بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أرحب بكم في لقاء جديد في برنامجنا : "الإسلام منهج حياة" .
و أرحب بضيفي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ـ حفظه الله ـ الداعية الإسلامي ، أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
دكتور ما هو السبيل إلى تطبيق المنهج الإلهي الذي نتحدث عنه ؟ نحن نتحدث عن الإسلام منهج حياة ، ما هو السبيل إلى تطبيق هذا المنهج الذي نتحدث عنه وعن جودته وعن صلاحه ؟
علة خلق السماوات والأرض أن نعلم أن الله على كل شيء قدير :
الدكتور راتب :
الله عز وجل يقول :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾
الآن الشاهد :
﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾
( سورة الطلاق الآية : 12 )
هذه اللام لام التعليل ، أي علة خلق السماوات والأرض أن نعرف الله من خلالهما ، والسماوات والأرض مصطلح يعني الكون ، والكون ما سوى الله ،
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
أي أن هذا الكون أحد أسباب مقومات التكليف ، هو الثابت الأول ، مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ، في كل شيء له آية تدل على أنه واحد ، هذا الكون فيه حكمة الله ، ورحمة الله ، وعلم الله ، وقدرة الله ، والغنى الإلهي ، فلذلك
﴿ لِتَعْلَمُوا﴾
علة خلق السماوات والأرض أن نعلم ، ماذا نعلم ؟ وقد سألتني ما السبيل إلى تطبيق هذا المنهج ؟
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
( سورة الطلاق )
الإنسان حينما يوقن أن علم الله يطوله ، وأن قدرته تطوله ، لا بد من أن يستقيم على أمره ، والأمثلة التي تؤكد هذا المعنى لا تعد ولا تحصى .
أنت مواطن وقفت على شارة المرور الحمراء ، والشرطي واقف ، وهناك سيارة شرطة فيها ضابط ، وأنت مواطن عادي ، فلن تستطيع تجاوز هذه الإشارة ، لأن واضع قانون السير علمه يطولك ، وقدرته بحجز المركبة وسحب الإجازة تطولك .
فلأنك بالبديهة توقن أن هذا الإنسان الذي هو من بني جنسك ، من جلدتك ، لكنه أقوى منك ، علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، إذاً لا يمكن أن تعصيه ، وكأن الله اختار من بين كل أسمائه اسم العليم ، واسم القدير ، وهذان الاسمان يعنيان أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب .
لن يستطيع تاجر مستورد أن يغفل صفقة في حساباته ، لأن هذه الصفقة سوف تأتي للدوائر المالية نسخة عنها من وراء ظهر هذا التاجر ، وهو يعلم ذلك ، فإذا أغفل صفقة في حسابه أُهدرت حساباته ، وكُلف بضريبة كبيرة جداً .
آيات كثيرة تدعو الإنسان إلى النظر في خلق السماوات والأرض :
إذاً أنت حينما تعلم أن أية جهة أرضية علمها يطولك ، وقدرتها تطولك ، لا يمكن أن تعصيها ، فهذا مع بني البشر فكيف مع خالق البشر ؟
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
علة خلق السماوات والأرض أن نعلم ، لذلك قال تعالى :
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
( سورة يونس الآية : 101 )
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
( سورة عبس )
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾
( سورة الطارق )
فآيات كثيرة تدعونا إلى النظر في خلق السماوات والأرض ، لأن هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى ،
﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾
من خلال هذا الكون
﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
قدرته تطولك
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
علمه يطولك ، فلمجرد أن توقن أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك ، لابد من أن تطيعه .
لذلك قال الإمام الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ: "يا نفس لو أن طبيباً منعك من أكلة تحبينها ، لا شك أنك تمتنعين ، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟ إذاً فما أجهلك ، أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله ؟ إذاً فما أكفرك ".
لن نقطف من ثمار الدين شيئاً حتى نستقيم على أمر الله عز وجل :
فلذلك هذه الآية يمكن أن تكون منهجاً في الاستقامة ، والاستقامة عين الكرامة ، وما لم نستقم على أمر الله لن نستطيع أن نقطف من ثمار الدين شيئاً إطلاقاً ، هذا الدين مع الاستقامة تقطف كل ثماره ، من دون استقامة يغدو ثقافة ، ويغدو عادات وتقاليد ، ويغدو تراثاً، ويغدو خلفية إسلامية ، وأرضية إسلامية ، ونزعة إسلامية ، واهتمامات إسلامية ، وحدث ولا حرج ، أما أن يكون منهجاً لسلامتك وسعادتك ، وآية الاستقامة :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
والإنسان يجب أن يستحي من الله ، أنه يطيع مخلوقاً لأنه أقوى منه ، ولأن علمه يطوله ، وقدرته تطوله ، ولا يطيع خالقه ، الذي حياته بيده ، ورزقه بيده ، وأهله بيده ، ومن حوله بيده ، ومن فوقه بيده ، ومن تحته بيده ، وكل شيء بيده ، وما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه ، قال :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية : 123 )
الأستاذ جميل :
دكتور الناس في الأمر أصناف ، منهم من يصغي السمع ، ومنهم من يعرض ، كيف وصف الله تعالى كلاً من الفريقين ؟ .
البشر عند الله لا يزيدون عن نموذجين :
1 ـ نموذج عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسلم وسعد في الدنيا والآخرة:
الدكتور راتب :
أستاذ جميل آية دقيقة جداً ، كأن البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم، وأعراقهم ، وأنسابهم ، ومذاهبهم ، وطوائفهم ، وأديانهم ، حدث ولا حرج ، هذه تقسيمات أهل الأرض ، مهما تنوعت ، ومهما كثرت ، ومهما كان الحديث عنها طويلاً ، البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وطوائفهم ، هم عند الله لا يزيدون عن نموذجين فقط ، البطولة أن تتخذ مقاييس خالق السماوات والأرض لك منهجاً ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
( سورة الليل )
كل إنسان يتحرك صباحاً برأسه هدف ،
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
لكن هذا السعي المتنوع تنوع البشر يمكن أن يوضع في خانتين ، الخانة الأولى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
صدق أنه مخلوق للجنة لأن الحسنى هي الجنة ، فلما صدق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ،
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
الرد الإلهي :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
( سورة الليل )
2 ـ ونموذج غفل عن الله وتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فشقي في الدنيا والآخرة :
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
لأنه كذب أنه مخلوق للجنة فاستغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، لذلك يقع على رأس الهرم البشري زمرتان كبيرتان ، الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء على العكس من ذلك أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، الأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، الأنبياء يمدحون في غيبتهم ، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي ، لهذا خاف الناس من الأقوياء وأحبوا الأنبياء ، وبطولة الأقوياء أن يتخلقوا بأخلاق الأنبياء .
الناس زمرتان فقط :
النقطة الدقيقة في هذا اللقاء أن الناس زمرتان فقط ،
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة فاتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، الرد الإلهي
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
سوف ييسر من قبل ربه الحكيم الرحيم لما أعدّ الله له من سعادة في الدنيا والآخرة ،
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
اليسرى السعادة ، الراحة النفسية ، الطمأنينة ، الثقة بالله ، الأمن ، كل هذه الصفات من نتائج التيسير الإلهي .
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
لأنه آمن بالدنيا وكفر بالآخر فاستغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، يرى ذكاءه في الأخذ لا في العطاء ، أما المؤمن يرى ذكاءه في العطاء لا في الأخذ ، الرد الإلهي :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
( سورة الليل )
سوف يمشي في طريق شقائه وهلاكه ، في طريق الضيق والإحباط ، في طريق اليأس ، في طريق أنه سوف يدفع الثمن باهظاً .
فهذه الآيات الكريمة :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
هو أراد المال فاستغنى عن طاعة الله .
﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾
( سورة الليل )
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
شكراً لكم فضيلة الدكتور ، وأحسن الله إليكم ، والشكر لكم مشاهدينا الكرام ، إلى لقاء آخر نستودعكم الله .
والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته .
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2495&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=838