ندوات تلفزيونية - قناة الرحمة - ندوات مختلفة - ندوة ( 3 ) : مجلس الرحمة ، أسلوب وخصائص الدعوة .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2012-12-13
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، مشاهدينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة لله وبركاته ، أهلاً بحضراتكم وحلقة خاصة من حلقات برنامجكم "مجلس الرحمة" أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله رحمة، وأن يجعله في ميزان حسناتنا يوم نلقاه، وأن يرزقنا الصدق والإخلاص والتوفيق والقبول والسداد والرشاد ، إنه نعم المولى ونعم النصير.
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
[ سورة فصلت الآية: 33]
هذا عنوان حلقة اليوم، قال تبارك وتعالى:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
[ سورة النحل الآية: 125]
وقال تعالى:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾
[ سورة يوسف الآية : 108 ]
إنها النداء لجمع الناس على ما أمروا به ، وحثهم على العمل به ، إنها مفتاح النفس الإنسانية التي جبلت على طلب الخير ، ودفع الشر ، إنها الدعوة التي تطهر القلب ، وتزكي النفس، وتقوم الفكر ، وتدحض الزائف ، وتقيم الحجة ، ما أجملها من كلمة ، وما أعظمه من عمل يقرب إلى الله ، إنها الدعوة ، طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ، تعرف الله ، وتعرف شريعته، وتعرف الثواب والعقاب ، لها أركان ، وفضائل ، وخصائص ، ومنهج ، تعالوا بنا لنتعرف على هذا السبيل ، وطريقته ، فحاجتنا لذلك أشد من حاجتنا لطعام أو شراب ، فالدعوة لا يستقيم العالم إلا بها ، ولولا ذلك لعاش الناس في فوضى ، كيف نؤديها أحسن أداء ، كيف نقيمها أتم قيام ، كل هذا نتعرف عليه في هذا اللقاء المبارك مع علم من أعلام الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي هو عالم لا يحتاج إلى تعريف ، لأن المعرف لا يعرف.
معنا فضيلة العالم الجليل الأستاذ الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً وسهلاً.
الدكتور راتب:
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
سعداء بحضرتك، وشرف لنا أن تكون معنا، ربنا يبارك بحضرتك يا رب ، سوف أبدأ مع حضرتك أستاذنا الجليل في موضوع مهم جداً ، موضوع الدعوة إلى الله في ظل الصراعات الموجودة الآن، وفي ظل الكلام الذي يقال من هنا وهناك، وفي ظل الأساليب المختلفة من بعض الدعاة ، من بعض الخطباء ، من بعض المتحدثين ، الكل بلا استثناء ، الكل له وعليه ، نحتاج الآن إلى أن نضبط كلامنا ، نحتاج من حضرتك في هذا اللقاء المبارك أن تبين لنا في البداية أفضلية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
أفضلية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى :
الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
الحقيقة الدقيقة : أن فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، فإذا قال الله في كتابه الكريم :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[ سورة فصلت الآية : 33 ]
أي كأن الآية تقول : ليس على وجه الأرض إنسان أفضل عند الله :
﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم ، وحبيب الله ، قال الله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾
[ سورة الأحزاب الآية : 45]
ولكن هذا النبي الكريم قمة المجتمع النبوي ، قمة البشر ، بلغ سدرة المنتهى ، عصمه الله من أن يخطئ بأقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، هذا النبي الكريم من أجمل الخلق ، حبيب الحق ، سيد ولد آدم ، ومع كل هذه الخصائص ، ومع كل هذه الصفات ، ومع كل هذا التفوق ، الله عز وجل يقول له : أنت ، أنت ، أنت يا محمد :
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 159 ]
يخاطب قمة المجتمع البشري ، يخاطب سيد الخلق وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم أنت بالذات :
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
فكيف بإنسان ليس نبياً ، ولا رسولاً ، ولا يوحى إليه ، ولا معصوماً ، ولا ، ولا ، وفي دعوته غلظة ! كيف ؟ أرسل موسى ، هو نبي من أولي العزم :
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾
[ سورة طه الآية : 43 ]
فإذا كان نبي كريم من أولي العزم كلفه الله أن يخاطب فرعون خطاباً رقيقاً فكيف بداعية يغلظ في كلامه ويتهم ويصنف ويكفر ويشرك ؟
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾
لأن الله سبحانه وتعالى هو خالقنا ، هو الذي أبدعنا ، وخلقنا ، ونحن في قبضته ، ومع ذلك ما أراد أن تكون علاقتنا به علاقة إكراه ، قال :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
[ سورة البقرة الآية : 226 ]
نحن في قبضته ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، تفوقنا بيده ، رزقنا بيده ، نحن في قبضته ومع كل ذلك ما أراد أن تكون العلاقة به علاقة إكراه ، بل علاقة حب ، قال :
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
[ سورة المائدة الآية : 54 ]
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
[ سورة البقرة الآية : 165 ]
فكأن الله أراد جل جلاله أن تكون علاقة عباده به علاقة حب ، ولو أرادها على خلاف ذلك :
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ﴾
[ سورة يونس الآية : 99 ]
هذا الإيمان القسري لا يسعدنا ، لأنه لا يقربنا إلى الله ، أما الإيمان الطوعي فهو الذي يرقى بنا إلى الله عز وجل ، لذلك أساس العلاقة التي أرادها الله بينه وبين عباده هي علاقة حب .
الدين الإسلامي دين توقيفي :
الشيء الدقيق الثاني : الآن هذا الدين دين توقيفي ، معنى توقيفي لا يضاف عليه ولا يحذف منه ، هذا الدين لا يمكن أن نحدث فيه ما ليس منه ، ممكن أن نطور الخطاب الديني أما كدين ، كنصوص ، كآيات ، كأحاديث ثابتة ، لا يضاف عليها ، ولا يحذف منها ، لذلك هذا الذي يقول تجديد في الدين ، أنا أقول: الدين لا يجدد ، لكن الخطاب الديني يجدد ، الفرق بين الدين وبين الخطاب الديني أني قد أقنع الناس بدليل علمي ، بدليل اجتماعي ، بدليل نفسي ، برواية صحيحة ، بأشياء كثيرة ، أنا يمكن أن أجدد في الخطاب الديني ، أما الدين فلا يجدد .
مثلاً : أنا لا أستطيع أن أضيف غرفة ببناء وأُسميه مجدداً ، البناء ثابت ، ممكن أن أطليه طلاء جميلاً ، ممكن أن أقدمه بتصوير رائع ، هذا الذي أفعله .
إذاً نحن نطور ونجدد الخطاب الديني ، الآن الفكرة الدقيقة: هذا الخطاب الديني إذا نجح قبِله المسلم ، وغير المسلم ، فإن لم ينجح رفضه المسلم ، فكأن المشكلة الكبرى في الخطاب الديني .
مرة هكذا سمعت أن إنساناً فرنسياً دخل في الإسلام .
المذيع:
وأنا أرجو أن ينتبه الكل لكلام أستاذنا الجليل ، ومشايخنا ، وعلمائنا ، ودعاتنا، وطلبة العلم ، ينتبهوا إلى هذا الكلام أنت حضرتك ترسل رسائل مهمة جداً ، قبل أن نستمتع إلى علماء الغرب في الجزئية ونؤكد عليها مرة أخرى ، سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام هو من هو؟ الذي زكاه ربه في كل شيء ، برغم ذلك الله تبارك وتعالى يقول له :
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
الدكتور راتب:
إنسان فرنسي أسلم والتقى بشيخ من الشيوخ المعاصرين أبقاه في أحكام المياه ستة أشهر ، فخرج من الدين ، التقى بعالم جليل أظنه الشيخ محمد عبدو ، قال له : الماء الذي تشربه توضأ منه ، ألغى له ستة أشهر تدريس .
الإسلام منهج كامل :
الذي خلقك فسواك فعدلك
أنا أرى أن العصر له طبيعة خاصة ، يحتاج إلى تبسيط ، يحتاج إلى عقلنة ، يحتاج إلى تطبيق ، فالذي يبسط الدين ، والذي يعقلنه ، أي يعطيه تفسيراً عقلياً ، فالإنسان عقل ، فما الإنسان ؟ هو عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، فالعقل له غذاء هو العلم ، والقلب له غذاء هو الحب ، والجسم له غذاء هو الطعام والشراب ، فحينما أغذي بدعوتي عقول الناس وقلوبهم.
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾
خاطب قلبه .
﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾
[ سورة الانفطار الآيات : 5 ـ 6 ]
خاطب عقله ، فلابد في الدعوة من أن تتوجه إلى عقل الإنسان تارة فتغذيها بالعلم ، وإلى قلب الإنسان تارةً أخرى فتغذيها بالحب، والحب الذي أقصده أن تحب الحقيقة ، أن تحب الله، أن تحب العمل الصالح ، هذا الحب الذي يرقى بنا ، هناك حب لا يرقى بنا ، لكن هذا الحب يرقى بنا فأنا لا ألغي قلب الإنسان أخاطب قلبه ، ولا ألغي عقله أخاطب عقله ، ولا ألغي دنياه ، فحينما ألغينا الدين جاء العلمانيون وثاروا على الدين .
أنا أقول دائماً : النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم جاء بالمنهج الكامل ، كمال مطلق فلما ركز العلماء بعده على الفقه فقط وأهملوا التزكية التي أرادها الله عز وجل :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
[ سورة الشمس الآية : 9 ]
جاء الصوفيون وأكدوا على التزكية ، فلما شطحوا وتجاوزا الحدود ، جاء السلفيون فأكدوا على الكتاب والسنة ، فلما أُهمل الدين جاء العلمانيون فأكدوا على الدنيا ، فالإسلام منهج كامل .
النبي الكريم معصوم بمفرده بينما أمته معصومة بمجموعها :
النبي عليه أتم الصلاة والتسليم جاء بالمنهج الكامل الكمال المطلق ، لأنه نحن مكلفون أن نأخذ منه ، فلو كان في منهجه خطأ فكأن الله أمرنا بالخطأ فقد عصمه، عفواً : أمته معصومة بمجموعها لكنه صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده ، فرق كبير ، الأمة معصومة بمجموعها ، بمعنى :
((لا تجتمع أمتي على ضلالة ))
[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والإمام أحمد عن أبي بصرة الغفاري]
يصدر كتاب فيه انحراف، يقوم عليه الناس ، تثور عليه الأمة ، هذا يسمونه إجماعاً سكوتياً ، إذا أُلف كتاب لا يوجد عليه ولا مشكلة ، الناس ساكتون ، هذا إجماع سكوتي على صوابه ، أما إذا في خطأ فهناك من يرفع صوته ويدافع على الصواب .
فلذلك النبي الكريم معصوم بمفرده ، من أن يخطئ في أقواله ، وأفعاله ، وإقراره، لكن أمته معصومة بمجموعها ، هذا من فضل الله علينا ، الآن أي دعوة فيها انحراف هناك من ينتقدها ، هناك من يبين خطأها ، هناك ، هناك ، هذا شيء واضح بالتاريخ الإسلامي ، فلذلك النبي الكريم معصوم بمفرده ، والأمة معصومة بمجموعها ، لذلك أمرنا الله أن نتبعه .
إذاً الدين في الأصل في صواب مطلق ، بعده جاء علماء أكدوا على الفقه فقط والفقه أساسي ليس هو الدين كله ، هو جزء من الدين ، فلما أكدوا على الفقه وحده ، وأهملوا التزكية ، والإخلاص ، والاتصال بالله ، هنا مشكلة.
لذلك قال بعضهم : كان التصوف في عهد النبي مسمى بلا اسم ، كان هناك إخلاص كان هناك تزكية ، كان هناك اتصال بالله ، كان هناك صلاة صحيحة ، فصار اسماً بلا مسمى ، كان مسمى بلا اسم ، فصار اسماً بلا مسمى .
الدين الإسلامي دين وسطي :
دين الإسلام دين وسطي
لذلك النبي جاء بالمنهج الكامل ، وأنا لا أقول دين وسطي ، الدين دين ، أما نحن فاخترعنا هذه التسمية ، لأنه صار هناك تطرف ، فأردنا أن نميز الدين الصحيح عن التطرف بكلمة وسطي ، فجاء بعده الفقهاء أكدوا على الأحكام الفقهية على حساب التزكية ، فجاء الصوفيون أكدوا على التزكية ، الاستقامة، الإخلاص ، الصلة بالله ، الارتباط بالله ..إلخ فلما أهملوا جميعاً دنياهم جاء العلمانيون وأكدوا على الدنيا ، الصواب أن نطبق منهج النبي تطبيقاً كاملاً، هذا منهج من عند الله ، لا يضاف عليه ولا يحذف منه ، لكن نحن وفق التطورات الحديثة ممكن أن نصور الخطاب الديني ، أحياناً يكون الخطاب بجامع يسمعه خمسة آلاف ، أما الآن بالانترنيت فيسمعه مليون ، فهناك تطوير بالخطاب الديني ، وهذا يغطى بقوله تعالى :
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ ﴾
[ سورة الفرقان الآية : 31]
هناك آية دقيقة جداً أنها وفق المنهج الشائع لا أذكرها الآن.
إذاً : نحن أمام منهج كامل ، يجب أن نطبقه ، وأن نعطيه تفسيراً عقلياً كي يقترب من الناس ، وأن فضلاً عن ذلك أن نحسن إلى من نخاطب ، هذا بعض ما يمكن أن نقوله في هذا الموضوع .
المذيع:
نريد أن ننتقل إلى الدعوة إلى الله أنها فرض عين ، ولكن أنا أريد أن أنتقل مع حضرتك إلى أسلوب الدعوة بعد كلام حضرتك المهم جداً ، من أجل أن نأخذ الدروس والعظات من الدين ، من الأصل ، القرآن الكريم والسنة النبوية .
أسلوب الدعوة إلى الله :
الناس يتعلمون بعيونهم
الدكتور راتب:
أولاً : الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، ألق على ابنك مئة محاضرة في الصدق لا سمح الله ولا قدر فلو رأى هذا الابن أباه يكذب في مكان المئة محاضرة سقطت ، وهذا شيء خطير جداً ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، أحياناً الأم تلقي على ابنتها محاضرات في الصدق تخرج إلى بيت الجيران ، يأتي الزوج تقول له : ما خرجنا من البيت أمام البنت ، فالبنت رأت أمها تكذب على أبيها ، فالمحاضرات النظرية لا قيمة لها .
فلذلك أول نقطة : الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، ويكفي أن تكون مستقيماً فصدقك دعوة ، يكفي أن تكون أميناً الأمانة دعوة ، يكفي أن تكون متواضعاً التواضع دعوة، يكفي أن تكون مخلصاً الإخلاص دعوة ، المؤمن لو لم ينطق بكلمة استقامته وكمالاته هي دعوة، من هنا أنا خطر في بالي مصطلح جديد: الدعوة الصامتة ، دعوة صامتة ، تعامل إنساناً صادقاً، أميناً ، متواضعاً ، صدقه وأمانته تجذبك إليه ، هذه دعوة ، فالأخلاق دعوة .
لذلك لما النجاشي سأل سيدنا جعفر حدثني عن الإسلام ؟ قال:
((أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))
[أخرجه ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]
العبادة نوعان تعاملية و شعائرية :
لذلك أنا أقول : هناك عبادة شعائرية ، وهناك عبادة تعاملية ، وأنا أؤمن أن العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إطلاقاً إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، بمعنى : الإنسان إذا صلى ولم يكن مستقيماً.
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ أخرجه ابن ماجه عن ثوبان بن بجدد ]
من الذي يقصر ؟ من هو الفقير ؟ من لا متاع له .
((ما المُفْلِسُ ؟ قالوا : المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع. قال : إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شَتَمَ هذا ، وقذفَ هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطَى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه ، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ، ثم يُطْرَحُ في النار ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
معنى ذلك العبادة التعاملية أصل في هذا الدين العظيم ، والعبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية .
فلذلك الإنسان عندما يؤدي العبادات الشعائرية وليس مستقيماً لن يستطيع قطف ثمارها، لذلك أكل لقمة من حرام تبعدنا عن الله عز وجل .
فأنا أتمنى أن أدقق في العبادة التعاملية ، لأنها أصل في الدين ، العبادة التعاملية والشعائرية يتكاملان ، فلابد من طاعة الله ، من الوقوف عند الحرام ، من كسب الحلال ، من تربية الأولاد ، فالإنسان حريص على أشياء دقيقة ، حريص على سلامة وجوده ، وكمال وجوده، واستمرار وجوده ، السبعة مليارات في الأرض هذه خصيصة لكل إنسان ، حريص على سلامة وجوده ، وكمال وجوده ، واستمرار وجوده ، سلامة وجوده باستقامته على أمر الله ، سلامة وجوده يقول لك : أنا ما أكلت مالاً حراماً ، ما اغتبت ، ما فعلت كذا ، أكثر كلمات الاستقامة فيها ما ، أما السعادة ففيها عطاء ، أنا قدمت ، أنفقت ، رأبت الصدع ، وفقت بين زوجين ، أطعمت يتيماً ، العمل الصالح يرقى بالإنسان ، والاستقامة تسلمه من العقاب الإلهي ، فأنت بالاستقامة تسلم، وبالعمل الصالح ترقى ، لكنك أنت أيها الإنسان مفطور على حب وجودك ، على حب سلامة وجودك ، وعلى حب كمال وجودك ، وعلى حب استمرار وجودك ، استمرار الوجود تربية الأولاد .
أنا كنت بأمريكا مرة وقلت لهم : من بلغ منصباً ككلينتون ، كان كلينتون وقتها الزوج وليس الزوجة ، وثروة كأونسيس ، وعلماً كأينشتاين ، ولم يكن ابنه كما يتمنى فهو أشقى الناس .
الحقيقة الدقيقة : الكلمة القرآنية قرة العين لا يعرفها إلا من ذاقها ، لك ابن صالح، مؤمن ، مستقيم ، تسعد سعادة فوق التصور إذا كان ابنك صالحاً .
المذيع:
ما شاء الله ! ربنا يكرمك دكتور محمد ، أنتقل لأسلوب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة .
من أسلوب الدعوة إلى الله الحكمة و الموعظة الحسنة :
الدكتور راتب:
أنا أقول : الداعية الآن يجب أن يكون إسلاماً يمشي .
(( من عامل الناس فلم يظلمهم ، فحدثهم فلم يظلمهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهم ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته ))
[ مسند الشهاب عن علي بن أبي طالب]
هناك من يقول : إذا ذكرت كلمة مثالية يسخر منها ، بالإسلام يوجد مثالية واقعية ، مثالية وقعت وطبقت ، هذا كلام غير صحيح ، لكن دائماً الإنسان يعبر عمن حوله ، أما لو قرأنا تاريخ الصحابة الكرام ، مثالية واقعية ، يقال : هذا يعيش ببرج عاجي ، هناك برج عاجي أخلاقي ، هذا الإنسان لم يغص في وحل البشر ، ليس مع البشر في سقطاتهم ، وانحرافاتهم، ومعاصيهم ، وآثامهم ، لكنه معهم بعقولهم ، هناك برج عاجي فكري ، البرج العاجي الفكري مذموم أن تبتعد عن مشكلات الناس ، أما البرج العاجي الأخلاقي فمطلوب ، والفرق كبير بين برج عاجي فكري وبرج عاجي أخلاقي ، المؤمن له برجه العاجي الأخلاقي لكنه بعيد عن برجه العاجي الفكري .
المذيع:
نحتاج إلى الانتقال إلى خصائص الدعوة حتى تتم الفائدة.
الدعوة إلى الله فرض عين و فرض كفاية :
الدكتور راتب:
لكن النقطة الدقيقة قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
[ سورة العصر الآيات: 1 ـ 3 ]
معنى الدعوة إلى الله أحد أركان النجاة ، لذلك هناك من يتوهم أنها فرض كفاية ، أنا أؤكد ومعي الدليل أنها فرض عين ، والدليل هذه الآية :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
إذاً الدعوة إلى الله تعني التواصي بالحق و هذا أحد أركان النجاة .
شيء ثان :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
[ سورة يوسف الآية : 108]
فالذي لا يدعو إلى الله ليس متبعاً لرسول الله ، هذان الدليلان على أن الدعوة إلى الله فرض عين لكن في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، إنسان له أخ ، له صديق ، له جار ، له أهل الزوجة ، في سهرة تكلم ، استمعت الجمعة إلى خطبة أعجبتك ، وتأثرت بها ، دعيت بعد يومين إلى طعام عند بيت أقاربك بلغهم .
((بلِّغُوا عني ولو آية))
[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
هذه الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم لكن في حدود ما يعلم ، ومع من يعرف أما التبحر في الدين ، والتعمق ، والتفرغ فهذا فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الكل .
المذيع:
ننتقل إلى خصائص الدعوة .
خصائص الدعوة إلى الله :
1 ـ معرفة الآمر قبل الأمر :
الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الخصيصة الأولى : الآمر قبل الأمر ، أي معرفة الآمر قبل معرفة الأمر ، لأنك إذا عرفت الآمر وهو الله ، عرفت كماله ، عرفت وحدانيته ، عرفت أسماءه الحسنى ، صفاته الفضلى ، إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر .
أحياناً تأتي رسالة إلى مواطن : تعال غداً الساعة العاشرة إلى دائرة البريد تسلم رسالة مسجلة ، لا تتحرك شعرة في جسمه ، وقد لا يذهب ، لكن يأتيه أحياناً من جهة قوية تعال غداً الساعة العاشرة ، لا ينام الليل ، لماذا في الحالة الأولى لم يعبأ وفي الثانية لم ينم ؟ الآمر الثاني أقوى ، قد يدخل ولا يخرج ، فأنت حينما تعرف من هو الآمر تتفانى في طاعته ، وكأنني أضع يدي على مشكلة المسلمين الأولى ، الأمر بين أيديهم ، درسوه في التعليم الابتدائي ، والإعدادي ، والثانوي ، إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إن عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في معصيته في فتاوى ضعيفة ، فتاوى شاذة ، ماذا نفعل ؟ هذا الوضع هكذا ، الوضع صعب ، هكذا العصر ، فلذلك الأصل أن تعرف الآمر أولاً .
لا تنظر إلى حجم الذنب لكن انظر على من اجترأت
لذلك قال سيدنا علي : " أصل الدين معرفته ، لا تنظر إلى صغر الذنب ، ولكن انظر على من اجترأت "
إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، المشكلة ضعف معرفة الآمر ، لذلك أكثر مناهج التربية الدينية التعريف بالآمر ، أن تعرف الله من خلال الكون ، من خلال آياته الكونية ، آياته التكوينية , آياته القرآنية .
المذيع:
اذكر لنا مثالاً أستاذنا الجليل.
الدكتور راتب:
مثلاً : حينما صعد رائد الفضاء إلى الفضاء وتجاوز طبقة الهواء صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، ما الذي حدث ؟ في الأرض حالة اسمها انتثار الضوء ، فحينما تسلط أشعة الشمس على ذرات الهواء هناك ذرات تعكسها إلى ذرات أخرى ، ففي النهار في أي مكان في الأرض مكان فيه أشعة شمس ، و مكان فيه ضوء شمس ، الضوء واضح والأشعة في بعض الأماكن ، بحسب اتجاه البيت ، لكن حينما وصل رائد الفضاء إلى مكان لا يوجد فيه هواء لم يعد هناك انتثار للضوء فصار في ظلام دامس ، فقال رائد الفضاء بأول مركبة فضائية : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، نفتح القرآن فنقرأ قوله تعالى:
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
[ سورة الحجر الآية : 14 ـ 15 ]
لماذا ؟ لأنه حينما يرسل الله نبياً إلى أمة ما لا بد من أن يشهد لهم أنه نبيه ورسوله كيف ؟ يجري على يديه حالات يعجز عنها البشر ، هذه معجزات ، الأنبياء السابقون معجزاتهم حسية ، ضرب البحر سيدنا موسى فأصبح طريقاً يبساً ، ألقي بالنار سيدنا إبراهيم لم تحرقه، فجميع معجزات الأنبياء السابقين معجزة حسية ، لأنها لقومهم وحدهم ، فلما كان النبي لكل البشر جميعاً ، ولآخر الزمان ، وخاتم الأنبياء ، ولا نبي بعده ، لابد من أن تكون معجزته مستمرة معه ولن تكون مستمرة إن كانت حسية ، لابد من أن تكون علمية ، ففي القرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية فيها إشارات إلى قوانين ، القوانين الآن كشفت ، هذا الذي يؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، هذه المعجزة .
والشيء الدقيق الذي قد يعجب الإنسان منه النبي الكريم بأي موضوع عبادي له مئات الأحاديث ، إلا في الآيات الكونية ولا حديث ، إما بوحي من الله ، أو باجتهاد منه ، لأنه لو فسر هذه الآيات تفسيراً مبسطاً يفهمه الصحابة لأنكرنا عليه ، ولو فسرها تفسيراً حقيقياً كما هي عليه الآن لأنكر عليه أصحابه ، شيء عجيب ، ولا حديث يشير لآية كونية ، فكأنها تركت للعصر لتكون هذه الآيات شهادة الله للخلق أن هذا القرآن كلامه ، وأمثلة كثيرة جداً، مثلاً : بعد تطور علم الأجنة تبين أن الذي يحدد نوع الجنين - ذكر أو أنثى - النطفة لا البويضة، قال :
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾
[ سورة النجم الآية : 45 ـ 46 ]
هناك أشياء دقيقة في الإعجاز العلمي مثلاً : بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية فقط ، ابنك الصغير بدقائق بآلة حاسبة يحسب المسافة ، أربع سنوات ضوئية الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر ، في الدقيقة ضرب ستين ، في الساعة ضرب ستين ، في اليوم ضرب أربع وعشرين ، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، بأربع سنوات ضرب أربع ، لو ركبت مركبة لهذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب إلى الأرض تحتاج إلى خمسين مليون عام ، مركبة أرضية تحتاج إلى خمسين مليون عام لتقطع أربع سنوات ضوئية، متى أصل لنجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟ متى أصل للمرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ؟ متى أصل إلى أحدث مجرة تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية ؟ والأربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون عام أن نقود السيارة ، الله ماذا قال ؟
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
[ سورة الواقعة الآية : 75]
بالمسافات بين النجوم .
﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
[ سورة الواقعة الآية : 76]
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يطلب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ في بالقرآن سيدي ألف وثلاثمئة آية كونية ، وكل آية هي شاهد قطعي الدلالة على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، والأمثلة كثيرة جداً ، معرفة الآمر قبل الأمر ، أول نقطة إذا عرفت الآمر قبل الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت بالتفلت من الأمر هذه واحدة .
2 ـ القدوة قبل الدعوة :
القدوة قبل الدعوة
الثانية : القدوة قبل الدعوة ، العالم لا يصدقون الداعية .
مريض ذهب إلى عند طبيب ، لا يهمه إذا كان طبيباً مستقيماً أو غير مستقيم ، لا يهمه ، يهمه علمه ، أما حينما يكون الداعية غير مستقيم فهناك إشكال كبير جداً .
فلذلك القدوة قبل الدعوة ، قبل أن تنطق بالحق هل أنت وفق هذا الذي تقوله ؟
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى؟
* * *
أن تقول شيئاً للناس وأنت لست مطبقاً له فلذلك كما قال بعض العارفين:
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا بالرضا من أحـــبنا
ولذ بحمانا و احتمِ بجنابنــا لنحميك مما فيه من أشرار خلقنا
و عن ذكرنا لا يشغلنك شاغل وأخـلص لنا تلقى المسرة والهنا
* * *
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن فــما القرب و الإبعاد إلا بأمرنا
فـيا خجلي منه إذا هو قال لي أيا عبدنا أما قرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنا
* * *
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظر ما جاء به وعدنـــــا
فأحبابنا اختاروا الـمحبة مذهباً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فـلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــا
* * *
ولو سمعت أذناك حسن خطاب نا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غريباً واشتياقاً لقربنــــا
* * *
فـما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قلنا له قد جهلتنــــا
فأيسر ما في الحب بالصب قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
* * *
فلذلك القدوة قبل الدعوة ، قبل أن أنطق بالحق ينبغي أن أكون عند كلامي ، أدعو الناس إلى الصبر أصبر ، إلى الإنفاق أنفق ، فالقدوة قبل الدعوة ، والناس يتعلمون كما قلت بعيونهم لا بآذانهم .
3 ـ الإحسان قبل البيان :
الإحسان قبل البيان
هناك شيء آخر : الإحسان قبل البيان ، أنت ينبغي أن تفتح قلوب الناس بإحسانك ليفتحوا عقولهم لبيانك ، أنت لو أنك تدعو إلى الله ، أنت عندك أخ فقير أعنته على عمل ، على تأمين عمل ، أعنته على تزويج ابنته ، أنت أحسنت له ، الآن يصغي لك ، أنا أقول : الداعية يجب أن يكون مرشداً ، أباً ، موجهاً ، مربياً ، فأنت حينما تهتم بشؤون الناس ثم تنطق بالحق يتلقفون منك بأذن واعية ، أما إذا أنت فصيحاً متكلماً ، خطيباً مشهوراً ، لا يعنيك أمر الناس إطلاقاً ، فقط يعنيك أن تنتزع إعجابهم إذا ألقيت كلاماً عندئذٍ قد لا تؤثر ، أنا أرى الحقيقة القدوة قبل الدعوة ، لا يوجد شيء دعا به النبي إلا كان مطبقاً له ، ولا شيء نهى عنه إلا كان أول تارك له ، فالقدوة قبل الدعوة ، هذه أخاطب بها الأب ، والأم ، والمعلم ، ومدير الدائرة ، وأي منصب قيادة ولو على اثنين ، تطبق يسمع إليك ، لا تطبق يستهزأ بك ، هذه الحقيقة ، أب ، أم ، معلم ، رئيس دائرة ، من أقل وظيفة إلى أكبر وظيفة .
المذيع:
معرفة الآمر قبل الأمر ، القدوة قبل الدعوة ، الإحسان قبل البيان .
الدكتور راتب:
تفتح قلوب الناس بإحسانك ليفتحوا لك عقولهم لبيانك .
4 ـ الترغيب قبل الترهيب :
الترغيب قبل الترهيب
الآن الترغيب قبل الترهيب ، لو فرضنا أن أباً قال لابنه الذي لم يصلِّ سأضربك أو قال للذي يصلي سأكافئك ، فرق كبير بينهما ، الترغيب قبل الترهيب ، فاعتمد على الترغيب لا على الترهيب .
المذيع:
نحتاج إلى توضيح أكثر .
الدكتور راتب:
نعم ، في الإسلام أشياء إيجابية ، لو أن واحداً همه أن يتحدث عن جهنم ، أثناء خطبه عن جهنم ، وعن الحنش الأقرع ، وعن ، وعن ، كله شيء مخيف نفر الناس ، هناك وجه آخر للجنة أنت افتح القرآن هناك توازن بين وصف أهل الجنة وأهل النار ، بين الدنيا والآخرة ، فلما يكون هناك توازن يصبح هناك قبول ، أما دون أن يشعر بعض الدعاة يتكلمون دائماً بالنواحي السلبية ، عقاب الله في جهنم ، عقاب الله في القبر ، كلها عقاب ، خاف الإنسان فنفر ، فلابد من الترغيب والترهيب والترغيب أولاً ، لابد من أن تأخذ بأيديهم إلى شيء يحبونه ، الدين فيه إيجابيات كثيرة جداً .
إنسان في بلد عربي دُعي إلى الإسلام ، هو فلبيني ، فأسلم ، قال : ماذا أفعل ؟ قيل له: الطهور ، عمره أربعون سنة فرفض ، فقال له : أنت مرتد هناك قص رقبة فقال : ما هذا الدين ؟ الدخول قص من تحت ، والخروج قص من فوق .
هذه مشكلة إذا الإنسان أخذ أشياء ليست في صلب الدين طبعاً الطهور من صلب الدين، لكن ابدأ بغيرها ، ابدأ بالأشياء الأساسية .
المذيع:
تنقلنا إلى الأصول قبل الفروع .
5 ـ الأصول قبل الفروع :
الأصول قبل الفروع
الدكتور راتب:
سيدي ، الفروع أحكام دقيقة جداً وجزئيات ، وقد يغرق بعض الناس في هذه الجزئيات ، يغرقون بها ، وينسون مقاصد الشريعة ، هناك مقاصد عظيمة جداً ، فأنا عندما أتساهل بأشياء فرضها الله عليّ ، وأبالغ في تعنيف المقصرين مبالغة تتناقض مع الأمر بالإحسان، أكون قد قصرت في الأصول من أجل جزئيات كثيرة جداً، تجد الدين أحياناً تفاصيل دقيقة جداً أما مقاصد الشريعة فابتعدنا عنها ، المقاصد مثلاً الأخوة في الإيمان يمكن أن تنشأ نزاعات بين أطراف إيمانية ، أطراف إسلامية إلى درجة التكفير ، هذه مشكلة كبيرة ، إذا كان الهدف واضحاً، والطريق واضحاً فاللقاء حتمي ، إذا كان هناك خلافات إلى درجة التكفير فهذه مشكلة كبيرة .
الدعوة إلى الله دعوتان :
لهذا أنا أقول دائماً: الدعوة إلى الله دعوتان ، دعوة إلى الله خالصة ، ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله .
المذيع:
تحتاج إلى توضيح .
الدكتور راتب:
دعوة إلى الله خالصة مع أخلاص ، هناك دعوة إلى الذات لكن خلافها دعوة إلى الله، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاتباع ، أما الدعوة إلى الذات فمن خصائصها الابتداع تبتدع لتقول : أنا الأوحد في هذا البلد ، تبتدع شيئاً ما جاء في الدين ، والبدع لا تنتهي ، فالدعوة الخالصة أساسها الاتباع ، أما الدعوة إلى الذات فأساسها الابتداع ، الخالصة الاتباع ، إلى الذات الابتداع ، الدعوة الخالصة أساسها التعاون .
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
[ سورة المائدة الآية : 2 ]
العمل الجماعي مهم في الدعوة
والدعوة إلى الذات أساسها التنافس ، مفهوم فريق العمل فهمه الغرب لأن هناك فريقاً، كل واحد له مهمة يؤديها بالتمام والكمال ، فهذه المؤسسة ، هذه الوزارة، هذه الجهة ، هذه الشركة ، ترقى بكل مرافقها بسبب هذا التعاون ، فريق العمل ، أما نحن ففي بعض البلاد العشرة بواحد والواحد بعشرة ، العشرة يصفون بعضهم ، فيجب أن نتعاون ونستخدم منهج فريق العمل ، كل إنسان له عمل ، يؤديه أداء كاملاً ، مجموع هذا الأعمال يرقى بالمؤسسة ، يرقى بالوزرة ، يرقى بالتعليم ، يرقى بكل شيء ، فريق العمل .
مرة أحد الأخوة الكرام كان بهولندا ، فقرأ إعلاناً عن وظيفة قال لي : مثل أي بلد آخر ؛ السن ، والشهادة ، و، و، أما هناك بند غريب عليّ ، فأن يصلح للعمل ضمن فريق ، أي مؤمن بالتعاون ، والتعاون فضيلة ، والتعاون حضارة ، والتعاون دين :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
قال : البر صلاح الدنيا ، والتقوى صلاح الآخرة ،
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
نحن يحل محل البر التنافس ، فالدعوة الخالصة أساها الاتباع ، أما إلى الذات فأساسها الابتداع ، الدعوة الخالصة أساسها التعاون ، أما إلى الذات التنافس ، الدعوة الخالصة أساسها الاعتراف بالآخر أما إلى الذات فأساسها إنكار الآخر ، فحينما تكون الدعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله يكون معها بدع ، و تنافس ، و إلغاء الآخر ، إذا كانت دعوة خالصة ، فالدعوة الخالصة معها اتباع ، معها تعاون ، معها اعتراف بالآخر .
المذيع:
ننتقل إلى الأمر الآخر إلى التربية لا التعرية.
6 ـ التربية لا التعرية :
النصح لا يكون أمام الملأ
الدكتور راتب:
أحياناً يخطئ إنسان يمكن أن أنصحه على انفراد ، أنا أربيه ، أما حينما أنصحه أمام الناس جميعاً ، فأنا الآن أفضحه لا أنصحه ، فالتربية لا التعرية ، ينبغي أن أربيه إلى الصواب بالموعظة الحسنة ، بالرفق على انفراد أنا وإياه ، أما إذا نصحته أمام ملأ فقد شهرت به فالتربية لا التعرية ، هناك إنسان يرغب في الاستعلاء على الآخرين عن طريق نصحهم أمام الملأ هذا خطأ كبير ، النصيحة بينك وبينه ، بينك وبينه نصيحة ، أما بينك وبينه أمام الملأ ففضيحة، فالتربية لا التعرية .
المذيع:
مخاطبة القلب والعقل معاً .
7 ـ مخاطبة القلب والعقل معاً :
الدكتور راتب:
هذا الشيء دقيق جداً ، أي دعوة تهمل العقل لا تنجح ، أي دعوة تهمل القلب لا تنجح، فأنت عقل يدرك وقلب يحب ، فإذا خاطبت عقلك بالعلم ، وخاطبت قلبك بالحب ، ثم دعوتك إلى العمل فهذه الدعوة تنجح ، إذا كان تلميذ عند داعية ، أو عند عالم ، يجب أن يهتم هذا العالم بعقله ، وأن يهتم بقلبه ، وأن يهتم بدنياه ، لذلك لما نزوج الشباب هذا عمل عظيم ، لأن العنوسة مشكلة كبيرة، هذه كيف تحل ؟ تحتاج إلى منظمات ، تحتاج إلى جهود ، إلى مؤسسات ، فأنت عندما تهتم بدنيا هذا الإنسان ، تهتم بعمله ، بزواجه ، إذا كان هناك فرص عمل ، لذلك عندما يكون هناك تعاون بين الدعاة وبين الاقتصاديين ، هذا عنده عمل ، قدم لك فرصة عمل ، أنت تختار الشباب الذي بحاجة إلى زواج ، تدله على هذا المعمل ، أنا أفعلها بالشام ، دائماً هناك أناس عندهم مؤسسات، عندهم معامل ، عندهم فرص عمل ، وهناك دعاة عندهم طلاب علم فهذا طالب العلم مستقيم ، صادق ، أمين ، فإذا دللته على عمل صاحب العمل مطمئن لك ، أنا ماذا فعلت ؟ أنا حاولت أن أقيم تعاوناً بين الدعوة وبين أصحاب الفعاليات الاقتصادية ، وما لم يكن هناك تعاون فهناك تقصير ، التعاون حضارة ، إله عظيم يقول :
﴿ وَتَعَاوَنُوا﴾
هذا أمر ، وعند العلماء كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ،
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
المساعدة في تزويج الشباب عمل عظيم
البر صلاح الدنيا ، والتقوى صلاح الآخر ، مثلاً سكن للشباب هذا عمل عظيم ، هناك أعمال لها أثر، تزويج الشباب ، عمل عظيم آخر ، والله هناك أعمال الحقيقة كما يقول بعضهم : الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، أي طرق الأعمال الصالحة ، في إطعام الفقراء ، تزويج الشباب، الدعوة إلى الله ، نقل العلم ، أنواع لا تعد ولا تحصى ، بعدد أنفاس الخلائق .
أحياناً الإنسان يتوهم أني عملت عملاً صالحاً من أسبوع ، هذا العمل الصالح يومي كيف أنا أتناول الطعام يومياً، لأنه علة وجودك في الدنيا العمل الصالح الدليل الإنسان عندما يأتيه ملك الموت يقول :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
[ سورة المؤمنون الآية : 99 ]
ما ذكر إلا العمل الصالح ، فأنت علة وجودك في الدنيا العمل الصالح ، أحياناً إنسان يفعله استثناء ، اضطراراً ، صدفة ، لا ، العمل الصالح بالفجر بالدعاء : "هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك" ، فالإنسان حجمه عند الله بحجم عمله الصالح ، حجمه عند الله بعد إيمانه بحجم عمله الصالح ، فكلما أصبح العمل الصالح عند الإنسان هدفاً يسعى إليه كل يوم يرقى عند الله .
المذيع:
نسأل الله تبارك وتعالى القبول ، أستاذنا الجليل الوقت يمر سريعاً ربنا يبارك فيك كلمات رائعة ، أسلوب رائع ، كلام ، وأتمنى من الكل أن يعتبروا بهذا الكلام ، ويأخذوا به ويعملوا به ، حتى يكون الإنسان داعية إلى الله تبارك وتعالى بالحسنى والموعظة الحسنة ، يكون داعية يمشي على الأرض ، يكون إسلاماً يمشي على الأرض .
8 ـ الدليل لا التعليل :
الدكتور راتب:
سيدي أيضاً الدليل لا التعليل ، الإنسان منطقي ، قدم له الدليل ، هذه حرام ، لماذا حرام ؟ هناك رأي ، هناك حديث ، هناك حديث فقهي ، هناك إجماع فقهاء ، بين الدليل ، الدليل يقوي كلامك ، وإذا كنت تعيش بعصر العقل بين التعليل ، أحياناً التعليل يعني الدليل ، هناك دليل وهناك تعليل فالدليل والتعليل أيضاً مهمان جداً في الدعوة إلى الله ، فعندما يكون مع الداعية أدلة وتعليلات علمية أحياناً يكون هناك تزاوج بين الثقافة الإسلامية والغربية ، أحياناً يقدم لك الغرب تفسيرات ببعض الحالات ، الدليل والتعليل .
المذيع:
نحن تكلمنا في خصائص الدعوة ، وقلنا : معرفة الآمر قبل الأمر ، مع القدوة قبل الدعوة ، الإحسان قبل البيان ، الترغيب قبل الترهيب ، الأصول قبل الفروع ، التربية لا التعرية، مخاطبة القلب والعقل معاً ، والدليل والتعليل ، كلام حضرتك يحتاج إلى أن نربط ، سبحان الله الوقت مرّ سريعاً ، نفتح التلفونات لحضرتك لكن الوقت مرّ بنا سريعاً ، وكلام أستاذنا الجليل ربنا يبارك في علمه ، يا رب اللهم آمين ، أحتاج أن أربط هذا بالواقع الآن ، محتاج برسالة لحضرتك توجهها أولاً للدعاة الذين انشغلوا بالسياسة وتركوا الدعوة ، للدعاة الذين انشغلوا بالأمور الحياتية وابتعدوا عن الأمور التي تعين الإنسان ، وتعين المواطنين ، والمشاهدين ، والقراء ، والمسلمين إلى الله تبارك وتعالى ، ماذا تقول لهم ؟ .
الدعوة والسياسة يتعاونان لا يتعاندان :
الدكتور راتب:
الدعوة والسياسة يتعاونان لا يتعاندان ، فالسياسة ضمن حياة الإنسان ، فعندما يكون الداعية له رأي صحيح في الواقع ويقدمه لأتباعه ، يكون قد قدم خدمة كبيرة .
مثلاً : الآن هناك انتخابات ، أو استفتاء على الدستور ، إذا كان الوضع جيداً والدستور جيداً ، والدستور نقلة نوعية ، والحكم بعد زوال الحكم السابق حكم متميز فيه ضوابط فيه مرجعية ، فيه رحمة ، فيه تواضع ، هذا ينبغي أن ندعمه ، وأنا لا أصدق إنساناً مسلماً فيه ذرة إيمان إلا يدعم الشيء الذي وجد مؤخراً ، هناك نقلة نوعية بين السابق واللاحق ، هذا شيء ثابت ، فالإنسان عندما يكون معه أجندة ، أو معه دعم خارجي ، أو أشياء لا ترضي الله عز وجل يكون أداة غير نظيفة لعمل غير نظيف ، أنا أرى أن هناك نقلة نوعية في مصر والله أنا أتمناها لكل بلد ، هناك جهة قوية تأتمر بأمر الله ، تنتهي عما نهى الله عنه ، تريد أن تقترب من الشعب ، أنا هكذا أرى ، وأنا أطالع وأتابع ، فأنا أعجب أشد العجب ممن يقف ضد هذه الدعوة ، ضد هذا الإنجاز .
المذيع:
لكن أنا محتاج رسالة للدعاة ، ماذا تقول لهم ؟
رسالة للدعاة الذين انشغلوا بالسياسة وتركوا الدعوة :
الدكتور راتب:
الداعية لأن له وجوداً في الأرض ، هناك من يستمع له ، هناك من يصدقه ، عليه واجب ، فإذا سكت فهو آثم ، إذا سكت عن نصح من حوله في الموقف الصحيح من هذه الأحداث فهو آثم يجب أن يوضح ، كيف كنا قبل هذا الوضع الأخير ؟ بوضع لا يحتمل ، ثلاثون عاماً لا تستطيع أن تقول كلمة واحدة ، فالآن صار هناك حرية ، رأي ، رأي آخر ، منهج ، مرجعية ، نقلة نوعية أنا أراها رأي العين ، أنا أعاني من فقدها ، معاناة كبيرة جداً ، فهذه نعمة كبيرة يجب أن نحافظ عليها لئلا نفتقدها ويأتي البديل الذي لا يحتمل ، وقد يعاقب الله أناساً قد كفروا بنعمة أنعمها الله عليهم ، فلم يقدروها حق قدرها ، فهناك مشكلة كبيرة بعد ذلك ، أنا والله أتمنى من أعماق قلبي وأنصح كل مسلم هناك منهج ، هناك مرجعية ، هناك وعود كثيرة ، أعطِ مهلة ، أعطِ مهلة سنة ، أعطِ مهلة أربع سنوات ، ثم انظر إلى الإنجاز .
المذيع:
نسأل الله تبارك وتعالى أن ينعم علينا بالأمن والأمان والسكينة والاستقرار يا رب اللهم آمين .
الدكتور راتب:
مصر أم الدنيا ، مصر تقود المجتمع العربي كله ، فإذا صلح أمرها صلح أمر العرب جميعاً .
أسئلة و أجوبة :
المذيع:
أنا أستأذن حضرتك ، ونستقبل بعض الاتصالات السريعة من هنا إن شاء الله ، معنا اتصال السلام عليكم .
السائلة:
ممكن أشترك معكم ؟ أنا أريد أن أسأل فضيلة الشيخ عن حكم الدين في الحلف على المصحف ، أنا كنت أتناقش أنا وزوجي على عدة مشاكل ، رأيت نفسي أحضرت المصحف وحلفت عليه ، وأنا لا أعرف كيف فعلت هذا؟
مذيع:
أنا أستأذنك يا أم عبد الله ، بارك الله فيك ، وتواصلي مع أحبابنا والبرنامج التالي فضيلة الشيخ مصطفى العدوي سيجيب حضرتك في برنامجه ، ربنا يكرمك ، ويسعدك يا رب اللهم آمين.
معنا اتصال آخر السلام عليكم ، أستاذ عبد الرحيم أهلاً وسهلاً .
السائل:
السلام عليكم ، كيف حالك يا أخي ملهم ؟ كيف أنت وشيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، بارك الله بك يا أخي ملهم ، وأتمنى لمصر التوفيق إن شاء الله ، ولكل المصريين إن شاء الله التوفيق والسداد والرخاء إن شاء الله ، والأمن والأمان ، وأتمنى لكل المصريين جميعاً وجزاكم الله عنا خير جزاء ، والرحمة لنا ولشيخنا الدكتور محمد حسان ، ولأخيه محمود حسان ولجميع المشايخ بارك الله بكم ، و جزاكم عنا خير جزاء .
المذيع:
شكراً جزيلاً لحضرتك ، اتصال آخر السلام عليكم .
السائلة :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، كيف حضرتك أستاذ ملهم ؟ جزاكم الله خيراً دكتور راتب النابلسي بارك الله بك ، جزاكم الله خيراً ، وأحسن الله لك ، استفدنا بعلمك ربنا يبارك بك ، وخصائص الدعوة قلتها جزاكم الله خيراً ، وأحسن إليكم ، أنا طالبة علم ، وفي الطريق إلى الدعوة إن شاء الله ، وأتمنى من حضرتك نصيحة توجهني بها للسير في هذا الطريق وجزاكم الله خيراً ، وأحسن إليكم ، والدعاء لمصر أن تمر هذه المرحلة على خير بإذن الله تعالى .
المذيع:
ماذا تقول لها؟ .
الدكتور راتب:
أنا أقول للداعية إذا عاهد نفسه ألا يقول كلمة للناس إلا إذا طبقها يرتقي عند الله سريعاً ، التطبيق هو الأصل .
المذيع:
القدوة قبل الدعوة ، السلام عليكم .
السائلة :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلاً بحضرتك أستاذ ملهم ، كيف صحة حضرتك؟ والله حضرتك منور مصر ، حضرتك غال علينا كثيراً ، والله أحس برضا ربنا عندما أرى حضرتك على الشاشة ، والله يا شيخ محمد ، حضرتك خير ، ربنا يجزي حضرتك كل خير.
الدكتور راتب:
أنا كأنني في بلدي والله .
السائلة :
جزاك ربنا كل خير ورضي عنك ، أنا لي دعوة خاصة بعد إذن حضرتك ، و أشكرك جداً على النصيحة التي أعطيتها للناس ، لشعب مصر ، لأن هذه فعلاً محيرة ، وللأسف هناك أناس يرفضون الدكتور محمد مرسي من غير حجة ، فأنا أستأذن حضرتك ، و عندي دعوة خاصة بالله عليك أن تدعي لي ولأولادي أن أعيش في المدينة المنورة بجوار المسجد النبوي، أرجوك ادعُ لي في قيام الليل .
الدكتور راتب:
أدعو لك أن يحفظ الله لك إيمانك ، وأهلك ، وأولادك ، وصحتك ، ومالك ، واستقرار بلدك .
المذيع:
اتصال آخر ، السلام عليكم .
السائل :
وعليكم السلام حضرة الشيخ ، شيخ ملهم ، كيف حالكم بخير ؟ كيف شيخنا محمد راتب النابلسي ؟ .
الدكتور راتب:
الحمد لله ، بارك الله بك ، ونفع بك .
السائل :
شيخ لي سؤال ، سؤالي خاص بالدعاة الذين يتكلمون عن بعض العلماء .
المذيع:
تقصد من يطعن بالعلماء ؟
السائل :
نعم .
المذيع:
نعم حاضر ، من يطعن بالعلماء .
الدكتور راتب:
ينبغي أن تنصحه ألا يطعن بهم ، إن كانوا علماء ، أو كانوا محسوبين على العلم اسأله عن الحجة والدليل ، إذا كان هناك دليل مقنع فهذا وضع ، وإذا لم يكن هناك دليل وضع ثان.
المذيع:
وإن كانت حجة باطلة ؟
الدكتور راتب:
يجب أن نقاطعه ، وأبين له أنه أنت على خطأ ، هذا الحق ، سيدي هذه الأمة خيريتها في شيئين ، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال النبي الكريم :
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر - الصحابة صعقوا - قولوا أوكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قال : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف - صعقوا أشد صعق – أو كائن ؟ قال : وأشد منه سيكون - الثالثة - قال : كيف بكم إذا صبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ))
سيدنا عمر أدخل شاعراً السجن لأنه قال :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
* * *
هذا شعار كل مسلم الآن .
المذيع:
سلم يا رب ، أستاذ مصطفى أهلاً وسهلاً .
السائل :
وعليكم السلام ، كيف الحال ؟ أسأل الله أن ينفع بك ويجمعنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نرحب بالدكتور محمد ، ونسمعه ما شاء الله حينما يفسر القرآن أشعر بقبس من النور وهو كذلك دائماً حال العلماء بفضل الله عز وجل ، تجد أنهم يعطون ثمرات خبراتهم الفواكه والعصائر من علمهم ، ولكن أنا أتمنى يا شيخ أن تجيبني على سؤال يحيرني هذه الأيام عن اختلاف العلماء، وأنا كمقلد أنا الآن أقلد طبعاً عالماً معيناً ، أو شيخاً معيناً ، ولكن كيف لي أن أجمع بين تقليد هذا الشيخ وبين قول النبي ، أو قول أحد العلماء كالإمام مالك ، أن أي إنسان يؤخذ منه يا رب خصوصاً في هذه الفتن ، وفي هذه النوازل التي تأتي على الأمة ، وتكون هذه الأخوية مثل المظاهرات والثورات التي يقف بها العالم الجليل طبعاً ويكون له آراء مختلفة ، فكيف أجمع أنا كمقلد بين تقليدي للعالم وبين أي إنسان يؤخذ منه ، أنا أسأل الشيخ هذه المسألة ، واختلاف بعض العلماء في هذه المسائل ، هل هي من السنة الربانية في هذه النوازل ؟
المذيع:
ربنا يبارك فيك يا أخ مصطفى ، ماذا نقول له أستاذنا ؟ .
الدكتور راتب:
والله حينما يختلف العلماء قد يكون اختلافهم رحمة واسعة بمعنى اختلافهم اختلاف غنى ، هناك مذاهب عديدة في بعض الحالات ، هناك إنسان قد تسعه هذه الحالة ، فهذا الاختلاف قال بعضهم رحمة ، وهناك اختلاف آخر ، اختلاف طبيعي ، إذا كنا في ليلة رمضان وسمعنا صوت المدفع ، يا ترى مدفع رمضان أم غير رمضان ؟ أن تفجير بالجبل مثلاً ، هذا اختلاف طبيعي ، لا يذم ولا يمدح ، لكن هناك اختلاف قذر .
﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 19 ]
اختلاف أهواء ، اختلاف بالتعبير المعاصر أجندات ، هذا اختلاف قذر ، أساسه البغي والعدوان ،
﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾
وهناك اختلاف مرموق راق جداً ، اختلاف التنافس في الطاعات ، هذا رأى الدعوة إلى الله أقوى شيء، هذا رأى أن الإحسان أفضل شيء كإنشاء ميتم ، إنشاء مستشفى ، كل إنسان رأى شيئاً في الدين طمح إليه اختلف اختلافاً حسناً .
المذيع:
اتصال آخر ، السلام عليكم ، أستاذ متولي ، أهلاً وسهلاً ، اتصال آخر ، السلام عليكم ، أهلاً بكم أستاذ متولي تفضل .
السائل :
سلامي لك أولاً سيد ملهم ، وسلامي للدكتور ثانياً ، وأرحب به في بلده طبعاً ، هذا شيء ، الشيء الثاني هناك شيء طرح نفسه ، الذي نحن فيه ، أنا جئت من نصف ساعة جئت من المنجلة المنصورة ، كنت شغالاً هناك ، فجئت من شغلي هناك شخص قاعد يشوه الدستور ، ويقول أشياء والله ليست موجودة ، أشياء ضد المرأة ، ضد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والله هذا تدليس يا أستاذ ملهم على الشعب البسيط الذي أنا منه ، وهذا شيء يحزني ، ولكن أنا إن شاء الله ثقتنا بالأمة العربية كلها ستتوحد في يوم من الأيام ، الإسلامية قبل العربية ، هل التوحد يأتي ونحن ننفر بعض كعرب ؟ هل التوحد حضرتك يأتي ونحن العرب نعامل العمالة بأسلوب قاس ؟ وبعض المسلمين ونحن في بلدنا ، وفي بيوتنا نعامل أهلينا ، وأزواجنا ، وأولادنا بأسلوب غير جيد ؟ هل نحن سنصل بيوم من الأيام لأسيادنا الأوائل المسلمين ؟ ثقتي بربنا لن تتزعزع إن شاء الله ، ولكن ثقتي بالأشخاص هي التي تتزعزع ، ولكن أنا في النهاية سامحني أقول للشعب المصري : أنتم معكم دستور وأنا قرأت منه و أرى أنه جيد ، ويرضي الشعب في هذه المرحلة ، إذا كنا نريد المزيد فالمرحلة الثانية آتية ، ولكن نعم إن شاء الله ، فيها شيء يطمئن القلب ، طبعاً نفسي الناس كلها تطلع وتقول : نعم ، لكن نطلع باحترام ونحافظ على بعضنا كمصريين ، لأننا نحن في النهاية أسرة واحدة ، جاري ، أخي ، نحافظ على بعض ، لأنه عندما يحل شقاق في الوطن هذا شيء محزن ، والشيء الأخير : أقول للناس لا تدلسوا في الفضائيات أو في الدكتور اتقوا الله في مصر ، وجزاك الله خيراً .
المذيع:
شكراً جزيلاً ، حج متولي ، قبل أن آخذ الاتصال ، كيف تتوحد الأمة ؟
الدكتور راتب:
الله قال الحق يوحدها .
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 03 ]
نحن حينما نعتصم جميعاً بحبل الله نتوحد ، إذا كان هناك مصالح متناقضة ، انتماءات متناقضة ، خلفيات متناقضة ، أجندات متناقضة لن نتفق طبعاً ، فمن علامات انتماءات الأمة تعاونهم ، والتعاون أمر إلهي .
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾
[ سورة المائدة الآية : 2 ]
خاتمة و توديع :
المذيع:
ربنا يبارك فيك دكتور محمد ، نحن سعدنا بحضرتك ، وتشرفنا في هذا اللقاء واستمتعنا بكلام حضرتك ، ربنا يسلمك ويكرمك ويعزك ، يا رب اللهم آمين ، ويبارك في علمك وفي عمرك دائماً ، اللهم آمين .
الدكتور راتب:
بارك اللهم لكم في عمركم ، وفي أهلكم ، وفي أولادكم ، وبلدكم ، وشعبكم ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون مصر قدوة للعرب جميعاً ، في تآلفها ، وتعاونها ، والخضوع للحق فيها .
المذيع:
يا رب اللهم آمين ، كلمات لا تحتاج إلى تعليق ، إلا أننا نحن نتوجه بخالص الشكر والتقدير لفضيلة العلام الجليل الأستاذ الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي شكراً ، نرحب بك مرة ثانية ، وثالثة وموصولة ، بارك الله بك وشكراً جزيلاً .
مشاهدينا الكرام هذه كانت حلقتنا هذا اليوم حلقة خاصة من برنامج مجلس الرحمة كانت تحت عنوان :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
تكلمنا عن أفضلية الدعوة إلى الله ، ثم الدعوة إلى الله فرض عين ، وتكلمنا عن أسلوب الدعوة ، وخصائص الدعوة ، وأمور كثيرة وعديدة ، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا جميعاً يوم أن نلقى الله ، إذاً لابد من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ، لابد من معرفة الآمر قبل الأمر ، لابد من معرفة القدوة قبل الدعوة، لابد من الإحسان قبل البيان ، لابد من الأصول قبل الفروع ، لابد من الترغيب قبل الترهيب، لابد من التربية قبل التعرية ، ولا بد من مخاطبة القلب والعقل معاً .
ربنا يبارك بكم جميعاً يا رب العالمين . أحبكم في الله ، شكراً لكم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين