الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} نقف في هذه الحلقة مع وقفة تأمل ننظر فيها إلى البحر، كم كانت لنا جلسات على شاطئ البحر والكثير منا ركب البحر واستمتع بعضنا بالسباحة أو بالغوص في البحر، ولكن اليوم أقدم لكم مجموعة من الأمور تأملت فيها وأنا أقف أمام البحر، أول أمر خطر ببالي وأنا أقف أمام البحر عظمة الله سبحانه وتعالى في هذا البحر الذي مهما وصل إلى علم البشر إلى معرفة أسراره إلا أنه ما زال فيه الكثير الذي لم يكتشف بعد، البحر علم واسع، فيه- سبحان الله- من الكائنات ما يعجز العلم أن يحصيها، نباتات وحيوانا ت وكائنات غريبة لا ندري أهي نبات أم هي حيوان حتى يخلصها العلماء، فأحيانا بالشكل نراها نباتا ولكن حركتها حركة حيوان، وربما العكس، فيا سبحان الله! الأمر الثاني.. الأمر الثاني في التأملات عند البحر.. تذكرت وأنا أمام البحر كم ابتلع هذا البحر من أجساد البشر وكم ذهب فيه من الضحايا؟ تذكرت يوم كنت أتابع فيلما وثائقيا عن الباخرة العملاقة التايتانك التي بناها الإنجليز وكانت شبه مدينة كاملة.. في فيلم وثائقي ذكر أنها كانت في رحلة سياحية ثم ارتطمت بجبل جليدي فغرقت وغرق من فيها، المهم نجوا بفضل الله سبحانه وتعالى في هذا الفيلم الوثائقي.. وصلوا إلى هذه السفينة واكتشفوا موقعها وإذا بالصور تظهر بقايا الباخرة.. الغرف، الوقاءات، الأوراق، الأواني، الأدوات.. ولكن أين الأجساد؟ بلعها البحر، كان الطعام لهذه الكائنات، نحن لا نعرف هؤلاء الناس ولكن الله يعرفهم، الموقف الثالث.. وكنت في سيري على الرمال كنت أجد صعوبة في المشي حتى أنهك المشي قوتي وتعب جسدي حتى شعرت بسرعة بدقات قلبي، فالقدم تغوص في الرمال وتثقل وتحتاج جهدا لأرفعها حتى مرة ثانية، أواصل السير وتغوص مرة ثانية، الطريق غير سوي وغير مستقيم، ولما تعبت من المشي على الرمال وجدت نفسي أجر نفسي إلى أن أسلك الرصيف الممهد أمام البيوت، فوجدت نفسي أسرع الخطى فأختصر المسافة، ولم أجد الطريق طويلا بل وجده سهلا وليس فيه أي معاناة وأي ألم، سبحان الله! الطريق المستقيم لا توجد فيه معاناة ولا ألم ولا يعيق الحركة في أي شيء، فتذكرت طريق الرحمن وطريق الشيطان.. طريق الحق سبحانه وتعالى طريق مستقيم، من سار عليه سار على هدى.. سار على نور ورزق الله سبحانه وتعالى.. بصيرة.. مشى وهو يسير في معية الله سبحانه وتعالى، فهو يعينه في هذا الطريق ويحميه من مخاطر الطريق، سبحان الله، ويجد السائر في هذا الطريق طريق الله سبحانه وتعالى.. يجد لهذا الطريق حلاوة فيه راحة حتى وهو يمر بأزمات، بابتلاءات، بمصائب يشعر فيه الطمأنينة أنها من الله رب العالمين ولتكفير عن الخطايا، أما طريق الشيطان فلا يدري المرء حين يسر فيه وتغوص قدماه في فتن هذا لطريق في مصاعب هذا الطريق.. لا يدري ماذا يصيبه خلال سيره في هذا الطريق فقد أصيب الشوكة، وقد يصب الإنسان كما يسير على البحر زجاجة أو قد يكون هناك خشبة مدببة أو هناك حيوان يؤذيه، طريق الشيطان طريق معوج، طريق يحجب الرؤية، طريق يعمي البصيرة، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} طريق الشيطان طريق متعب للنفس مؤرق لها، طريق الشيطان يرهق القوى، يرهق الجسد، وفي النهاية لا يصل المرء فيه إلى نهاية ترضيه فهو شقاء الدنيا وعذاب الآخرة، أما طريق الرحمن فقد تشتد فيه الابتلاءات وقد تشتد فيه المحن ولكنها كلها تمحيص.. تمحيص من الله سبحانه وتعالى للعبد تمحص بها المعاصي.. تمحص بها الذنوب وتكون نهاية الطريق بإذن الله تعالى جنة عرضها السماء والأرض.
وقفت أتأمل أمام البحر وجدت نفسي أتأمل في عمق البحر ذلك العمق الذي في أحيانه تهوي الكثير في أعماقه لينظروا ماذا هناك، وأحيانا ناس تغوص تبحث عن ما تريد هناك.. ناس يغوصون للزيادة في العلم.. للبحث عن المعلومات، فنجد أن هذا الذي يغوص بهذا الهدف فهو يتأمل النباتات في هذا العالم العجيب، يتأمل في الصخور، يتأمل في الحيوانات.. حيوانات البحر العجيبة، الأسماك أشكالها جميلة، وكأن كل ذلك- سبحان الله- يشكل لوحة فنية يعجز المرء عن تصديقها، وهناك من يقف وينظر ولكنه يخاف ذلك العمق- عمق البحر- لأن العمق في البحر يوحي بالمجهول.. ظلمة..غرق.. فدار في ذهني بعض الأمور حول عمق البحر، أولا: العمق يعطيني معنى البعد، مسافة.. مسافات يقطعها الإنسان في محاولة للوصول إلى هدف معين، يصل إلى هدفه.. هدفه الذي قد يصل إليه أو قد يضل
أو يضيع فلا يصل إلى هذا الهدف، هذا أعطاني معنى البعد، المعنى الثاني للعمق أن العمق.. البعد قد يكون آخره واضحا، آخر هذا العمق واضح، والعمق وقد يكون غامضا، ولذلك يحتاج الإنسان قبل أن يغوص في أي أمر من الأمور إلى حسن التفكر.. إلى التخطيط، بنحس بأمور بدون أن نحسب حسابا لهذه الأمور، ولذلك الناس لما تقع في المعصية تندم وتضرب الأكف على ماذا جنيت؟ كيف وقعت في هذا الأمر؟ لأننا عطلنا التفكير.. أن نفكر في أمر.. ولنخطط صح لهذا الأمر ولم نحسن التوكل على الله سبحانه وتعالى، العمق قد يكون الهدف منه ترسيخ الجذور، تأكيد الأصول وحماية ما فوقك من بناء، فلما يكون في عمق نحتاج إلى أن نبني بناء.. أن نجعل هذه الأصول قوية حتى ننمي هذا البناء والعمق والبعد، معنى أن أطيل النظر وأن أتفكر في الأمر، وقد تطول مدة التفكير ولكن يعود المرء بعدها سالما، بعض الناس قد تستعجل في بعض الأمور، توكل على الله.. مشي الأمور كلها تتسهل.. ما هو صحيح.. يجب أن نحسب الحساب وأن نفكر حتى إذا دخلنا في الأمر عدنا منه سالمين، العمق والبعد فيه أن أعطي بسخاء وأن يشعر من أمامي بالعطاء وأن أحب من حولي وأن يعرف من حولي أنني أحبه ولكن أحبه من الأعماق، وفي العودة أمام التأملات أمام البحر وقفت أمام امتداد البحر التي نرى لها نهاية وفي حقيقة الأمر هي ليست نهاية البحر وإنما نهاية ما يمكن أن يصل إليه امتداد البصر، هذا يعطينا معنى أننا لماذا نفترض أن الأمور.. ما نرى من الأمور إلى نهايتها؟ لماذا لا نبحث عن ما هو أبعد؟ لو الإنسان أخذ السفينة وذاب في البحر بعد امتداد البصر اكتشف أمورا كثيرة جديدة وأبعادا كثيرة لهذا البحر، كذلك الأمور التي تمر علينا، لا نحكم على أن هذه نهاية الأحداث، هذه نهاية ا لعلاقة، هذا نهاية الارتباط، لماذا لا نقول: خلينا ببصرنا إلى ما أبعد من هذا، خلينا نتفكر إلى أبعد مما نراه بحدود البصر، لنجلس جلسة تأمل كما نتأمل في امتداد البحر نبحث عن الأحداث أمامنا والأحداث التي تدور حوله ولننظر بعين البصيرة ليس فقط بعين البصر ونتعرف على ما خلف هذه الأمور، والله لنصل إلى حلول جديدة، سنصل إلى أفكار جديدة، سنصل إلى ابتكارات جديدة.. إلى علم جديد، ولكن أين من ينظر إلى ما بعد امتداد البصر؟ أقول: إن الوقوف والتأملات أمام البحر كثيرة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يحرمنا من نعمة التأمل والتفكر في خلقه عز وجل، في الحلقة القادمة سنقف مع أمواج البحر وما علاقة أمواج البحر بالعمل الإسلامي، ألقاكم في الحلقة القادمة من تأملات.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=1004_0_2_0