لقد رَحَلَ كليمُ الله موسى الرسول المُنقِذُ لبني إسرآئيل بعد أن أدَّى رسالتهُ كما أمرهُ الله
وبعد أجيالٍ من رحيله عادت بنو إسرائيل على ما كانت عليه قبل بعثتهِ ولقد اتخذوا
لأنفسهم دائرةً مغلقة منطوية متزمتة ، اعتقد بنو إسرائيل ، اعتقدوا انهم شعبُ الله
المختار الذين اختارهم الله شعباً خاصاً لهُ دونَ سائرِ الشعوب اعتقد بنو إسرائيل أنَّ الله
خلق العالم كل العالم لأجلهم فقط وأنَّ الله خلق باقي الأمم لخدمتهم فهم وحدهم ناسٌ
وبشر والباقون عندهم عبيدٌ وخدم ، أخذوا يحلُمونَ بمجيىء ملكٍ عظيم يحكمون من
خلالهِ بقاعَ الأرضِ كُلِّها يخضعُ البشر لهم بالولاء بعد أن وفدوا إلى أرض العرب
الكنعانيين ونازعوا أهلها ديارهم واغتصبوا أراضيهم ثم تضخمت أحلامهم مسعورة
لامتلاك الأراضي المجاورة وإبادة أصحابها العرب مهما كلَّفهم ذلك الأمر من سلبٍ ونهب
وقتلٍ وذبح وهتكٍ للحرمات وانتهاكٍ للمقدسات ، ولكن يبدو أن أصحاب البلاد الأصليين
وخاصة أهلُ فلسطين لم يصبروا على هذا العنت فقد استطاعوا بعد صراعٍ مرير أن
ينتصروا على أبناءِ صهيون وأن يستردوا منهم بعض ما اغتصبوه وأن يستعيدوا بعض
كرامتهم وانسانيتهم وأن يُذيقوا سفاحي الشعوب بعض قطرات من الكأس التي أسقوهم
إياها من قبل ، هنا علا صُراخُ الشعب المختار وارتفع عويلهم ونحيبهم يستنجدون
بآلهتهم أن تُرسل إليهم مسيحاً أي مُخَلِّصاً يُخلِّصهُم من أيدي أهل فلسطين ويعيدوا إليهم
جبروتهم وتسلطهم .
*************************
تروي كتب التاريخ أن بني إسرائيل بقوا في الإنتظار ينتظرون المسيح المُخلِّص،إلى أن
ظهر شاول من سلالةِ بنيامين أصغر أبناء يعقوب إسرائيل الإثني عشر ، وقد قاد شاول
حروبهم الإستعمارية وأحرز لهم انتصار رخيصة وسمُّوهُ المسيح المُخلِّص وهكذا صار
شاول ملكاً ومسيحاً مُخلصاً لشعب إسرائيل .
هكذا إذاً ينظرون للقبِ المسيح ولأجلِ الخلاصِ ، ينتظرونه عجباً خلاصٌ من ماذا ؟
لآ ندري ربَّما الخلاص من الآخر أو القضاءُ عليه ، وتتتابعُ سلاسل المُسَحاءُ في تاريخ
بني إسرائيل كلما أرسل الله نبياً أخذوهُ ملكاً واستنجدوا بهِ على الآخر أو كذَّبوهُ وقتلوه
هم بعد موتِ شاول جاءَ جميعُ شيوخِ إسرائيل ومسَّحوا داوود ملكاً على إسرائيل وبعد
موتِ المسيح داوود اتى ابنهُ المسيح سليمان عليهِ السلام ملكاً على اليهود فضربوا
بالبوق وقال جميع الشعب ليحيا الملكُ سليمان ، وفي عهدِ
داوود وابنهِ سليمان عاشت إسرائيل عصرها الذهبي وازدهرت إزدهاراً لم يسبق لهُ مثيل
ودخلت كثيرٌ من البلدان في طاعتها وتسابق الملوك والأممُ إلى خطبِ ودها ، لكن لما
ذهب داوود وسليمان عليهما السلام حلَّ بعدهُم على بني إسرائيل الهوان فلقد هاجمهم
الملك بُختُنصَّر ملكُ بابل وجاسَ خلال فلسطين بالخراب .
لقد سقطت المدينةُ الحصينة في قبضة بُختُنصَّر وغَنِمَ كل ما كان في بيت المقدس ،
واحتمل معهُ سبايا بني إسرائيل ، وبعد هذا الإنكسار المُخزي ، قد جدَّدَ أحلامهم ، أحلام
بني إسرائيل في المسيح المُخلِّص الذي يرسلُهُ الرب ليخلِّصهُم من رقةِ العبودية ويعيدهم
إلى المدينةِ المقدسةِ أورشليم فليس من الممكن في نظرهم أن تتركهم آلهتهم هكذا عبيداً
أذلآء للبابليين ، بل لآ بد أن تُرسل إليهم مسيحاً يخُلِّصهُم من أعدائهم ، نبوءاتٌ وأقاويل
أحاجي وأساطير نسجَ الخيالُ خيوطها وحاكا الإحباطُ لُحْمتها وطال ببني إسرائيل العذاب
والإنتظار لمجيءِ هذا المُخلِّص إلى أن اتى قورش المجوسي ملكُ الفرس فحاربَ
البابليين وهزمهم وفكَّ أسرى بني إسرائيل في بابل وسمحَ لهم بالعودة إلى القدس ، فهلَّلَ
اليهود بالفرح واعتقدوا أن قورش الوثني هو المسيحُ المُخلِّص فأطلقوا عليهِ لقب
المسيح وزعموا أنَّهُ مسيحُ الله الذي أمسكَ الربُّ بيمينهِ ليدوس بهِ الأمم ويحطمَّ الملوك
****************************
وما هي إلا فترة نَعِمَ فيها اليهود بشيءٍ من الرخاء والحرية حتى داهمتهم الإمبراطورية
الرومانية واستعمروا بلادهم وأهانوهم وأخذوا يقتلونَ الرجال ويستحييونَ النِّساء وقد
اندلعت في القرن الأخير ثورات كبيرة فلما حاول اليهود مقاومة الإحتلال أعدم الرومان
آلآفاً منهم ليكونوا عبرةً لغيرهم .
وهكذا تجدَّدت باليهود الأحلام والأوهام في ظهورِ مسيحٍ جديد وأنَّهُ سوفَ يأتي من ذريةِ
داوود عليهِ السلام وهنا نتساءل لماذا كان اعتقادُهم أنَّ المسيح المنتظر سيكون من نسلِ
داوود بالذات ؟؟ الجواب أنَّ بني إسرائيل كان لا يزالُ يتراقصُ أمام أعينهم العصر
الذهبي القديم الذي عاشوهُ أيام داوود وسليمان عليهما السلام ، حين خضعت لليهود
الأمم والشعوب وتفاءلوا أنَّ المسيح الجديد سينتصر انتصاراً سريعاً حاسماً على الأعداء
وأنَّهُ سيحرر إسرائيل وسوف يتخذُ أورشليم عاصمة لِمُلكِهِ وأنَّهُ سيضم الناسَ جميعاً
تحت لواءِ سلطانهِ ليؤمنوا بالشريعةِ اليهودية .
( المشهد التمثيلي )
**************
أخشى أن بني إسرائيل لن تستجيب ، إذاً أُكتبها في الكتاب ، وقُل لهم إنها من عند الله
أصبت وما يُدري هؤلآء أنَّ هذا كلامنا ليس من كلام الله .
***********************
في هذهِ الحِقبةِ التاريخية نجدُ بني إسرائيل قد وضعوا أمور حياتهم وشؤونهم الإجتماعية
والسياسية بيدِ أحبارهم ورهبانهم الذين حرَّفوا التوراة والكتب الآلهية فاتخذوا هؤلآء
الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله ، يسمعونهم ويطيعونهم ، وكان هؤلآءِ الأحبار قد
تحولوا للدنيا والرئاسة وأصبحوا يمثلونَ علماء السوء حتى أصبحت الدنيا مبلغ همهم
وتحولت هذهِ المقامات من مواقع الهدايةِ والإصلآح إلى مناصب لأكل أموال الناس
بالباطل ، يجمعونها ويكنزونها كل ذلك وهم يعيشون تحت سُلطة الرومان ، وقد ضُربت
عليهم الذِّلة والمسكنةُ بسبب ذلك ، إذاً هذا هو التاريخ السياسي الذي سبق بعثةِ نبي الله
عيسى عليهِ السلام حروب دموية أحلامٌ وأماني نبوءاتٌ وأساطير وانتظارٌ لمُخلِّص
يسودونَ تحت حُكمهِ الشعوب والأمم ، كل هذا إضافةً لما سادهُم من ظلامٍ روحيٍ عقائديٍ
دامس فقد كان الإسرائليون يؤمنون بالله والوحي الآلهي والرسالات ، كانوا يؤمنون
بالتوراةِ والزبور ، ولكنهم في الوقتِ نفسهِ كانوا قد حرَّفوا هذهِ العقائد فقالوا إنَّ الله
تعالى قد إتَّخذَ ولدا
( وقالت اليهودُ عزيرٌ ابنُ الله وقالت النَّصارى المسيحُ ابنُ الله ذلِكَ قولُهُم بأفواهِهِم
يُضاهئونَ قولَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ قبْل قاتَلَهُم الله أنَّى يُؤفَكُون )
كما أنَّهم قد اختلفوا في تفسير التوراةِ إلى حدٍ كبير أصبحت مشكلة مستعصية انتهت بهم
أحياناً إلى الكفر بآيآتِ الله ، ولذا كان من أهداف رسالةِ عيسى عليهِ السلام هو حل
مشكلة هؤلآء ، حلٌّوا مشكلة الإختلآف أن يُبين الحقيقة قال اللهُ جلَّ وعلا :-
( ولمَّا جاءَ عيسى بالبيِّناتِ قالَ قَدْ جِئتُكُم بالحكمةِ ولأُبيِّنَ لكُم بعضَ الَّذي تَختَلِفُونَ فيهِ
فاتقُوا اللهَ وأطِيعُون ) .
وبسبب الإختلاف في تفسير التوراة كانوا يقتلون هؤلآء الأنبياء أحياناً ، قال الله تعالى :-
( أفكُلَّما جاءَكُم رسولٌ بما لآتهوى أنفُسُكم استكبرتُم ففريقاً كذَّبتُم وفريقاً تقتُلُون
( ولتَجِدنَّهُم أحرصَ النَّاسِ على حياةٍ ومِنَ الَّذينَ أشرَكُوا يوَدُّ أحدُهُم لو يُعَمَّرَ ألفَ سنَةٍ
ومآ هُو بمُزحزِحِهِ مِنَ العَذابِ أنْ يُعَمَّر واللهُ بصيرٌ بما يعملون ) .
وبسبب الإختلآف في تفسير التوراة كانوا يقتلون هؤلآءِ الأنبياءِ أحياناً قال اللهُ جلَّ وعلا
:- ( أفَكُلَّما جاءكُم رسولٌ بما لآ تهوى أنفُسُكُم استَكبَرتُم ففريقاً كذَّبتُم وفريقاً تَقتُلُون )
( لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِن بني إسرائيل على لِسانِ داوود وعيسى ابنُ مَريَم ذلِكَ بما عَصَوا
وكانُوا يَعتَدُون كانُوا لآ يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوه لَبِئسَ ماكَانُوا يَفْعَلُون ترى كثيراً مِنْهُم
يَتَوَلَّونَ الَّذينَ كَفَرُوا لَبِئسَ ما قَدَّمَت لهُم أنْفُسُهُمْ أن سَخِطَ اللهُ عَلَيهِم
وفي العَذابِ هُم خالِدُون )
وامتد هذا الظلام الذي كان يسود بني إسرائيل إلى علاقاتهم الإجتماعية حيثُ كانت تدور
على محور الهوى وحب الدنيا وزينتها فشاعَ بينهم الإختلاف على المال وسادت بينهم
المادية البغيضة إلى حدِّ الإقتتال والأسرِ والإستعباد وانتشر الإثم والعدوان والتمرد على
الأحكام والعصيان والسكوتُ عن المنكرات واتباعُ الهوى في الأخذِ من التوراة أو رفضها
والولآءُ للكافرين دون المؤمنين وبهذا يمكن أن نفهم صدور اللعن على بني إسرائيل
على لسانِ داوود وعيسى ابنِ مريم عليهما السلآم .
كذلك فصَّل الله جلَّ وعلا في كتابه جوانب من البُعد الأخلاقي لديهم وأنَّ أصل المشكلة في
جماعةٍ من يني إسرائيل ترتبطُ بالبُعد الأخلاقي عندهم وبقيةُ الأبعاد هي نتائج لذلك ، فلقد
غلبت عليهم قسوة القلب إلى حدِّ أنَّهُ أصبحَ طبعاً لهم وخُتِمَ على قلوبهم ووصفوا
بالبهتان والكذب والقول على الله تعالى بغير علم كما هو في شأن بهتانهم العظيم لمريم
العذراء عليها السلام وكما في ادِّعائهم قتلُ المسيح عليهِ السلام مع أنَّهم لم يعرفوا ذلك
باليقين وهكذا كلما أحكمت الحياةُ المظلمة حلقاتها احتاجت البشرية إلى من يحُلُّ مشاكلها
فكانت عنايةُ ربنا جلَّ في علاه واللطف الرباني بأن أرسلَ المبعوث الجديد عيسى عليهِ
الصلاة والسلام رسولاً إلى بني إسرائيل .
لقد كانَ زمناً استدعى رسالة وبيانا هدايةً وإرشادا فكان أن أنزلَ الله الإنجيل على المسيح
وبعثُهُ لبني إسرائيل رسولا ، لقد عاشَ المسيحُ عليهِ السلام في أرضِ فلسطين في زمنٍ
خضعت فيهِ هذهِ الأرض المباركة للحكم الروماني فأحدث في زمنهِ تغييراً في الخريطةِ
الدينية للشرق الأوسط في ذلك العصر ، فماذا كان رد اليهود أيقبلون عيسى عليهِ السلام
مسيحاً من عند الله ؟
أبداً لم يقبلوه لأنهُ لم يكن بحسب تفصيل خيالاتهم ليس دموياً ولآ حاقداً ولآ حاكماً ملكاً
ولآ قائداً لمعاركهم ضد الشعوب الأخرى ..
******************************
نعم كانَ اليهودُ ينتظرونَ المُخلِّص الذي يُخلِّصهُم مِنَ العبودية بعد تشتتهُم ويعيدوا إليهم
مُلكهم الدنيوي فلما ظهر المسيح عيسى في صورة قِدِّيس ونصحهم في صورة وعظ
وحاول تخليصهم روحياً وخُلُقياً من شرورهم ولم يظهر في صورة ملكٍ حاكم يعيدُ إليهم
سُلطانهم الدنيوي لهذا السبب ولغيرهِ أنكروه واضطهدوه ، فكيف تآمـرَ اليهود على دعوة
المسيح ؟ هذا ما سنجيبُ عنهُ في الحلقات القادمة ...
مع الشكر لفريق تفريغ منتدى العريفي : http://www.3refe.com/vb/showthread.php?t=254179