بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومع لقاء يتجدد من نداء يا رب، يا رب ارزقنا خشيتك لنستقيم، ارزقنا رجاء رحمتك وعفوك ورضوانك، من خاف أدلج، حلقة جديدة نتكلم فيها عن الخوف، الخوف.. وهو الأمر اللي كثيرا ما يحبه ولا يجب أن يعيش بمشاعر صاحبه، والخوف بسببه قد يقع المرء في الكثير من المعاصي، وهناك من يكذب لخوفه من العقاب وآخر يغش خوفا من الفشل وآخر يسرق خوفا من الفاقة.. أولئك يعيشون بين الخوف من الفعل وخوف اكتشافه أمام الناس وخوفهم أن يعاقبوا من قبل النظام أو من قبل القانون وكل هذا الخوف الذي يعيشونه.. هناك معاناة في داخله، معاناة، تأنيب الضمير للخوف من معصية من أمر ارتكبوه، ولكن ما شعروا في الخوف إلا من بشر أمثالهم، وهناك داخل أنفسهم تأنيب للضمير حتى وإن تحقق لهم ما شاؤوا، نجحوا بعد الغش، حصلوا على المال، في النهاية لا يشعرون بهذه السعادة.. لماذا؟ لأنه القلق، لا يشربون من هذه السعادة رغم أنهم نالوا ما نالوا ولكن هناك خوف آخر هو الذي نقصده، الخوف الذي يجلب الخير ويهدي للخير ويحث على الخير، الخوف الذي يبعد المرأ عن المعاصي.. يحثه على الطاعات وهذا الخوف- سبحان الله- لصاحبه دائما الراحة والطمأنينة والسعادة وسعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} خوف ولكن يقال له: جنة جنان هذه الجنان الذي أعدها الله سبحانه وتعالى للعبد الذي في قبله الخوف، لماذا الخوف؟ وهل يجب أن نخاف؟ وممن نخاف؟ وما الخوف أصلا؟ قيل: إن الخوف هو تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في شيء راح يصير، والقلب يخاف من هذا الأمر الذي سيحدث، وقيل: إن الخوف هو من الله سبحانه وتعالى يسوق به عباده، المواظبة على العلم، المواظبة على العمل، ينال مرتبة القرب من الله سبحانه وتعالى.. قال تعالى:{والذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون} فإذن خشية ثم إشفاق، حين يستمعون للآيات يخشعون معها، يؤمنون بالله سبحانه وتعالى ولا يشركون به شيئا، فكانت نتيجة الخوف بعد هذا توحيد الله عز وجل والإيمان به وتقواه سبحانه، هذا خير أتى بثمرات.. ثمرات خير، هكذا ذكرنا في البداية أولئك الذين يعيشون حالة القلق والمعاناة والخوف أن يعرفوا ويكتشف أمرهم، نشعر أن الخوف من الله سبحانه وتعالى.. نشعر أن العلاقة هي بيننا وبين الرب عز وجل فنشعر أن هذه العلاقة فيها من الخصوصية وفيها من الأنس والقرب من الله سبحانه وتعالى فينتج عنها ثمرات، أذكر بعض هذه الثمرات، أولها أن الخوف يقمع الشهوات فكلما حدثنا النفس بمعصية نتذكر رقابة الله سبحانه وتعالى، نتذكر عظمته، قدرته، ونتذكر قوله عز وجل: {وهو معكم أينما كنتم} ونخاف، هو معنا، أين نذهب فنعصيه؟ هو معنا في كل مكان وفي كل حين، الأمر الثاني: الخوف بأن تتأدب الجوارح، فحين نتذكر وقفة العرض يوم القيامة وشهادة الجوارح والعذاب.. يقول الله سبحانه وتعالى: {وقفوهم إنهم مسئولون} سنسأل.. عندها نخاف، الأمر الثالث: بالخوف يذل القلب، يفارقه الكبر والحقد والحسد.. لماذا؟ إذا دخل النفس الشعور بالكبر فلتتذكر عظمة المولى وقدرته وجلاله سبحانه وتعالى ولتتذكر معه ما حجم.. ما حجم الإنسان وما قدرنا، وما نحن إلا عبيد.. عبيد لله سبحانه وتعالى وهو رب العالمين.. قيوم السماوات والأرض، هناك يكون الخوف، بالخوف يذل القلب ويفارقه الكبر والحقد والحسد، فإذا دخل النفس شعور بالكبر فيتذكر عظمة المولى سبحانه وتعالى، يتذكر قدرته وقوته عز وجل ويتذكر معه حجمه.. من نحن؟ ما نحن إلا عبيد لله سبحانه وتعالى فيكون الخوف من قيوم السماوات والأرض، إن دخل النفس الحقد والذي ربما قد يكون بسبب ظلم وقع علينا أو حق سلب فليتذكر أن المؤمن لا يحقد بل ويكظم غيظه.. يكظم الغيظ مع أنه مستطيع أن يمضيه ويعفو وهو قادر على الانتقام ويتسامح وهو صاحب الحق وهو يدري أنه لا حاجة له في الحقد والله كفيله، هو كفيله، هو كفيل أن يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، وبهذا جعل الأمر بيد القادر سبحانه وتعالى ورد كل شيء إليه بل وبالرغم من أن الحقد لا يرد حقا ولكن لا يعيد النظام ويورث الانتقام ولذلك القلب المؤمن لا يشتغل بالخصام والعداوات، لا يتسع لكل هذا الأمر، لا يتسع لمثل هذا الأداء، والدنيا لا تستحق عنده هذا العناء فيشعر في داخل قلبه أنه لا يحمل هذا الخوف إلا لله سبحانه وتعالى، وقد يكون الحقد حسدا.. أن ليس لدينا ما في يد الآخرين، فإن كان كذلك نتذكر أن ما عند الله خير وأبقى.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا، وقال الحسن البصري: يا ابن آدم لمَ تحسد أخاك؟ فإن كان الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى لكرامته عليه لماذا تحسد من أكرم الله عز وجل؟ وإن كان غير ذلك فلمَ تحسد من مصيره إلى النار؟ يعني إذا كان عنده شيء وهو بعيد عن شكر الله عليه فجميع أهل علم الله سبحانه و تعالى.. لماذا نحسد من مصيره إلى النار؟ وقال ابن سيرين: ما حسدت أحدا على شيء من أمر الدنيا إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة.. في جنة.. الآخرة، وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على الدنيا وهو يصير إلى النار؟ والأمر الرابع الذي يورثه الخوف هو أن ينشغل القلب بهمه ومواجهة يد العبد فيتفرغ لنفسه، وهناك حين يتذكر التقصير فيخاف ويخشى غضب الرب سبحانه وتعالى فيبدأ ينشغل بإصلاح الحال ويكون هذا هو الأمر الذي يشغله، والثمرة الخامسة أن هذا الخوف يورث المراقبة، يورث المحاسبة والمجاهدة، ولا تكن الخشية إلا من مراقبة الله سبحانه وتعالى، فهو في شغل دائم، المراجعة والمحاسبة والتصحيح وإعادة اللي يسير عليه في هذا الحياة الدنيا ولا يستهين بالصغار من الذنوب فإنها من أسباب الهلاك، عن أنس رضي الله عنه قال: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات، كيف حجمها! ونحن نستسهلها.. نعتبرها أمورا سهلة، وكيف كان حجمها عند الصحابة؟ ولذلك كان الخوف عندهم شديدا لأنهم يعرفون الله بهذه المعصية وإن كانت صغيرة، الأمر السادس الذي يورثه الخوف أن تقف الجوارح عن المعاصي ويبدأ العبد يلزمها بالطاعات مما فات من تقصير في الطاعات والأوقات ويبدأ يستعد لما هو قادم بالعمل الصالح.
الأمر السابع الذي يورثه الخوف أن يبدأ المؤمن يشعر بالحذر وبالتقوى مع الحذر، والتقوى.. يبدأ يداوم على الذكر ويداوم على العبادة حتى ينجو، اللهم ارزقنا تقواك ودوام ذكرك وحسن عبادتك، لم ننته من الحديث حول الخوف والخشية ولكننا سنستكمل الحديث في الحلقة القادمة إن شاء الله.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=980_0_2_0