بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على أكرم خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين مع نداء يا رب، نستكمل حلقة من خاف أدلج.. الخوف والخشية.. وذكرنا ثمرات لهذا الخوف ولتلك الخشية، وقفنا عند ذكر أن الخوف يوجد في النفس الحذر وتقوى الله سبحانه وتعالى، الخوف من الذنوب ومن المعاصي.. تلك الذنوب التي هي من الأسباب التي يحرم بها العبد الرفق، عن ثوبان رضي الله عنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، والمسلم الطاهر النظيف العفيف هو الذي يخاف ربه ويخشاه ويخشى عقابه ولا يأمن مكر الله سبحانه وتعالى.. يقول الله عز وجل: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لا آمن مكر الله عز وجل حتى ولو كانت إحدى رجلي في الجنة لم تتبعها الرجل الأخرى، يخشى ألا يستكمل طريقه إلى الجنة، هذا هو أبو بكر الذي لو وزن إيمان الأمة في كفة ووزن إيمان أبو بكر في كفة لرجحت كفة أبو بكر، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال: "وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة" ولكن.. هل يمكن أن يخاف المرء من أمر لا يعرفه ومن أين يمكن أن يعرف الأمر دون أن يقف على حقيقته؟ ولا يعرف الإنسان حقيقة الأمر إلا لما يعلم هذا الأمر، يعني الإنسان إذا جهل الأمر ما يهتم له ولا يقترب له، اليوم الناس تتسابق إلى الوصول إلى الشهادة وإلى العلم لمعرفتهم بأهمية هذا العلم وهذه الشهادة نجدهم في عمل دؤوب مستمر حتى يحصلوا على ما يريدون أن يصلوا إليه، ولا يصلون إلا بالعلم، فكيف هو الخوف؟ كيف نصل إليه؟ نصل إليه لما نقرأ ونتعلم ونتدبر ونفهم أمور هذا الدين ونفهم عظمة المولى سبحانه وتعالى، يصف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ذلك العلم إذ يقول: ليس العلم عن كثرة الحديث ولكن العلم عن كثرة الخشية، في ناس لديهم من العلم الشيء الكثير.. قرؤوا الآيات والأحاديث وحفظوا.. ولكن يكون هذا العلم جانب والأعمال في جانب آخر، ما المفقود بين العلم هذا والتصرفات والسلوك؟ المفقود هو أن العلم هذا أُخذ أَخذ معرفة وخشية لله سبحانه وتعالى بل، وإن القلب المؤمن تنتابه وجدانية حين يذكر بالله سبحانه وتعالى وحين يتذكر أوامر الله ونواهيه نجده يتغشاه جلال الله سبحانه وتعالى ويسري في قلبه وفي جسده مخافة الله ويتمثل عظمة الله ومهابة الله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي غفر له ما تقد من ذنبه وما تأخر.. يقول من مخافة الله: لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم، مهما نقول لأنفسنا ما هو حالنا، كان داود عليه السلام يقول في مناجاته لرب العالمين: إلهي لا صبر لي على حر شمسك فكيف صبري على حر نارك يوم القيامة؟ الذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية فإذا أقدم على معصية بحكم ضعفه البشري قاده الخوف الذي في قلبه إلى الندم.. إلى الاستغفار.. إلى التوبة فهو يدور في دائرة الطاعة فهو ممن قال الله تعالى فيهم: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} خاف ونهى نفسه عن الهوى فكان الجزاء هو جنة المأوى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة، أي من خافه ماذا يعني: من خاف أدلج؟ من خاف السير في الظلام أسرع في مشيته ومن أسرع بلغ مكانه وبلغ منزله، لكن لننظر ممَ قد يخاف الذي يسير في الظلام؟ ماذا يخاف الذي يسير في الظلام؟ الذي يسير في الظلام إما يخاف قطاع طرق أن يسرقوه أو من حيوان يفترسه أو يؤذيه أو الخوف من الظلام، سبحان الله، فعلا في ناس تخاف من الظلام بحد ذاته.. هو يخيف.. لا شيء آخر، وحتى يسلم ماذا يفعل؟ نجده يسرع ويرقد لينجو مما يخشاه سواء كان قاطع الطريق واللا كان الدابة التي يخشاها واللا كان الخوف من الظلام نفسه فكيف بنا نحن ونحن نعلم ما أعد الله سبحانه وتعالى لمن خالف أمره وما أعده سبحانه وتعالى لمن اتقاه وأطاعه؟ فكيف لا نسرع؟ وكيف لا نهرول.. نهرول لبلوغ الخير للفرار من الباطل.. نفر إلى الحق، يقول الله سبحانه وتعالى: {ففروا إلى الله..} فروا إلى الله، لا تفروا من الله.. فروا إلى الله، عند الله الطمأنينة والسكينة والراحة والسعادة والخير في الدنيا والآخرة.
بعض الأحداث في واقعنا العملي.. انظروا كيف يفر الناس.. يأخذون معنى الفرار.. هل هو الفرار التي تقول معه الفتاة اليوم: لماذا الحجاب؟ لماذا الحجاب؟ الآن إن شاء الله حين أنتهي من فريضة الحج أو حين أتزوج وقد يكون الزوج التي تتزوجه أول من يعارض هذا الأمر.. يعارض طاعتها لله رب العالمين في أمر الحجاب أم هو الفرار الذي يؤجل معه الشباب ترك المحرمات وترك الالتزام بالطاعات ويظنون أن فترة الشباب هذه فترة الاستمتاع.. خليني استمتع فإذا بلغت عمر والدي عندها سأتوب وأعود إلى الله سبحانه وتعالى، إن ما يريده هؤلاء الناس من تأجيل لتلك الطاعات إنما يدل على يقينهم جميعا بواجب ومع هذا ما أنكروه، قالوا: سنطبقها.. سنعمل ولكن بعد حين، إذا هم على يقين بواجب هذه الطاعة وحرمة تلك المعاصي وإن ذكروا.. يعني ذكروها أو ذكروا بها نجدهم يتألمون ولكن هذا الألم وهذا الخوف لا يستمر لحظات.. هذه لحظات ألم ثم يعود القلب إلى الغفلة مرة ثانية ويعود إلى الهم.. إلى الشقاء.. إلى الحزن، ولكن ننظر إلى الجانب الآخر، إلى السعيد في دنياه، هو الذي يرزقه ربه سبحانه وتعالى قلبا خاشعا ولسانا ذاكرا وضميرا طاهرا ويدا ضارعة ونفسا مطمئنة وقلبا وجلا وآذانا واعية وعينا باكية من قبل أن يفارق هذا الحياة، إن القلب الخاشع هو الذي يكون دائم الصلة بالله سبحانه وتعالى، وكلما ازداد العبد قربا من الله ازداد الخوف.. ازداد الخوف منه سبحانه فلما يخلو بنفسه بعيدا عن الناس ويتذكر الله سبحانه وتعالى تمثل في خاطرة جلال الله سبحانه وتعالى واستحضر هيبته وتذكر نعم الله سبحانه وتعالى وتذكر التقصير وتذكر العصيان فإذا بهذا القلب يخشع والجسد يرجف والعين تدمع فيكون ذلك العبد الذي نور الله سبحانه وتعالى قلبه بالإيمان فنجده يبقى في معية الرحمن في الدنيا وهو يوم القيامة في ظل عرشه سبحانه مع الأبرار.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحوله به بيننا وبين معصيتك، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوجد هذه الخشية في نفوسنا أن ويوجد هذا الخوف في قلوبنا، وهذا لا يأتينا هكذا، يجب أن نسعى نحن إلى هذه الخشية وإلى هذا الخوف مع دعاء الله سبحانه وتعالى، لنفتح الكتب.. نقرأ، لنجلس في جلسات العلم وجلسات التذكرة، لماذا نهرب منها؟ لماذا نعرض عنها؟ لماذا لا نصبر أنفسنا على الجلوس في هذه المجالس؟ نقول: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ولا نسعى بأن يرزقنا الله سبحانه وتعالى هذه الخشية، يقول الله سبحانه وتعالى: {إن الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} من هم؟ هؤلاء الصحابة الذي كانوا هم يجلسون في مجالس العلم ويتذاكرون، كان أحدهم يمسك أخاه فيقول: تعال بنا نؤمن ساعة، كان يجلسون في مجالس النبي صلى الله عليه وسلم وهم يستمعون بالقلوب وبالأرواح فيخشع الجسد ويخشع القلب وتذرف العين، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.. متعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدا ما أحييتنا، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم حبه وخشيته في قلوبنا وأن نبقى نناديه ونناجيه: يا رب، أستودعكم الله وألقاكم في لقاء يتجدد مع نداء: يا رب.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=991_0_2_0