بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أرحب بكم في حلقة جديدة في برنامج : " الإسلام منهج حياة " .
كما يسرني أن أرحب بفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي ، أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
ما زلنا نتناول حديث الأسرة ودورها الريادي ، إلا أن في هذه الحلقة نود معالجة إشكالية الشقاق الزوجي ، متى يحصل الشقاق والجفاء بين الزوجين ؟.
الأصل في العلاقة الزوجية المودة والرحمة :
الدكتور راتب :
الأصل في الزواج المودة والرحمة ، وإن صحّ التعبير هذا في أصل التصميم .
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
( سورة الروم الآية :21 )
إذا كان هناك عداوة ، وبغضاء ، وشقاق إن صحّ التعبير هذه حالة مرضية ، ينبغي أن تعالج ، وأنا لا أرضى لأخ كريم بينه وبين أهله شيء من الشقاق أن يبقي هذا دون أن يعالجه ، وقد قال الله عز وجل :
﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾
( سورة الأنبياء الآية : 90 )
فما دام هناك عودة إلى الله ، ما دام هناك استلهام لحل هذه المشكلة ، المشكلة تحل ، فالأصل في العلاقة الزوجية المودة والرحمة ، وإلا هناك حالة مرضية ينبغي أن تعالج .
أسباب الشقاق الزوجي في العالم الإسلامي :
1 ـ الجهل و التقصير :
ولكن عندما كانت بيوتات المسلمين فيها معاناة كثيرة ، وفيها أحياناً شقاق بين الزوجين ، فهذه ظاهرة سببها الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ، الجهل شيء مخيف ، كل مشكلات الإنسان تأتي من الجهل لأن الإنسان جبل على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وكمال وجوده ، وعلى استمرار وجوده ، لماذا يشقى ؟ من الجهل ، بل إن أزمة أهل النار في النار من الجهل .
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
( سورة الملك )
فحينما يجهل الزوج حقوق الزوجة ، وحينما تجهل الزوجة حقوق زوجها ، وحينما يجهل الزوج واجباته تجاه زوجته ، وحينما تجهل الزوجة واجباتها تجاه زوجها ، وحينما يجهلان معاً طبيعة العلاقة بينهما ، يكون هذا البيت شقياً ، والشقاق الزوجي مشكلة متفاقمة في العالم الإسلامي بسبب الجهل ، وبسبب التقصير .
فذلك حينما يتحرك الإنسان إلى حقوقه وإلى واجباته قد تقل هذه المشكلة في حدها الأدنى .
بلغني في ماليزيا ارتفعت نسب الطلاق ، فأسسوا مدرسة لا بدّ من أن ينجح فيها أحد الخاطبين ، مدرسة للذكور وأخرى للإناث ، ولا يعقد عقد في ماليزيا إلا إذا توافر في الزوجين القادمين النجاح بهذه الدورة ، بلغني بعد حين أن نسب الطلاق تدنت إلى العشر .
أكبر مشكلة هو الجهل ، مرة ثانية ، يفعل الجاهل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ، إذاً يعد الجهل أحد أسباب الشقاق الزوجي ، علاجه بالعلم .
الأستاذ جميل :
أي هو المتهم الأول ، الجهل هو المتهم الأول .
2 ـ ضعف الإرادة :
الدكتور راتب :
السبب الثاني هو ضعف الإرادة ، قد يعلم الزوج حقوق زوجته ، ويعلم واجباته ، لكن لضعف إرادته يقصر في أداء الواجبات ، ويبالغ في مطالبته بالحقوق ، فهذا فرع منه جهل ، ثم عدم القدرة على تطبيق ما يعلم الإنسان .
الأستاذ جميل :
دكتور ، هنالك مخالفات ، هنالك معاص ٍ، لا يقبل بها في شرع الله عز وجل ، أي المعصية تورث شقاقاً بين الزوجين .
المعصية تورث شقاقاً بين الزوجين وغضّ البصر يعد أكبر أسباب الوفاق بين الزوجين :
الدكتور راتب :
والله لأن في القرآن الكريم ، وهو الكتاب الأول في حياة المسلمين ، وهو وحي السماء آية دقيقة عن غض البصر .
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾
( سورة النور الآية : 30 )
أنا أتصور أن الزوج إذا أطلق بصره في النساء الأخريات ، ما الذي يحصل ؟ يأخذ من هذه طولها ، ومن هذه لونها ، ومن هذه شعرها ، فيشكل في ذهنه نموذجاً غير موجود إطلاقاً ، فإذا وازن زوجته مع هذا النموذج المتخيل لا يحبها عندئذٍ ، فإطلاق البصر له منعكس بين الزوجين ، ولهذا جاء في القرآن الكريم هذه الآية ،
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
فغض البصر أنا في تصوري ، ولأنه آية قرآنية ، ولأنه توجيه واضح وضوح الشمس ، يسهم غضّ البصر في حسن العلاقة بين الزوجين ، عندئذٍ يخلق الله وداً من فعله جلّ جلاله بين الزوجين .
فغض البصر يعد أكبر أسباب الوفاق بين الزوجين ، ينبغي هو أن يقصر طرفة على زوجته ، وهذا ورد في كتاب الإنسان ذلك المجهول لـ(( ألكسي كاريل ))
، أنه أفضل نظام للزواج أن يقصر الرجل طرفه على زوجته ، مع أن الإنسان اهتدى إلى هذه الحقيقة بفكره وذكائه ، هي في كتاب الله .
الأستاذ جميل :
سبحان الله ! دكتور هنالك أمور في الشقاق الزوجي هذا عدم إطلاق البصر وغض النظر ،
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
في ما بين الإنسان وبين نفسه يتعبد الله بها ، هنالك أمور بين الزوجين ، أخطاء بين الزوجين .
سوء التصرف من ضعف الاتصال بالله عز وجل :
الدكتور راتب :
أحياناً هناك سوء تصرف ، أنا أؤمن ، حينما قال الله عز وجل :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
قال بعض العلماء : ذكر الله لك أيها المصلي وأنت في الصلاة أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية ، لكنه إذا ذكرك منحك الحكمة .
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
( سورة البقرة الآية : 269 )
أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، فأحياناً هناك سوء تصرف ، موقف أحمق ، موقف غبي ، موقف أرعن، موقف قاس جداً ، هذا جاء من سوء التصرف ، وسوء التصرف من ضعف الاتصال بالله عز وجل ، فحينما قال الله عز وجل :
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
لأن ذكر الله لك أيها المؤمن وأنت تصلي أكبر من ذكرك له ، إنه إن ذكرك منحك الحكمة ، منحك الأمن ، منحك السعادة ، منحك السكينة ، منحك التوفيق ، فالتوفيق في الزواج مكافأة إلهية على طاعة الزوجين .
الأستاذ جميل :
دكتور أحياناً يكون هنالك فارق بين الزوجين ، قد يكون الزوج غنياً ، أو الزوجة غنية ، الزوج جميلاً ، أو الزوجة جميلة .
مراعاة الكفاءة بين الزوجين والابتعاد عن التعالي :
الدكتور راتب :
هنا المشكلة التعالي ، أحياناً تتعالى المرأة التي يعد أهلها أغنياء على زوجها من أسرة فقيرة ، من هنا اجتهد الفقهاء في أن تكون الكفاءة بين الزوجين ، الكفاءة : التقارب في المستوى الاجتماعي ، والاقتصادي ، والثقافي ، والعلمي ، فكلما كان المستويان متقاربين كان الزواج موفقاً أكثر ، وفي كتب الفقه بحث قائم بذاته اسمه الكفاءة الزوجية ، فلو أن غنية تزوجت بفقير وتعالت عليه لا يحتملها ، ولو أن مثقفاً بثقافة عالية تزوج بامرأة جاهلة لا يحتملها ، فكلما كانت الفروق كبيرة بين الزوجين طبعاً ثقافياً ، أو دينياً ، أو أخلاقياً ، أو اجتماعياً ، أو اقتصادياً ، كان هناك سبب لبعض المشكلات ، لكن لو فرضنا كان أغنى من زوجته لكنه مؤمن ، إذاً هو متواضع .
لذلك قال العلماء : " طالب العلم كفء لأية زوجة " لأنه مؤمن ، منضبط ، متواضع ، لكن بشكل أو بآخر التعالي ، تعالي الزوج على زوجته ، أو على أهل زوجته ، أو تعالي الزوجة على زوجها ، أو على أهل زوجها أحد أسباب الشقاق الزوجي .
الأستاذ جميل :
هي من الأدبيات فضيلة الدكتور ، هذه الكفاءة بين الزوجين هي من الأدبيات ؟.
الدكتور راتب :
والله من الموضوعات التي يجب أن تراعى قبل عقد القران الكفاءة بين الزوجين أما العلماء حينما قالوا : طالب العلم كفء لأية زوجة ، لأنه انضبط بمنهج الله عز وجل .
الأستاذ جميل :
يحصل خلاف أحياناً بين الزوجين في من الذي يبت بأمر معين ؟
عدم وجود قيادة في البيت يسبب متاعب كثيرة للزوجين :
الدكتور راتب :
بيت بلا قيادة مشكلة كبيرة جداً ، هناك بيوت كثيرة بلا قيادة ، لا يوجد قائد واضح ، لا يوجد قائد معه صلاحية ، بينما أي مؤسسة ، أي طائرة فيها طيار ومعاون ، إذا تصورنا الطيار هو الزوج ، والمعاون هي الزوجة ، الزوجة على مستوى عال جداً لكن له درجة القيادة ، في الأزمات الرأي لواحد ، فقال تعالى :
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾
( سورة النساء الآية : 34 )
هناك قيادة ، الرجل لأهليته ، ولما أنفق من ماله ، وبعلمه ، ينبغي أن يكون هو القائد إلا في الحالات النادرة ، أما في الأصل يأخذ بيدها ، وتأخذ بيده ، وينصحها وتنصحه.
﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ﴾
( سورة الطلاق الآية : 6 )
لكن في حالات نادرة ينبغي أن يكون القرار لواحد عند الطوارئ ، هذا الذي أتمناه أن يكون واضحاً .
فلذلك عدم وجود قيادة في البيت هذا يسبب متاعب كثيرة للزوجين .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً ، وأحسن إليكم ، شكراً مشاهدينا الأعزاء ، نلقاكم بخير .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2497&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=838