التفسير المطول - سورة التوبة 009 - الدرس ( 51-70 ) : تفسير الآية 73، الجهاد وأنواعه.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2011-05-06
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الله عز وجل خلقنا ليرحمنا ويسعدنا في الدنيا والآخرة :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الواحد والخمسين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثالثة والسبعين وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل خلق الإنسان ليسعده في الدنيا والآخرة، أو خلق الإنسان ليرحمه، والدليل قوله تعالى:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
[ سورة هود الآية: 119]
فالله عز وجل خلقنا ليرحمنا، وخلقنا ليسعدنا في الدنيا والآخرة، فالذين شردوا عن الله، وغفلوا عنه، واتبعوا شهواتهم، هم في طريق شقائهم وهلاكهم.
رحمة الله عز وجل تقتضي أن ينبه عباده إلى سرّ وغاية وجودهم :
لذلك تقتضي رحمة الله عز وجل أن يرسل إليهم أنبياء ومرسلين، ليذكروهم بعلة وجودهم في الدنيا، وهي عبادة الله عز وجل لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
[ سورة الذاريات]
والعبادة طاعة طوعية، تسبقها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، فالله خلقنا لسعادة أبدية في الدنيا والآخرة.
فلذلك تقتضي رحمة الله عز وجل أن ينبه عباده إلى سرّ وجودهم، وغاية وجودهم، فلذلك أرسل أنبياءه ورسله، فالذين أصروا على كفرهم، واعتدوا ببعدهم عن ربهم، لابد من أن يعالجوا معالجة استثنائية، أحياناً هناك أمراض تتشفى بالأدوية، وهناك أمراض تحتاج إلى جراحة.
فالنبي عليه الصلاة والسلام بأمر من الله عز وجل يخاطبه ويقول:
﴿ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
والحقيقة في الأحوال السلمية المنهج:
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
[ سورة فصلت]
هذا في الأحوال العادية السلمية، أما في الحرب فهناك منهج آخر:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
في السلم هناك منهج لله عز وجل وفي الحرب هناك منهج آخر :
أيها الأخوة، الجهاد كما ورد في الأحاديث النبوية:
((ذروة سنام الإسلام الجهاد))
[أخرجه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي]
والجهاد بذل الغالي والرخيص، والنفس والنفيس من أجل هداية الخلق، وهناك أمر إلهي موجه إلى النبي الكريم، وإلى من يأتي بعده:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
المنافقون كفار، ولكن عاشوا في مجتمع إسلامي، وأرادوا أن يأخذوا مكاسب لصالحهم فأعلنوا شيئاً، وأخفوا شيئاً، أعلنوا إيمانهم، وأخفوا كفرهم، هؤلاء المنافقون في الدرك الأسفل من النار، لأنهم أوهموا المؤمنين أنهم مؤمنون، لذلك استفادوا من هذه الصفة التي انتحلوها وغابت عنهم أن الله عز وجل لابد من أن يفضحهم.
إذاً الشيء الدقيق الآن أنه في السلم هناك منهج، وفي الحرب هناك منهج آخر، في السلم:
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
لم يقل ادفع بالحسنى،
﴿ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
إذا كان هناك رداً على إساءة بموقف حسن فيجب أن تختار أفضل موقف حسن
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ ﴾
هذا موقف المؤمن في الأحوال العادية، أما حينما تشتد المعركة فلابد من أن تجاهد الكفار والمنافقين جهاداً أساسه القوة.
النبي الكريم لعلو مقامه عند الله ما خوطب باسمه بل بلفظ النبوة والرسالة :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
هناك شيء دقيق وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام هو سيد الخلق، وحبيب الحق، هو سيد ولد آدم، هو النبي الذي أقسم الله بعمره الثمين، قال:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
[ سورة الحجر]
هو النبي الذي ما خوطب باسمه أبداً:
﴿ يَا يَحْيَى ﴾
[ سورة مريم الآية: 12]
﴿ يَا عِيسَى ﴾
[ سورة المائدة الآية: 116]
﴿ يَا مُوسَى ﴾
[ سورة النمل الآية: 9 ]
إلا النبي
﴿ يَا أَيُّهَا ﴾
أو:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 67]
ولم يأتِ اسمه إلا خبراً، مبتدأ ليخبر عنه:
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾
[ سورة الفتح الآية: 29]
هذا من تفضيل النبي الكريم على بقية الأنبياء والمرسلين.
إذاً الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
هنا الغلظة أحياناً تردع الكافر عن متابعة كفره،
﴿ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
يبدو أن بعض النفوس تأتي بالشدة، وبعضها يأتي بالإقناع، وبعضها يأتي بالرخاء، فصنف الكفار في الأعم الأغلب ينصاعون إلى الحق عقب شدة تأتيهم.
إذاً النبي الكريم لعلو مقامه عند الله ما خوطب باسمه أبداً بل توجه الله إليه و خاطبه بلفظ النبوة والرسالة.
جهاد النفس والهوى هو الجهاد الأساسي :
أما الجهاد الذي أُمر النبي به فهذا جهاد له معان كثيرة جداً، والحقيقة من أولى معاني الجهاد جهاد النفس والهوى، لأن بعض الصحابة الكرام حينما رجع من الحرب قال: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، جهاد النفس والهوى، لأن الذي ينهزم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة، فلابد بادئ ذي بدء من أن تنتصر على نفسك، أن تنتصر عليها بأن تحملها على طاعة الله، فالنفس نزاعة إلى المتعة، نزاعة إلى الشهوة، نزاعة إلى التفلت، نزاعة إلى حرية تتوهمها مسعدة، نزاعة إلى أن تعيش كما تتمنى، يأتي منهج الله عز وجل يضبطها، هناك أشياء مباحة، وأشياء محرمة، وأشياء مكروهة، وأشياء مستحبة، أنت أمام دائرة كبيرة، هذه الدائرة الكبيرة ما بعدها هو الحرام، أما الحلال فأنواع، هناك فرض، وسنة مؤكدة، وسنة، ومستحب، فهناك منهج دقيق لهذا الإنسان، الإنسان لأنه أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة بالغة التعقيد إله، وتعقيدها تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، لهذه الآلة المعجزة صانع عظيم، وخالق حكيم، وهذا الصانع العظيم له تعليمات التشغيل والصيانة، إنها كتابنا، وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، فلابد للإنسان الذي يبغي سلامته وسعادته من أن يتبع منهج خالقه، منهج صانعه، ودائماً وأبداً الصانع هو الجهة الوحيدة الخبيرة بأسباب سلامة هذه الآلة وأدائها الأداء الأكمل، والله عز وجل يقول:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[ سورة فاطر]
فالله عز وجل يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ ﴾
فالمجاهدة تبدأ بالدعوة إلى الله هذا الجهاد الدعوي، وقد يسبق هذا الجهاد الدعوي جهاد النفس والهوى، فغض بصرك عن محارم الله هذا نوع من الجهاد، أن تنطق بالحق ولا تكذب نوع من الجهاد، أن تأخذ ما لك وأن تدع ما ليس لك نوع من الجهاد، جهاد النفس والهوى هو أساس الجهاد.
كيف أن في التعليم هناك تعليم أساسي، وهناك تعليم ثانوي، وهناك تعليم جامعي، وهناك دراسات عليا، وهناك دكتوراه، هذه مراتب، أما الشيء الأساسي فمن الصف الأول حتى التاسع في بعض البلاد، هذا التعليم الأساسي.
فالجهاد جهاد النفس والهوى هو الجهاد الأساسي، والمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة.
أنواع الجهاد :
1 ـ جهاد النفس و الهوى :
إذا قال الله عز وجل يخاطب النبي وكل أمر موجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام هو موجه إلينا بالتبعية، شيء طبيعي جداً، الله عز وجل يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾
[ سورة الأحزاب]
هو يتقي الله، هذا الأمر موجه لأصحابه، ولأمته من بعده، فالله عز وجل يأمر النبي أن يجاهد، والجهاد نبدأ بجهاد النفس والهوى، جهاد النفس والهوى هو الأصل في الجهاد.
ومرة ثانية: الذي يهزم أمام نفسه، وتغلبه شهوته، وتغلبه مصالحه، ويغلبه تفلته، وتغلبه غفلته، هذا الإنسان لا يستطيع أن يواجه نملة، فضلاً عن أن يواجه عدواً، فلذلك يعد جهاد النفس والهوى أصلاً لكل جهاد.
هذا الجهاد جهاد النفس والهوى كما عبر عنه الصحابي الجليل: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى".
2 ـ الجهاد الدعوي :
الآن هناك جهاد آخر، ودليله في القرآن آية محكمة، قال:
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
[ سورة الفرقان]
وسمّى الله عز وجل تعليم القرآن، وتوضيحه، وبيان آياته، ومحكمه، ومتشابهه، والتفاصيل الدقيقة المتعلقة بالقرآن، هذا نوع من الجهاد،
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ﴾
أي بيّن هذا القرآن، فصّل هذا القرآن، لذلك قال عليه الصلاة والسلام، وقد لخص كل رسالته فقال:
(( إنما بعثت معلماً))
[أخرجه الحارث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))
[أخرجه البزار عن أبي هريرة]
فكأن النبي الكريم بين أن أعلى مرتبة ينالها الإنسان أن يدعو إلى الله عز وجل والدليل:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[ سورة فصلت]
هذا الجهاد الدعوي.
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
ونحن يغلب على ظننا أن الجهاد الدعوي من اختصاص العلماء والدعاة الكبار، هذا خطأ كبير، الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، فرض عين، لكن الدعوة إلى الله مع التفرغ، والتعمق، والتبحر فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، هناك أشخاص تفرغوا في دراستهم، وفي اختصاصهم لمعرفة هذا الدين العظيم، كتاباً، وسنة، وفقهاً، وأحكاماً، وسيرة، هذا الجهاد الدعوي الذي أساسه التفرغ التام، والتعمق، والتبحر، فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، أما الجهاد الدعوي كفرض عين فكل إنسان كائن من كان عليه أن يجاهد جهاداً دعوياً، والدليل:
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
والدليل قوله:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله بعيد بعداً كبيراً عن منهج الله عز وجل،
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
من لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله :
دليل ثالث:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
[ سورة يوسف الآية: 108]
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة، وكتعليق على كلام بصيرة، أي بالدليل والتعليل، خذوا الكتاب بقوة واذكروا ما في من حكمة، فالدليل من كتاب الله، ومن سنة رسول الله، أو من إجماع المسلمين، فالدعوة إلى الله بالدليل والتعليل،
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾
بالدليل والتعليل،
﴿ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله، وبالتالي ليس محباً لله:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 31]
فتنطلق من محبتك لله باتباع رسول الله، ومن منهج النبي الكريم أنه دعا إلى الله، فالدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، فهذا الذي حضر درس علم في مسجد، واستمع إلى تفسير آية، وتأثر بها تأثراً بالغاً، عليه أن ينقلها إلى أهله، إلى أولاده، إلى جيرانه، إلى أصدقائه، طوال هذا الأسبوع حضر خطبة، تأثر بقصة عن صحابة رسول الله، هذه القصة ينقلها.
((بلِّغُوا عني ولو آية ))
[أخرجه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
فالدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، إذاً أن تقول: لا علاقة لي بالدعوة، أنا مسلم، هذه مهمة الدعاة الكبار، لا، أنت كمسلم يجب أن تكون داعية بنقل حديث لرسول الله، نقل معنى آية فهمتها، وتعمقت بها.
إذاً هناك دعوة تعد فرض عين على كل مسلم، وهذا الجهاد سنسميه الجهاد الدعوي أول جهاد جهاد النفس والهوى، أن تضبط أهواءك وفق منهج الله.
من ترك جهاد نفسه مال للشهوات و المعاصي :
بالمناسبة: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها بالإسلام لا يوجد حرمان، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، فالإنسان يجاهد أولاً نفسه وهواه، هذا جهاد النفس والهوى، هو الجهاد الأساسي، هذا الجهاد هو فرض عين على كل مسلم، لأن هناك نفس لها شهوات، فالإنسان إذا ترك جهاد نفسه يميل للشهوات، والشهوات معظمها في المعاصي والآثام، يميل إلى التفلت، إلى ترك الطاعات، إلى ترك الفرائض، إلى أن يتكلم ما يشاء، أن يلتقي مع من يشاء، أن يطلق بصره في الحرام، هذا كله من صفات الإنسان العادي، فالإنسان إن لم يجاهد نفسه وهواه، إن لم يضبط مشاعره، وحواسه، وأعماله، ويده، ومسيرته، فهو في مشكلة كبيرة جداً.
فالجهاد الأول هو جهاد النفس والهوى، والجهاد الثاني: الجهاد الدعوي، أن تطلب العلم من أنت؟ أنت المخلوق الأول، كيف تعلم أنك المخلوق الأول؟ كيف تعلم أنك مكلف أن تعبد الله؟ كيف تعلم أنك مخلوق للجنة؟ كيف تعلم أن هذه الدنيا:
((دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي))
[ من كنز العمال عن ابن عمر ]
بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل وأخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا :
كيف تعلم من أنت؟ أنت المخلوق الأول، أنت مكلف أن تعبد الله، فالإنسان يأتي إلى الدنيا وينغمس في ملذاتها، وشهواتها، بل ينغمس في العمل، ويتقن عمله، وينال أرباحاً طائلة، فإذا وصل إلى قمة نجاحه يأتي ملك الموت، هذه مفاجأة كبيرة جداً، لذلك البطولة لا أن تعيش الماضي، ولا أن تعيش الحاضر، بل أن تعيش المستقبل، وأخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا، ماذا أعددت لهذه الساعة؟ من بيت فخم، من غرف متعددة، من زوجة، من أولاد، من أصهار، من بنات، من مركبة فارهة، من سفر، من نزهة، من سياحة، من ولائم إلى قبر، نقلة مخيفة جداً، من كل شيء وفيما يبدو للعين إلى لا شيء، ماذا أعددنا لهذه الساعة؟
مرة ثانية: بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل لا أن يعيش الماضي والحاضر، هناك حدث خطير جداً هو مغادرة الدنيا.
أنت حينما تقرأ النعوات، النعوات على جدران الطرق، تقرأ هذه العبارة: وسيشيع إلى مثواه الأخير، معنى ذلك أن البيت مثوى مؤقت، مهما كان فخماً، مهما كان واسعاً، مهما كان غالي الثمن، مثوى مؤقت، البيت الحقيقي هو تحت الأرض لا فوق الأرض، ماذا تحت الأرض؟ فالذكاء، والبطولة، والتوفيق، والحكمة، أن تعيش المستقبل، وأن تعيش أخطر حدث في المستقبل وهو مغادرة الدنيا.
لذلك ينطلق الجهاد إلى الإيمان بالموت، الموت لا أحد ينكره، لكن لا أحد يعيشه، أن تعيش الموت شيئاً وأن تقر به شيئاً آخر، أن تعيش الموت، ماذا في القبر؟ ماذا ينفعني في القبر؟ مهما زينت بيتك، وهذه التزيينات وإن كانت ليست محرمة، مباحة، لكن لا تنفعك في القبر، مهما بالغت في أناقتك، هذه لا تنفعك بالقبر، ينفعك في القبر شيء واحد هو عمل صالح مخلص، لذلك:
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾
[ سورة النمل الآية: 19]
العمل الصالح الذي يرضي الله عز وجل ما كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
الدعوة إلى الله من أجل الحفاظ على هذا الدين و تنميته :
الله عز وجل يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ ﴾
أول جهاد: جهاد النفس والهوى.
الجهاد الثاني: الجهاد الدعوي، فالدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، في حدود ما يعلم ومع من يعرف، هذا الجهاد الدعوي أساس الدعوة إلى الله عز وجل، وحينما تقلص الدعوة إلى الله ينتهي الدين، لأن الدعوة إلى الله توسع دوائر الحق، فإذا توسعت هذه الدوائر ضيقت على دوائر الباطل، فالباطل موجود وقديم، لكن البطولة -وكلام دقيق جداً - ألا ينفرد الباطل بالساحة، الباطل موجود، أما حينما نقصر في الدعوة إلى الله فيكاد الباطل ينفرد بالساحة، أينما توجهت الصحيفة فيها باطل، والإذاعة فيها باطل أحياناً، والفضائية فيها باطل، والانترنيت فيه باطل، الباطل موجود، أما إذا توسع الباطل فغلب على دوائر الحق فهنا المشكلة كبيرة جداً، قد يضيع جيل بأكمله، قد تضيع أمة بأكملها، فالدعوة إلى الله من أجل الحفاظ على هذا الدين مبدئياً، ومن أجل تنمية هذا الدين ثانوياً، الحفاظ أولاً، والتنمية ثانياً.
إذاً أحد أكبر أنواع الجهاد فضلاً عن جهاد النفس والهوى الذي هو أصل في الجهاد الجهاد الدعوي، ويجب أن يعتقد كل مسلم أنه مكلف بالدعوة إلى الله، مكلف بأدلة كثيرة، أحد أكبر هذه الأدلة سورة العصر:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
[ سورة العصر]
ما قال: أوصوا، قال:
﴿ َتَوَاصَوْا ﴾
فعل مشاركة، أي أنا أنصحك وأنت تنصحني، أنا رأيت في أخي خللاً، بأدب جم، على انفراد بيني وبينه، أنصحه، ثم رأى فيّ خللاً، فنصحني، هذا التواصي، أنصحه، وينصحني، أرشده، ويرشدني، آخذ بيده، ويأخذ بيدي، هذه مشاركة، الجهاد الأول: الجهاد النفس والهوى، الجهاد الثاني: الجهاد الدعوي.
3 ـ الجهاد البنائي :
وقد نفاجأ أن هناك جهاد ثالث هو الجهاد البنائي، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 60]
جهاد بنائي، كيف تنبي هذه الأمة؟ يجب أن تنشر التعليم فيها، يجب أن تربي أولادها، يجب أن تنشئ المصانع، أن تحفر الآبار، أن تستصلح الأراضي، أن ترفع مستوى الصناعة، أن تطور الصناعة، أن تعمم التعليم، هناك بناء للأمة، وهذا ينضوي تحت الجهاد، جهاد بنائي، لأن هذه الأمة تواجه أعداء دائماً وأبداً، لابد من أن تكون قوية كي تواجه العدو.
أنا أقول دائماً وأبداً: إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، بل سيرك في طريق القوة فرض عين عليك أن تكون قوياً، لماذا؟ لأن القوي، من هو القوي؟ القوة قوة مال، والقوة قوة منصب، والقوة قوة علم، فالعلم، والمنصب، والمال، هذه قوة، فإذا سلكت طريق القوة، لأن القوي إما بماله، أو بعلمه، أو بمنصبه، خيارات العمل الصالح أمامه لا تعد ولا تحصى، وأنت باعتبار مخلوق في الدنيا من أجل العمل الصالح، علة وجودك في الدنيا العمل الصالح، فأنت أمام خيارات واسعة جداً، هذا الكلام موجه للإخوة المؤمنين، أنت جئت إلى الدنيا من أجل العمل الصالح، فكلما توسعت في هذا العمل الصالح، هناك عمل صالح دعوي، وهناك عمل صالح تعاوني، معاونة، خبرة، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، إنشاء مساجد، إنشاء معاهد شرعية، نشر العلم الديني، وتوضيح القرآن، دراسة، نشراً، وتوضيحاً.
إذاً الجهاد الأول جهاد النفس والهوى، الجهاد الثاني الدعوي، الجهاد الثالث البنائي أن تبنى هذه الأمة، أن تبنى -إن صح التعبير- بنيتها التحتية، ثم أن تبنى مصانعها، أن تبنى أراضيها الزراعية، أن تبنى تجارتها، أن تبنى جامعاتها، فهذا جهاد بنائي، أنت تنتمي إلى أمة، هذه الأمة يجب أن تكون قوية، قوية بك، بإتقان عملك، بإخلاصك، إذاً الجهاد الثالث الجهاد البنائي.
4 ـ الجهاد القتالي :
إذا نجحنا في جهاد النفس والهوى، ونجحنا في الجهاد الدعوي، ثم نجحنا في الجهاد البنائي، الآن جاء دور الجهاد القتالي، لكن معظم المسلمين إذا قرؤوا كلمة جهاد لا يخطر على بالهم إلا الجهاد القتالي، هذا الجهاد القتالي يسبقه جهاد نفسي، يسبقه جهاد دعوي، جهاد بنائي، ثم يأتي الجهاد القتالي.
إذاً:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
لابد من الشدة، الشِدة تتبعها شَدة إلى الله، الشِدة الحكيمة، رحيم، تتبعها شَدة إلى الله، والمحنة أحياناً تتبعها منحة من الله، فالحياة ليست كلها رفاه، وراحة، وسعادة، الحياة فيها متاعب أحياناً، هذه المتاعب طريق الوصول إلى الله عز وجل، لا ترى إنساناً في الحياة الدنيا متألقاً باختصاص عال جداً، يحمل شهادات عليا كثيرة، وله دخل كبير، وله بيت وأولاد، ومكانته الاجتماعية عالية، هذا درس ثلاثاً و ثلاثين سنة، نام على طاولة الدراسة من شدة تعبه، هذا الجهد الكبير في مطلع حياته أعطاه هذه المكانة، وكذلك الآخرة.
أنت من أجل أن تكتب قبل اسمك د. أي دكتور، تحتاج إلى شهادة ابتدائية، وشهادة إعدادية، وشهادة ثانوية، ولسانس، ودبلوم، وماجستير، ودكتوراه، تحتاج إلى دراسة ثلاث و ثلاثين سنة من أجل كلمة د. إلى جانب اسمك، فإذا أردت أن تكون من أهل الجنة في جنة عرضها السموات والأرض:
((ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]
ألا تحتاج إلى جهاد النفس والهوى؟.
الجنة لكل واحد من المسلمين :
أخواننا الكرام، من السذاجة بمكان أن تظن أن هذه الجنة لكل واحد من المسلمين، بلا جهد، بلا تعب، بلا انضباط، بلا جهاد، بلا ضبط مشاعر، بلا ضبط جوارح، بلا إنفاق مال، بلا طلب علم، هذا الشيء من السذاجة بمكان.
إذاً:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
لأن هؤلاء الكفار حينما يكتشفون أنهم خرجوا عن منهج الله يتألمون ألماً لا حدود له، حتى إن في بعض الأحاديث الشريفة:
((إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى وأنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب ))
[أخرجه الحاكم عن جابر بن عبد الله]
إذاً الجهاد جهاد أولي جهاد النفس والهوى، جهاد دعوي الدعوة إلى الله فرض عين وفرض كفاية، ثم جهاد بنائي، أن تسهم في بناء هذه الأمة، أي كل إنسان إذا أتقن عمله إتقاناً جيداً ثم طور عمله يسهم في بناء الأمة، أتقنه أولاً، وطوره ثانياً، فالأمة مجموعة نشاطات، هناك نشاط بنائي، ونشاط زراعي، ونشاط صناعي، ونشاط تعليمي، و نشاط علمي، هذه النشاطات المتعددة، إذا أتقنتها، وطورتها، معنى هذا أنك قويت أمتك، فأنت في هذه الحالة تجاهد جهاداً بنائياً، وحينما تكون الأمة قوية ومتماسكة يأتي عدو خارجي يعتدي عليها يمكن أن تجاهد جهاداً قتالياً.
كلمة الجهاد لا تعني الجهاد القتالي فقط :
كلمة الجهاد أتمنى على أخوتي المشاهدين إذا قرؤوها في القرآن والسنة ألا تنصرف أذهانهم إلى الجهاد القتالي فقط، هناك جهاد نفسي، رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى، هناك جهاد دعوي:
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
هناك جهاد بنائي:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
هناك جهاد قتالي حينما يصل الأمر إلى المواجهة لابد من جهاد قتالي.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
بين أن يعيش الإنسان حياة أبدية عرضها السموات والأرض، وبين أن يعيش الإنسان في جهنم وبئس المصير.
﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾
[ سورة النساء الآية: 65 ]
لذلك البطولة لا أن تعيش الحاضر، ولا أن تعيش الماضي، بل أن تعيش المستقبل.
من تسميات النفس في القرآن الكريم :
1 ـ النفس المطمئنة :
أيها الأخوة الكرام، شيء دقيق جداً أن هذه النفس التي نحن بصددها نجاهدها، ألم نقل في البداية جهاد النفس والهوى، قال: هذه النفس لها في القرآن مسميات عديدة من هذه المسميات:
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾
[سورة الفجر]
هذه النفس التي عرفت ربها من خلال الكون، من خلال آياته الكونية، أو من خلال آياته التكوينية، أو من خلال آياته القرآنية، عرفت ربها فاستقامت على أمره.
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾
[ سورة هوج الآية: 112 ]
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾
[سورة فصلت الآية:30]
عرفت ربها واستقامت، والاستقامة طابعها سلبي، ما أكل مالاً حراماً، ما غش، ما اغتاب، ثم تقربت إليه بالعمل الصالح.
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
[ سورة فاطر الآية: 10]
عرفته من خلال آياته الكونية، أو التكوينية أفعاله، أو القرآنية كلامه، ثم استقمت على أمره، والاستقامة أصل في هذا الدين، وبعد الاستقامة تقربت إليه بالعمل الصالح، ثم جاءها ملك الموت فانقلبت إلى جنة عرضها السموات والأرض، وهذه هو التصميم - إن صح التعبير- تصميم معاصر، عبارة معاصرة، هذا هو التصميم الإلهي لهذا الإنسان، أن يأتي إلى الدنيا يتعرف إلى الله، يعبده، يطيعه فيما أمر، يتقرب إليه بالعمل الصالح، يأتيه الموت ينقبض إلى جنة عرضها السموات والأرض، هذه النفس المطمئنة.
2 ـ النفس اللوامة :
وهناك نفس لوامة مقبولة أيضاً، كلما أخطأت لامت نفسها، حالة طيبة أيضاً، أي إما أنه كامل، أو في طريق الكمال، لذلك الآية الكريمة:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
[سورة الأنفال الآية:33]
أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يعذب الإنسان وهو مطبق لمنهج رسول الله،
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أنت فيهم أي سنتك مطبقة في حياتهم، فالنفس الأولى نفس مطمئنة، عرفت ربها، استقامت على أمره، تقربت إليه بالإحسان، النفس الثانية نفس تحاسب نفسها، إذا زلت قدمها تحاسب نفسها، هذه نفس لوامة.
3 ـ النفس الأمارة بالسوء :
وهناك والعياذ بالله إنسان شرد عن الله شرود البعير، وتحكمت به شهواته، فأصبحت نفسه أمارة بالسوء، فبين أن يكون الإنسان ذا نفس مطمئنة، أو أن يكون ذا نفس لوامة، تقريباً في طريق الكمال والسمو، أو أن يكون ذا نفس أمارة بالسوء وهذه حالة مرضية خطيرة جداً.
تبدل القيم مشكلة كبيرة جداً :
شيء آخر: طبعاً نحن بحاجة إلى الجهاد، لكن كلما عمّ الفساد وانحرف الناس في بعض الآثار النبوية عن آخر الزمان:
(( يومَ يذوبُ قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير))
[ أخرجه ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني ]
قد يعم الفساد، تعم الفوضى أحياناً، يعم الانحراف، يصبح الأمر بالمعروف شيئاً مستحيلاً، المنكر هو المسيطر.
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، وقالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، وقالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً))
[أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]
هذه مشكلة كبيرة جداً، تبدل القيم.
إذاً الجهاد من أجل أن ننقل الناس من حالة الضياع والشرود إلى حياة الإيمان والعلم والعمل الصالح.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
والإنسان ينبغي أن يكون ذا نفس مطمئنة، فإن لم يكن فلا أقل من أن يكون ذا نفس لوامة، أما أن تكون نفسه أمارة بالسوء فهو بعيد عن الله بعد الأرض عن السماء.
معظم الناس لا يدخلون جهنم في حساباتهم إطلاقاً :
أيها الأخوة الكرام، والبطولة ختام العمل هنا:
﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
[سورة التحريم]
هناك مصير في جهنم أبدي، هنا المشكلة، قضية النار، أنا والله أقول هذا الكلام وأرجو أن أكون مخطئاً: معظم الناس لا يدخلون جهنم في حساباتهم إطلاقاً، يتحرك براحة نفسية، يأكل مالاً حراماً، يختار حرفة مبنية على إيذاء الناس أحياناً، أو على ابتزاز أموالهم، يهتم ببيته، بأهله، يهتم بمركبته، يهتم بدخله الكبير، يهتم بطعامه، بشرابه، برحلاته، بنزهاته، وينسى أن هناك يوم يحاسب عن كل شيء يفعله، لذلك الله عز وجل أردانا أن نؤمن بالموت، أن نعيش الموت من حين إلى آخر.
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾
[سورة الملك الآية: 2]
بدأ بالموت:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
[سورة الملك الآية:2]
هذه الآية أيها الأخوة يخاطب بها النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنها موجهة إلى كل مسلم،
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=11175&id=97&sid=101&ssid=257&sssid=258