الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، أخوة الإسلام مفتاح التعاون النصيحة.
يقول سبحانه وتعالى على لسان نوح لقومه " وأنصح لكم " وقال على لسان هود "وأنا لكم ناصح أمين" فالنصيحة هي أول حقوق الصداقة وهي أول المودة بين المؤمنين ولهذا جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصل أصيل في الدين فقال عند مسلم في الصحيح "الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" هذا الحديث هو أصل من أصول الدين ومن الأربعين النووية وهو من القواعد الكلية من قواعد الدين ، فجعل صلى الله عليه وسلم النصيحة لله قالوا ، أن تعبده وحده وأن تطيعه وأن تنفي عنه ما نفى عن نفسه وتتولاه وتحبه وتقدم أمره على كل واحد منا كائن من كان وأما النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم فأن تجعله إمامك قدوتك أسوتك ، فتحكم قوله على قولك وفعله على فعلك وحاله على حالك وهو أحب إليك من ولدك وأهلك ومن نفسك التي بين جنبيك والناس أجمعين فترضي بحكمه وتتحاكم بسنته عليه الصلاة والسلام ، وتحكمها ظاهرة وباطنه وترى أن قوله حجة على الناس كائنا من كان وليس لأحد حجة على محمد عليه الصلاة والسلام، وأما النصيحة لكتاب الله فأن تؤمن به وتقرأه على الوجه الذي يريده سبحانه وتعالى تجويدا وحفظا وعملا وتحاكما إليه واستشفاء به ولا تهجره كهجر التلاوة أو الحفظ أو العمل أو الاستشفاء به ، وأما حقوق أئمة المسلمين فتطيعهم في طاعة الله إذا كانوا مسلمين ولا تخرج عليهم إلا إذا رأيت كفرا بواحا وله برهان وتدعوا لهم وتنصحهم بالتي هي أحسن ، ومن حقوق عامة المسلمين أن تأمرهم بالمعروف وأن تنهاهم عن المنكر وأن تعلمهم مما علمك الله وأن ترفق بهم وأن تتواضع لهم وأن تؤدي حقوق الأخوة في الإسلام فحق المسلم على المسلم إذا مرض أن تعده ، وإذا مات اتبعت جنازته وإذا عطس شمته ، وإذا استنصحك استنصح له وإذا دعاك فأجبه ، وإذا لقيته فسلم عليه وتتأسف إذا وقع له ما قدر وتستر عليه عيبه وذلته ، وتفرج كربه إلى غير ذلك ، لهذا كان الدين كله نصيحة، لأن إذا كان الأمر بهذا المفهوم الذي سمعته إذا فالدين كله نصيحة ، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح بايع جرير بن عبد الله البجلي بايعه على الإسلام والنصح لكل مسلم لأنه لما كان سيدا لقبيلته كان من الواجب عليه النصح لأنه من تولى أمر فعليه أن يتولاهم بالنصيحة ، فكان يذكر الناس بذلك ، مره أتى يشتري فرسا من رجل فقال الرجل بكم فرسك هذا قال 500درهم قال هي تستاهل أكثر قال خذها 600درهم قال أكثر ، قال أنا آخذها قال كيف وأنت المشتري وأنا راض 500درهم ، قال إني بايعت الرسول صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم ، وهذه الفرس لو كانت لي والله ما أربح فيها 100درهم ، فأنا لا أريد أن أغشك ، ولهذا دعا الرسول صلى الله عليه وسلم في المتفق عليه " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" فجعل صلى الله عليه وسلم الإيمان الحقيقي هو أن تحب للمسلمين ما تحب لنفسك وأن تتمنى لهم الرفعة والسمعة الحسنة ، والثناء الجميل والمال والأبدان والأمن في الأوطان مع طاعة الديان هذا يجب أن تحمله للمسلمين فإذا حملت غير ذلك فيجب أن تراجع نفسك الآن فيها مرض ، إذا تمنيت نكبتهم أو تتمنى حسدهم فاعرف أن الخلل فيك وأن هناك مرض يجب أن تستعيذ بالله منه وأن تستشفي منه وأن تتعالج منه يقول لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه انظر كيف قال ما يحب ، المودة بين المؤمنين أن تحب للمؤمنين ما تحبه لنفسك نفسك أنت التي بين جنبيك ، لأن النفس لأن الإنسان دائما يسعى لما تحبه النفس بل إن مدار المطالب في الحياة على محاب النفوس ، وانظر إلى قوله لأخيه ولا يقل للمسلم ليبين لهم قوى الإيمان " إنما المؤمنون إخوة " فيه إخوة شرعية من عند الواحد الأحد، فلا يذكرنا بالقبائل ولا بالشعوب ولا بالأسر ولا بالألوان ولا بالولدان وإنما ذكرنا بالإيمان فقال "أكرمكم عند الله أتقاكم" "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " من أب واحد وأم واحدة يقول تذكروا أنكم في الأصل أبناء رجل واحد وامرأة واحدة "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" ليعرف بعضهم بعضا ، وليكون بينكم معروف ، ثم بين الله أساس الفضل وأصله فقال "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" أليس لابن النسب ولا الحسب ولا بالمال ولا بالمنصب ولا بالشهرة ، الكريم على الله هو التقي ، ممكن أن يكون هذا التقي ملك أو وزير أو فقير أو مسكين المقصود ، أن الأفضل هو التقي ، فرجعنا إلى مسألة النصح في الدين وأنها مطلب شرعي ، وإن الموقع الذي يقع فيه المسلمين من خطأ أو ذلل.
إن بترك النصح بين المسلمين أو بأن النصح كان مغشوشا فبعض العلماء الآن لا ينصح المؤمنين ولا يحمل لهم المحبة بل كتم علمه أو كتم ماله فأهل المال بخيلين بأموالهم ، ولو كان هناك نصح لأنفق أهل العلم من علمهم تعلموا وأنفق أهل المال فأعطوا ، لذلك بنو إسرائيل الله بين أمرهم في القرآن من بين الأمور التي فعلوها يقسمون ما آتاهم الله من فضله ، ويبخلون ما آتاهم الله من فضله ، فآتى أهل الإيمان الصادقون فعلموا وأمروا بالمعروف وأنفقوا أموالهم ، فإن بعض الناس إذا استنصحته لحقده وحسده إنما يقول وليس هو الأحسن إنما هو الأسوأ لذلك لا تطلب النصح إلا من لبيب عاقل ، فدل على أنه لا تشاور إلا مؤمنا تقيا عاقلا مجردا للأمور أما الحاقد والحاسد والجاحد والجاهل فإنك لا تستشره لذلك تجد الحاسد سبحان الله يسعى لا يحمل النصح ، كما يقول بعض الشعراء
أعطيت كل الناس من نفس الرضا إلا الحسود فإنه أعياني
مهما تقول للحسود تدعوه تقدمه على نفسك تمدحه يرفض كل ذلك ، لماذا لأنه يريد زوال نعمتك بالضبط كده ، يريد أن لا يبقى عندك موهبة يريد أن تكون موجود صفرا، محطما ذليلا فقيرا حقيرا مسكينا هذا ما يريده بالضبط، فكن كالصخرة الملساء الصامتة التي تتكسر عليها حبات البرد وتنزل وتكون وقوعها أمام كلام الحساد ولا تستشر إلا فطن لبيبا عاقل مؤمن يخاف الله تبارك وتعالى أما هؤلاء فلا ،
كما يقول الشاعر.
أعطيت كل الناس من نفس الرضا إلا الحسود فإنه أعياني
وأبى فلا يرضيه إلا زلتي وذهاب أموالي وقطع لساني
هذا الذي يريد به ، أما أهل الإيمان يريد لك أن تكون في خير طيب في يسر وفي سهوله ، وتجد بعض الناس تلقيه يحب الناس جميعا إذا بشر بنجاح أحد فرح وانبسط وسر وقال نزل الغيث في المنطقة الفلانية فقال الحمد الله وليس عنده غنم في هذه المنطقة ولا مزرعة ، وإذا سمع بناجح أو لبيب أو عالم دعا له ، وأشرق نوره وجهه ، قام رجل على عبد الله بن عباس في الحرم ، عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ، كان يجمع الناس في الحرم ويعملهم فجمع بين الإنفاق للعلم والجود بالمال "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" فقام رجل وكان بن عباس يشد عليه في السؤال فسبه الرجل فتبسم بن عباس وكان حليما عاقلا لبيبا فقيها ربانيا، أنا من الراسخون في العلم ، هو عالم الأمة ، جاء رجل إلى عبد الله بن عمر قال يغلب على العباد الزهد رضي الله عنه فسأله عن قول الله سبحانه وتعالى "أولم يرى الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما" قال اذهب إلى بن عباس سله ثم آتي إلي ، فذهب لابن عباس فسأله فقال بن عباس كانت السماء صماء لا تقتر بالماء وكانت الأرض صماء لا تنبت ففتق الله تلك بالماء وفتق الله هذه بالنبات ، فأخبر السائل بن عمر فقال "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" نعود لهذا الرجل الذي تعرض لابن عباس فقال له تسبني وفي ثلاث ، قال الناس ما هي – والله ما فهمت آية من كتاب الله إلا وجدت أن الناس ما فهموا منها ما فهمته أنا منها – والله ما نزل غيث بأرض إلا حمد الله وشكرته وليس لي بها ناقة ولا جمل
- والله لو سمعت بقاض يعدل بين المسلمين إلا دعوت الله له وليس لي عنده قضية.
وهذا النصح للمؤمنين أن تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكرهه لنفسك من النصح أن إذا سمعت خسارة خسارة أنك تتأسف وأن تسأل الله أن يجبره وأن تعوضه خيرا ، وإذا مات لصديقك أو سمعت وقعت فيه خطأ أو سيئة أو في ذنب تأثرت ودعوت له ، وإذا سمعت بخير عن إنسان فرحت ودعوت له بالرفعة ، لأن هناك بعض الناس يسمون بأعداء النجاح إذا نجح أحد فهم لا يحبون الناجحين ، ينتقدونهم يجرحونهم ، حتى يقول الكاتب المشهور مصطفى أمين المصري إذا رأيت بلاط المجد ورأيت الناس يلقون عليك الطوب ، قال فإذا وصلت لكل ذلك فاعرف أنك وصلت إلى بلاط المجد وأنك قد نجحت ، أما الخامل لا يحسد أحد ، من يحسد التافه المسكين ، من يحسد النكرة المهبول ، من يحسد الذي لا يشكل صفر في الحياة من يحسده حتى يقول بن الوزير في العواصم والقواسم" لو اجتمعوا علماء اليمن في جهة واحدة لا يعادلون بالوزير محمد ابن إبراهيم بن الوزير مجدد في القرن الثامن ، لازلت يا بن الكرام محسداً والتافه المسكين محسد،
فقال في البيت أن التافه المسكين لا يحسد أحدا أصلا ، إنما يحسد الناس الرموز والكبرى ، والذي حقق نسبة نجاح في العلم والخير والجود والنفع والعدل ونحو ذلك، حتى يقول أحد الشعراء.
وحسدوه على ما كان من نعم والله منهم ما لم يحتسد
ويقول أبو تمام
اعذر حسودك فيما قد خصصت به إن العلا حسد في مثلها الحسد
ويقول آخر :
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف الجحود
حتى يقول بن المبارك الشاعر الكبير بل هو المحدث والزاهد والعابد ،
قال إذا صعدت قوما أهل ود فقل لهم كذا الرحم الشفيق ولا تأخذ بذلة بكل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق.
هل تعرفون أحد خالي من الخطأ ، الذي لا يخطأ إما الملائكة أو الجمادات كما يقول الحكماء أما البشر ، فهم عرضا للذنب وللتقصير .
حتى يقول بن نعمان في قصيدته المشهورة البديعة:
ولست بمستبدل احد ما تلمه على سعة أي الرجال المهذب
أي الناس يخلوا من العيب بريء من الخلل ، الكمال لله وحده والمعصوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، حتى يقول بشار بن برد
إذا أنت لم تشرب مرارا على القظا فجئت إلى الناس تصفوا مشارب
دل على أنه ينبغي على الإنسان أن يصاحب أخاه ويلبسه على حالته ، وفي الطريق يمكن أن تستنصحه ،
يكتفي من المرء أن تعد معايبه.
هكذا تكون النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"
أسأل الله باسمه الأعظم الأكرم الأجل الحي القيوم ذي الجلال والإكرام بسمه إذا سأل به أعطى وإذا سأل به أجاب أن يوفقنا وإياكم بالنصيحة ، المقربين إليه العاملين بشرعة، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=413_0_2_0