وصل اليقين عند السيدة مريم الى المنتهاه
يقين لو تهتز الارض كلها بمن عليها
لا يمكن ان يهتز يقينها
وعندما يصل الانسان الى هذه الحال
تهون عليه الدنيا بمن فيها
ويرخص كل غاليً في ذات الله عز وجل
ومن اجل مرضاته سبحانه وتعالى
ارأيتم طفلاً يتكلم وهو في مهده ؟
آنى له ان يتكلم وهو لا يعقل شيءً ؟
ولكن الله جل وعلا هو الذي انطق
ثلاثة اطفال في المهد
هو الذي انطقه
فقد ورد في صحيح بخاري ومسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " لم يتكلم في المهد الا ثلاثه "
يعني .. في الطفولة والصباب
ماتكلم الا ثلاثة اطفال .. انطقهم الله الذي اطق كل شيء
ومن بين هؤلاء .. سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام
لقد ادركت مريم .. انها امام معجزه كبرى
فأبنها الرضيع يكلمها بلسانً مبين !
أمرها المسيح ان تهز إليها جذع النخله
ان تميلها إليها .. ليتساقط عليها
الرطب الجني
( فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ( 24 )
وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ( 25 )
فكلي واشربي وقري عينا ) [ سورة مريم - 224 ] .
لقد اوجد الله تعالى لمريم عدة اياتً خارقه
بدون جهداً منها .. منذ ان كانت متبتلة في المحراب
حيث اتاها الرزق المنوع .. الى ان انبع الله لها سريا الماء
واثمر لها النخله الرطب
لكن المسيح هنا يأمرها بهز جذع النخله فلماذا ؟
كانت مريم ضعيفة البدن .. واهية القوى
وهي لتو وضعت ابنها .. وجسم النفساء يكون ضعيفاً
فكيف تؤمر بهز جذع النخله ؟ .. وهي على هذه الحال !
وجذع النخلة عريض .. سميك
لا تقدر مجموعة رجال اقوياء على هزه تحريكه
فكيف بأمرأة وهي على هذه الحال ؟
اقول : لقد كان الله تعالى قادراً على انزال الرطب عليها
بدون جهداً ولا حركه منها
ولكنه اراد ان تتحرك هي بحركة مادية خفيفه
وان تلمس جذع النخلة بيديها .. والباقي ليس عليها
بل على الله
لقد امرها الله بهز جذع النخلة لتأخذ بالاسباب
حيث رتب تساقط الرطب .. على هزها جذع النخله
وهذا درس ايماني عقدي لها
لتربط بين التوكل على الله و بين الاخذ بالاسباب
بعدما امر عيسى عليه السلام امه مريم ان تهز إليها جذع النخلة
امرها ان تأكل وتشرب
( فكلي واشربي وقري عينا )
امآه .. كولي من الرطب الجني ، الناضج ، الطيب
الذي تساقط عليكِ الآن .. اشربي من الجدول السري
الذي اجراه الله تحتك ِ
ولا تخشي جوعاً ولا عطشا ( وقري عينا )
طيبي نفساً ، افرحي ولا تحزني بولادتك لي
امآه .. تغلبي على التوتر ، تغلبي على الانفعال
تغلبي على القلق ، تغلبي على الخوف
نعم .. تغلبي على الخوف سبحانه الله قبل لحظات يسيره
كانت مريم عليها السلام تنادي تقول :
(ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا)
واذا بها بمجرد مخاطبة وليدها لها
قد رأت من علامات عناية الله بها ، وحفظه بها
وهي تعيش في ظلال معجزته
فهاهي تأكل الرطب ، وتشرب الماء من السري
وتأنس برؤية وليدها ، وتسعد بمخاطبته لها
وبهذا عاشت مريم عليها السلام حالةً من النفسية العاليه
من التألق ، من قرارة النفس ، من الرضى ، من السرور
السعاده ، الطمئنينه ، وانعكس ذلك كله على كيانها بعد ذلك
ونلحظ هنا .. ان الحق تبارك وتعالى
عند ايجاد القوت لمريم جاء بالماء اولاً
فقال : (قد جعل ربك تحتك سريا)
ثم اتى بالطعام .. فقال : (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا)
لأن الماء اولى من الطعام في احتياج الانسان
اما عند الامر بالانتفاع قال سبحانه وتعالى :
(فكلي واشربي)
فبدأ بالطعام قبل الشراب .. لماذا ؟
لأن الانسان عادة يأكل اولاً ثم يشرب
فالماء مع اهميته ، الا انه يأتي في العادة بعد الطعام
فسبحان من هذا كلامه ، وقوله تعالى :
(وقري عينا)
بعد ان وفر لها الحق سبحانه وتعالى
الطعام والشرب الذي هو قوام المادة
لكن يبقى لديها حزن عميق ، وألم وحيره مما هي فيه
لذلك ربها تبارك وتعالى
بعد القوت الذي هو قوام الماده يعطيها
السكينه والطمئنينه ، ويخفف عنها
ألم النفس وحيرة الفؤاد .
(فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا )
وهكذا ... ارشد المولود عيسى امه إلى تصرف السليم ، السريع
وهي ما تزال تحت النخلة ، الا تحزن ولتقر عينها
وتهز إليها من بجذع النخلة
وتأكل من الرطب الجني ، وتشرب من الماء السري
قال عيسى لأمه : اذهبي إلى اهلك وانتي تحمليني
واذا شاهدتي احداً من البشر سواءً كان من اهلك
او من غيرهم ، واستغرب منكِ لأنك تحملين بين يديك ولداً مولودا
وسألك عن سر الامر ، فلا تجيبيه ، ولا تكلميه
وانما اعطيه اشارةً يفهم منها انك صائمه عن الكلام
وناذره الا تكلمي أي انسان
واحيلي علي الكلام ، فأنا الذي سوف انطق
هذا هو المعنى المفهوم من هذه الجملة الشرطيه القرأنيه
(فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا )
هنا مسأله .. اعترض عليها بعض الذين يعترضون على القران
فقالوا : كيف يأمرها بالصوم عن الكلام
وفي نفس الوقت يأمرها بأن تقول : اني نذرت للرحمن صوما
فنقول : انه يجوز ان العذراء مريم قالت هذه العباره
اولاً لأول بشراً رأته ليتم بذلك اعلان صومها
ثم انقطعت عن الكلام
ويجوز ان يكون المراد بالكلام
هنا الاشارة ، والدلاله بالاشارات اقوى الدلالات واعمها
فأن اختلفت اللغات بين البشر ، فأن لغة الاشارة تظل لغة عامه
يتفق عليها الجميع .
فمعنى فقولي اي أشيري بأشارات اما باليد
او غير ذلك ، يفهم منها انك صائمه عن الكلام
ممتنعه عن مخاطبة الناس ، فكانت الاشارة بمنزلة القول
لأنها تسد مسد القول ، وتفهم المراد للشخص المقابل
فكأنها قول خارج من الفهم
لقد امر المسيح امه بالصوم ، والنذر هو : قربة وعبادة
يتقرب بها الناذر لجل وعلا بإداء المنذور وذكر النذر في قصة
مريم عليها السلام دليل على انه كانت عبادة يعرفها المؤمنون السابقون
وهم الى الله تعالى بها يتقربون
اعتبرت الاية الصمت والامتناع عن الكلام صومً
لأنه امساك ، ( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا)
الصمت وعدم الكلام ، صوم لأن معنى الصوم الامساك عن الفعل
امسك عن الطعام ، او عن الكلام ، او عن المشي
قالوا العلماء ان بني اسرائيل كانوا اذا صامو ا في شريعتهم
يحرم عليهم الطعام والشراب .
وعلى مريم ان تشير لكل من يسألها ، انها صائمه عن الكلام
ولذلك لا تكلم احداً من البشر ، (فلن أكلم اليوم إنسيا) .
لقد جعل الله سبحانه وتعالى صوم مريم وصمتها عن الكلام
أيةَ لها ، ودليلاَ على طهارتها وبرائتها
فبينما هي صامته عن الكلام ، وهي القادره عليه فقد انطق الله سبحانه وتعالى
وليدها عيسى عليه السلام ، الذي لم تمضي على ولادته الا فترة يسيره
ويستحيل المواليد مثله ان ينطقوا ويتكلموا ! في مألوف البشر
وهذا يذكرنا بالأية المعجزه التي جعلها الله سبحانه وتعالى
لزوج اختها زكريا عليه السلام ، عندما بشرته الملائكه
بإبنه يحيى عليه السلام ، حيث كانت آيته الصمت عن الكلام اذا واجه الناس
بحيث يستخدم الاشاره
والفرق بين صوم مريم وبين صمت زكريا :
ان صمت زكريا : كان لا ارادياً حيث كان الله سبحانه وتعالى
يمسك لسانه عن الكلام اذا واجه الناس فلا تخرج الكلمات منه
اما صوم مريم عن كلام : فقد كان صومً ارادياً اختياريً
فهي صماته لأنها نظرت بإرادتها لصومها لربها
وكلاهما صمت وامتناع عن الكلام ، وكلاهما كان اية لصاحبه
لزكريا عليه السلام و لمريم عليها السلام .
( قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ( 10 ) فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ( 11 ) ) .
وهنا يطرح سؤال ، مادام ان مريم عليها السلام صامت عن الكلام
هل يجوز للمرء ان يتعبد لله تعالى بالصوم عن كلام ؟
كما يصوم عن الطعام والشراب قربة الى الله ، يصوم عن الكلام كما صامت
السيده مريم عن الكلام ؟
الجواب ان الله جل في علاه هو الذي امر مريم بذلك لحكمه يريدها
وجعل الصوم لها عن الكلام ايه وعلامة ولم يرد في الاسلام ان
يتعبد المرء بهذا النوع من الصيام ان يسكت عن الكلام تقرباً الى الله تعالى
كلا .. وقد انكر الصحابه والتابعون على من فعل ذلك
روى الطبراني : انه دخل على عبدالله ابن مسعود - رضي الله عنه - ( رجلان فسلم أحدهما
فقال : السلام عليكم . ولم يسلم الآخر ، فقال له ابن مسعود : ما شأنك ؟
قال أصحابه : حلف ألا يكلم الناس اليوم . فقال عبد الله بن مسعود : كلم الناس وسلم عليهم
فإنما تلك المرأة " يعني بذلك مريم " علمت أن أحدا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج .
عليها السلام ، ليكون عذرا لها إذا سئلت
امرت بالسكوت ليتكلم الغلام )
اخذت مريم عليها السلام بإرشادات ولدها عيسى فأكلت من الرطب ، وشربت من الماء .
وبعدها رجعت لها قوتها ولم تجلس في مكانها ، وانما حملت
ابنها معها وتوجهت به الى اهلها .
اتت مريم عليها السلام من مكان بعيد ، الى اممة ولعت بتشويه الصالحين
امة عرفت بجرأتها التي طالت حتى على الانبياء والصالحين
قوم يسبق شرهم خيرهم ، قوم قد سآءت طويتهم وخبثت نفوسهم
الا من رحم الله منهم ، فأتت به قومها تحمله
مشت مريم عليها السلام ، محتضنه عيسى عليه السلام
بخطىء واثقه ، وقلباً يفيض بالإيمان
جاءت إليهم مريم عليها السلام بجسد يمشي على الارض
و روح تحوم حول العرش
مشت مريم وقد تلاشى خوفها ، واصبح الناس امامها كالذباب
مشت مريم بجلال وعظمه ، وهي على يقين تام انها بين يدي ربها وبارها
وصلت مريم الى قومها ، بعد تلك الغيبه
تحمل مولودها بين يديها ملفوف بخرقه
وما ان رأها القوم كذلك كانت الدهشه والمفاجاءه لهم
حتى تجمعوا عليه وباشروها بالاتهام حتى قبل ان يسألوها !
هذا الموقف من بني اسرائيل يدل على دقة معرفة السيده مريم بها
وصحة خوفها مما قد يأتي منهم
(قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا) أي : شيءً عظيم منكرا
فكيف تمت هذه المواجهه بين مريم وقومها !
مع الشكر لفريق تفريع منتدى العريفي : http://www.3refe.com/vb/showthread.php?t=254179