بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على أكرم خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. مع نداء يا رب.. يا رب قد ملأ حبك القلب من شرح لطاعتك الصدر.. فامنن علينا يا ربنا بأخوة نصبر معها على فتن هذا الزمان حتى نلقاك.
نعود في هذا الحلقة ونستكمل الحديث عن الصداقة والأخوة في حلقة حسن العشرة.. الأخوة التي ذكرنا قبل أنها ليست مجرد معاني وليس مجرد عواطف.. إنما هي علم يدرس وفقه يجب أن نتعلمه، وذكرنا أن أساس الأخوة ارتباط هذا الدين وبالعقيدة، وأن الأخوة ما كانت ولن تبقى إلا من أجل نشر دين الله وإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى.. وأن عدم فهم هذا الأمر.. أن أساس الأخوة العقيدة ـ أدى ذلك إلى مظاهر كانت هي السبب في حدوث الخلاف في العلاقات الأخوية وفي المواقف.
وسنقف اليوم على بعض مظاهر هذا الخلل في العلاقات الأخوية، أول هذه المظاهر الغريب أن نرى هناك مزاجية التعامل، يقول بعض الحكماء: لا تصحب من يتغير عليك عند أربع: عند غضبه ورضاه وعند طمعه وهواه. بل ينبغي أن يكون خلوقا.. هذه صفته فالأخوة ثابتة على اختلاف الأحوال واختلاف المواقف اللي تصير تبقى لا يعني أنا راضية أو هناك خلاف أن يتحول في داخل هذه الصدور وتكون هناك مزاجية في التعامل مرتبطة طريقة التعامل مرتبطة بالموقف نفسه هذا غير صحيح هذه من المواقف الخطأ في الأخوة الأمر الثاني عدم وجود أي اتصالات غير رسمية.. لا يوجد هناك زيارات ولا اتصالات، فنجد.. تجعل العلاقات فيها من الجفاف وفيها من الرسمية البحتة، وهناك سبب ثالث... الأسلوب الذي عمل فيه وأثر هذا الأسلوب، فنجد هناك أحيانا البعض يتعامل بالشدة يتعامل بالعصبية يتعامل بالحساسة الزائدة، وهذه تؤدي إلى وجود هذه التفرقة في العلاقة الأخوية.. وهناك أيضا سبب آخر حين يفرق الناس في التعامل مع الأفراد نجد أنه يتلطف مع هذا ويسمعه العبارات الجميلة كما يعرض عن الآخر ولا يسمع منه إلا الخشن في القول، هذا التفرقة في العلاقات تقطع أواصل الأخوة الأمر الرابع المزاح المذموم والمزاح سبحان الله المذموم ليس المزاح المزاح المذموم دائما يثير العداوة يذهب ببهاء الإنسان، يقطع الصداقة... قال أبو حاتم: المزاح في غير طاعة الله مثلبة للبهاء، مقطع للصداقة يورث الضغن وينبت الغل.. فسبحان الله الإنسان يجد وهو يمزح ألا يخرج من الأدب في المزاح.. الأمر الخامس الذي يؤثر في العلاقات الجرأة التي لا حد لها، حتى تصل هذه الجرأة أحيانا إلى التدخل في ما لا يعني وفي الأمور الشخصية.. فيشعر الإنسان أنه ينفر من هذا الأخ ولا يريد أن يوصل العلاقة معاه.. الأمر السادس الظن وعدم المصالحة.. المصارحة، لماذا لا نسأل لماذا لا نتحرى ونبحث عن الحقيقة ومِنْ مَنْ؟ مِن صاحب الأمر.. لماذا نظن ونؤلف القصص ونفترض أسوأ القصد ونلحق هذا أنا نشعر بالألم، ونشعر بالحزن.. لماذا؟ لأن إحنا نشعر أنا نحنا قد جرحنا، وفي حقيقة الأمر لم يكن كل هذا الأمر الذي نظنه ونفترض أنه موجود هو غير موجود، فنعيش هذه المعانات التي تسبب النصرة في العلاقات الأخوية.
الأمر السابع: الخروج عن الأدب في الكلام ورفع الصوت، كلها مظاهر تؤدي إلى النفور في العلاقات الأخوية..
أيضا أمر ثامن: هو الجدل وطول النقاش، والدخول في معارك كلامية لننتصر للنفس، وأن ننتصر للرأي.. هذا يقطع العلاقات أيضا، ومن مظاهر الخلل في العلاقات الأخوية التفاخر والاستكبار الأخوة في الله يعلمون أن لا مكان للتفاخر بينهم.. لأنهم يعرفون أن الكرامة هي للتقوى.. وأن التقوى في القلوب وعند القلوب إلى الله سبحانه وتعالى... وما يدري سرها أحد إلا هو سبحانه وتعالى.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد.. ولا يسخر أحد على أحد.. فالأخوة ألفه، الأخوة بساطة الأخوة تواضع.
والأمر العاشر من أسباب الخلل في العلاقات الأخوية ومما يضعف الأخوة: التهكم والازدراء والسخرية.. أن نسخر.. مَن يسخرون.. الناس من بعضهم البعض، وهناك من الأسباب أيضا كثرة العتاب، وقد ضرب ابن السماك الزاهد المثل في ذلك حينما قال له صاحبه: الموعد بيني وبينك غدا نتعاتب.. فرد عليه ابن السماك رحمه الله تعالى قال: بل الموعد بين وبينك غدا نتغافر. كان جواب ابن السماك يدل على وجود قلب وراء هذا الإنسان، يعلم أن التغافر أولى وأطهر وأبرد للقلب..قال الشاعر:
من اليوم تعارفنا
ونطوي ما جرى منى
فلا كان ولا صار
ولا قلتم ولا قلنا
وإن كان ولابد من العتب، فبالحسنى نتعاتب.. خلينا نتعاتب بالحسنى خلينا نجلس ونذكر كل أمر.. تتضايق منه الآخر ونبدأ نحل هذا الخلاف، ويكون جوّ فيه التغافر.. وليس فيه العتاب الذي يقطع أواصر العلاقات.
أريد أن أبرز لكم معاني الأخوة الجميلة.. الأخوة كلمة طيبة وابتسامة يفهم من ورائها النية الحسنة القوية وحسن الظن، وتقديم الأعذار قبل طلب العثرات والأخوة.. اغتفار قبل العتاب..
الأخوة ارتياح نفسي يشعر معها المرء وهو يخاطب الأخ في الله كأنه يخاطب نفسه، كما قيل الصديق هو أنت إلا أنه غيرك.. الأخوة حب جميل حب رقيق وحلاوة.. هذا الحب في التسامح في الإيثار في التضحية في العطاء دون مقابل دون مقابل... حتى في المشاعر.. أعطي من مشاعري حتى لو لم أجد المقابل، ما وجه هذه المشاعر الأخوة أن أدخل السرور إلى قلب الأخ أو الأخت، وأن أتجنب ما يحزنه...
أحيانا بعض الناس يقول الكلمة ولا يتفكر ما وقع هذه الكلمة على قلب الأخ أو قلب الأخت، فتحزنه هذه الكلمات وهو ذكرها وأكمل حياته، لكن هذه الكلمة تكون قد أحزنت هذا الأخ أو هذه الأخت.. وقد يكون هذا الحزن يستمر معه فترة طويلة، ونحن لا ندري الأخوة أن أكره مضرة الأخ، بل وأبادر إلى دفع المضرة عنه.. الأخوة أن تساهم هذه العلاقة في زيادة الصلة بالله سبحانه وتعالى.. لا أن نقدم محبة هذه الأخوة على أوامر الله عز وجل.. الأخوة أن لا أقول هذا خلقي
وعليكم أن تحترموني وأن تصبروا علي، ولكن أن أسعى لتغير هذه الطباع إذا كان فيها ما يزعج الأخوة وإن كان فيها ما ينفر الأخوة أن أغير هذه الطباع وأن أكون قادرا على أن أتكيف مع الطباع الأخرى في الأخوة في الله.
في حادثة أن رفيقا لحبيب بن مسلمة فاق يوما في شيء.. فقال له حبيب إن استطعت أن تغير خلقك بأحسن منه فافعل وإلا فيسعك من أخلاقنا ما ضاق عنا من خلقك.. نصبر عليك... وهكذا يجب أن نصبر على بعضنا البعض، فلنتسامح ولنتغافر ولنتسابق في الحب الأخوي وفي الصفاء القلبي.. ولتكن تقوى الله سبحانه وتعالى هي الوسيلة لتقوية هذه الرابطة ولزيادة هذا الحب ولزيادة الرحمة.
وأن نتذكر دائما أن تواجد خلافة الله سبحانه وتعالى في الأرض يحتاج إلى جهد إلى عمل إلى عمل متواصل وشاق، وهذا الجهد والعمل قد يستنفذ العمر بكامله، وذلك يستوجب منا أن نحب إدخال كل الناس في دائرة الاستجابة لرب العالمين، وألا تكون ذنوب الناس حاجزا؛ لحبنا لهم ولحبنا أن يتوب الله سبحانه وتعالى ويهديهم إلى الخير,, وألا نبيّت في قلوبنا شيئا من الحقد أو الحسد أو البغضاء لأحد، وأن نبادر إلى العفو وأن نحسن وأن نعين بعضنا البعض على أنفسنا وعلى الشيطان..
من الأخوة أن نكثر الدعاء للأخوة ولأهلهم ونقلل من الملامة. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه
قال تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
ختاما أقول وصية ذكرها علقمة لابنه.. قال:
يا بني اصحب من إذا خدمته صانك.. إذا صحبته زانك.. اصحب من إذا مدت يده إليك بخير مدها وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سدها.. يحفظ لك الحسنة وينسى لك الإساءة.
ونتذكر أخواتي وإخوتي ذاك الذي ألقى ظله على أخيه عن حر الشمس ولفحة القر وهو نائم يحفظه من آشعة الشمس، وذاك الذي كان يقدم العنب لأخيه كل ما مر عليه بحديقته حتى في يوم من الأيام شاركه في أكل العنب فوجد عنبا مرا فاستغرب لم لا يرده ويرفضه؟ ولماذا أكله.. ولماذا صبر على مر هذا العنب؟ فقال له: قد أكلت على يدك على مر الأيام حلوا كثيرا، وليس من حق الأخوة أن أكسر قلبك وأردّ عناقيد العنب في وجهك.. فكنت أصبر على حموضتها ومرارتها مراعاة لقلبك وأخوتك..
سبحان الله فلم لا نصبر على بعضنا البعض؟ ولم لا نكظم الغيظ؟ ولم لا نعفوا.. مستحضرين دائما جمال الأمور السابقة التي كانت من إخوتنا في الله.. نتذكر دائما حلو المواقف.. نتذكر كيف أعانونا على توبة أو كيف فتحوا لنا بابا من أبواب الخير.. أو علمونا أن نستعين بالله سبحانه وتعالى على وساوس الشيطان في العلاقات الأخوية... ولنتجاوز المظاهر التي تؤدي إلى الخلل في هذه العلاقة.. ولندعوا الله سبحانه وتعالى أن يبارك في هذه العلاقة، وأن ننال بها شرف الدنيا وشرف الآخرة ومرضاة الله سبحانه وتعالى.
وألقاكم في حلقة جديدة من برنامج يا رب.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=998_0_2_0