بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
لن نتوقف عن الإزدياد في لذة الصلاة ومتعتها وفي كل يوم سندخل بعدا جديدا في اللذة ، ما أننا قد أحضرنا قلوبنا وبدأنا نفهم الصلاة وأضفنا شعوري الرجاء والهيبة ، بقي علينا أن نأتي بأفضل هذه المشاعر وأعلاها (( القمة )) .. وهذا الشعور يُحلّي لك الصلاة ويُجملها وتُحس معه أن الصلاة قد صارت أقصر من المعتاد .. تقول أنا صليت 10 دقائق ؛ أنا صليت ربع ساعة ؟ مستحيل ..
أحد الإخوة الذي بدا يُطبقه قال : أتمنى ألا تنتهي الصلاة .. و إحدى الأخوات التي جربته تقول : زوجي يستغرب مني عندما أصلي ؛ يقول ما هذه الصلاة ؟ أصليت التراويح أم الفريضة ؟
وقد تكلم ابن القيم عن هذا الشعور ، فقال : "هو الذي تنافس فيه المتنافسون .. وإليه شمر السابقون .. فهو غذاء الأراوح وقرة العيون .. (( و هذا الشعور كما يقول ابن القيم )) ومتى خلا القلب منه فهو كالجسد الذي لا روح فيه ، فهو النور وهو الشفاء وهو اللذة التى من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام" ..عرفتموه ؟ إنه شعور الحب .. حب الله عز و جل ..
فأحب شيء إلى قلبك هو الله عز وجل .. بعض الناس يظن أن علاقته مع الله هي مجرد تنفيذ أوامر ؛ واجتناب للمحرمات ، لكي ينجو من عذاب النار فقط .. لا ، ليس هذا فقط ، نعم مطلوب منك فعل الواجبات و ترك المُحرمات وهذا واجب عليك أن تفعله ، و لكن لا تتركها فقط خوفا و رجاءا .. بل خوفًا ورجاءًا وحبًا ..
قال تعالى : " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " ، الذي يقابل حبيبته والتي تقابل حبيبها يشعرون أن قلوبهم ترفرف ، ونحن عندما نقابل الله عز وجل لا نشعر بشيء لماذا ؟؟!! لله المثل الأعلى ، الله عز وجل هو الأولى بأن تصرف إليه المحبة من أي شخص في حياتك .. يقول تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذ مِن دونِ اللَّهِ أَندَادًا يحِبّونَهم كَحبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنوا أَشَدّ حبًّا لِلَّهِ ..} ،، [البقرة : 165]
يقول النبي محمد صلى الله عليه و سلم في دعائه : ( و أسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مُضرة و لا فتنة مُضلة )) ..
يقول ابن القيم في كتابه القيم (طريق الهجرتين ) : ( و هو سبحانه يُحب رسله و عباده المؤمنين ؛ و يُحبونه ؛ بل لا شئ أحب إليهم منه ؛ و لا أشوق إليهم من لقائه ؛ و لا أقر لعيونهم من رؤيته ؛ و لا أحظى عندهم من قُربه ) ..
إليك ..... و إلا لا تُشد الركائب و منك ........ و إلا فالمؤمل خائب
و فيك .... و إلا فالحب مُضيع و عنك ..... و إلا فالمُحدث كاذب
أحلى حب في الوجود هو حب الله جل و علا .. حب المال له طعم ؛ و حب الأم له طعم آخر ؛ و حب الآولاد له طعم خاص .. إلا أن طعم محبة الله يفوق أي حب آخر .. يقول النبي صلى الله عليه و سلم : ( ثلاث من كن فيه و جد حلاوة الإيمان : ان يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواه ..... ) .. البخاري ..
يقول ابن القيم في كتابه الفوائد : ( و كما أنه ليس كمثله شئ ؛ فليس كمحبته شئ ) .. ليس كمحبته محبة ..
فإن قلت لي كيف أحس بهذا الشعور اللذيذ (( حب الله عز وجل )) في الصلاة ؟ إسأل نفسك لماذا تُحب الله عز و جل ؟ تريد أن أُساعدك ؟ سأساعدك .. مع أنك أخي الكريم تعرف الجواب و لا تحتاج المساعدة .. لكن أخي الكريم ما من أحد تُحبه إلا تُحبه لأحد أسباب ثلاثة : إما أن تُحبه لجماله ؛ أو تُحبه بسبب حُسن تعامله معك ؛ أو تُحبه بسبب فضل له عليك ..هذه الأسباب جمعها الله عز وجل كلها .. نعم ؛ ربنا يُحب لفضله علينا ؛ و يُحب لحسن تعامله معنا ؛ و يُحب لجماله .. أما جمال ربنا تعالى فإن ربنا الذي نعبده جميل ، بل أجمل شيء في هذا الكون هو الله ، قال ابن القيم : (( وأما جمال الذات فأمر لا يُدركه سواه فقط ؛ و لا يعلمه غيره ؛ و ليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات )) .. وقال ابن القيم أيضا : (( و من أعز أنواع المعرفة معرفة الرب سبحانه بالجمال ؛ و هي معرفة خواص الخلق ؛ و لو فرضت الخلق كلهم على أجمل صورة { مثلا على صورة جمال يوسف عليه السلام } ؛ ثم نسبت جمالهم جميعا إلى جمال الرب سبحانه : لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس .. و يكفي في جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ؛ كما قال النبي صلى الله عليه و سلم )) ..أصلا لا تستطيع أن ترى هذا الجمال الآن ؛ فلا يستطيع بشر النظر إلى جماله و جلاله في هذه الدار .. طلب موسى على نبينا و عليه الصلاة و السلام من ربه أن يراه في الدنيا فقال الله لن تراني وأراد أن يبين له ذلك فقال : (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) .. الأعراف : 43
،، لما كشف الله عز وجل حجابه ، و حجابه النور ما تحمل الجبل رؤية هذا الجمال فانهار .. موسى على نبينا و عليه الصلاة و السلام لم ير الله عز وجل لكنه رأى جبلا رأى الله عز و جل فانهار هو أيضا .. ماذا لو رأى الله عز و جل ؟ يا الله ؛ ما هذا الجمال ؟ لذلك فإنه إذا جاء عز و جل يوم القيامة لفصل القضاء تُشرق الأرض بنور ربها كما قال تعالى .. لقد قال ابن القيم كلمة .... جعلتنا هذه الكلمة نعكف أكثر من شهر في البحث لكم عن مشاهد تُطابق هذه الكلمة ..قال ابن القيم : (( و يكفي في جماله [ يعني جمال الله عز و جل ] أن كل جمال ظاهر و باطن في الدنيا و الآخرة فمن آثار صنعته .. فما الظن بمن صدر عنه ذلك الجمال ؟ )) ..
عندي لكم عرض يُبين لكم هذا الأمر .. أرجوكم تابعونا ..( عرض رائع يمكنكم مُشاهدته في الحلقة : هو عبارة عن جبل طويل جدا ينتهي إلى أطول شلال في العالم تنهمر منه المياه ، وإنها إذا نزلت لا تنزل على كتلة واحدة وإنما تكون كالرذاذ من طول الشلال ، أيضا لاحظوا الألوان المتناسقة التي اختارها الله عز وجل في قوس القزح والجبل والماء والنباتات الخضر روعة وهذا فقط في مكان واحد في العالم ثم إذا نزلنا للأسفل يوجد أيضا جزء من ذلك الجمال .
ولليل جمال وللنهار جمال ، ومن كان يظن أن الأنهار فقط على الأرض فهو مخطىء انظر إلى هذه الأنهار المعلقة في السماء كل يوم تتدفق تنتقل من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق ، مشهد أخر عواميد ولكنها من جبال ، مشهد أخر نبتة ولكن انظر كيف يقلب الله من حال إلى حال قمة البياض إلى قمة الخضرة ثم بعد ذلك قليل من البياض في هذه الأزهار ، ثم أقدم شجرة بالعالم عمرها من عمر الأهرامات ، نوع أخر من الجمال الكائنات الحية وكيف أختيرت ألوانها بعناية وإذا أضفت إليها قطرات الماء أخرجت لك لوحة أخرى ، حتى الحشرات التي يستقذرها بعض الناس جعل الله لها جمالا خاصا ، ثم إعصارا من السمك . )
ومن أسمائه الحسنى الجميل .. وهو سبحانه جميل يحب الجمال ، ولذلك لم يبعث الله نبيًا إلا جميل الصورة كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقالوا في وصفه صلي الله عليه وسلم : "كأن الشمس تجري في وجهه"، ويقول واصفه : "لم أره قبله ولا بعده مثله" .. و الله عز و جل قد جمع بين الجمال و الجلال .. الجلال هو التعظيم كما يقول ابن القيم ؛ و أما الجمال فمعروف ..
فإذا نظرت إلى حكمة الله عز و جل و انفراده عما سواه : تجد أن الله عز وجل إن أعطى الجلال لأحد سلبه شيئا من الجمال ؛ و إن أعطى الجمال لأحد سواه سلبه شيئا من الجلال ..
مثلا : تجد أميرا أو ملكا عنده جلال و عظمة ؛ و لكن ليس عنده جمال .. و تجد من عنده شيئا من الجمال ؛ و لكن ليس عنده عظمة و لا جلال ؛ بل فقير .. و إن أعطى الله عز وجل أحدا الجلال و الجمال سلبه دوام الحال .. لا يستمر فإما أن يذهب جماله بالشيخوخة وإما أن يذهب ملكه بالموت الوحيد الذي جمع بين حسن الجمال و الجلال و استدام له الحال على وجه الكمال هو الله الكبير المُتعال ... و ما استدام الجمال والجلال لأحد إلا لله الكبير المتعال ، وقد أخبر الله عباده بذلك فقال : {كلّ مَن عَلَيهَا فَانٍ، وَيَبقَى وَجه رَبِّكَ ذو الجَلاَلِ وَالإِكرَامِ } ،،، [الرحمن: 26,27]
والله عز وجل ينصب إليك هذا الجمال إذا صليت .. لقوله صلى الله عليه وسلم : "فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت" ،، [رواه الترمذي وصححه الألباني] .... فهو سبحانه ينصب إليك وجهه ما لم تلتفت ، سواء كان الإلتفات بالوجه أو القلب (السرحان) . سُبحانه ينصب وجهه لك و نحن لا نعرف كيف ؟ نُثبت لله الأسماء الحُسنى و الصفات العُلى بلا تشبيه و لا تكييف و لا تحريف و لا تعطيل ..
أخي الكريم ، أتدري ستقف بين يدى مَن بعد قليل ؟ ستقف بين يدي الله الجميل .. وأنت مفطور على حب الجمال هل أزددت حبًا لله الآن ؟؟ واسمحو لي أن أزيد من محبتكم لله ولكن في الحلقة القادمة بإذن الله ..