بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
إخواني تعلمون أن الوضوء هو مقدمة الدخول على الله تعالى ، حيث أنه يطهِّر ظاهرك بالماء .. ولكن يبقى عليك أن تُطهِّر باطنك كي تستعد للقاء الملك عز و جل .. و الوضوء يفعل لك ذلك ... فإذا صار العبد مُتطهرا مما لا يُحبه الملك صح له أن يُقابل الملك ..يقول ابن القيم عن لقاء العبد لربه يوم القيامة في مدارج السالكين : "إذا لقى العبد ربه يوم القيامة قبل الُطهر التام (من الذنوب) ، فلا يُؤذن له بالدخول عليه بغير طهارة ، كما أنه لم يؤذن له في دار التكليف بالدخول عليه للصلاة بغير طهارة" ،،،لذلك تأمَّل الدعــاء الذي يُقال بعد الوضوء : "اللهم اجعلني من التوابين ،، واجعلني من المُتطهرين"،،فالأولى بالإنسان أن يُطهِّر قلبه من الذنوب ، قبل أن يُطهِّر بدنه بالماء إستعدادًا للقاء الله عز وجل . فأنت إذا أردت أن تلبس ثوبا فهل تطيبه ثم تغسله ؟؟؟ أما أنك تغسله أولا ثم تطيبه ؟؟؟ طبعا ؛ تغسله أولا ، ثُم تُطيبه ..
عن عثمان رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله وسلم : " من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره"،،، وفى رواية لأبى هريرة رضى الله عنه : " أنها تخرج مع آخر قطر الماء" ،،، عجيب .. استعداد للقاء الملك ... والعجيب أن هذه الذنوب تخرج من كل عضو بحسبه .
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه دعا بماء فتوضأ ثم ضحك ، فقال لأصحابه : ألا تسألوني ما أضحكني ؟، فقالوا : ما أضحكك يا أمير المؤمنين ؟ ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ كما توضأت ، ثم ضحك فقال : "ألا تسألوني ما أضحكك"،فقالوا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ ، فقال : "إن العبد إذا دعا بوضوء فغسل وجهه حط الله عنه كل خطيئة أصابها بوجهه ، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك ،، وإذا طهر قدميه كان كذلك" ،،، [رواه أحمد وصححه الألباني] ،،، فالذنوب التى فى الوجه من نظر ومحرمات تخرج مع غسل الوجه ،،، ذنوب اليد تخرج مع غسل اليد ... وهكذا ،،، فإذا بدأت تتوضأ فتأمل خروج الذنوب مع الماء من كل عضوه بحسبه ، وكأنك تراها بعينك مُحسنا الظن بربك بأنه سيغفرها ،، راجيا رحمته ،، والذى شاهد معنا حلقة الرجاء يعرف ماذا أقول ..
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟"، قالوا : بلى يا رسول الله، قال : "إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ؛ فذلكم الرباط ،، فذلكم الرباط ،، فذلكم الرباط" ،،، لاحظ إسباغ الوضوء على المكاره فكلما اشتدت عليك صعوبة الوضوء بالماء لشدة البرد مثلاً ، مُحيت خطاياك ،، وارتقيت في الدرجات .
بل ويصل الإنسان مع الوضوء إلى مرحلة لا يبقى عليه شيء من الذنوب .. ففي مرة من المرات توضأ عثمان رضى الله عنه ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ، ثم قال : "من توضأ هكذا غُفر له ما تقدم من ذنبه ، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة" ،،، قال ابن رجب : نافلة أي زيادة في حسناته ؛ حيث أن الذنوب قد كُفرت بالوضوء .. ولكن لا تظن إنه بإمكانك أن تفعل ما يحلو لك من الذنوب وبعد ذلك تمحوها بالوضوء .. لا أنت الأن تمكر وتُخادع الله عز وجل ، لما أعطاك رحمته لا تقابلها بالمكر ، وقد قال تعالى {.. وَيَمكرونَ وَيَمكر اللَّه وَاللَّه خَير المَاكِرِينَ} ،،، أتدري كيف يخادعك الله ؟ ببساطة لا يعطيك فضل الوضوء هذا ..
والوضوء يُكفِّر سيئات من يستحق ذلك فقط ..و ليس هذا فحسب بل أكثر من هذا ، يُعطيك الله زيادة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء"،،، تبلغ حليتك حيث يبلغ الوضوء ،،، ولكن ما هى هذه الحلية ؟؟؟ ... استمع لهذ الحديث لتعلم ؛ عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه أتى المقبرة ، فسلم على المقبرة فقال : "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لا حقون"، ثم قال : "لوددنا أنا قد رأينا إخواننا"، قالوا : يا رسول الله أو لسنا إخوانك؟ ، قال : "أنتم أصحابي وإخواني الذين يأتون من بعدي ، وأنا فرطكم على الحوض"، قالوا : يا رسول الله كيف تعرف من لم يأت من أمتك ؟ ، قال : "أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غرّ محجلة ( الغر : بياض في ناصية الخيل ،، التحجيل : بياض يكون في قوائمه ) بين ظهراني خيل دهم بهم ( سوداء أو لها لون واحد ) ألم يكن يعرفها ؟"، قالوا : بلى ، قال : "فإنهم يأتون يوم القيامة غرًا محجلين من أثر الوضوء" ،،، [رواه ابن ماجه وصححه الألباني] ..
فالوضوء هو العلامة التي يتميز بها المؤمنون .. حتى يعرفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بها على الحوض ..
بل الوضوء يوصلَّك إلى مراحل أعلى لم تخطر ببالك أبدًا ..تريدون هذه المرحلة إذن انتبهوا معى ،،، انتبه معى ...عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال : أصبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً ، فقال : "يا بلال بم سبقتني إلى الجنة ؛ إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي ؟".قال : يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين ، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عنده ورأيت أن لله علي ركعتين . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بهذا" ،،، [رواه ابن خزيمة وصححه الألباني] .. قال أهل العلم وإنما أخبره صلى الله عليه وسلم بما رآه ليُطيِّب قلبه ،،، وليُداوم على ذلك العمل ،، ولترغيب السامعين .
الخشخشة : الحركة التي لها صوت . ( طبعا لم يتقدم بلال أمام النبي عليه السلام لأنه أفضل منه بل مشيه بين يديه كان على سبيل الخدمة كما جرت العادة بتقدم الخدم بين يدي مخدوميهم ) ..
وها نحن قد عرفنا الفضائل العظيمة للوضوء ، فلو إننا أستشعرنا هذه الفضائل أثناء وضوءنا لوجدنا أن الوضوء قد صار ألذّ وأجمل بكثيــــر .. فاستشعر هذه المعاني ، كي لا تكون من المحرومين الذين حرموا لذة الوضوء إما لغفلة ، أو لعجلة ، أو لوسواس وما أبعد الموسوسين عن اللذة بل إن الشيطان يصل به إلى حد يكره إليه العبادة لشدة ما يتعبه بها من الوسواس ، وقد قلنا أن العلاج في قول العلماء " أن الموسوس إذا شك فإنه لا قيمة لشكه فلا يجوز له أن يعيد " ،، وبعضهم يقول نعم أنا أعرف أن الله لا يريدني أن أعيد ولكن ما أرتاح أحس بتأنيب داخل صدري نقول علاج هذا سهل قل لنا بالله عليك هذا الذي يوسوس لك ويأمرك بالإعادة ملك من الملائكة أم شيطان من الشياطين ؟؟ بالتأكيد أنت تعرف أن الذي يوسوس هو الشيطان ، الأن هل هو يحكمك فتفعل ما لا تريده أنت أم أنت الذي تملك قرارك؟؟ طبعا أنت تفعل ما تريد ولا يقدر الشيطان أن يجعلك تفعل شيء رغما عنك ،، وهل يحاسبك الله بقرارك أم بوسوسته ؟ بقرارك طبعا إذن لماذا تخاف من شيء أنت تعلم أن الله لن يؤاخذك عليه !! حرام عليك أن تذهب لذة الصلاة بوساوس لا تسمن ولا تغني من جوع .. والله احدى المرات احد الأخوة الذين ُابتلوا بالوسواس اتصل بى بعد أن عرف أسرار الصلاة وبدأ يتلذذ فيها فأخبرنى أنه بعد خشوعه فى الصلاة انقطعت الوساوس منه تماما .. لأنه إنشغل بالأعظم ،، إنشغل بمحبة الله ..
يقول ابن القيم رحمة الله عليه فى مدارج السالكين :" المحبة تقطع الوساوس . " ,,,
الوسواس كالظل إن تبعته هرب منك ،،، وإن هربت منه تبعك ،،، وهذا الكلام ليس للمُوسوسين فقط ... اخوانى بل من لم يدخل فى دوامة الوساوس فإن الشيطان ممكن أن يبدأ به ،، إنتبهوا ...
تعرفون متى يبدأ الشيطان ؟ سأكشف لك مفتاحه الخبيث !! يبدأ معك مرة واحده ،، يعنى مرة عابرة هكذا تشك فيها فيقول لك : وضوئك مش كامل ،، احتياطا أعده ،، ثم يزيد مرة ،، ومرات قادمة يزيد ويزيد فإذا أنت قد تحولت الى شخص آخر ،، تُصبح آخر من من ينتهى من الصلاة ،،، فاحذر تلبيس إبليس .. إحذر فهو لم يستطع أن يجعلك تترك الصلاة أو تترك الوضوء . ماذا صنع بك ؟ جعلك تكرهها ! فلا تتبعه ..
إذا عرفنا كل هذا يجب أن نعلم أيضا أن الذى ينقض وضوئك أشياء ثلاثه فقط :
1) الخارج من السبيلين (أعزكم الله ) من بول ، أو غائط ، أو ريح ، أو ما شابهه ينقض الوضوء ..
2) كل تغيب أو زوال للعقل بإغماء أو نوم ؛ فإن نمت فقد انتقض وضوئك ؛ والضابط فى النوم الذي ينتقض معه الوضوء أنه النوم الذى يذهب معه الشعور بالنفس ..
3) أكل لحم الجزور ( أى البعير ) ،، فإن أحد الصحابه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل ، فقال : نعم توضأ من لحوم الإبل . رواه مسلم ..
انشغل بمحبة الله .. حتى تتلذذ بالوضوء والصلاة ، يقول ابن القيم رحمه الله : "المحبة تقطع الوساوس ، وتلذ الخدمة ، وتُسلي عن المصائب"
بنـــا ننتقل إلى فضيــلة أخرى ، عليـــك أن تحرص عليها ولا تضيعها .. ألا وهي .. الســــــــــواك
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك"،، [رواه أحمد ، وحسنه الألباني]
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"،، [رواه الترمذي وصححه الألباني]
وعن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لقد أكثرت عليكم في السواك" ،، [رواه البخاري].. أكثرت : أي أكثرت حثكم عليه ، وترغيبكم فيه ، وذكر فضله .
عن عائشة رضى الله عنه أنها قالت : وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم حين رجع من المسجد فاضطجع في حجري ، فدخل علي رجل من آل أبي بكر وفي يده سواك أخضر ، قالت : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده نظرا فعرفت أنه يريده ، فقلت يا رسول الله تحب أن أعطيك هذا السواك ؟، قال : نعم ، قالت : فأخذته فمضغته له حتى أُلينه ثم أعطيته إياه ، فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قبله ، ثم وضعه ، ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل في حجري ،، فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخّص ،، وهو يقول بل الرفيق الأعلى من الجنة ،،، [صححه الألباني ، فقة السيرة (470)] ،، فكان التسوّك آخر فعل قام به النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تفيض روحه .
نلقاكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى ..