كل سنة وأنتم بخير ورمضان كريم. الحياة ما هي إلا مجموعة من اللحظات تُغير فينا يومًا بعد يوم، ويوم الإنسان في الحياة نمطي، نفس الأشياء ونفس الأفعال حتى يعصف على الإنسان لحظات غير عادية تهز كيانه وتُسيطر عليه، فإما تعطي للإنسان خبرة في الحياة أو تسلب منه أجمل ما فيه. من صفات اللحظات المُغيرة في حياة الإنسان أن لها وجهين، وجه يمكن أن يأخذ الإنسان إلى أسفل سافلين أو يصعد به إلى أعلى علين. لحظات مُغيرة يحتاج فيها الإنسان أن يفهم مشاعره ونفسيته الخاصة وكيفية توجيه ردود الأفعال بالشكل الصحيح
.
اللحظات هي أداة التغيير، وهي جند من جنود الله، هي رسالة من الله يرسلها لك لكي تتغير، فيجب أن تدرك تلك اللحظات التي قال الله عنها في القرآن {.. وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (سورة الأعراف: 168). التغيرات الكبيرة التي تحدث في حياة الإنسان دومًا تأتي بعد حدوث لحظة مختلفة، المهم أن يحدث هذا التغيير نحو الطريق الإيجابي على مراد الله، واحذر أن يكون هذا التغيير تغير سلبي على غير مراد الله. القرآن للتعبد وليس فقط للتلاوة، فتمعن في قول الله تعالى عن أم موسى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (سورة القصص: 10). الفنان الهولندي الشهير فان جوخ انتحر بعدما رفضته إحدى أقاربه وهو فقير في أخر أيام حياته، وعكس ذلك، أشهر مُلاكم في العالم محمد علي أخذ قرار احترفه الملاكمة بعد ما تعرض للضرب وهو ضعيف غير قادر للدفاع عن نفسه في أكثر فترات أمريكا عنصرية، فالقرار قرارك
.
في كل لحظة تعصف بك، يوجد عرض مُقدم من الله سبحانه وتعالى، فمن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد، ومن تصرف بحوله وقوته أَلان له الحديد، ومن ترك لأجله أعطاه فوق المزيد ومن أراد رضاه أراد الله ما يريد، ففي لحظة الفرح تصرف كما يجب أن يتصرف العبد الربّاني، وفي لحظة الحزن تصرف بما يُرضي الله، والله سيُخرجك من المحنة وكأنك تسير في الحديد، مهما كانت تلك اللحظة عاصفة
.
في كل لحظة يمر بها الإنسان يوجد تجليات ربّانية، أي يوجد معاني يظهر فيها الله لعباده من خلال تلك اللحظات، فمن أسماء الله الحسنى الظاهر الذي يظهر بصفاته في حياة عباده، فالشخص المُتوفى تجلى الله عليه باسم المُميت، والشخص الذي يمر بضيق تجلى الله عليه باسم الله القابض، والشخص الذي يمر بفرحة تجلى الله عليه باسم الله الباسط. لحظات حياتك هي شأن الله معك، فلا أحد يتسبب في شيء في حياة أحد، فالله هو المُسبب وخالق الأسباب، والله كل يوم في شأن معك
.
هدفنا في البرنامج هو أن نسمع صوت مشاعرنا وكيف نتصرف معها، وهو ما أطلق عليه علماء علم النفس الصوت الداخلي، والصوت الداخلي هو ما يسبق المشاعر والمشاعر تسبق التصرفات؛ وذلك لكي تواجه المشاعر التي تجعلك تعيش اللحظة بالطريقة الربّانية، وإلا سيعيش الإنسان دون أن يفهم نفسه وتسلب أجمل ما فيه .
المصدر : http://web.mustafahosny.com/article.php?id=3041