التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول - الدرس (43-70) : الحب من خلال القرآن الكريم
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2009-02-14
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الحب من خلال القرآن الكريم :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول" ألا وهو موضوع: "الحب".
الحب هذه الكلمة الساحرة، ذات الظلال الرقيقة والمحببة في النفس البشرية، يعكس الإسلام لها فهماً خاصاً، لأنه يعترف بعاطفة الحب على أنها واحدةٌ من أهم الدوافع الإنسانية، والمحركات الفعالة في السلوك الفردي والجماعي، لكن البطولة أن تعرف من تحب وكيف تحب.
شيء آخر الحب ثلث الإنسان، لأن الإنسان عقلٌ يدرك، وقلبٌ يحب، وجسمٌ يتحرك، وغذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، فإذا لبيت حاجات العقل والقلب والجسم معاً تفوقت، أما إذا لبيت واحدة تطرفت، وفرقٌ كبير بين التطرف والتفوق.
أيها الأخوة، مرة أحد كبار الأساتذة في كلية التربية درست فيها ثلاثين عاماً، تقاعد أحد الأساتذة، أُقيم له حفل وداع كبير جداً، هو أستاذ علم النفس، فقال كلمة تأثرت لها كثيراً، قال: أي إنسانٍ لا يشعر بحاجةٍ إلى أن يُحِب، كما أنه لا يشعر بحاجةٍ إلى أن يُحَب ليس من بني البشر ، إذا كنت من بني البشر ينبغي أن تشعر بحاجة إلى أن تُحِب أو إلى أن تُحَب.
بنية الإنسان النفسية مبرمجة من قِبل الله على محبة ما أمر به وكره ما نهى عنه :
أيها الأخوة، النقطة الدقيقة جداً أن لك فطرة، جِبلّة، خصائص، هذه الفطرة مبرمجة على منهج الله، أي شيءٍ أمر الله به جُبلت على محبته، وأي شيءٍ نهاك الله عنه جُبلت على كراهيته، شيء رائع جداً أن بنيتك النفسية، خصائصك النفسية، فطرتك، جِبلتك، مبرمجة من قِبل الخالق العظيم على محبة ما أمرك به، وعلى كره ما نهاك عنه، والدليل:
﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
[ سورة الحجرات الآية : 7 ]
فأنت لمجرد أن تطيع الله اصطلحت مع نفسك، وشعرت براحة لا توصف، وكأن جبالاً أزيحت عن كاهله لمجرد أنك اصطلحت مع الله.
أنواع الحب :
أيها الأخوة، ولكن هناك حبٌ حسي وهناك حبٌ عقلي، فكلما ارتقى الإنسان أحبّ بعقله، وكلما هبط مستوى الإنسان أحبّ بحواسه، كلما ارتقيت تحب بعقلك، وكلما هبط مستوى الإنسان يحب بحواسه، الدليل القطعي أن الله عز وجل قال في القرآن الكريم يحدثنا عن سيدنا يوسف:
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾
[ سورة يوسف الآية : 33 ]
دُعيَّ إلى أن يلتقي مع امرأة العزيز لقاءً زوجياً، لو عرض هذا الشيء على مليار شاب الآن يراه غنيمة كبيرة، بينما سيدنا يوسف رأى في هذا الشيء بُعداً عن الله، فكرهه بعقله مع أن طبيعته الجسمية ترغب في ذلك،
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾
وما في إنسان الآن عظيم إلا أحب بعقله، الحد الأدنى الذي أخذ شهادة عليا أحب الدراسة بعقله، ترك اللقاءات، والسهرات الممتعة، واللقاء مع الأصدقاء، والنوم المديد، والطعام الطيب، والنزهات تركه كله، لأنه أحب أن يكون إنسان مرموق في المجتمع فدرس فالإنسان لن يكون عظيماً في الدنيا إلا إذا أحب بعقله، وأبغض بعقله، أما إذا أحب بحواسه دمر نفسه، وأبسط شيء الطعام والشراب، الذي أحب الطعام والشراب ولم يحكم عقله في الأمر يعني أصيب بأمراض وبيلة، يجب أن تحب بعقلك، وأن تكره بعقلك، وهذا علامة الرقي.
عدم ارتقاء الإنسان إلا إذا كره بعقله وأحبّ بعقله :
الآن ربما أحببت بحواسك فهلكت، وربما كرهت بحواسك فنجوت، قال تعالى:
﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة البقرة ]
أوضح مثل هذا اللقاء الطيب، تستيقظ قبل الفجر وتتوضأ، وتنتقل من بيتك إلى المسجد، والجلسة على الأرض، ولا يوجد ضيافة إطلاقاً، وتعود، ولكن تشعر بسعادة لا توصف، لأنك ذكرت الله في وقت القرب.
(( ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْواً ))
[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك عن أبي هريرة ]
فكلما ارتقيت تحب بعقلك وتكره بعقلك، وكلما هبط مستوى الإنسان أحبّ بحواسه، بقي نائماً، أكل ما شاء، نظر إلى من يشاء، من دون ضابط، من دون قيد، من دون قيمة، فأنت يمكن أن تمتحن نفسك، هل تحب بعقلك؟.
مرة كنا في جلسة قُدمت ضيافة طيبة جداً لكنها لا تريح الجسم، هناك طبيب قلب دُعي إلى أن يأكل فرفض، اعتذر طبعاً، فلما أصر صاحب البيت عليه أن يأكل، قال له: والله أحب هذا الطعام أكثر منكم جميعاً، لكنني لكثرة ما أرى الشرايين مسدودة ـ هو عمله طبيب جراح ـ أكره هذا الطعام.
أحياناً الإنسان يكره بعقله ويحب بعقله، لا يرتقي إلا إذا كره بعقله وأحبّ بعقله، موضوع الطعام والشراب، موضوع الدراسة، موضوع السير إلى الله عز وجل، مجاهدة النفس والهوى، كل هذا السلوك أساسه حب عقلي، لكن الحب الحسي يتناقض معه، النوم أريح من حضور الدرس، إذاً
﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
من أحبّ غير الله عز وجل ظلم نفسه :
أيها الأخوة: الآية الأساسية في هذا اللقاء الطيب.
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾
[ سورة البقرة الآية : 165 ]
أحب المال، أحب النساء، أحب الكِبر ـ أن يكون كبيراً عند الناس ـ أحب السيطرة، أحب أشياء كثيرة،
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾
أي يحبونهم حباً كما ينبغي أن يحب الله عز وجل، يبيع حياته من أجل هذه الشهوة، يموت من أجلها، التعليق الرائع:
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
[ سورة البقرة الآية : 165 ]
الله عز وجل هو أصل الكمال و الجمال و النوال :
لكن النقطة الدقيقة:
﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾
[ سورة البقرة الآية : 165 ]
الذي أحبّ غير الله أحبّ الدنيا، أحبّ أموالها، أحبّ نساءها، أحبّ بيوتها، أحبّ قصورها، أحبّ مركباتها، أحبّ مناصبها .
﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾
يوم القيامة:
﴿ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ﴾
[ سورة البقرة الآية : 165 ]
هنا القوة بمعنى قوة الجمال، هو لماذا أحب المرأة ؟ لأنه أُخذ بجمالها، لو يعلم علم اليقين أن أصل الجمال هو الله، وأن أصل الكمال هو الله، وأن أصل النوال هو الله، لذلك يتألم أشد الألم حينما تبع فرعاً ضئيلاً ونسي الأصل .
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾
أي ظلموا أنفسهم حينما أحبوا غير الله .
﴿ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾
يوم القيامة طبعاً حينما أحبوا غير الله، اعتدوا على الآخرين، الحب قادهم إلى العدوان
﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾
أن أصل الجمال، وأصل الكمال، وأصل النوال، هو الله .
﴿ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾
[ سورة البقرة الآية : 165 ]
علة خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله :
الإنسان أيها الأخوة مجبولٌ على حب الكمال، والجمال، والنوال، يحب العطاء، ويحب الكمال، ويحب الجمال، الآن هذا الحب قد يكون ادعاءً، قال تعالى:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
[ سورة المائدة الآية : 18 ]
ادعاءً ، ردّ الله عليهم:
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
[ سورة المائدة الآية : 18 ]
والمسلمون إذا قالوا: نحن الأمة المختارة، نحن:
﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية :110]
نحن أمة الوحيين، نحن أمة سيد الخلق وحبيب الحق، الرد جاهز:
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
ليس لكم ولا ميزة ما دمتم لا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر، قال تعالى:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 110 ]
علة خيريتنا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننهَ عن المنكر، أو أمرنا بالمنكر ونهينا عن المعروف، أو أصبح عندنا المعروف منكراً والمنكر معروفاً، لسنا
﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
بل نحن أمة كأية أمةٍ خلقها الله عز وجل، ليس لها أي ميزة.
من هان أمر الله عليه هان على الله :
لذلك ملخص الملخص هان أمر الله علينا فهنا على الله، لأن الله عز وجل قال :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 31 ]
علامة حبكم اتباعي، فإن لم تتبعوا رسول الله فهذا دليلٌ قطعي على أنكم لا تحبون الله عز وجل.
مرة قلت: من منكم يصدق ـ وهذا هو الحق ـ أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، فرض عين لقول النبي:
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
أي سمعت درساً تأثرت فيه، انقل الذكرى إلى من حولك، إلى زميلك، إلى صديقك، إلى جارك، إلى ابنك، إلى أخيك، إلى أصهارك، إلى بناتك، إلى زوجتك.
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
والدليل:
﴿ وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ * ﴾
[ سورة العصر ]
التواصي بالحق ربع النجاة، فما لم تتواصَ بالحق فلست ناجياً، والدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط، أما كفرض كفاية فتحتاج إلى تفرغ، وإلى تبحر، وإلى تعمق، وهذا الذي بهذا المستوى يستطيع أن يرد على كل الشبهات، وأن يجيب عن كل الأسئلة، هذا التفرغ, والتعمق، والتخصص، والتبحر، هذا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، لذلك،
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
علامة المتبع لرسول الله أنه يدعو إلى الله على بصيرة :
الآن الاتباع:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
[ سورة يوسف الآية : 108 ]
فعلامة المتبع لرسول الله أنه يدعو إلى الله على بصيرة، أي ما خطر ببالك مرة أن تقنع إنساناً بالدين؟ قريب، جار، صديق، شريك، تقنعه بشيء من عظمة هذا الدين، تدعوه إلى درس علم، تقدم له شريطاً، تدعوه إلى قراءة كتاب، ما خطر في البال إطلاقاً؟ لذلك ورد:
(( أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها قال: إن فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين؟ قال : اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط ))
[ أخرجه الطبراني عن جابر بن عبد الله ]
والآن هناك حالات هو مستقيم، وبيته إسلامي، ودخله إسلامي، لكن لم يخطر في باله لثانية أن ينقل الحق لإنسان:
(( قال: اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط))
أيها الأخوة، إذاً :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 31 ]
دقق في الآيات:
﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴾
[ سورة الإنسان الآية : 8 ]
من آثر رضاه على رضا الله فالطريق إلى الله غير سالكة :
لكن الآية التي تقصم الظهر:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا ﴾
[ سورة التوبة الآية: 24 ]
الطريق إلى الله غير سالكة، أي إذا أحببت تجارة فيها معصية، أو فيها شبهة، أو فيها بضاعة محرمة، أو علاقة محرمة آثرتها على طاعة الله فالطريق إلى الله ليس سالكاً، إذا أحببت زوجتك وهي متفلتة من الدين، ولم تعبأ بنصحك، فالطريق إلى الله ليس سالكاً، إذا أحببت شيئاً ما سوى الله، وكان هذا الشيء لا يرضي الله، وثبت على محبته، ولم تعبأ بمحبة الله، فالطريق إلى الله ليس سالكاً لذلك:
﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
[ سورة آل عمران ]
الله عز وجل يحب :
1 ـ المحسن :
أيها الأخوة، من هم الذين يحبهم الله؟ طبعاً نحن جميعاً نحب الله، لكن محبة الله لنا أهم بكثير من محبتنا له، محبتنا له شيء طبيعي منحنا نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، لكن البطولة أن يحبك الله، من هؤلاء الذين يحبهم الله عز وجل؟ قال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[ سورة البقرة ]
هل أنت محسن؟
﴿ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
والمطلق على إطلاقه، هل أنت محسن في بيتك؟ في عملك؟ في تجارتك؟ في حرفتك؟ في طبك؟ في هندستك؟ أنت محام، هل أحسنت كتابة المذكرات؟ هل كنت مخلصاً للموكل أم أهملت قضيته وابتززت ماله؟ هل أنت محسن؟ أنت معلم هل أنت محسن؟ طبيب أتقنت اختصاصك؟ اعتنيت بالمريض؟ كلمة إحسان مطلقة،
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
طريق محبة الله بيدك، أحسن يحبك الله.
2 ـ المقسط :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
[ سورة المائدة الآية : 42 ]
تأتي ابنتك إلى البيت تشكو زوجها، تقول لها: اجلسي لن ترجعي إليه، لن أرسلك له، هل سألته ماذا فعلت معه؟ أنت الآن قاض استمعت لابنتك فقط ولم تكلف نفسك أن تسأله باتصال هاتفي لعلها أساءت إليه، لست منصفاً، أحياناً يعطي كل ثروته للذكور، ويحرم البنات، لماذا؟ يخاف المال أن ينتقل إلى الأصهار، لأن الله عز وجل حينما وزع الإرث بذاته العلية نزل التوزيع بالقرآن، فأنت تجتهد ألا نعطي البنات؟! اعملوا وكالة عامة لأخيكم بالقهر .
(( إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت فَيضِران في الوصية، فتجب لهما النار ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]
أنت محسن مع أولادك ؟ هل عدلت بينهم ؟ كلمة واسعة جداً محسن ومقسط .
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
عادل ، عندك زوجتان، لماذا كره النساء التعدد؟ يكرهونه كراهة تحريمية لأن النساء لم يروا تعدداً عادلاً ، رأوا تعدداً ظالماً فكفروا بالتعدد، إذا كان عندك زوجة ثانية هل تعامل الاثنتين في المسكن، وفي الطعام والشراب، وفي الوقت، والإقامة، و الإنفاق، والود معاملة واحدة؟ لماذا مع الجديدة أنت منطلق الأسارير ومرح وتأخذها نزهات كثيرة ومع القديمة أنت عبوس قمطرير لماذا؟ لست منصفاً، لذلك
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
3 ـ التواب :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾
[ سورة البقرة الآية : 222 ]
الذي يتوب من كل ذنب ويتوب من قريب .
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء ]
4 ـ المتطهر :
إن الله:
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾
[ سورة التوبة ]
طهر نفسه من السِوء، من الأدران، من الشهوات، من الحقد، من الكبر، من الاستعلاء، من التحدي، طاهر، مستقيم.
5 ـ الصابر :
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 146 ]
﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً ﴾
[ سورة ص الآية : 44 ]
﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾
[ سورة ص الآية : 30 ]
هل أنت صابر على قضاء الله وقدره؟ هل أنت صابر عن معصية الله ؟ هل أنت صابر على طاعته؟ ينبغي أن تصبر على طاعته، وعن معصيته، وعلى قضائه وقدره
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
6 ـ المتوكل :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 159 ]
خالق السماوات والأرض، بيده كل شيء، توكل عليه.
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾
[ سورة النمل ]
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾
كلمة واسعة تبدأ من طهارة الجسم، إلى طهارة الثياب، إلى طهارة المكان، إلى طهارة المنزل، إلى طهارة النفس، لا يوجد حقد، ولا غل، ولا حسد، ولا خبث، ولا مؤامرة، ماذا قال سيدنا عمر ؟ "لست بالخَب ولا الخب يخدعني" .
أي لست من الخبث بحيث أَخدع، ولا من السذاجة بحيث أُخدع ، لست بالخب ولا الخب يخدعني.
7 ـ المتقي :
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾
[ سورة آل عمران ]
الذي يتقي أن يعصي الله.
الآيات واضحة جداً، طريق محبة الله لك بين يديك وسالك إلى الله، يحب المحسنين، والمقسطين، والتوابين، والمتطهرين، والصابرين، والمتوكلين، والمتقين.
الشارد عن الله عز وجل يحب الدنيا و ما فيها :
لكن الذين شردوا عن الله ماذا يحبون؟ قال:
﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾
[ سورة العاديات ]
يحب المال .
﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾
[ سورة الإنسان ]
أحب الدنيا وكفر، أما هناك موت، هناك قبر، هناك حساب، هناك عذاب، هناك نار، لم يدخل الموت في حسابه أصلاً،
﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾
علامة إيمان الإنسان أن يفرح لأخيه لا أن يعطي نفسه حجماً أكبر منها :
﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 188 ]
الآن معظم الناس يحب أن يعطي لنفسه حجماً كبيراً هو دونه بكثير، أي الأشياء الطبيعية يعزوها إليه، أما هؤلاء.
﴿ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
[ سورة النور الآية : 19 ]
هؤلاء:
﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 19 ]
أي الإنسان عندما يتمنى أن يسقط المؤمن أو يُدمر، بل إذا دمر يفرح، أكبر علامة نفاق أن تتألم إذا أكرم الله أخاك، أكرمه بمنصب، أكرمه بزوجة صالحة، أكرمه بشهادة عليا، أكرمه بتجارة ناجحة، علامة إيمانك أن تفرح له، وكأن هذا الإنجاز لك، وعلامة النفاق أن تتألم.
الله عز وجل جعل الحب اختياراً لا قهراً :
فلذلك:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 19 ]
أساساً الله عز وجل جعل الحب اختياراً، قال:
﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾
[ سورة فصلت الآية : 17 ]
والآن بشر كثيرون بعقلهم يختارون الدنيا ويرفضون الآخرة، يختارون المعصية ويرفضون الطاعة، يؤثرون علاقة مع امرأة لا تحل لهم على علاقته مع زوجاتهم، يؤثرون الدخل الحرام على الدخل الحلال:
﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾
ونسأل الله جلّ جلاله أن نكون عند ما ينبغي أن نكون، وفي لقاءٍ آخر إن شاء الله أتحدث عن الحب من خلال السنة النبوية، اليوم الحب من خلال القرآن الكريم.
والحمد لله رب العالمين
المصدر:
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=4246&id=150&sid=775&ssid=776&sssid=777