بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة و السلام على رسوله الكريم، يا رب سبحانك ربي لا إله إلا أنت، جئناك طائعين منيبين إليك مخلصين لك الدين، سبحانك ربي رفيع الدرجات ،واسع المغفرة،ربنا إلهنا سيدنا كم أعطيتنا ومنحتنا ورزقتنا وتفضلت علينا ،كم جبرت كسر قلوبنا، وفرجت همومنا، وكم دفعت من البلاء، وردت من قضاء، وهونت من شدة، وأزلت من قربة، وكشفت غمة.
كم هديتنا إلى خير، ويسرت لنا طريق الخير، وشرحت صدورنا لأهل الخير، ورزقتنا حب أهل الخير وصحبة أهل الخير، ومجالس أهل الخير، فلك الحمد ولك الشكر .
هذا جانب مما قد يتبادر إلى ذهن كل من يقف أمام الكعبة الشريفة. يقف بين يدي الله عز وجل يدعوه يناجيه، أو يطوف بالبيت العتيق، أو وهو يسعى بين الصفا والمروة يدعوا والرهبة تملأ القلب تملأ النفس، يردد أحقا أنا هنا أناجي ربي عند بيته .في هذا المكان الذي طاف به الكفار عراة يعبدون الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، في هذا المكان الذي سبح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الله المباركة، في هذا المكان جر بلال بن رباح على التراب تحت أشعة الشمس المحرقة، هنا عذبت سمية حتى نالت الشهادة، وهنا وقف بن مسعود يقرأ القرآن جاهر به فيضرب ويشج رأسه ،هنا عاش المسلمين الخوف على أنفسهم وعلى دينهم، حيث كان المسلم يكتم إسلامه والكافر يجهر بشركه وبعبادته الضالة، هنا في هذا المكان يتذكر دائما كيف تقدم الكفار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يساومونه، ويخيرونه، بين السيادة والسلطان والمنصب والمال والنساء على أن يترك هذه الدعوة فاختار الأصلح والأبقى. اختار الدعوة وشدة هذه الدعوة، فاختار التعب عليه الصلاة والسلام، اختار المشقة وذلك كان ثمن النصر والتمكين ،اختار عليه الصلاة والسلام سعادة الآخرة ودرجة الفردوس في هذا المكان، بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحابه جلوس وقد نشلت جزور أي" ناقة" في ذلك الوقت، فنادى أبو جهل فقال أيكم يقوم إلى سل الجزور أي"أمعائها "فيلقيه على كتف محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذ الأمعاء فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعها على كتفه الشريفتين صلى الله عليه وسلم فاستضحك القوم هنا في هذا المكان .
جلس محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن والناس تمر وتستمع،ومنهم من يستمع فيرق قلبه،ومنهم من يعرض،ومنهم من يسخر،ومنهم ممن حذره الناس فخشي أن يستمع فيتأثر فحشى أذنه بالقطن حتى لا يصل إلى سمعه القرآن الكريم.
وما كان بكل ما فعلوه من أثر على استمرارية دعوة الله عز وجل،ولا على همة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.فما يأس ولا كل ولا مل ولا ركن إلىهم ولا إلى دنيا إنما كان كأنما رفع له علم فشمر له وكان قول الله تعالى فيه {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} كان يعرفون هذه الآية أن هناك يوم ستكون الغلبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم،وكان يخفف عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ما كانوا يعانون حين يقرأون القرآن ويستشعرون معية الله سبحانه وتعالى
وأن النصر قادم تلك الصورة الرائعة للنبي القائد في دعوته وثباته وتحمله من مشاق.وصبره على البلاء.ومع كل هذا كان في قلبه أمل وثقة بالله سبحانه وتعالى ليس لها حدود.حتى أنه بشر سراقة يوم الهجرة بسواري كسرى في لحظة هو مطارد فيهاليس معه جيش،ولا سلاح يبشر سراقة بسواري كسرى،لأن أمله بالله صلى الله عليه وسلم كان كبير،وكان جهده من أجل أن يخرج الله تعالى الناس من الضلالة إلى النور وكان عمله صلى الله عليه وسلم أن يخرج الله سبحانه وتعالى من أصلاب هؤلاء الناس من يحمل هذه الدعوة وينصرها .
ان في هذا المكان استنجد خباب بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين اشتد أذى الكفار قائلا يا رسول الله ألا تدعوا لنا ألا تستنصر لنا تعبوا تعبوا من معانات التعذيب،فيجيب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المكان في مكة"أنه كان في الذين قبلكم ليؤتى بالرجل فيحفر له في الأرض حفرة فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يرده ذلك عن دينه"
في هذا المكان علينا أن نقف ونتذكر ونحن ننظر إلى البيت الحرام نتذكر إبراهيم عليه السلام وهاجر.
تلك الزوجة الصابرة المحتسبة التي تركها زوجها في وادي غير ذي زرع أي امرأة منا تقف هذا الموقف ؟ وها هي هاجر تسأل الزوج حين تركها زوجها الحبيب وهو يودعها لمن تتركنا؟؟يرد عليه السلام"لله"رد الزوجة الصالح المؤمنة إذا لن يضيعنا .
لنتذكر ونحن ننظر إلى الكعبة إسماعيل عليه السلام،ذلك الشاب الذي كان يساعد أباه في بناء الكعبة.
ذلك الشاب الذي يستسلم لرؤيا والده، ويردد "يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين"
يا سلام ما هي مشاعرنا ونحن نتذكر كل هذا؟؟ ونتذكر وقفة أبي بكر،وإيمان السيدة خديجة ، نحن نتذكر قوة عمروهو يهاجر جهرا لا يخشى أحد. أحداث كثيرة يجب أن تمر في مخيلتنا ونتذكرها ونحن نقف ونطوف بالكعبة، ونحن نقرأ القرآن ،أو نحن نرى الجموع تطوف آمنة مطمئنة، تقف تتعبد تبتهل فما فنراهم ما بين مصلى ،وآخر متعلق بأستار الكعبة، وأخر ينحر عند المزدلفة، والآخر في سجود يهتز وهو في سجوده، في أنين وبكاء على ما فرط في جنب الله ويطلب المغفرة، أو لنستمع لصوت دعاء الجموع يرددون ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. أمام هذه الصورة من الأمام في أداء العبادات ومن الحث والتشجيع على الطاعات ،وصورة الأفواج وهي تردد وهي فارة راكبة إلى الله عز وجل، وهي تردد لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنها قادمة قادمة لتعلي إسلامها وخضوعها وعبوديتها لله سبحانه وتعالى، لا يقف أمامها شيء ولا يقف في تقربها لله تعالى شيء.
هذا الآمان الذي نحن فيه فما حجة المتهاونين والمتكاسلين عن طاعة الله وعن لزوم أوامره؟؟ما حجة المعرضين والمستكبرين عن عبادة الله سبحانه وتعالى؟؟ ما حجة من يطوف بالبيت فيسأل ربه الكثير من حاجات الدنيا وهو في نفس الوقت لا يؤدي ما عليه من الواجبات؟؟ أما حان لنا أن ننفض الغبار ونصحوا من الرقاد، أما آن لنا أن نجدد العهد مع الله سبحانه وتعالى ،أن ننطلق بعزمة جديدة، وهمة عالية، وعقل راشد ،وفكر سديد ،ونتذكر ونحن نغادر مكة ونودعها أن نعاهد الله عز وجل على مواصلة العبادة والاستزادة من الطاعة وسؤال الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على طريق الحق، وأن نتذكر أننا حملة رسالة ودعوة ومنهج ونحن في الكعبة وحينما نستمع للآذان لنتذكر بلال، دعونا نطوف ونتذكر إخواننا الذين سبقونا بالإيمان ونحن نسعى بين الصفا والمروة نتذكر هاجر وهي تبحث عن الماء لسبيلها، ولنستشعر الآمان اللي نحن فيه اليوم. ونحن نغدوا ونروح من أي مكان إلى المسجد الحرام لا خوف. سواء كان هذا في نهار، أو في ليل. يا رب لا تجعل هذه الزيارة أخر عهدنا ببيتك، يا رب اكتب لنا فيه عمرة وحجة وصلوات، يا رب املأ قلوبنا بحب البيت الحرام، يا رب لا تحرمنا انشراح الصدر بطاعتك، وأنس الراحة بعبادتك، وألقاكم في حلقة أخرى من نداء يا رب .
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=1062_0_2_0