الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله و الصلاة و السلام علي رسول الله و علي اله و صحبه و من والاه ، سلام الله عليكم ورحمة الله و بركاته ، اخوتي في الله مفتاح الاخرة الموت و بوابة الموت ساعة الصفر و ساعة النهاية امر عجب فالموت هذا مقدر مخلوق لابد ان نذوق و ان نحتسي كاسه و يشرب كاسه الجبابرة و الاكاسرة و الملوك و الزعماء و العلماء و الاغنياء و الفقراء و لابد من رقدة لكنها النهاية لان الموت هو الفيصل بين الحياة وبين الاخرة ان الموت هو ساعة الصفر ، و ساعة المحاقة حين توقع النفس اصدق شهادات لحظات الموت ، و لذلك لما اتت للمصطفي صلي الله عليه وسلم قال " لا اله الا الله " اللهم اعني علي سكرات الموت ، اللهم هون علي سكرات الموت ثم قال اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد .

كتب الموت علي الكل فكم

فل من جيش و انفي من دول

و الله سبحانه وتعالي يقول انك ميت و انهم ميتون " و ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد فان مت فهم الخالدون "

المفتاح الأخير هو الموت حتى إن أبا بكر الصديق، صح عنه في سكرات الموت أتت إبنته الصديقة بنت الصديقة عائشة، فقالت يا أبتاه صدق الشاعر أبا حاتم.

- لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

والله لو جائت سكرات الموت ما تنفع القصور ولا الأموال ولا السيارات، قال يابني لا تقولي ذلك، ولكن قولي "وجائت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" فهو رضي الله عنه ، ثم أوصاها فقال إني إذا مت فاذهبوا بقميصي هذا وبغلتي إلى عمر بن الخطاب، وقولوا له امش على الطريق المستقيم قبل أن تصل إلى ما وصلت من هذا المصرع من هذه الركدة التي يمر بها الناس، فذهبوا إلى عمر فبكى وقال، أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر، وسار الصالحون كل يقولوا كلاما هو الصحيح النهاية هو يكون كلاما، في سكرات الموت، يقول معاذ رضي الله عنه إمام العلماء " اللهم إنك تعلم أنني لم أكن احب الحياة، لجري الأنهار ولا لغرس الأنهار، ولا لعمارة الدور، ولا لرفع القصور، وإنما كنت أحب الحياة، لمزاحمة أن تكون طيب الكلام ولصيام يوم شديد الحر وتعفير جبيني لك بالسجود بالتراب" هذه هي العبودية.

مثل ما قال طرفة بن العبد وهو عبقري قتل في عمر 26 سنة

ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي

فمنهن سبق العاذلات بشربه كميت متى ما تعل بالماء تزبد

وكري إذا نادى المضاف محنباً كسيد الغضا نبهته المتورد

قال عمر بن عبد العزيز والله لو تعفير وجهي بالتراب لربي وصيام النهار وقيام الموت، لأحببت الموت وما على مثل ما قام تعودي فمنطق عمر بن عبد العزيز منطق الوحي الشريعة الرسالة، النبوة، ومنطق طرفة منطق الجهل الصنم ، الغابة،

هؤلاء رضي الله عنم عرفوا ما يقولون في سكرات الموت فالله ثبتهم.

عبد الملك بن مروان "قال لما حضرته سكرات الموت" قال ياليتني كنت غسالا، والغسال مرتاح، فأخبروا عالم في ذلك الموت، فقال الحمد الله الذي جعلهم يفرون إلينا ولا نفر إليهم، فإنما يظهر الإنسان وقت السكرة وقت هذه الضجعة، قل البشر، "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم"" أنت تفر منه وتتوقع أن يأتيك من خلفك وهو يكون من ورائك فإنه ملاقيكم، أنت تهرب منه وهو أمامك، وقد كتب الله الموت على الجميع،

المتنبي يقول:

أبني أبينا نحن أهل منازل *** أبدا غراب البين فيها ينعق

نبكي على الدنيا وما من معشر *** جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا

أين الجبابرة الأكاسرة الألى *** كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا

من كل من ضاق الفضاء بعيشه *** حتى ثوى فحواه لحد ضيق

خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا *** أن الكلام لهم حلال مطلق

وارتاح هارون الرشيد وبنى قصرا، وأتى الناس يباركون له فدخل عليه أبو عتاهية،

ونحن نقول لكل عظيم ولكل متكبر ، متجبر أما تذكر أول ليلة ؟

هذا السلطان بنى قصورا في بغداد ، فدخل عليه الشاعر يهنئه بالقصور يقول له

عش ما بدأ لك سالما في ظل شاهقة القصور .

عش ما بدا لك سالما عش ألف سنة ، عش مليون سنة سالما معافا مشافا .

يجري عليك بما أردت مع الغدو مع البكور .

فبكى فغير المجلس هارون الرشيد،

عجيب ابن زيد كان شاعر جاهلي وكان صاحب حكمة، حتى يقول عبد الله بن المبارك يقول قصدية عجيب بن زيد أحب إلى من قصر عبد الله بن الطاهر بن الحسين،

أيّها الشامت المعير بالدهر ** أأنتَ المبرؤ الموفور

كم من المصائب ... وكم من الصابرين ... فلست أنت المصاب ...

بل مصابك أنتَ بالنسبة لغيرك قليل ... نعم يا أخي ويا أختي الكريمة ...

كم من مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين ..

وذات الشمال يئن من الألم .. ويصيح من السق

إذا تذكرت الموت فتذكر أن قبلك تجار وقبل قصور وعلماء وغيرهم، أين صاروا أين ذهبوا.

فالمؤمن يدرك الحياة وتترك المشاركة في الحياة، لكن تذكر أنك سوف تلقى الله نعم تبني القصر في الإسلام وتمد الكوبري وفي المؤسسة وفي الشركة لكن سوف تعلم أنك ستقف وحيدا عريانا، مكسوف العمل والضمير والنية أمام الواحد الأحد، لابد أن تعلم أنك بعد هذه المدة الطويلة ستسأل عن كل شيء، كل همسة وكل كلمة، أمام الواحد الأحد، الفرق بين نحن في الإسلام، أننا نأمر بإعمار الدنيا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة" ولكن غيرنا، يعمرون الدنيا فقط ويأخذون لها فقط، ويفرحون بها، ويحبونها، ويسعون لها ، فهي أغنى أمانيهم، أعوذ بالله ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، شهرة الدنيا النجومية في الدنيا، صحيح قد يكون له منصب قد يكون له وزيرا، يوسف عليه السلام كان معه الحكم، ولكن كانوا عبادا يخافون الله ويخشون الله.

حتى إن نور الدين محمود زنكي" الوالي العادل الزاهد" وهو السبب في توبة صلاح الدين الأيوبي، فلما قام المهرجان مهرجان الانتصار وهو في طريقه لبيت المقدس، أتى أحد العلماء الزهاد العباد، ووقف أمامه وقطع الحفل والهرجان، والجيوش أمامه والوزراء والزعماء والعلماء والأمراء والأغنياء، قال له العالم.

مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور

إن كان نور الدين فاحزر

قالوا فبكى نور الدين واستمر به البكاء فسقط عن كرسيه أمام الناس، وكان يقول في سجوده اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك، اللهم احشرني من بطون السباع ومن حواصل الطير، فرزقه الله الشهادة وقتل شهيدا، الكردي صلاح الدين، ونور الدين محمود تركماني، فنصر الله بهم الدين، لأن الدين ليس واقفا فقط على العرب ولا على الترك ولا على الأكراد، الدين هذا دين عظيم، لمن تشرف بحمله، وخدمته، شرفه الله ورفعه، ومن ترك هذا الدين، سادات مكة وقريش انتهوا إلى ما نهاهم الله.

وكان كثير من السلف يفكر كل يوم في الموت، حتى يقول أحدهم "والله لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة، لفسد قلبي""

يقول بن سيرين ""إذا تذكر الموت تغير لونه كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا"

فكانوا يرصدون لهذا اليوم، ومنهم بن مهران "يدخل للقبر الذي فعله لنفسه ويبكي إذا دخله ويقول إذا خرج هيا يا مؤمون قد خرجت من القبر" ميمون بن مهران العابد الكبير كان مستشار عمر بن عبد العزيز.

وكانوا قبل النوم ينزلوا إلى القبر،

لكن سيد الخلق أذكر قصة يحكوها أهل السنة، كان الله أعظم شيء في قلبه وكان في ليله ونهاره، ومع ذلك تزوج النساء، وأكل الحلو واللحم، والطيبات ولكن في مرضات ربنا، فكان يعد العدة للقاء الأحد سبحانه وتعالى، ولكن تجد أن الناس في المجالس الكبيرة لا يكون فيها ذكر للموت ولا لله بل تجد بعض المهرجين الذين ماتت قلوبهم

من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح ليلة يلام

دائما يتحدث عن اللهو والطرب ، ولم يتحدث عن الآخرة، وإذا ذكرت يقول لك لا تذكرنا بالهموم، هو يتكلم في الحياة الدنيا فكاهات ومزوح واعطنا نكتة، وعندنا في الإسلام نكتة ومزح ما هو حرام المزح، ولكن يكون من المحبب والمستحب، ولكن تكون في شيء ليس فيها عمل رسالة، كيف تكون هذه الحياة، تجد بعض الناس الآن ليس عنده اهتمام بكتاب الله ولا بصلاة وتجده يأخذ فجأة ولذلك تجد كثير من الناس أعلنوا حسراتهم يقولون ما أشد حسرة من مفرق في الحياة في سكرات الموت، منهم جاء في سكرات الموت أخذ يبكي ويندم ويتمزق ويحترق ، قالوا مالك قال يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله" يا حسرة على أيامي وعلى العمر الذي ذهب منى "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها" تجد الإنسان الذي يعيش ثمانين، أنت الآن تذكر حياتك، كم تذكر وجبة جميلة تأكلها كم من منظر بهيج رأيته، كم من جلسة أنس مع زملاءك وأصحابك، إنما هذه حياة الغرور، فمفتاح الآخرة هو الموت.

حتى يقول أبو الحكم رحمه الله،

ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حبا

وعكسه الكاره فالله اسأل رحمته فضلاً ولا تتكل

والموت فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه

وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه

والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران

إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده

وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ

هذه حقيقة لقاء الموت أنك تحب لقاء الله تحسن العمل، كما قال صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، لكنك إذا أحسنت العمل تلقى الله وهو يحبك، ملك الموت تعلم أنه جواره خير من جوارنا، والله الذي نفسي بيده لجوار الواحد بالواحد الأحد أفضل من جوارنا بأمهاتنا وآبائنا، والله لرحمة الله أفضل من رحمة الأمهات، ولذلك يذكر الشاعر لمى رثى ابنه، فمن كثرت تعلقه به لما مات ابنه حفر له في الحوش قريبا منه،

حكم الجنية في المنية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار

يقول بن كثير، يقول ما فعل الله بك قال غفر لي وأكرمني قال بقوله في قصيدة،

جاورت أعدائي وجاورت ربي شتان بين جواره وجواري

وانظر إلى امرأة فرعون لما قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين"

الموت له إنذار مبكر يأتيك بغتة، يذكر أحد الناس في العصر الحديث أن أم لم توقظ ابنها لرحلة الطيران لأنه كان يريد السفر، فوجدت وقتها الجو قد تلبد بالغيوم، والرياح هاجت، فخافت على ابنها، فلما تأكدت من مطلع الطائرة أتت إليه في الفراش فوجدته قد مات، الموت في الطائرة في السيارة وأنت نائم ما تدري أنت متهيء بتوبة بعمل صالح، لأنك تفاجأ ما تدري بعض الناس يقولون قد مات وهو يخطب خطبة الجمعة وبعضهم كان يتحدث مع أهله ثم أرخى رأسه، ثم ركد ركدة وهي الركدة الأخيرة في الحياة ثم قلبوه فإذا هو ميت، بل رأيت أنا ممن كان يخطب في الجماهير الكبيرة فأغمي عليه فسقط بين الناس ومات، إلى غير ذلك من المشاهد، فقصد من ذلك هي أن تستطيع أن تعد عدة أمام الله عز وجل، لأن الله يثبت الذين آمنوا "يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء"

يقول عبد الله بن محمد الهروي "أتو به ليعدموه فيقول له قل لا إله إلا الله فيقول هذا أنا قلتها من زمان".

فعلينا أن نستعد بالعمل الصالح وتجديد النية.

أسأل الله باسمه الأعظم والأكرم والأجل، الرحمن الرحيم الحي القيوم، أن يغفر لي ولكم وللمسلمين أجمعين، وأن يتوب على المسلمين جميعا توبة نصوحا، وصلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=469_0_2_0