الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ،، أما بعد :

اليوم سندخل في أسرار الصلاة بصورة أعمق .. وكثير من الناس إذا قلنا الصلاة يقع في ذهنه أن بدايتها هي تكبيرة الإحرام وليس الأمر كذلك ، الصلاة تبدأ قبل هذا بكثير.. فمجرد انتظارك للصلاة وأنت في المسجد فأنت في صلاة .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم :".. ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة"،،، [مُتفق عليه] ،،، بل إنها تبدأ مع وضوءك وذهابك إلى المسجد .. قال صلى الله عليه وسلم : "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة" .. [صحيح الجامع (442)] ،، فإذا كنت في طريقك إلى المسجد فلا تُشبك بين يديك لأنك في صلاة ..

أسرار الأذان

لنبدأ مع كنزٍ من الأسرار ، شيء ما ذاقه كثير من الناس إنه الأذان المليء بالأسرار البديعة التي قلّ من ينتبه لها ..هل جربّت الأذان يومًا ؟! فمن ارتبط بالأذان قبل الصلاة ، زاد خشوعه فيها .. ( لماذا ؟ ) ؟؟ أخي الكريم أختي الكريمة من هو عدوكم في الصلاة الذي لا يترككم تخشعوا فيها ؟؟ إنه الشيطان والأذان يطرد الشيطان الذي لا يدعك تخشع فى الصلاة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا نُودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضُراط حتى لا يسمع التأذين .." ،،، مُتفق عليه . فالشيطان يفرّ من الأذان لشدة غيظه و حنقه من هذه العبادة يكرهها .. وأنت عليك أن تزيد في إغاظته ، إنتقامًا لما كان يسرقه من صلاتك طوال هذه السنوات . و اعلم أن الله عز و جل يُحب أن تُغيظ الشيطان ،، و يُحب أن يُغاظ أعداؤه ،، قال تعالى : { يُعجب الزراع ليغيظ بهم الكُفار }،،، الفتح : 29

الأمر الثاني : إخواني نحن ننقص من أجر صلانتا بالسرحان و عدم الخشوع ، والأذان فرصة لك لكي تُضاعف صلاتك .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ".. المُؤذن يُغفر له مُد صوته ويصدقه من سمعه من رطب ويابس ، وله مثل أجر من صلى معه" ،،، [صحيح الجامع (1841)] ،،،،

يعني إذا صلى معه مئة فله أجر مئة صلاة وإذاقلت لي أنا ما دخلي بهذا فأنا لست مؤذن أقول لك أن هذا الأجر ليس للمُؤذن فقط ، فبإمكانك أن تأخذ مثل أجره إذا رددت معه .. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أن رجلا قال يا رسول الله إن المُؤذنين يفضلوننا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قل كما يقولون ، فإذا انتهيت فسل تُعطه" ،،،،،، [رواه أبو داود وصححه الألباني] ،،،، فتخيل إنك بمجرد ترديدك الأذان مع المؤذن تأخذ مثل أجره ، أي أجر كل من صلى معه في المسجد بأكمله .. و تخيل لو كان الأذان في الحرم المكي ، و الصلاة ب 100000 صلاة ،،،، فياله من عملٍ يسيـــــر وأجرٍ عظيــــم ،، وسبحان من جعل بعض الناس أذكياء يعرفون كيف يستخرجون الحسنة من هذه الأعمال البسيطة السهلة فيجمعون أكثر من أضعاف أضعاف من تعب أكثر منه ، كيف ؟ بالعلم قال تعالى : " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ " .

دعونا نعيش مع أول كلمة في الأذان ..

الله أكبــر ،،،

ما أن تسمع هذه الكلمة ، عليك أن تترك كل شيء وتذهب إليه سبحانه وتعالى .. فالله أكبر من تجارتك .. فاتركها واذهب إليه سبحانه ، والله أكبر من أهلك وولدك .. والله أكبر من فراش نومك .. والله أكبر من لعبك .. الله أكبر من المُسلسلات والفضائيات .. الله أكبر من المُباريات .. الله أكبر من عملك ووظيفتك .. الله أكبر من كل شيء ،، ولهذا يكررها عليك المؤذن أكثر من مرة .

ثم إلى سر أخر ، سؤال : ما هو الذي يدفعك لترك كل المُتع والملذات وتقوم لكي تُلبي النداء ؟ السبب هو أن لا إله إلا الله ،،،، فقط لأجلك يا رب لذلك أنت بعدها تقول

أشهد أن لا إله إلا الله ،،

إن توحيدك لله عز وجل ، هو الذي يدفعك لترك كل المُتع والملذات لكي تُلبي النداء .. فقط لأجل الله عز وجل . ومن يبقى في عمله ولا يُريد أن يتركه بعد أن يسمع هذا النداء ، فهو في الحقيقة صار عبدًا لعمله .. في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعس عبد الدينار ،، تعس عبد الدرهم _ ثم دعا عليه فقال _ تعس وانتكس ،، وإذا شيك فلا انتقش " يعني إذا دخلت فيه شوكة فلا أخرجها الله منه ، يدعو عليه النبي عليه السلام .

أشهد أنّ محمدًا رسول الله ،،،

والأذان هنا يُذكرك بشروط قبول العمل ، وهما :الشرط الأول : الإخلاص لله عز وجل .. (أشهد أن لا إله إلا الله) ،، الشرط الثاني : المُتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .. أي نؤديها كما كان النبي عليه السلام يؤديها (أشهد أن محمدًا رسول الله )،، فقد قال عليه السلام : "صلوا كما رأيتموني أصلي .." ،، [متفق عليه]

كم للأذان من أسرار جميلة وبديعة .. ولكننا للأسف نسمع هذه الأسرار في كل يوم دون أن نُلقي لها بالاً .. فقط أصبح الأذان صوت مألوف في المجتمع يظهر من فترة لأخرى وحتى الناس لا يوقتون عليه فحضورهم المساجد يوقتونه على وقت الإقامة ولا يهتموا للأذان .

أيضا ترديدك للأذان ، هو مُشاركة منك في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم .. فالأذان محل تشريف لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فإنه لا يوجد مشهور من المشاهير ، و لا رئيس لدولة ، و لا أي شخص من أهل الأرض يُذكر و يُرفع اسمه على هذا الكوكب أكثر من النبي صلى الله عليه و سلم ،،، فالأذان ينطلق في أماكن مختلفة على وجه الكرة الأرضية ، في كل دقيقة على مدار الأربعة وعشرون ساعة ..

حي على الصلاة ،،،

وعند سماعك لهذا النداء ، تقول لا حول ولا قوة إلا بالله .. أي : إنك تستعين بحوّل الله وقوته ، فأنت لن تُصلي ، ولن تخشع إلا إذا أعانك الله عز وجل .. قال تعالى : {...وَلَولَا فَضل اللَّهِ عَلَيكم وَرَحمَته مَا زَكَى مِنكم مِّن أَحَدٍ أَبَداً ..}،،، [النور: 21] ،،،

مُلاحظة أخرى : كما أن الله عز و جل جمع بين العبادة و الإستعانة في سورة الفاتحة في قوله تعالى : {إِيَّاكَ نَعبد وَإِيَّاكَ نَستَعِين} ،، [الفاتحة: 5] ,, جمع الله عز وجل بين العبادة والإستعانة في الآذان : قوله " أشهد ألا إله إلا الله " ---- عبادة ،،، و قول : " لا حول و لا قُوة إلا بالله ( عندما تُردد أنت ) ------ استعانة .. فسبحان من ناسق بين عباداته وجعلها مُكمّلة لبعضها البعض .. منسوجة على لوحة فنية لا نشاز فيها .. سبحــــــــــان الله،

حي على الفلاح ،،،

يجب أن تفرح ندما تسمع هذا فالصلاة هي فلاحك ونجاتك .. وهل يعلم أحدٌ أن الفلاح في مكان ثم لا يأتيه ؟ !

ثم يُختم الأذان بمثل ما اُبتدِيء به ، بترك الدنيا والإقبال على الآخرة ..الله أكبر .. فهو أكبر من الدنيا وكل ما فيها ، فاتركها واقبِل على الله عز وجل .. لا إله إلا الله .. فعبادة الله وحده ، هي الآخرة .. فعاد آخر الآذان على أوله ، و ارتبط طرفاه لإثبات أن الله أكبر --- إذن هيا قُم إلى الصلاة ،،، إلى عبادة الله عز و جل.

قال ابن القيم رحمه الله : "فلله في أحكام العبادات أسرار لا تهتدي العقول إلى إدراكها على وجه التفصيل وإن أدركتها جملة" .. ومن جملة هذه الأسرار أيضًا ..أن الآذان نداء يدعوك إلى لقاء أغلى حبيب على قلبك .. ربّك عز وجل ..عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " ،،، [مُتفق عليه]،،، لذلك تجد المُحبون لله عز وجل ، يهبّون لتلبية النداء فور سماعهم الأذان ولا ينتظرون إلى آخر الوقت ..



يقول ابن القيم في روضة المحبين : " الشوق يحمل المُحب عل العجلة في رضا المحبوب ، و المُبادرة إليه على الفور و لو كان فيها تلفه " .. قوله تعالى : { و ما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولاء على أثري * و عجلت إليك رب لترضى } .. قال بعضهم : " أرادها شوقا إليك ، فستره بلفظ لترضى " ،،،شوقا إليه سُبحانه ، و فرحا بلقائه : استمتع بالأذان ، و إن شاء الله ستستمتع بالصلاة ،،،

نلقاكم في الحلقة القادمة إن شاء الله .