الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله و علي اله وصحبه ومن والاه سلام اله عليكم ورحمته و بركاته اخوة الايمان مفتاح التقوي الاستجابة و الاستجابة لله و لرسول صلي الله عليه وسلم كما قال الله تعالي " يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله و للرسول لما يحييكم و اعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه و انه اليه تحشرون " ، حتي يقول بعض المفسرين الاستجابة لله بتوحيده و طاعته ووصفه بما وصف به كتابه و رسوله و ان لا يعبد الا الله سبحانه وتعالي فلا يستعان الا به هذه هي الاستجابة لله و لرسوله عليه الصلاة والسلام من ان يتخذ اماما وقدوة فما امر به اتمرنا به و ما نهي عنه اتهينا عنه فهذه خصلتان كبيرتان عظيمتان هي لله سبحانه و تعالي كما نزل في كتابه سبحانه وتعالي والخوف له و الرهبة له سبحانه وتعالي و الخشية له ، والهجرة الثاينة هجرة محمد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام و بالمناسبة يسمه ابن تيمية ابونا الرباني الروحاني عليه الصلاة و السلام لان اباك الجسماني ابوك الذي اتيت من صلبه اما ابيك الروحاني هو صلي الله عليه وسلم و ازواجه امهاتهم و نفعه لنا صلي الله عليه وسلم افضل من نفع الاباء ، لكنه عليه الصلاة و السلام سبب في سعادتك وايمانك ونور قلبك و ثباتك علي الحق و اتباع هذه السنة ولذلك وجب عليك وجوب شرعي ان تحب اكثر من ان تحب نفسك التي بين جنبيك و اكثر حبك لابيك و امك وابنائك و مالك و اذا كنت علي غير ذلك فراجع ايمانك ، وفي الصحيح ان عمر رضي الله عنه قال " يا رسول الله لانت احب الي من مالي واهلي الا من نفسي ، قال لا يا عمر حتي اكون احب اليك من نفسك ، قال عمر والله الذي لا اله الا هو لانت احب الي من نفسي " و في الصحيح " لا يؤمن احدكم حتي اكون احب اليه من اهله و ماله و نفسه التي بين جنبيه " فلابد ان تراقب نفسك في هذه الاستجابة و لم يقل يا ايها الناس انما قال " يا ايها الذين امنوا " و هذا هو الذي تتشرف به لا بالقبيلة و لا بالاسرة و لا باللون و لا بالبلد و لا الدم و لا اللغة و لكن بالايمان هو الذي رفع بلال الحبشي و سلمان الفارسي و صهيب الرومي و رفعه ايضا محمد اقبال الهندي و صلاح الدين الكردي و نور الدين محمود التركماني و غيرهم من امم الارض فشرفهم الله و اصبحوا هم القادة و السادة و انظر الي كل من تشرف بالايمان في عالم و مسيرة الاسلام كعمر بن عبد العزيز و بعده الائمة الاربعة كاحمد وابي حنيفة ومالك و الشافعي و من صار علي منهجم من ائمة الاسلام من علماء الدين من المجددين و من الفاتحين و من المصلحين كيف ان الله لما استجابوا لامره سبحانه رفع قدرهم و لذلك لما اعرض بعض الناس عن الاستجابة جعلهم الله ممقوتين مقبوحين صغيرين و انهم لا يذكرون الا بالسوء ، كما قال سيد الخلق صلي الله عليه وسلم " ان الله يرفع بهذا الكتاب اقواما ويضع اخرين فمن اتي و استجاب لله استجابة صادقة بالقول والقلب و الاعمال و الافعال و التزم بسنة سيد الخلق صلي الله عليه وسلم رفعه الله فهذا نداء عالمي " يا ايها الذين امنوا " و هو الوصف الايماني و عليك ان تربي الايمان في قلبك و تسال الله ان يزيده بالاعمال الصالحة و ورد في الصحيح " ان الايمان يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية " و هذا اجماع عند اهل العلم جميعا ان الايمان يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية و عليك بزيادة الطاعات ، و اذا الايمان ضاع فلا امان و لا دنيا لمن لا يحي دين و من رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرين ، " يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله " و لان الشاب اذا استقام حاله في اول الطريق ليس كحالة بعد فترة و يحب طاعة الله و يحافظ علي السنة و النوافل و يهتدي بهدي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، الذي دعانا الله اليه في الوحي هو نور الله الذي ارسله الينا و لا يغرنك الحياة البهيمة التي يعشها البعض فانه لا صلاة و لا طاعة ولا ذكر ويقال انها اجسام البغال و احلام العصافير ، ويقول سبحانه وتعالي لاعدائه المنافقين " و اذا رايتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة " فالله جعل الوحي المنزل علي سيدنا محمد سبب للحياة و من لا يهتدي بالهدي الذي ارسله الله فانه ميت و لو كان ياكل و يشرب لان الحي هو الذي وصل اليه النور فعاش بهذا النور و يفسر ذلك قوله سبحانه " او من كان ميتا فاحييناه و جعلنا له نور " هل يستوي انسان عمر قلبه بالايمان و بطاعة الرحمن وبتلاوة القران مع احد ليس له اتصال بالايمان او بطاعة الرحمن وليس له محبة في اتباع هذا الطريق هل يستون ؟ ! " او من كان ميتا فاحييناه " و حملت علي معنين الاول او من كان ميتا في عالم العدم ثم احياه الله و قال المعني الثاني او من كان ميتا بالكفر فاحياه الله بهذا النور و هذا الوحي الذي بعث به سيد ولد ادم عليه السلام فقال " احييناه وجعلنا له نور يمشي به في الناس " و زاد علي ذلك و يمشي به في الناس اي انه ينشر العلم و مفيد لسواه و انه يامر بالمعروف و ينهي عن المنكر و ليس هذا النور مكتوم او مغيب و لما دخل النور قلبه و الايمان صدره صار به في الناس يعلم و يعظ و يفتي و هذا هو الحي صراحة .

قال استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحيكم ، فالحياة كل الحياة فيما بعث به سيد الخلق عليه الصلاة و السلام و لا يغرنك الحياة البهيمية التي مثل التمدن و الحضارة التي انفصلت عن الاسلام ، فالاسلام جاء لعمارة الدين والقلب و عمارة الدنيا والاخرة ، لكن الحياة المادية التي الغت الايمان و الاسلام انما تري الحياة الدينا فقط و تري و تنظر الي جدار الغرفة فقط و تريد المحسوس المادي فقط لذلك يقول الله تبارك وتعالي "يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون بل هم في شك منها بل منها عمون ،فجعلهم " صم بكم عمي فهم لا يرجعون " و سبحانه وتعالي يقول " ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا " من عطل الايمان وا لقران قال " ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا " فالانعام تهتدي الي ماكلها ومشربها لكن هؤلاء عطلوا العقل حتي يقول عنهم سبحانه وتعالي " لهم قلوب لا يسمعون بها و لهم اعين لا يبصرون بها و لهم اذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اؤلئك هم الغافلون فدل علي ان الحياة الصحيحة هي حياة الاستجابة .

ابو بكر الصديق انما سمي لما صدق ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم فما يعرف في العالم الا الصديق ، و علي العكس مسيلمة الكذاب لما كذب ما يعرف في العالم الا الكذاب ، فصار ابو بكر في الجاهلية عتيق و في الاسلام صديق لانه كان يصدق ما جاء به محمد صلي الله عليه و سلم ، وخرج من ماله و وقته و ارضه و علمه و تجارته و صدق في المواطن كلها ، و تسال الصحابة منهم من عمل بعلمه مثل ابي بن كعب و حنظة و هو عريس في اليوم الاول و قاتل و غسلته الملائكة بين السماء و الارض ، و يذكر في السنن ان النبي صلي الله عليه سلم قال يا ايها الناس اجلسوا فجلس عبد الله بن رواحة في خارج المسجد و قال له الصحابة مالك قال سمعت النبي يقول اجلسوا فما كان لي ان اخطوا خطوة واحدة ، و هي الاستجابة و الصحابة لما بلغهم تحريم الخمر و قول " هل انتم منتهون " اراقوا الخمر في السكك وقالوا انتهينا، و انت لا يكون في صدرك حرج هل تنتهي ام لا ، هل تاتي الي المسجد ام لا ، هل تعمل علي طلب العلم و اتباع السنن هذت يا اخي نور من الله في الله معني ذلك ان غيره هو الهلاك ، اما المتذبذب هذا مثل الحمار في قصصص الهند ،فقد ذكر حمار انه جوعان فذهب الي الرسيم فلما اقترب تذكر انه عطشان فذهب الي النهر فلما اقترب تذكر انه جوعان فرجع و هكذا و مات بينهما لم يشرب و لم ياكل ، قال الشاعر :

و مشتت العزمات ينفق عمره حيران

و بعض الشباب الان يشتت في الكليات هل يدخل الشريعة ام الطب و يمكث في الاولي سنه ثم سنة في الثانية سنة و يقول صعبة ، الاقتصاد احسن و يذهب سنة الي الاقتصاد سنة و هكذا يضيع عليه سنوات من عمره و هو مذبذب ، والله انكر علي المذبذب في الشريعة او الاعتقاد " لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء " وهذا مثل المنافق ، يعني فرقة من الغنم تاتي شاة فتدخل في هذه مرة و في هذه مرة ، مرة في اهل الايمان ومرة في اهل الكفر ، " واذا خلوا الي شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن " ، قال الله " الله يستهزأ بهم و يمدهم في طغيانهم يعمهون " و هذا حال الكثير من الناس ما استجابوا، وهنا كان السلف و الصحابة يضربون اروع الامثلة في ذلك ، حتي انه لما ناداهم في بدر ، قام المقداد بن عمرو والقي خطبة و قال يا رسول الله و الله ما نقول لك كما قال اليهود اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ولكن نقول اذهب انت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون و النبي صلي الله عليه وسلم يريد الانصار لانهم بايعوه علي النصرة داخل المدينة ، و بدر خارج المدينة ، و قام سعد بن معاذ كانه علم في راسه نار و قال رضي الله عنه " كانك تريدنا يا رسول الله ، قال نعم ، قال يا رسول الله سر حيث امرك الله و اقطع ما شئت و حارب ما شئت و سالم ما شئت و اعطي ما شئت ، يا رسول الله و الله لنقاتل بين يديك و عن يمينك و عن يسارك ومن خلفك و الله يا رسول الله لو استعرضت بنا برك الغمام لخضناه معك ، والله لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف رجل يا رسول الله انا صبر في اللقاء صدق في الحرب و عسى الله ان يريك منا خير " فتهلل و جه النبي صلي الله عليه وسلم ، ودعا لسعد هذا ، ولما قتل سعد هذا اهتز عرش الرحمن ، و حسان يقول :

و اهتز عرش الله لموت هالك سمعنا به الا لسعد ابي عمي

رضي الله عن سعد لاستجابته وصدقه و كانت استجابة الصحابة علي حسب الاستعداد صاحب المال ينفق المال مثل ابن عوف ، و صاحب العلم سخر العلم للتعليم كابي و ابن عباس و ابو هريرة و معاذ ، و صاحب الجهاد بجهادة كخالد ومصعب و غيرهم كل علي حسب استعداده .

و النبي صلي الله عليه وسلم لما قال من يجهز جيش العسرة وله الجنة قال عثمان انا يا رسول الله فجهز الجيش كله فقال صلي الله عليه وسلم " اللهم اغفر لعثمان ما تقدم من ذنبه و ما تاخر " فما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ،كان حقا علينا ان نحبهم وان نتولاهم و ابن يتمية يقول اذا ذكر لهم من الذنب فانه قليل يذوب في بحار حسناتهم ، و نكف عما شجر بينهم و لا نلقي الاخبار والاحاديث عما حدث بينهم و الذي يحب هذا الكلام من علامات النفاق ، لانه المجتهد المصيب منهم له اجران و المخطي له اجر واحد ، لابد ان نعرف ان حياتنا موسم للاستجابة و ان لم ننفقها في الاستجابة فعمرك في الخطا ، فمن الناس من يعيش عمره لا يعرف من الكتاب شئ او من السنة او شئ حسن او سمعة طبية و لم يقدم خير او معروف فتجد حياته ضياع في ضياع بسجائرة و غنائه و عبثه ، يا اخي اياك و الشيطان ، واقبح من ذلك شيخ عقله عقل شاب .

فالاستجابة الي الله مطلب كل مسلم و هو الواجب الشرعي علي الجميع و ما يخرج عنها احد يا اخوة ، ابن تيمية قال : من اعتقد انه سوف يهتدي لهدي غير هدي الله الذي بعث به الله محمد صلي الله عليه وسلم فعليه لعنة الله و الملائكة والناس اجمعين و لا يقبل منه صرف و لا عدل و لا يزكيه ولا يكلمه و له عذاب اليم ، حياتك مرهونة بهذا النور الذي بعث به محمد صلي الله عليه وسلم .

اسال الله سبحانه وتعالي باسمه الاعظم الاكرم الاجل و هو الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وهو الحي القيوم ان يجعلنا من المستجيبين له و للرسول عليه الصلاة والسلام و ان يكرمنا بجوار محمد سيد الخلق في الفردوس الاعلي و صلي الله و سلم علي محمد و علي و اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا و الي اللقاء .

المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=405_0_2_0