الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوة الإسلام مفتاح المراقبة الحفظ ، حفظ الله تبارك وتعالى هذا هو الذي أوصى به سيد الخلق بن عمه عبد الله بن عباس ، لما رادفه على الدابة فإنه قال له صلى الله عليه وسلم ، يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجمتعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف" والشاهد قول الرسول احفظ الله يحفظك فإن فيها من جمع المعاني ما لا يكون في غيره من الأقوال حتى يقول بعض العلماء ما قرأت هذا الحديث إلا كدت أدهش ببلاغته وقوته وكان يتواصل بها الصالحون ومثل هذا الحديث لا يخرج إلا من النبوة ، وتجد من السبق للعبارة ومن جمال الإسلوب ومن رقي المعنى ، ما تشهد هذا الحديث خرج من نبي معصوم صلى الله عليه وسلم.
تجد أن النبي قال للصحابي الجليل ابن عمه العابد الرباني بن عباس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له احفظ الله يحفظك ، فمن حفظ حدود الله واجتنب نواهيه ، وحفظ حقوق الناس ، حفظه الله في سمعه وبصره وقلبه وفي ذريته وفي علمه حفظه في ليله ونهاره " فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين" والله إذا استودع شيء حفظه، حتى يقول المحب الطبري كان في الثماني من عمره فنزل من السفينة واقترب من الشاطئ ، قالوا يا إمام ما استطعنا واستطعت أنت قال الله هذه جوارح حفظناها في الصغر حفظها الله لنا في الكبر ، الذي يحفظ الله تعالى في شبابه بالطاعة والإستقامة يحفظه الله تعالى لما يكبر ، حتى يقول الذاكر لله دائما لا يصيبه الهرم والخرف في الغالب ، فمن كثرة ذكره واتصاله بالكتاب والسنة ، محفوظ من الله الواحد الأحد، ولهذا بين الله سبحانه وتعالى "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" بلى يعلم السر وأخفى "الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين" وبعض الناس قالوا ، وأنت في أصلاب الرجال وأرحام الأمهات ، فالله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى ، حتى يقول أبو نواس " إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن كن على رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب" لا يخفى عليه شيء ، ويقول القحطاني في نونيته"
وإذا خلوت بريبة في ذمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي النظر من الله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
الله يقول في الحديث أنا جليس من ذكرني ، ولهذا وصف الله سبحانه وتعالى في حفظ الإنسان للطاعة سبحانه وتعالى :" والذين هم على صلاتهم يحافظون " في أفعالها وسننها ورواتبها "وقال "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين" فدل على أنهم يحفظونها إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" هم قد حافظوا العهود والمواثيق والأيمان يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " أن تحفظ ما بينك وبين الله بطاعته ، وتحفظ بينك وبين الناس بإعطائهم حقوقهم ، وعد التعدي عليهم ، وتأخذ حقوقك بلا ظلم ، "اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" وعلم أنه مع التقوى قد تكفر وتأخذ بالذنب ، وهذا حال العبد ، ليس بنبي ، ثم بين حق الناس ، إن بعض الناس إذا أدى حق الله يفهم ألا حقوق للناس ، يتوهم إذا أطاع الله يكون الناس ليس لهم حقوق عنده، وهذا خطأ خف الله في الناس ولا تخاف الناس في الله ، وارجوا الله في الناس ولا ترجوا الناس في الله ، بل قال آخر في بستان العارفين، ينبغي عليك أن تنزل الناس منزلة الأموات فكما أن الأموات لا يضرون ولا يحيون ، الناس لا ينبغي عليك أن تعاملهم بهذا الشكل الغريب ، تعامل مع الناس كالأموات ولا تؤذي إخوانك وكما أنك لا تظهر معايبهم في الأموات كذلك الأحياء ، فحال الحي كمثل الميت عند اهل العلم لانه من عرف الناس و حالهم و عزهم و تقصيرهم و علم ان النافع وحده هو الله و هو المقدم و المؤخر و المعطي و المانع و لا رب سواه .
يقول ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم " احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك " فبين له اصل الاصول في ان من حفظ الله حفظه الله سبحانه وتعالي و هذا امر مشاهد بالنقل و العقل و التجربة علي مر التاريخ .
يذكرون عن عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد انه لما حضرته الوفاة و كان له اطفال صغار قال ان كانوا صالحين فالله يتولي الصالحين ، و ان كانوا غير ذلك فلا اعينهم بالمال علي معصية الله ، قالوا فلما مات اغني الله ابناءه حتي صار الواحد منهم يحمل علي الف فرس في سبيل الله ، و اما بعض الخلفاء فجمع الاموال و جعلها في برك و خزانات من الذهب لاولاده فاخذت منه الخلافة و حرقت عيناه حتي صار اعمي و خذ الذهب منه لانه كان سفاحا ظلوما ، قيل حتي صار يشحذ في المساجد " فاتي الله بنيانهم من القواعد ، فنمهجه بينه في قوله احفظ الله يحفظك ، وان الله يعزك و يتولاك و يرفع عنك الكرب و نحو ذلك ، و التعرف علي الله في الرخاء يعرفك عند الشدة يعني في وقت الرخاء و العافية تبذل في الطاعة و الدعاء ، في وقت المرض الله يكون معك ، في وقت الحرية كن مع الله فاذا حسبت او نحو ذلك فان الله يكون معك ، و في وقت الغني تعرف عليه بالانفاق و البذل حتي اذا افتقرت كان الله معك و في الحياة تعرف عليه يكون معك بعد الوفاة و يثبتك بالقول الثابت ، قال " تعرف علي الله في الرخاء يعرفك عند الشدة مثل يونس بن متي " لو ان كان من المسبحين للبث في بطنه الي يوم يبعثون " فلما كان مسبح في الرخاء انقذه عند الشدة و هو في ظلمات ثلاث لما قال " لا اله الا انت اني كنت من الظالمين " و اوصيكم بهذه الكلمة و هي كلمة الفرج و كشف الكرب و ازالة الهم و الغم ما قالها مكروب الا فرج الله عنه ، وصح عن النبي صلي الله عليه وسلم " كلمة اخي ذا النون يونس بن متي لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين ما قالها مكروب الا فرج الله عنه " فانها جمعت اصل التوحيد و الاعتراف و الاقرار بالذنب و لابد ان انك اخطأت و الله يقول انا غفرت و سامحت و تجاوزت .
و يقول صلي الله عليه وسلم " اذا سألت فسال الله واذا استعنت فاستعن بالله " فالنافع هو الله و الضار هو الله ، و يحرم علي الانسان الاستعانة باحد غير الله لان الذي يقدم الخير هو الله و الذي يمنعه هو الله وان الناس ادوات فقط وانهم كلهم مقهورون تحت جبروت الواحد الاحد ، قال " اذا سالت فاسال الله و اذا استعنت فاستعن بالله " و لذلك يحرم علي الانسان الاستعانة باحد غير الله كمن يستعين بالجن او الكهنة ، حتي قال سيد الخلق صلي الله عليه وسلم " من اتي عرافا او كانها فصدقه فقد كفر بما انزل علي محمد " و بين صلي الله عليه وسلم حال العباد في حديث ابن عباس " واعلم ان الامة لو اجتمعوا علي ان ينفعوك بشئ لا ينفعوك الا بشئ قد كتبه الله لك " و الله ما يجلبون لك ذرة الا بمشيئة الله السابقة ، " واعلم ان الامة لو اجتمعت علي ان يضروك بشئ لا يضروك الا بشئ قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف " فين صلي الله عليه وسلم كيف يحفظ الانسان ربه ان تكون حافظا لما بينك وبين ربك حتي قال صلي الله عليه وسلم " كف عنك هذا ، قال معاذ او انا لمؤاخذون يا رسول الله علي ننطق به ، قال صلي الله عليه و سلم ثكلتك امك يا معاذ و هل يكب الناس علي وجوههم الا حصائد السنتهم " و قال صلي الله عليه وسلم لابي مسلم الثقفي " كف عليك هذا و اشار الي لسان نفسه صلي الله عليه وسلم " ، و لما سئل صلي الله عليه وسلم ما النجاة يا رسول الله قال " كف عليك لسانك و ليسعك بيتك و ابك علي خطيئتك " ، و قال حجة الاسلام الغزالي ان للسان منها السب و اللعن و القذف و الشتم و شهادة الزور و الكلمات الكفرية ، فهذا حفظ اللسان عن هذه الخصال ، وحفظ العين " قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم " و لكل جارحة حفظ ، ان تحفظ وما حوي و الراس و ما وعي ففحظ البطن الا تاكل حرام و لا رشوة و لا سحتا و تحفظ الراس فلا تدخل فيه معلومة خطأ و لا تخرج شئ يضر الناس من الناس ونحو ذلك ، بل تعتقد الاعتقاد الصحيح و تقول القول الصحيح و نحو ذلك علي كل جارحة من جوارحك فاذا فعلت هذا حفظك المولي تبارك وتعالي و ياتي الحفظ ايها الاخوة بمعرفة شئ واحد و هو "ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك " و هذا في الصحيح من حديث ابي هريرة وعمر لما جاء جبريل و سال النبي صلي الله عليه وسلم عن الاحسان ، فالله يراك وهو مطلع علي اخبارنا و احوالنا ، و السلف كانوا في المراقبة و المحافظة ، وان ابو بكر الصديق كان يقول للناس يا ايها الناس استحوا من الله و الله اني اخرج الي الخلاء فاضع ثوبي علي وجهي حياء من ربي ، و كان عنده درجة من المراقبة و المحافظة مما تجعل الراعي يمتحن الرعية فهذا عمر رضي الله عنه يمر براعي فيقول له ابتعني شاة ، فقال له الغنم لسيدي قال له اذا سالك قل له اكلها الذئب ، قال له اين الله يا عمر ؟ ، فجلس يبكي و يقول اين الله ، عاشوا في مجتمع عنده مراقبة .
و مر عمر ببائعة اللبن و مر بالجدار فاذا به يسمع صوت البائعة تقول لابنتها امزجي الماء باللبن حتي يكثر فانه عمر لا يدري ، و كان رضي الله عنه يمر في السوق و يفتش ، فقالت الفتاة اذا لم يدري عمر فان رب عمر يدري ، فعرف عمر البيت و رجع في الصباح و اخذ الفتاة و زوجها لابنه عاصم فولدت منه عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد العابد ، المحافظة يا ايها الاخوة هو حفظ الله تبارك و تعالي في البيع والشراء لان حياة المسلم شاملة عامة لكل شئ في حياته اليومية " قل ان صلاتي ونسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين " ، ليس هناك فصل بين المسجد و الميدان و بين البيت و السوق ، او بين السكن و المسجد ، لان المسلم يكون متقيد بامر الله في المسجد و الملعب و السكن و المزرعة و الطريق و السيارة و الطائرة لانك عبد لله و لابد ان تحقق العبودية لله سبحانه و تعالي .
مر صلي الله عليه وسلم باعرابي و قال له الاعرابي يا رسول الله زودني ، قال صلي الله عليه وسلم زودك الله التقوي ، و ذاق الاعرابي الدعاء قال زدني ، قال وغفر ذنبك ، قال زدني ، قال و يسر لك الخير حيث كنت " و تسير الخير ان يكون الله معك بحفظه و رعايته وولايته ، وموسي عليه السلام قال " كلا ان معي ربي سيهدين " لما كان البحر امامه و العدو خلفه و قال الناس انا لمدركون ، فقال " كلا ان معي سيهدين " .
و سيد الخلق لما كان في الغار ، و قال له ابو بكر يا رسول الله لو نظر احدهم الي قدميه رانا قال يا ابا بكر " ما نظك باثنين الله ثالثمها لا تحزن ان الله معنا " فاطلق هذه الكلمة التي هي شعار كل مسلم تاتيه مصيبة فالله معك برعاتيه و نصرته متي حققت له العبودية ، اسال الله ان يجعلنا من اتباع نبيه صلي الله عليه وسلم و ان نهتدي بهداه و الي اللقاء و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=419_0_2_0