مع الرسام الاسباني (رشيد روخاس)
الذي تأثر بفن وجمال العمارة الاسلامية
فقرأ القرآن من خلال كتاب لسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
وبالتحديد وقع في قلبه الاسلام حين قرأ
"يا أيها المزمل"
بالقرآن اهتديت
حلقة ٣ رشيد من إسبانيا
فهد الكندري: الرسام المتميز الأسباني رشيد روخاس، الذي أسلم بسبب فن العمارة الإسلامية، وسخر فنه وموهبته لخدمة الإسلام، زرته في ورشته التي تبعد عن مدريد بالسيارة عشرون دقيقة تقريبًا.
فهد الكندري: يُعتبر هذا المكان لي ولفريق العمل هو من أجمل الأماكن اللي زرناها حقيقةً، في هذه الورشة الجميلة اللي رأينا فيها حقيقةً الصور الـ.. الرسمات التي تدل ما شاء الله على فنك، وتدل على ذوقك، وتدل على اهتمامك، رأينا مسجد نمِرة، رأينا جبل عرفة، رأينا مكة، رأينا المسجد النبوي.
رشيد: هذا شرف كبير لي أن أستقبلكم في بيتي والنية في عملي هي إظهار جمال الإسلام، وهذا الجمال هو الذي شاهدته في رحلاتي إلى البلدان الإسلامية.
سيف الإسلام (صديق رشيد): روخاس هو صديق، وأرى فيه الإسلام.. المسلم الذي صَدُق إسلامه وهو يحاول ويكافح منذ اعتناق الإسلام من أجل أن يبقى في الطريق، وأن يحاول أيضًا أن يُعرّف الإسلام في هذا المجتمع.
رشيد: تعرّفتُ على الإسلام في سن مبكر لأن جدّي اختلط بالمسلمين وعاش فترة في شمال أفريقيا.
فهد الكندري: اتجه روخاس إلى تركيا لدراسة الفن البيزنطي، وعندما شاهد الفن الإسلامي والعمارة الإسلامية أُعجب بها، ومن هنا بدأتْ علاقته مع الإسلام.
رشيد: أول وصولي إلى اسطنبول زرتُ الجامع الأزرق، واندهشتُ عندما رأيتُ الفرق بين بناء الكنائس والمساجد، لأن الكنائس البيزنطية مغلَقة لا يدخل فيها إلا القليل من الضوء ومليئة بالتماثيل، إنها جميلة لكن ينقصها الضوء، لكن في المسجد الأزرق وجدته مليئًا بالضوء ومفتوح المساحات وبدون تماثيل، أو أي شيء آخر، فالضوء كان يملأ كل المكان وشعرتُ بروحانية كبيرة، رأيتُ الناس يصلّون بهدوء تام وكان يسود الجو الطمأنينة.
فهد الكندري: شيخ رشيد، قبل الإسلام أردتَ أن تطّلع على تفسير القرآن وترجمة القرآن ولكن وجدت صعوبة في ترجمة كثير من الآيات التي أردتها، فاتجهت إلى سيرة النبي محمد ﷺ، حدِّثنا عن هذا الشيء؟
رشيد: القدر جعل بين يدي كتابًا عن سيرة الرسول الكريم ﷺ فقرأته وأثناء قراءته تعرفتُ كيف تأثّر الرسول محمد ﷺ عندما نزل عليه الوحي، وفهمتُ أنها كانت مسؤولية كبيرة للرسول ﷺ عندما نزل الوحي عليه، فتأثّرتُ كثيرًا عندما قرأتُ سورة المزّمّل لأنني شعرتُ بخوف الرسول تجاه هذه المسؤولية، هذه اللحظة كانت المقدمة لاقترابي من القرآن فلقد جعلتُ نفسي مكان الرسول ﷺ واستشعرتُ هذه المسؤولية، فشعرتُ بالخوف بأن أكون أمام الله سبحانه وتعالى وعلي هذه المسؤولية.
فهد الكندري: عندما أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن، في بداية بعثة النبي محمد ﷺ، أنزل ثلاث سور تتكلم عن جوانب مهمة في حياة الإنسان، السورة الأولى هي سورة العلق عندما قال الله سبحانه وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (١) وهي تتكلم عن الجانب المهم وهو جانب العلم، ثم السورة الأخرى الثانية وهي سورة المدّثر عندما تكلم الله سبحانه وتعالى وبيّن جانب مهم في حياة الإنسان وهو جانب الدعوة: {قُمْ فَأَنذِرْ} (٢)، أما السورة الثالثة فهي سورة المزّمّل عندما تكلم الله سبحانه وتعالى فيها عن جانب العبادة عندما قال الله عزّوَجلّ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)} فجانب العبادة هنا يثبّت الإنسان ويصبّر الإنسان على الدعوة وعلى العبادة كي يستمر بإذن الله عزّوجلّ.
فهد الكندري: ما هي الآيات أو السور التي كان لها وقع على قلب شيخ رشيد؟
رشيد: تأثرتُ كثيرًا عندما قرأتُ الآية التي يعاتب الله سبحانه وتعالى نبيه محمد ﷺ بتصرفه مع الأعمى، فعلمتُ أن هذه الرسالة ليست من الإنسان وإنما من خارج قدراتنا، لأنه من غير المعقول أن هناك مؤلف كتاب يعاتب نفسه، واهتممتُ أكثر بموضوع الوحي.
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (١) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ (٥) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ (٧) وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ (٨) وَهُوَ يَخْشَىٰ (٩) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ} (عبس)
فهد الكندري: هناك لحظة، أنا أعتقد هي من أهم اللحظات في حياتك، وهي لحظة النطق بالشهادة، كيف كانت؟
رشيد: نطقتُ الشهادة لأول مرة في مسجد "أبو أيوب الأنصاري" في اسطنبول، وعندما كنتُ أدخل إلى أي مسجد آخر كانوا يمنعونني بحجة أنني لستُ مسلمًا، فكنتُ أنطق الشهادة من جديد لأدخل المسجد اعتقادًا منهم أنني مجرد سائح. أعتبر الشهادة تحريرًا من كل شيء لأنك تترك كل شيء وتستسلم لله، الآن أنا أقرأ القرآن باستمرار والأشياء التي ما كنتُ أفهمها منه صارت واضحة لي، وهذا يحدث كلما ازددتُ قراءة أكثر فأدرسه وأفهمه، القرآن هداية لحياتي وأخلاقي.
رشيد: {يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (٤) تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥)} (يس).
فهد الكندري: ما شاء الله آنا عندما دخلت هذه الورشة وهذا المكان الجميل، وأنا أنظر معك إلى هذه اللوحات وهذه الرسومات الجميلة والرائعة، ما علاقة الحُصَري بهذه الرسومات؟ (يضحك)
رشيد: أنا أحب التلاوة المرتَّلة للحصري لأنها تجعلني أشعر بالطمأنينة وأنا أعرف أن فيها شفاء للروح والجسد، عندما أقوم بعمل أستمع إلى هذه التلاوة وفي كل رسمة أقوم بذكر الله أيضًا، وهكذا يخرج ما أرسمه، وهذا ليس من عملي وإنما من توفيق الله سبحانه وتعالى لي، الجو المثالي بالنسبة إلي هو المكان الذي أستطيع أن أستمع فيه للقرآن، فهكذا تطمئن نفسي وأستطيع التركيز في عملي، وأيضًا مكانَ أكون على اتصال مباشر بالبيئة فهذا يقرّبني إلى الله سبحانه وتعالى.
سيف الإسلام (صديق رشيد): كوّن مدرسة في الحقيقة، من.. أعرف بعض تلامذتي وطلابي الذين الآن أصبحوا الآن فنانين معروفين، فـ.. هو إنسان له باع في هذا الموضوع، ليس إنسان مبتدئ.
رشيد: من خلال عملي الفني أريد إيصال رسالة، ورسالتي موجّهة إلى المسلم وغير المسلم لكي ينظر إلى جمال دين الإسلام.
فهد الكندري: بعد إسلامه ومعرفته لطريق السعادة، قررَ أن يخدم دينه بأفضل ما لديه، حتى أنه حزن كثيرًا في بداية دعوته أن مَن حوْله لمْ يدخلوا في الإسلام مباشرة.
فهد الكندري: ومن الآيات التي أثّرت في أخونا وحبيبنا رشيد هي: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص: ٥٦).
رشيد: فهذه الآية أثّرتْ فيّ كثيرًا لأنني أحببتُ أن أهديَ الناس إلى الإسلام، فعرفتُ أنني أخطأتُ في ذلك لأنهم لم يفهموا تجربتي الخاصة، وحينئذ فهمت معنى الآية التي يقول الله سبحانه وتعالى للرسول فيها: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} فاطمأن قلبي بعد رفضهم لي، وتوكّلتُ على الله كما أفعل دائمًا، فالذي أحاول أن أفعله دائمًا هو إظهار الإسلام الحقيقي بخُلق حسن وأنه دين محبة وسلام، فالناس يقولون لي إنك رجل طيب، فأقول لهم: نعم أنا رجل طيب لأنني مسلم!
فهد الكندري: من أعمال روخاس الفنية أنه رسم المصحف المترجَم للقرطبي باللغة الأسبانية.
رشيد: والذي قام بترجمته صديق لي اسمه زكريّا ماسا، وأنا قمتُ برسم غلاف كتب الترجمة هذه، من خلال قراءتي لتفسير القرطبي فهمتُ أكثر الكلام الذي أنزله الله على نبيه صلوات الله عليه.
فهد الكندري: حدِّثنا عن ذهابك إلى الحج؟
رشيد: عندما رأيت الكعبة لم أكن أصدق أنني هناك، ولم أكن أفكر بشيء آخر، وما كانت تهمني الدنيا لأنني كنتُ أمام ربي سبحانه وتعالى وما كان يهمني أي شيء سواه، ما كنتُ أنتبه لما يحدث من حولي كنتُ أركز في الكعبة وأداء الصلاة فقط.
فهد الكندري: أعماله الفنية التي رأيناها في مناسك الحج، سواء الحرم، أو عرفة، أو مخيمات مِنى، كان يرسمها رشيد إما من صور قديمة أو من تصويره الخاص.
رشيد: نعم، عملي الفني مُستوحى من أعمال فريضة الحج، والأماكن المقدسة، أستخدم صورًا قديمة لهذه الأماكن مع أن التوثيق لها نادر، لأن في الماضي كان يُعتبر التصوير عيبًا، وأقوم بالبحث عبر الانترنت والكتب القديمة.
فهد الكندري: حدِّثني عن حلمك وأمنيتك شيخ رشيد؟
رشيد: نعم.. لما بدأتُ هذا العمل أردتُ أن أُظهر جمال الإسلام كما قلتُ ردًّا للجميل الذي قدَّمه لي الإسلام، لذلك أحتاج إلى دعم كي أقدم هذا العمل في كل مكان لإظهار حقيقة الإسلام للناس، لذلك من الجيد أن أجد الدعم لهذا العمل.
رشيد: أمنيتي الكبرى هي إمكانية عرض عملي الفني في دول الخليج، أحب جدًّا أن أقدم كل أعمالي هناك في المكان الذي انطلق منه الإسلام.
فهد الكندري: موقع نون www.nquran.com هو موقع إلكتروني ويب سايت، كله متخصص بالقرآن، ساهم معنا في هذا البرنامج بأن يحقق كل أمنية دعوية خيرية لمن شاركنا في هذا البرنامج واهتدى ودخل في الإسلام، بإذن الله تتحقق هذه الأمنية، بإذن الله عزّوَجلّ، بإذن الله، الله يبارك فيك