإسلام منهج حياة ".
وأرحب بضيفي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ـ حفظه الله ـ الداعية الإسلامي ، أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
فضيلة الدكتور حديثنا عن الأخوة ، فهل من تقسيمات لهذه الأخوة ؟ أي هل نحن نخص الكلام عن الأخ النسبي ، الشقيق ، أو الأخ في الله ، أم غير ذلك ؟
أنواع الأخوة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ جميل ، الأخوة أنواع أعلاها الأخوة الإنسانية ، لأن الإنسان أخ للإنسان ، والله عز وجل خلق البشر من نفس واحدة ، من خصائص واحدة ، فلذلك حينما قال عليه الصلاة والسلام :
(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ]
فهناك أخوة راقية جداً هي الأخوة الإنسانية ، وهناك شعوب قوية جداً ، قادتها يهتمون بشعبهم فقط ، يهيئون لشعوبهم أعلى مستوى من الحياة ، لكن شعوباً أخرى يدمرونها، يقصفونها ، يحرمونها من وسائل الحياة ، فأنا لا أحترم إلا الاتجاه الإنساني ، لأن الإنسان حينما يهتم بمن حوله ، ويبني مجده على أنقاض الآخرين ، على أنقاض الشعوب ، وأي أمة قوية تبني قوتها على إضعاف الآخرين ، تبني مجدها على أنقاض الآخرين ، وتبني أمنها على إخافة الآخرين هذه أمة لا تنتزع إعجابنا ، ليست إنسانية ، الإسلام إنساني .
(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ ـ كأن هذا ارتبط بالإيمان ـ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ـ في الإنسانية ـ ما يُحِبُّ لنفسه ))
هذا ملمح واضح من هذا الحديث الشريف ، يؤكد هذا المعنى حديث آخر :
(( الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ))
[أخرجه أبو يعلى عن أنس بن مالك ]
حديث ثالث :
(( كبُرتْ خيَانة تحدِّثَ أخاكَ حديثاً هوَ لك بُه مُصدِّق ، وأنتَ له به كاذبُ ))
[أخرجه أبو داود عن سفيان بن أسيد الحضرمي ]
(( كبُرتْ خيَانة تحدِّثَ أخاكَ ))
أخاك : يجب أن نأخذ معناها المطلق ، المطلق على إطلاقه ، أخوك في الإنسانية حين تحدثه حديثاً هو لك به مصدق ، وأنت له به كاذب .
يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب :
بالمناسبة : هناك حديث يقصم الظهر ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))
[أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]
فإذا خان أو كذب ليس مؤمناً ، ليس مؤمناً أصلاً .
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))
لأن المؤمن لا يكذب ، قد تغلبه شهوته ، لكنه لا يكذب ، قد يقع تحت ضغف نفسي ، لكنه لا يكذب .
إذاً هذه الأحاديث مطلقة ، حينما يقول النبي الكريم :
(( كبُرتْ خيَانة تحدِّثَ أخاكَ حديثاً هوَ لك بُه مُصدِّق ، وأنتَ له به كاذبُ ))
الإسلام إنساني لا عنصري :
شيء آخر :
(( يا بنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني ، قال : يارب كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال : أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده ؟ ))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
أي أنت حينما ترعى أخاك كائناً من كان ، تخفف عنه ، تعينه ، تطعمه ، تعالجه، ترشده ، تحتويه ، تلبي رغبته ، تغيث لهفته ، أنت إنسان عند الله عظيم ، لأن :
(( الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ))
[أخرجه أبو يعلى عن أنس بن مالك ]
هناك أحاديث كثيرة ، ومطلقها على إطلاقه وأوضح حديث :
(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ]
فالإسلام إنساني ، ويقابل الإنسانية العنصرية ، العنصرية أمة ، أو دولة ، أو جهة ، أو قبيلة ، أو عشيرة ، أو فرد ، حينما يرى له ما ليس لغيره ، وحينما يرى على غيره ما ليس عليه ، هذا عنصري .
العالم لا يمكن أن ينجح إلا إذا أعاد المشكلات إلى أسبابها :
أقول لك كلمة وهذه قناعتي : ما دام هناك عنصرية في الأرض ، ما دام هناك شعوب قوية ترى لها ما ليس لغيرها ، وترى على غيرها ما ليس عليها ، لأن العنف لا يقف، هذه حقيقة ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حينما ساق له بعض الأنصار رجلاً دخل بستانه وأكل من دون إذنه وعده سارقاً ، ماذا قال له النبي ؟ هلا أطعمته إن كان جائعاً ؟ وهلا علمته إن كان جاهلاً ؟.
في هذا النص توجيه رائع ، النبي الكريم عالج المشكلة من أسبابها ، هل هناك في العالم معالج يعالج مشكلة العنف من أسبابها ، هذا الذي هدمت بيته ، وجرفت حقله ، وردمت بئره ، وقتلت أباه وأمه ، أيعقل أن يبقى هكذا ساكناً وديعاً لك ؟! قبل أن تقول : هذا الإرهابي هل بحثت لماذا كان كما تصفه أنت ؟ يدافع عن أرضه ، يدافع عن عرضه ، يدافع عن مقومات حياته .
فالعالم لا يمكن أن ينجح إلا إذا أعاد المشكلات إلى أسبابها .
الأستاذ جميل :
فضيلة الدكتور ، نحن لا نتكلم في الأخوة في الله ، لا نتكلم في العنصرية ، هذا الإيثار ، هذا النفع ، هذا الصدق ، عيادة المريض ، إطعام الجائع ، كل ذلك من حقوق الإنسان على الإنسان ، فما بال حقوق المسلم على المسلم ؟.
حقوق المسلم على المسلم :
الدكتور راتب :
من باب أولى ، أقول لك هذه الكلمة : لك جار ، أي إنسان له عليك حق الجار ، فإذا كان مسلماً له عليك حقان ، فإذا كان قريباً له عليك ثلاثة حقوق ، حق الجوار ، وحق الإسلام ، وحق القرابة ، إذاً أنا أقول : هناك حق لكل إنسان كائناً من كان ، فكيف إذا كان هذا الإنسان مؤمناً ؟ له عليك حقان ، فكيف إذا كان قريباً ؟ له عليك ثلاثة حقوق ، حق الإنسانية ، وحق الإيمان ، وحق القرابة .
إذاً هناك أخوة إيمانية .
الأستاذ جميل :
هل لنا أن نتحدث في هذه الأخوة الإيمانية بعد أن أثبتنا تلك الأخوة الإنسانية بيني وبين أخي الإنسان كان دينه ما كان .
الأخوة الإيمانية :
الدكتور راتب :
الحقيقة الآية الأصل في هذا :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
( سورة الحجرات الآية : 10 )
وهناك ملمح دقيق جداً ، ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، الإيمان ليس فقاعة صغيرة ، الفقاعات الصغيرة لا ينتمي إليها ، يجب أن تنتمي لمجموع المؤمنين ، والإسلام ليس خطاً رفيعاً إذا خرجت ميلي متر عنه خرجت عن الدين ، الإسلام شريط عريض جداً ، هناك يمين ، وهناك يسار ، كلهم على العين والرأس ، ما دامت عقيدتهم سليمة ، والسلوك مستقيم ، لا يحق لأحد أن يقول : أنا الإسلام ، لا ، الإسلام شأنه عظيم ، أنت تنتمي إليه فقط .
إذاً الأخوة الإيمانية كبيرة جداً ، ومرة ثانية وثالثة أؤكد أن الانتماء لا إلى فقاعات صغيرة ، يقول لك : هذا ليس من جماعتنا ، من أنت ؟ أنت ينبغي أن تنتمي إلى جماعة المؤمنين عامة .
الأخوة الإنسانية أصل في إسلامنا :
لذلك الأخوة الإنسانية أصل في إسلامنا ، وبعدها الأخوة الإيمانية ، وآيتها الأساسية :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
( سورة الحجرات )
الآية الثانية :
﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 63 )
شيء دقيق جداً ، أن المودة والرحمة بين المؤمنين هي من خلق الله عز وجل
﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾
إذاً نحن مع أخوة إيمانية لها شأن كبير .
الأستاذ جميل :
دكتور ، إن ثبت أن المسلم أخو المسلم ، فلابد من خصائص لهذه الأخوة ، ولا بد من حقوق على الأخوين ، فما هي هذه الخصائص ؟.
من خصائص الأخوة الإسلامية :
1 ـ التناصح :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن هناك خصائص متميزة ، تخص مجتمع المؤمنين ، من أولى هذه الخصائص التناصح .
(( المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ، لو ابتعدت منازلهم ، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم ))
المؤمنون :
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
( سورة الحشر الآية : 9 )
قضية الإيثار أحد أكبر خصوصيات المؤمن يؤثر أخاه في كل شيء .
2 ـ المؤمنون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً :
شيء آخر :
(( المؤمن للمؤمن كالبنيان ـ المرصوص ـ ))
[أخرجه الطبراني عن أبي هريرة وأبي سعيد ]
لا يخترقون ، حينما ينصر الضعيف يتماسك المجتمع .
(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))
[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء ]
المؤمنون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ، ويصعب أن يخترقوا .
3 ـ التواصل :
شيء آخر :
(( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم : مثلُ الجسد ، إِذا اشتكى منه عضو : تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
[ أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير ]
أي هناك تواصل ، هناك تواصل عضوي بينهم .
4 ـ الألفة :
شيء آخر ، من خصائص مجتمع المؤمنين الألفة بينهم ، فالمؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
( سورة مريم )
قال بعض علماء التفسير : يجعل الله وداً فيما بينهم ، فالمودة والرحمة بين المؤمنين من خلق الله عز وجل ، وهذا شيء واضح جداً ، لا ترى في الأرض من هو أقرب إليك من المؤمن ، لأن نقاط اللقاء كثيرة جداً .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
شكراً لكم فضيلة الدكتور ، وأحسن إليكم ، وشكراً لكم أيها الأخوة على حسن المتابعة ، نترككم في رعاية الله وحفظه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2549&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=838