الحقوق محفوظة لأصحابها

طارق السويدان
زِيَادَة الْمَرْء فِي دُنْيَاهُ نُقْصَان ... وَربحه غير مَحْض الْخَيْر خسران

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان

واشدد يديك بحبل الله معتصماً ... فإنه الركن إن خانتك أركان

من يتق الله يحمد في عواقبه ... ويكفه شر من عزوا ومن هانوا

من استعان بغير الله في طلب ... فإن ناصره عجز وخذلان

من كان للخير مناعا فليس له ... على الحقيقة إخوان وأخدان

من سالم الناس يسلم من غوائلهم ... وعاش وهو قرير العين جذلان

ورافق الرفق في كل الأمور فلم ... يندم رفيق ولم يذممه إنسان

صن حر وجهك لا تهتك غلالته ... فكل حر لحر الوجه صوان

دع التكاسل في الخيرات تطلبها ... فليس يسعد بالخيرات كسلان

لا تحسبن سرورا دائما أبدا ... من سره زمن ساءته أزمان

كل الذنوب فإن الله يغفرها ... إن شيع المرء إخلاص وإيمان

وكل كسر فإن الدين يجبره ... وما لكسر قناة الدين جبران

إذا جفاك خليل كنت تألفه ... فاطلب سواه فكل الناس إخوان

وإن نبت بك أوطان نشأت بها ... فارحل فكل بلاد الله أوطان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم مع علمتني الحياة ,حلقتنا اليوم حول الوسطيه هذا المصطلح الذي بدأ يكثر استعماله وهو مصطلح أصيل جاء في كتاب الله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) البقرة/143.

الوسطية باختصار :هي الوسط بين طرفين ولكنها في نفس الوقت هي الأعلى فعندما نقول جبلٌ وسط أي هو الأعلى بين الجبال المحيط به ، فعندما نقول الاسلام دين الوسطيه فمعنى ذلك أي جاء وسطاً بين المتناقضات وهو الأسمى والأعلى في نفس الوقت بتوازن عجيب جدا .

ومثال هذه المتناقضات التي جاء الإسلام بينها :

الربانية والانسانية : فالاسلام أصّل الربانيه ولم يهمل الانسانيه .

الروحية والمادية :فخدم الروح ولكن لم يهمل الماده .

الأخرويه والدنيويه : ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا (77) ﴾. [ سورة القصص ] .

( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

الوحي والعقل : فلم يجعل المسأله وحياً محضا ولم يقدس العقل ويلغي الوحي فكان وسطاً .

الماضوية والمستقبلية : فتعلمنا من دروس الماضي وقصص الأنبياء وبين لنا طريق المستقبل وتنبأ لنا به .

الفردية والجماعية :فليست اشتراكيه ولا فرديه كما في الغرب بل راعى احتياجات الفرد وايضا حمى الجماعة .

الواقعية والمثالية :طالب الناس بالمثاليه ولكن يحاسبهم بما يستطيعون (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة:286]

عجيب هذا الدين , عجيب هذا الاسلام , وهذا باختصار مفهوم الوسطيه ، وكثر الكلام عن الوسطيه واقول كما قال الحسن البصري حيث جلس مجموعة من العلماء يحاولون ويتدارسون ويتناقشون حول ايجاد معنى للتواضع وكان بينهم العلامة الكبير الحسن البصري وهو جالس لا يتكلم وهم يتناقشون ويتحاورون ثم وجدوا انه اعلمهم وهو الحسن البصري لا يتحدث بل يستمع اليهم فقط ثم سألوه عن رايه فقال : اراكم قد اكثرتم اما التواضع فهو.....(ان لا تلقى مسلما إلا وتظن انه خير منك) فلخصها بكلام بسيط . وهكذا نحن سنلخص الوسطية بكلام بسيط .

وانتقدَ الله تعالى عدم الوسطيه عند بعض الأقوام كالرهبانيه في الديانه النصرانية فالله تعالى طلب منهم الروحانية ولكنهم أخذوها وحولوها الى اعتزال للدنيا (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فما رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) [الحديد:27] , حيث انهم تجاوزوا الحدود التي كتبت لهم فخرجوا عن الوسطيه إلى التطرف .

برأيي وفهمي وبعد التأمل بفهم الاسلام وجدت أن الاسلام ليس خطاً رفيعا بل الاسلام نهرٌ واسع هذا المفهوم لو تأصل عند الشباب سنرتاح من هذه التطرفات ، فلو اعتبرنا الاسلام خطاً دقيقً رفيعاً واضح فأي نقطة خارج الخط تعتبر انحرافاً والاسلام ليس هكذا , اما الاسلام فنهرٌ واسع له طرفين وفي هذا النهر الواسع نقاط داخله اقرب الى اليمين وهنالك نقاط اقرب الى اليسار ولكن كلاها ضمن النهر فهنالك تشدد ابن الخطاب وهنالك تيسير ابن عباس رضي الله عنهم اجمعين ، وكمثال اخر لنأخذ الائمة الاربعه رضي الله عنهم وتعاملهم مع المال :

- فالامام ابو حنيفه كان تاجر قماش وحرير يعيش على امواله

- الامام الشافعي كان حرفياً يعمل بيده

- الامام مالك كان يعيش على اعطيات الملوك والخلفاء طبعاً دون أن يشترطوا عليه

- الامام احمد كان من افقر الناس ولايقبل هديه لا من ملك ولامن صديق

طيب واي منهم الاسلام ؟؟ كلهم الإسلام

ليس الاسلام ان نقوم بشتم كل رئيس ومحاربته ومهاجمته وهذا غير صحيح إلا اذا كان الحاكم فاسد وتجاوز الحدود اما غير ذلك فليس من الإسلام ، فالعالم رجاء بن حيوة رحمه الله تعالى كان عالما ووزيراً عند سليمان بن عبد الملك وهو الذي أقنعه ان يجعل ولاية العهد لعمر بن عبد العزيز فهذا العالم الذي كان يعيش في القصر والنتائج الذي حققها هذا أليس من الاسلام ؟؟

فلنركز على هذا المفهوم الإسلام نهر جاري وليس بحيرة آسنة راكدة جامدة حيث الاحكام والفتاوى التي افتي بها من قرون تحكمنا اليوم فبعض القضايا ثابته وبعض القضايا متغيره وبعض الفتاوى تناسب بلد وبعضها لا يناسب بلد آخر في نفس الزمان ، الشافعي رحمه الله في العراق كان له فتاوى وعندما سافر الى مصر غير بعض فتاواه .

وايضا علينا الانتباه فالإسلام هو نهر واسع له طرفين وليس محيط كل شيء يدخل فيه فلو تجاوزت احد الطرفين سيكون اما إفراط او تفريط ،فاذا فهمنا هذه المعاني فهمنا الوسطيه فسنقبل الآراء المختلفه ما دام هنالك عليها دليل وسنرفض التفريط ونرفض التطرف لأنهم خرجوا عن حدود هذا النهر , وهذا المعنى الأصيل توصلت اليه بعد تأمل سنين فهدفي في هذه الحلقه توضيح مفاهيم الوسطيه وضرب مفاهيم التطرف .

* * *

عندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وسيطر عليها جاءته أسئلة تتعلق بمسأله خطيرة في الدين ألا وهي عن الكعبة ، فلما أعادت قريش بناء الكعبة أصدروا قراراً بعدم بناء الكعبه بأموال حرام حيث لا يدخل فيها أموال (زنا أو ربا أو غش أو سرقة ) وعندها لم تكفي الأمول لإكمال بناء الكعبة ، فاحتاروا هل يكملوها من الأموال الحرام أم يبنوها ناقصة بالمال الحلال ، فقرروا أن يبنوها ناقصة بالمال الحلال ووضعوا علامة على الجزء المحرم -الّذي لم يبنى بالأموال المحرمة- من الكعبة الّذي هو حجر إسماعيل لذلك الكعبة لها جزء مكعب وجزء نصف دائي هو حجر سيدنا إسماعيل ..

ايضا الكعبه كان لها بابين حيث يدخل الناس من باب ويخرجون من آخر وبما أن الامول لم تكف فابقوا على باب واحد ورفعوه ليدخلوا من يشاؤون ..

فعندما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة سألوه لماذا لا تعيد بناء الكعبة كما كان فجاء هذا الحديث الذي يرويه الامام مسلم :

عَنْ سَعِيدٍ يَعْنِي ابْنَ مِينَاءَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، يَقُولُ : حَدَّثَتْنِي خَالَتِي يَعْنِي عَائِشَةَ ، قَالَت : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا عَائِشَةُ ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ : بَابًا شَرْقِيًّا ، وَبَابًا غَرْبِيًّا ، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ ، فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ " .

(صحيح مسلم )

ماعلاقه هذا الحديث بالوسطيه؟؟؟

نحن نتحدث عن أعظم مقدسات المسلمين الماديه وهي الكعبه والنبي عليه افضل الصلاة والسلام يعرف انها اعيد بنائها ناقصه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعدلها لماذا ؟؟ لان “ لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ” فهنالك شيء في الدين يدعى مراعاه الناس ومفاهيهم وقناعتهم , فقد اعتاد العرب على هذا الشكل .

وهناك مفهوم أيضا أريد أن اثبته عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة .(صحيح بخاري ) ،

( الغدوة : الخروج في الصباح ، والروحة : الخروج في المساء ، والدلجة : الخروج في منتصف الليل ) ، ما معنى هذا الحديث ؟ باختصار ديننا مليء بالتفاصيل ماترك شيئاً إلا وبين حكمه لكنه واضح جدا فلم يترك شيء إلا راعاه ولم يترك شيء إلا فسره وبين حكمه وهذه التفاصيل لها درجات فمن يريد الدخول بالدين فليدخل برفق ولا يقفز قفزات ، فالنبي عليه الصلاه والسلام لما أرسل معاذ بن جبل ليكون قاضيا في اليمن قال له :( إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعُهم إلى : شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ,فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افْتَرَضَ عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة,فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ,فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ,واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) ،،،،، اذن هذا الدين درجات هذه مسأله خطيرة جداً فبعض الشباب المتشددين يتعامل مع النصوص والأحكام انها متساوية في الأهمية وهذا يناقض الوسطيه .

اذكر مما حدث معي شخصياً عندما كنت في أمريكا كان معي شاب ملحد وحاولت سته أشهر معه لإقناعه بوجود الله عز وجل وبقي على عناده رافضاً هذه المسأله ومرة ونحن جالسون مر علينا شاب نصراني وكان في أعلى درجات التعصب النصراني -Crusader- يعني صليبي ، فطلب الجلوس معنا ليشرح لنا عن النصرانيه فبدأ يتكلم وانا في نفسي اجهز الاجوبه لأرد عليه فلما انتهى تفاجأت بأن صديقي الملحد بدأ بالرد عليه ويثبت له بالأدله ان الله واحد والاسلام هو الصح وانا في غايه الاندهاش فبعد ان مشى النصراني سألته : ما الذي حدث

فقال لي : هل انت من كل عقلك مقتنع انه هنالك شخص يؤمن بعدم وجود الإله ،طبعاً لا إله الا الله , فجاوبته لما لم تخبرني بذلك

فجاوبني : كنت ماشي على سياسه خالف تعرف ، والسبب الرئيسي والسبب الثاني هم اصحابنا المتشددين والملتزمتين حيث كانوا يشددون عليه .

التدرج بالأمور الدينيه مهم جدا , فمن الخطأ ان تأتي بشب لايصلي وتنهاه عن لبس كذا وكذا دعه يصلي أولا .

الدين درجات , حتى العقيدة درجات أقص لكم ما حدث معي حيث قال لي احدهم : ان العقيدة جزء لا يتجزأ إما تأخذها جميعاً او تكفر بها جميعا

فسألته سؤالاً :الله سبحانه وتعالى هل له نفس ؟

فقال : لا أدري .

فقلت له أنت كفرت بكل العقيدة بحسب طريقتك الآن

فقال لي وما الجواب ؟

فقلت له : طبعاً له نفس وهذا من حديثه عز وجل على لسان سيدنا عيسى عليه السلام :

تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116] .

إذن لايجب علينا التعامل في الدين مع كل الناس بنفس الطريقه , يجب علينا الصعود بالناس بالتدرج على حسب مراتبهم بالدين تكلم عن الفرائض ثم النوافل ثم المستحبات .

وهنالك قانون من قوانين الاداره يلخص الأمر بكلمتين وندرسه في علم اتخاذ القرارات قول القانون : (( من أسس اتخاذ القرار معيارين معيار السلامة ومعيار القبول )) , بمعنى أن القرار فنياً يجب ان يكون صحيحاً وان يكون مقبولاً بالنسبة لمن يريدون تنفيذه والمتأثرين بالقرار ولكن ماعلاقه هذا بموضوع الوسطيه ؟؟

أنا عندما اتكلم مع الانسان في اي قضيه يجب مراعاه الشرطين :السلامة والقبول ، فيجب ان يكون ماأقوله صح ويجب أن يكون متناسباً مع هذا الانسان ومع ظروفه وإلا نكون ندعوا بما يخالف المنهج الإسلامي .

ويجب على الداعية التفريق بين تطبيق الامور على نفسي وبين تطبيقها على الناس فطبق على نفسك واهلك ما تشاء انت حر ولكن لا تستطيع التشديد على الناس فالتشديد على النفس والتيسير على الناس ‘ فإذا كان هناك مسألة فيها خلاف تقول آخذ بالأحوط ، خذ الأحوط لنفسك وأهلك ولكن يسر على الناس فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما .



عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا))؛ متفق عليه



هذا مفهوم الوسطيه , في الدعوة يجب أن نيسر لكن التيسر بشرط سلامة الحكم ، فلا أميع الدين باسم الوسطية .

واختم هذه الفقرة بالكلام عن التقارب بين الأديان :

انا بعد التأمل والاحتكاك الكثير بالأديان المختلفه فحاورت بفضل الله بوذيين ونصارى ويهود وقاديانيين ووصلت الى نتيجة وآمنت بها أنه لايوجد تقارب بين الأديان فهذا المفهوم مرفوض عندي فهذا المفهوم معناه اني أنا أقترب قليلاً والآخر يقترب قليلاً وهذا المفهوم خطأ والصحيح هو الحوار بين الأديان وكذلك الفِرَق الشيعه والسنة وغيرها ..

أنا أدعو إلى الحوار لأن التقارب أي ان على كل من الطرفين أن يتنازل فالمفروض أنه كلا الطرفين يظن أنه على الحق فهل المطلوب أن أترك شيئاً من الحق لكي نتقارب ؟؟؟ فالأصل هو التحاور للوصول الى الحقيقه وهذه الحقيقه يجب ان تكون سليمة وعليها دليل وتكون مقبولةً للناس فتجتمع معاني الوسطية .

وهنا أريد ان اتحدث عن عكس الوسطيه وهو التطرف وأستطيع أن أشرح هذا المفهوم من خلال قصه عندما حدث قتال بين الصحابه في معركة صفين بين سيدنا علي ومعاويه وبعد شهر من القتال استطاع جيش علي أن يغلب جيش الشام هنا طالب جيش الشام التحكيم بالقرآن فقبل سيدنا علي بالتحكيم والقصة طويلة والتحكيم لم يخرج بشيء لكن مايهمني أن جيش سيدنا علي وهم عائدون في الطريق ظهرت بينهم شبه فهم خاطئ للدين

فقال بعضهم كيف رضينا تحكيم الناس في دين الله ، فذهبوا إليه وسألوه : هل تقاتل عن حق ام عن باطل

قال أقاتل عن حق

قالوا هل تقاتل لأجل الدين أم الدنيا

قال بل لأجل الدين

قالوا فكيف تحكم الناس في دين الله ، قال أنتم اجبرتموني وأنا كنت رافضاً فنزلت عند رأيكم وقبلت ،

قالوا نعم نحن أخطانا عندما وافقنا على ذلك وهذا كفر فتحكيم الناس في دين الله كفر ،واعترفوا بخطئهم واتهموا نفسهم والامام علي بالكفر وطالبوه العودة الى الاسلام بحجة (لا حكـــــــم إلا لله) . فقال علي رضي الله عنه كلمته المشهورة : كلمة حق اريد بها باطل

ولنرى منهجيه تعامل علي رضي الله عنه مع المتطرفين بعد ان ثاروا عليه وخرجوا من جيشه 8000 الاف شخص متأثرين بهذه الشبهة أن علي (رضي الله عنه )كفر لما رضي بتحكيم الناس في دين الله حاورهم وما اقتنعوا ، فاختار أعظم العلماء في جيشه وهو عبد الله بن عباس ليحاورهم فاجتمع معهم فقال لهم :

أمَّا قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صيَّر حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم؛ فأمر الله - تبارك وتعالى - أن يحكموا فيه، أرأيت قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 95].

 

وكان من حُكْمِ الله أنَّه صيَّره إلى الرجال يَحكُمون فيه، ولو شاء حكَم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله: أحكم الرجال في صَلاح ذات البين وحقن دمائهم أفضل، أو في أرنب؟

قالوا: بلى؛ بل هذا أفضل.

وبعد ان حاورهم رجع منهم 4000 ألاف (اذن الحوار والنقاش ينفع) ، وماتبقي اصروا على موقفهم وأعلنوا في الناس أن الخليفه كفر ومنهم من ذهب إلى الكوفة حيث كان بيت سيدنا علي قريباً من المسجد فكما خرج من بيته إلى المسجد اصطفوا بصفين من باب بيته إلى المسجد وأخذوا يصيحون له ياكافر .. وهو ساكت ، فنصح الصحابه سيدنا علي رضي الله عنهم بقتالهم , فقال لهم قوما رأوا رأياً فدعوهم وما رأوا فحتى لو رأي منحرف ولكنهم لم يفعلوا شيئاً لذلك يجب على الرأي ان يواجه بالرأي والفكر بالفكر ولايواجه بالسلاح )

ولكن عندما تطورت أمورهم وبدؤوا يجبروا الناس على رأيهم , فخرجوا مرة من الكوفه واجتمعوا بأحد أبناء الصحابه عبد الله بن خباب بن الأرت مع زوجته حامل يتعبدون الله ومعتزلين الفتن بعيدين عن الناس فسألوه وقالوا له علي (رضي الله عنه) كافر او لا ؟؟ فأصر انه ليس بكافر فقتلوه :( وقتلوا زوجته وبقروا بطنها لانه رفض أن يكفر علي ) ، وهنا تحولت المسأله من الرأي إلى قتل الناس ولو واحد , ووصل الخبر الى أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) ، فقال كلمته الشهيرة : {الآن حل قتالهم} فحصدهم في معركة ولم ينجوا منهم إلا ألف شخص .

وهذا خلاصة التعامل مع المنحرفين فمهما وصل انحرافهم في الفكر فناقشوهم وحاورهم وراقبوهم لكن اذا قتلوا واحد فيتوقف الحوار لانه تطور الانحراف من الفكر الى الفعل

استثني من هذا قضيه رئيسيه وهي قضيه شبهة أرد عليها هي المقاومة الفلسطينيه , فبعضهم يقول هذا ارهاب وتطرف والاستثناء هنا عدما يحدث احتلال فلا يوجد حوار مع الاحتلال فالاحتلال لا يواجه إلا بالمقاومة , فلا تلغى مقاومة الاحتلال باسم التطرف فهذا خلل بالمفاهيم فعند الاحتلال علينا واجب شرعي جميعا ان نهب لنقاوم ولا يجوز فقط الكلام فهذا استسلام وضعف .

اختم هذه الفقرة بأن موضوع الوسطيه الحمد لله كُتب عنه كثيرا ، وأحب أن أشيد بشكل خاص للمبادرة التي اقيمت في الكويت من قبل الدوله ( المركز العالمي للوسطيه ) الذي تشرفنا فيه بالدكتور عصام البشير من السودان لإدارته، ومن الاصدارات الجميله جدا عن الوسطيه كتيب صغير اسمه ( كلمات في الوسطيه الاسلاميه ) للأستاذ يوسف القرضاوي حفظه الله تعالى سطر مؤلفه أكثر من 30 مبدء في الوسطية ومن اهم ماذكر به :

1-الاسلام دين شامل لكل الحياه ليس فقط عبادة والسياسه جزء من الدين ويجب فهم الدين فهم شامل فإلغاء السياسه من الدين هو انحراف وليس وسطية .

2- الايمان العميق بمرجعية القرآن الكريم والسنه النبويه فهذا هو الحكم وكل الاشياء من أقوال علماء من السلف أو الخلف تبقى ثانوية مقارنة بالقران والسنة .

3- ترسيخ المعاني والقيم الربانيه هي اصل الدين . الذي يحكم كل الأحكام هو التقوى .

4- فهم التكاليف والاعمال فهماً متوازناً فالامور تتدرج في اهميتها (فهناك فرائض ونوافل … ) .

5- تجديد الفقه القرآني والنبوي . هناك أشياء جاءت لظرفية معينة ولا تناسب هذا الزمان .

6- التركيز على القيم الأخلاقية -وسأخصص لها حلقة- ( وخاصه الاخلاق في الفقه لانه للأسف عزل الفقه عن الأخلاق ) فلابد من تعزيزها من جديد .

7- تجديد الدين من داخله واحياء مبدأ الاجتهاد .

8- الموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر حيث هنالك أمور ثابتة لاتمس مهما تغير الزمان كالعقيدة وأصول الدين فهذه ثوابت .

9- تبني منهج التيسير في الفقه والفتوى .

10- تطوير منهح الدعوة الى الله عز وجل .

* * *

ونختم كعادتنا بحكمة من الحكم العطائيه لابن عطاء السكندري :

" لا يخاف عليك أن تلتبس الطريق عليك وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك " ، يقصد أن معالم الشريعه والدين واضحة فليس الخوف من عدم وضوح الدين ولكن الخوف من غلبة الهوى الذي يحيل الباطل الى حق ، ففي قول أهل السلف : المبتدع أحب إلى الشيطان من العاصي لأن المبتدع غير وأساء فهم الدين فأنا حاورت الكثير منهم منذ زمن منذ أيام جهيمان الّذي قتل الناس هو وجماعته في الحرم شيءٌ عجيب من قلة الوعي والفهم أمثال هؤلاء بدليلين يغير رأيه وهكذا كانت تجربة أخي الدكتور عائض القرني كما أخبرني في حواراته معهم أيضاً ،فأصل المسألة هي الهوى والجهل بأساسيات الدين وليس في الدين نفسه فالدين متين والطريق واضح ولكن إذا ضبطنا فهمنا وهوانا لن نقع في التطرف بل نعود الى الوسطيه .

أشكركم لحسن متابعتكم وإلى حلقة قادمة بإذن الله من علمتني الحياة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته