الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا والصلاة والسلام على أكرم خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نعود إلى نداء يا رب، يا رب إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعوة لا يستجاب لها، ربنا قد أعنتنا على ذكرك فنحمدك على كل تهليلة وتكبيرة وتسبيحة، سبحانك رزقتنا العقل والقدرة فنحمدك على كل ما يسرت لنا من العمل الصالح ونسألك ربنا أن تيسر لنا سبيل التوبة والإنابة وأن ترزقنا خشيتك في السر والعلن، نعود إلى نداء يا رب، قال أحد الصالحين ونحن نتكلم عن أحب منك دمعة.. قال أحد الصالحين: لله ملك السموات والأرض واستقرض منك حبة فبخلت بها وخلق سبعة أبحر وأحب منك دمعة فقحطت بها عيناك، البكاء.. البكاء هو إراقة الدموع من أثر الخوف من الله رب العالمين، وللتعبير عن الحزن الذي يكون في الفؤاد، للبكاء أنواع كثيرة، ما يهمني في هذه الحلقة أن نتكلم عن البكاء من خشية الله عز وجل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" وأيضا البكاء عند سماع القرآن.. يقول الله عز وجل: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} والبكاء بكاء الاعتبار والتدبر والخوف من الوعيد، يقول الله عز وجل: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} هنا الاعتبار والبكاء، إن من أحب الله سبحانه وتعالى اشتاق له.. ما إن أحب.. إن وقع الحب في قلب أي إنسان يشتاق وقد يبكي شوقا للمحبوب فإن كان هذا المحبوب بعيدا بكى من البعد ومن الحرمان وبكى لهفة وبكى حنينا وبكى طربا للقرب، قلت: من يحب.. وإن من أحب الله عز وجل بكى شوقا لرؤيته وبكى شوقا للقياه، ومن خاف الله عز وجل بكى خوفا من ذنوبه ومعاصيه فإن من خلا بنفسه ذكر الله، يجب أن تفيض هذه العين، يجب أن تبكي حينما تتذكر ما قصرت في حق الله عز وجل، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أربع من الشقاء: جمود العين، قسوة القلب، طول الأمل، الحرص على الدنيا" لماذا هذا الجمود؟ لماذا هذا الجمود في العين؟ جمود العين هو صفة وعلامة من علامات الشقاء.. لماذا؟ لأن القلب انشغل بالدنيا.. غفل عن الطاعات.. قسا.. جفا فجفت معه العين، عندها.. عندما تجف العين وما سبق من الأمور عندها يكون العبد قد سلب هذه النعمة ألا وهي هذه العين التي تقع بالدمعة وأن تبكي على كثرة الذنوب والمعاصي، عن أنس رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها من قبل فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، يقول أنس: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم وكانوا من شدة البكاء وكأن لهم خنين، ويصف هذا.. وصف أنس لحال الصحابة.. يقول أنس: فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد من هذا اليوم حين سمعوا هذه العبارة من الرسول عليه الصلاة والسلام هذا البكاء وهذه الخشية وهو في أجواء الذكر والعبادة والجهاد.. في أجواء مدرسة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن هذا البكاء من ماذا؟ لأنهم آمنوا وعرفوا وعلموا فكانت الأمور أمامهم واضحة جلية، وسبب هذا الأثر معها كان كبيرا.. كان هؤلاء الصحابة لديهم يقين بما يصفه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مما أعد الله تعالى في الدار الآخرة لأهل الإيمان ولأهل المعاصي حتى كان أحد الصحابة يقول: لقد رأيت الجنة والنار.. فسأل: أوحي بعد رسول الله؟ قال: لا بل رأيتهما بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى عنه: {ما زاغ البصر وما طغى} إنه الإيمان، إنه إيمان بالله وتصديق لمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا الذي ورث التقوى والخشية والبكاء عند الصحابة رضوان الله عليهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين.. قطرة دموع من خشية الله وقطرة دم تهرق في سبيل الله وأما الأثران فأثر في سبيل الله تعالى وأثر في فريضة من فرائض الله عز وجل" الله تعالى أحب منا الدمعة من خشيته.
روي عن الحسن البصري رحمة الله عليه قال: ما من قطرة أحب إلى الله من قطرتين: قطرة دمع في سواد الليل وقطرة دم في سبيل الله، قطرة الليل مع القيام.. مع الركوع والسجود وتذكر عظمة الله سبحانه وتعالى وتذكر التقصير.. سبحانه ربنا أحب الدمع من عين العبد وحرم على تلك العين النار بحق بكائه من خشيته.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عينان لا تمسهما النار.. عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله" العين تزرف الدموع وتبكي.. تبكي على أمور وأحداث كثيرة تمر ويتألم معها القلب مع أن صاحب هذه العين وأن كل هذه الأحداث من قدر الله سبحانه وتعالى، وهناك بكاء آخر بكاء.. المحبين والعاشقين حبا وهياما ولكن مع البكاء على الأحداث والبكاء على فقد المحبين للأحباب بالمقابل.. كم ذرفت هذه العين الدمع حين تتذكر عظمة المولى سبحانه وتعالى أو حين تتذكر واسع فضله وجزيل عطاياه؟ أعطى ربنا سبحانه وتعالى وتفضل علينا بالكثير.. فحين نرى هذا الفضل ونتذكر التقصير لماذا لا تدمع هذه العين؟ لماذا لا تدمع هذه العين؟ قال مالك بن دينار: ما عوقب عبد عقوبة أعظم من قسوة القلب وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم، ما هي هذه الرحمة؟ الرحمة إن دلت في القلب دلت على شيء تدل على هذه الرقة في القلب وعلى حنان القلب
وعلى شفافية القلب فنجده يرحم.. يرحم من هم أمامه، وكذلك هذا القلب إن كانت فيه شفافية وكان فيه الحنان وكان فيه الإيمان نزلت عليه الرحمة من رب العالمين، هذا القلب الرقيق كيف أصبح رقيقا؟ الرقة ما هي إلا نتيجة طبيعية للشوق أو نتيجة طبيعة للخشية والبكاء.. الأثر العملي الدال على هذه الرقة.. الدال على هذه الخشية.. يقول ابن قدامة المقدسي في كتاب الرق والبكاء: إن هذه القلوب- قلوبنا- تحتاج أن تمر بين فترة وأخرى على عبادات، هذه العبادات ندعوا الله سبحانه وتعالى إليها فيها في مجالس العلم.. في مجالس الذكر.. في الخلوات بينها وبين الله سبحانه وتعالى.. في جوف الليل لتصقل وتتعالج وتغتسل وتتطهر وتتذكر.. لماذا؟ لتعود صافية، لتعود نقية.. تعود على الفطرة السليمة وإلا لم نجد قلوبا خاشعة ولا عيونا باكية، هذا البكاء له فوائد إذا وجد عند الإنسان، أولا: البكاء دليل على خشية الله سبحانه وتعالى فيعرف الإنسان هذه العين إذا دمعت فهناك في داخل القلب خشية والبكاء دليل على صحة وصلاح العبد واستقامته، البكاء يورث الخوف من الله سبحانه وتعالى.. هو علامة على صحة الإيمان، البكاء طريق يوصل إلى محبة الله ورضوانه، البكاء دليل على رقة القلب واستجابته، البكاء علامة من علامات الخاشعين، ولكن ماذا يصفون البكاء الصح؟ البكاء.. يقولون عن الخائف: ليس الخائف من بكى ومسح عينيه ولكن الخائف من ترك ما يخاف أن يعاقب عليه من ذنوب ومعاص، لذا كان البكاء من خشية الله دلالة على الإيمان وصفاء الروح ونقاء السريرة، ونرى واقع ذلك في تأثر أهل الإيمان بالقرآن وذكر الساعة.. وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} وقال الله سبحانه وتعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} يا رب ارزقنا طاعتك.. كثرة السجود بين يديك وكثرة البكاء من خشيتك، اللهم اجعلنا من الأتقياء ومن الصالحين، هذه هي الدمعة التي أحبها الله سبحانه وتعالى، نستكمل الحديث حول: وأحب منك دمعة في اللقاء القادم إن شاء الله.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=1063_0_2_0