التفسير المطول - سورة التوبة 009 - الدرس ( 41-70 ) : تفسير الآيات 56 - 57 ، المنافق له ازدواجية، بينما المؤمن واضح .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2011-02-25
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=10839&id=97&sid=101&ssid=257&sssid=258
العطاء هو السمة الأساسية الجامعة المانعة للإنسان المؤمن :
اأيها الأخوة الكرام، مع الدرس الواحد والأربعين من دروس سورة التوبة، ومع الآية السادسة والخمسين وهي قوله تعالى:
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ﴾
االحقيقة التي لابد من التمهيد لها في هذا الموضوع ولهذه الآية أن البشر عند الله صنفان لا ثالث لهما، في قوله تعالى:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
[ سورة الليل]
االآن الصنف الأول:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل]
االحسنى هي الجنة، صدق أنه مخلوق للجنة، وبناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، وبناء على إيمانه بالجنة جعل همه الأول العمل الصالح، والعمل الصالح عطاء، تعطي من وقتك، من مالك، من جهدك، من شأنك، من حكمتك.
اإذاً البشر عند الله على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، هم عند الله صنفان لا ثالث لهما، الصنف الأول صدق أنه مخلوق للجنة، وبعد هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، طبق منهجه والتزم الأمر والنهي، وهذا الإنسان بعد أن آمن هذا الإيمان بنى حياته على العطاء، أعطى مما أعطاه الله، لذلك قال الله تعالى:
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 3]
افإذا أردت أن تسألني عن سمة أساسية جامعة مانعة للإنسان المؤمن هي العطاء.
البشر عند الله صنفان لا ثالث لهما :
1 ـ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة :
الذلك أحد المؤلفين في السير ألّف كتاباً عن حياة النبي عليه الصلاة والسلام وقدّم له بمقدمة رائعة قال: "يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك".
الذلك قالوا: يقع على رأس الهرم البشري زمرتان؛ الأقوياء والأنبياء، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، وكل إنسان على وجه الأرض لابد من أن يكون تابعاً لقوي أو نبي، فالبطولة أن تكون تابعاً لنبي، لذلك الآية الكريمة:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
[ سورة الليل الآيات : 1-7]
االرد الإلهي على إنسان آمن بالله أولاً، واتقى أن يعصيه ثانياً، وبنى حياته على العطاء ثالثاً أن الله سبحانه وتعالى ييسره لطريق سعادته،
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
أي يستقيم على أمر الله، يعمل الصالحات، يربي أولاده، يتقن عمله، معطاء، كريم، حليم، لطيف، هذه مكارم الأخلاق مجموعة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، إذاً
﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
الرد الإلهي:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
2 ـ و رجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فهلك في الدنيا والآخرة
الصنف الثاني:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل الآيات :8-9]
لماذا استغنى عن طاعة الله؟ لأنه آمن بالدنيا ولم يؤمن بالآخرة، لماذا بنى حياته على الأخذ؟ لأنه آمن بالدنيا ولم يؤمن بالآخرة، فهذا الذي بخل، واستغنى، وكذب، العقيدة تكذيب السلوك أخذ، الإساءة واضحة في سلوكه، أنا أرى ولن تجد على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة صنفاً ثالثاً:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
[ سورة الليل الآيات: 5-9]
هذا الذي كذب بالآخرة، وصدّق الدنيا، هذا الذي بنى حياته على الأخذ سيموت، وقد يترك ثروات طائلة، بعد أن قال الله عز وجل:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾
[ سورة الليل الآية: 8-11]
لذلك أندم الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً، في بعض الآثار النبوية أن الميت في أثناء تشييعه ترفرف روحه فوق النعش، تقول: يا أهلي، يا ولدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، فأنفقته في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم، والتبعة علي.
فالبطولة ألا تندم، لأن الإنسان حينما يخطئ سوف يندم.
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة الحجر الآيات: 92 -93]
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
[ سورة القيامة الآية: 36]
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ﴾
[ سورة المؤمنون الآية: 115]
مستحيل، فلابد من يوم يحاسب فيه الإنسان عن كل عمل عمله في الدنيا.
بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل وأخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا :
البطولة لا أن تعيش الماضي، كنت، وسافرت، وأنفقت، واشتريت، وبعت، ولا أن تعيش الحاضر، لكن البطولة أن تعيش المستقبل، وأخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا.
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة الحجر]
لذلك الآية التي سبقت هذه الآية هي قوله تعالى:
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ﴾
[ سورة التوبة الآية: 55]
الإنسان إذا ابتعد عن الله مقاييسه مادية، فإذا رأى إنساناً غنياً، قوياً، له بيت فخم جداً، مركبة فارهة، يتمتع بسيطرة على الآخرين، يقول: هنيئاً له، لكن إذا عرفت الله لا تقل هذا لأنه لا هنيئاً إلا للمؤمن:
(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله))
[ورد في الأثر]
لا يمكن أن تصح التهنئة الحقيقية إلا إذا عرف الله.
(( إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها))
[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]
ضعاف الإيمان ينافقون للمؤمنين لابتغائهم الدنيا :
الآية دقيقة جداً:
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ ﴾
لأنه حينما يكون الإسلام قوياً ينافق غير المسلمين للمسلمين، إذا كانت الجهة الثانية هي القوية ينافق لهم أيضاً، أما إذا كان الإسلام قوياً فضعاف الإيمان أو البعيدون عن الإيمان ينافقون للمؤمنين،
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمَْ﴾
لأنهم يبتغون بهذا النفاق الدنيا، يبتغون المكاسب المادية، يبتغون أن ينالوا مع المؤمنين ما ينالوا، لذلك
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ﴾
طبعاً من بديهيات اللغة أنه إذا سألك إنسان كم الساعة؟ تقول له: الساعة السابعة، متى تقسم له؟ إذا أنكر عليك، معقول الساعة السابعة؟ تقول: والله الساعة السابعة، مثلاً، فالإنسان يحلف حينما يقع في موقف إنكار، فهؤلاء منافقون، والمنافق في الأساس كافر، لكن حياته مع المؤمنين فاضطر أن ينافق للمؤمنين، عندنا بالأساس:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
[ سورة الليل]
﴿ مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
[ سورة الليل]
البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، لا يزيدون عن هذين الصنفين.
التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله :
لكن القرآن الكريم في أول البقرة بيّن أصنافاً ثلاثاً؛ هناك مؤمن واضح وضوح الشمس:
((قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ))
[ ابن ماجه عن العرباض ]
الأمور في الإسلام واضحة، العمل تحت ضوء الشمس، جهاراً نهاراً، هذا دين الله، دين الله لا يستحيا به، ولا يخاف إنسان أن يطبق منهج الله عز وجل، السبب أن الإنسان أعقد آلة في الكون هذا تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، الإنسان يتمتع بخصائص حتى في جسمه لم يصل أحد إلى نهايتها، بالدماغ مئة و أربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، أربعة عشر مليار خلية قشرية، الذاكرة مكانها في الدماغ حجمها بحجم حبة العدس، تتسع لسبعين مليار صورة، فالإنسان معجز في خلقه، والله سبحانه وتعالى فقال:
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
[ سورة الذاريات]
الله جعل جسمك أقرب آية إليك، لأن التفكر في خلق السموات والأرض هو في الحقيقة أقصر طريق إلى الله، بل هو أوسع باب ندخل منه على الله، لأن التفكر في خلق السماوات والأرض يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
برأس الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة تقريباً، لكل شعرة وريد، وشريان، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغية، بعينه هناك طبقة قرنية هذه شفافة شفافية تامة، ما معنى شفافة شفافية تامة؟ هذه الطبقة القرنية تتغذى بطريقة تنفرد بها، الخلية الأولى تأخذ غذاءها وغذاء جارتها، وتنقله عبر الغشاء الخلوي، فلو غُذيت هذه القرنية في العين عن طريق أوعية الشعر الدقيقة للدم لرأينا ضمن شبكة، لكن الله عز وجل قال:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
[ سورة التين]
فالإنسان إن أراد أن يعرف الله فليتفكر في خلق السموات والأرض، وليتفكر في جسمه.
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
[ سورة عبس]
إلى شرابه، مم خلق؟
﴿ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾
[ سورة الطارق]
تداول الأيام بين الناس :
إذاً أنت حينما تؤمن الإيمان الذي أراده الله لابد من أن تستقيم على أمر الله، أما المنافق فليس على أمر الله، مع مصالحه، وشهوته، ومكانته، لكن وجد بمجتمع الإسلام قوي فينافق، عامة الناس إما أن ينافقون لأهل الحق إذا كان الحق قوياً، أو ينافقون لأهل الباطل إذا كان الباطل قوياً، والحقيقة الآية الكريمة:
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 140]
شاءت حكمة الله المطلقة أن يكون تداولاً بين الحق والباطل، لو كان الحق مسيطراً دائماً لارتفعت نسبة المنافقين إلى درجة كبيرة، لو كان الباطل مسيطراً الإيمان يضعف، فالله لحكمة بالغةٍ بالغة جعل الحق والباطل يتداولان القوة، مرة يكون القوي هو المؤمن، و مرة يكون غير المؤمن هو القوي، على كلٍّ الإنسان يمتحن في الحالتين.
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ﴾
الله عز وجل نفى أن يكون هؤلاء.
صيغة ليس منا من أشد صيغ الردع في سنة النبي عليه الصلاة والسلام :
لذلك أريد أن أبين أن في بعض الأحاديث النبوية أحاديث كثيرة تبدأ بقول النبي ليس منا، أنت كل بطولتك، وكل تفوقك، وكل توفيقك، أن تكون من المؤمنين، أن تكون منهم، لا أن تكون معهم، أن تكون منهم، فالله عز وجل كما بيّن النبي الكريم قال:
(( ليس منا من غَشَّ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
ما قولكم أيها الأخوة أن الإنسان إذا غش بنص كلام النبي الصحيح ليس من أمة محمد.
(( ليس منا من غَشَّ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
أنت تغش هناك كذب، المؤمن لا يكذب، تعلن عن بضاعة من مصدر معين غالية جداً هي ليست كذلك، أنت إذا أردت أن تفرز الناس في هذه الأحاديث فهناك مشكلة كبيرة جداً.
(( ليس منا من غَشَّ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
وأنا أرى أن صيغة ليس منا من أشد صيغ الردع في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ليس منا:
(( ليس منا من غَشَّ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
الغاش كاذب، الغاش يقدم بضاعة سيئة تحت مسمى بضاعة جيدة، الغاش يؤذي المسلمين، الغاش يسرق أموالهم بطريقة احتيالية:
(( ليس منا من غَشَّ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
وأنا أتمنى على الأخوة المشاهدين أن ينتبهوا لنصوص كثيرة تبدأ بليس منا، ما بعد كلمة ليس منا كلام خطير جداً، النبي الكريم ينفي الإيمان أصلاً عن الإنسان إذا غش.
(( ليس منا من غَشَّ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
(( ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن))
[ سنن أبي داود عن أبي سعيد ]
كلام الله، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
عظمة الأنبياء تنبع من انعدام المسافة بين أقوالهم وأفعالهم :
أنا أرى الآن أن الإسلام لا ينتشر ولا يقوى عوده إلا إذا رأى الناس مسلماً يمشي أمامهم على قدمين، مسلم يمشي أمامهم، صادق، أمين، متقن لعمله، لأن هذه القيم الأخلاقية لا تعيش بالكتب.
مرة أديب من أدباء مصر الكبار، قال: هناك أدب الكتب، وهناك أدب الحياة، أدب الكتب ينبع من كتب ويصب في كتب، أما أدب الحياة فأنت حينما تلتقي بإنسان صادق وقد صدق فدفع ثمن صدقه غالياً، أو إنسان أمين، هذا له تأثير في حياتك أكثر من ألف كتاب أخلاقي، الإنسان يحب أن يرى القيم ممثلة في إنسان، لذلك:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾
[ سورة الأحزاب الآية: 21]
عظمة الأنبياء كانت تأتي من أين؟ الناس حينما عايشوهم لم يجدوا في حياتهم مسافة بين أقوالهم وأفعالهم، والآن أي داعية إذا حرص حرصاً لا حدود له على ألا يرى الناس مسافة بين الأقوال والأفعال هذه الدعوة تنجح، والآية الدقيقة جداً:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾
[ سورة الصف]
المؤمن واضح أما المنافق فنراه مع المؤمنين بجسمه لا بأخلاقه ولا بكسب ماله
الحقيقة الآية الكريمة:
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ ﴾
لكن الله ينفي عن هؤلاء أن يكونوا من المؤمنين لأنه يبدو في ظرف معين المؤمنون أقوياء، المنافقون يتقربون إليهم بالنفاق، هؤلاء ليسوا مؤمنين.
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ ﴾
في المكاسب، لذلك لماذا يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾
[ سورة النساء الآية: 145]
لماذا؟ لأن المنافق أخذ ميزات المؤمنين المادية، وتمتع بوهمه بالتفلت من منهج الله عز وجل، جمع بين ميزات المؤمنين المادية وبين التفلت الكامل من منهج الله عز وجل، هذا في الدرك الأسفل، أما مع الأسف الشديد فالكافر واضح وضوح الشمس، والمؤمن واضح، من هو الذي يسبب إشكالاً شديداً للمجتمع؟ المنافق، تراه مع المؤمنين بجسمه لكن لا تراه بأخلاقه، ولا بكسب ماله، ولا بإنفاق ماله، فهذا أخذ ميزات المؤمنين، وتحرك وفق هوى نفسه من دون ضوابط، فلذلك:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾
اختلاف مقاييس المؤمن عن مقاييس أهل الدنيا :
أخواننا الكرام، كأن هذه الآية تكمل آية سابقة، الله عز وجل قال:
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ﴾
المؤمن معه مقاييس غير مقاييس أهل الدنيا، مقياسه قيمي، مقياسه مبدئي، مقياسه بقدر تحقيق هدفه في الدنيا، هذا مقياسه، علامة الإيمان أنه لا يعبأ بالمظاهر الفخمة في الحياة، وقد يكون أنيقاً، وقد يكون بيته لطيفاً، المطلوب أن يكون هناك أناقة، و نظافة، و ذوق، هذا شيء مطلوب، أنا أقول دائماً: من قال الأناقة والنظافة والترتيب والأذواق العالية من خصائص أهل الدنيا؟ هي من خصائص المؤمنين.
((فَأصْلحُوا رِحَالَكُم، وأصلحوا لِبَاسَكُم، حتى تكونوا كأنَّكم شَامَةٌ في النَّاسِ))
[أخرجه أبو داود عن ابن الحنظلية سهل بن الربيع]
لكن المؤمن مع هذه الأناقة الظاهرة، والنظافة الواضحة هو أخلاقي، هو طاهر من الداخل أيضاً، لا يوجد عنده حقد، ولا احتيال، ولا مخادعة، عنده موقف معلن، وموقف حقيقي، لا يوجد عنده ظاهر وباطن، عنده شيء للاستهلاك الخارجي، وشيء يعيشه خطأ، هذا شيء دقيق جداً.
فلذلك ينهى المؤمنين،
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ﴾
هناك مظاهر صارخة للأغنياء، بيت فخم جداً، مركبة فارهة، دخل فلكي، هذه المظاهر مؤقتة.
كل مخلوق يموت ولا يبقـــى إلا ذو العزة والــجبروت
* * *
والليل مهما طــــــــال فلابد من طلوع الـــفجر
والعمر مهما طـــــــال فلابد من نزول الـــقبر
* * *
علة وجود الإنسان في الدنيا أن يعرف الله عز وجل :
البطولة أن تعيش المستقبل، والله عز وجل قال:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
[ سورة الملك الآية: 2]
إذاً ينهانا الله عز وجل على أن نعجب بأموالهم وأولادهم، الفخامة، والأناقة، والغنى، والإنفاق الفلكي، والدخل المتميز، إلى آخره، أنت في الحياة بمهمة.
إذا كان في مدرسة البطولة الدراسة، والاجتهاد، والنجاح، أما مقعد على النافذة مسلٍّ، فهذا المقعد لا يقدم ولا يؤخر في مستقبل هذا الطالب، فإذا هو حرص على مقعد إلى جانب النافذة كي يتسلى أثناء الدرس، أو أتى بطعام نفيس جداً، شطائر مثلاً، أو لعبَ ألعاباً أمامه على كمبيوتر مثلاً، والدرس قائم، يكون قد ابتعد عن علة وجوده، فالبطولة أن تعرف علة وجودك في الدنيا، أنت في الدنيا من أجل أن تعرف الله، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
الله عز وجل في آية سابقة قال:
﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ﴾
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ ﴾
هذا تصريح إلهي، المنافق ليس مؤمناً، المنافق هو كافر لكنه وجد في مجتمع إيماني، تقتضي مصالحه أن ينافق لهؤلاء المؤمنين.
الحكمة من جعل القرآن الكريم عربياً :
أخواننا الكرام، من لقطات اللغة العربية، لماذا الله عز وجل جعل هذا القرآن عربياً؟ قال:
﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾
[ سورة الشعراء]
طبعاً علماء اللغة يؤكدون أن اللغة العربية من أرقى اللغات الإنسانية، كلام موضوعي ليس لأننا عرب، لا، من أرقى اللغات الإنسانية.
مثلاً، أنت تقول باللغة نظر، وهناك رأى، و لمح، و لاح، و حدج، و حملق، و بحلق، ونظر شزراً، وشخص، هناك مئة كلمة للنظر، شخص النظر مع الخوف، حدج النظر مع المحبة، حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم، رنا النظر مع المتعة، منظر جميل، بحر صاف، فكل كلمة نظر معها فعل ثان، معها خاصة ثانية، فاللغة العربية متسعة بالعبير، والذين درسوا اللغة العربية كاختصاص يأتون بأقوال لكبار علماء اللغة في العالم، يقولون: هذه اللغة من أرقى اللغات الإنسانية، لأنها لغة متصرفة، لغة مصرفة أي عندك مثلاً فعل ثلاثي عرف، اسم الفاعل عارف، اسم المفعول معروف، صيغة المبالغة عرّاف، المصدر معرفة، اسم فاعل، اسم مفعول، اسم آلة، اسم زمان، اسم مكان، صيغة تفضيل، اللغة العربية لغة اشتقاقية، يمكن أن تولد من كلمات محدودة آلاف الكلمات، لغة اشتقاقية، تنفرد بها، مثلاً: كتاب، هذا مكتب، الآن كتب: فعل ثلاثي كتب، كتب فعل ماض، الطاولة مكتب، هذا كتاب، من لغة واحدة، باللغة الأجنبية: "تيبل، بوك، رايت" هذه من فعل، وهذا من فعل، وهذا من فعل، فاللغة العربية لغة اشتقاقية، إذا الإنسان تبحر في خصائص هذه اللغة يعلم لماذا اختارها الله لغة لكلامه، والحقيقة المؤلمة جداً، والله سافرت إلى بلاد كثيرة، لكن مرة سافرت إلى استراليا، وزرت أضخم مدرسة فيها، مكلفة عشرات الملايين من الدولارات جمعوا لي الطلاب في قاعة كبيرة، وأنا حينما أبلغوني أنه سنأتيك بمترجم لأن أبناء الجالية الإسلامية لا يعرفون اللغة العربية إطلاقاً شعرت بحزن كبير، بينما الأعداء أي طفل من أطفالهم يتقن اللغة التي نشأ عليها آباؤه، و هذه مشكلة كبيرة جداً.
فاللغة هي وعاء الثقافة، والنبي أشار إلى هذا المعنى، وهذه النظرية تتفق مع أحدث نظرية في القومية، كلام النبي الكريم: " ليست العربية بأحدكم من أب و لا أم، ولكن من تكلم العربية فهو عربي".
إذا الإنسان تكلم هذه اللغة أخذ ثقافة الأمة، أخذ قيمها، أخذ مبادئها، أخذ مقاييسها الجمالية: " ليست العربية بأحدكم من أب و لا أم، ولكن من تكلم العربية فهو عربي".
اللغة العربية من أرقى اللغات الإنسانية :
نحن كمسلين قد تعيش مع كتاب البخاري عشرات السنين، ولا يخطر على بالك لثانية واحدة أنه ليس بعربي، لأن الإسلام جمعنا جميعاً، ودائماً حينما نريد أن نقوى يجب أن نعلن انتماءنا لجميع المسلمين، الآن عدد المسلمين مليار وثمانمئة مليون، يتربعون على مناطق أولى في العالم إستراتيجية، يملكون ثروات لا يعلمها إلا الله، لكن لو أنهم تعاونوا وتناصروا لكانوا أقوى قوة في الأرض، والذين ابتعدوا عن الدين عملوا مجتمعات موحدة، العملة موحدة، انعدام القيود في السفر، ينتمون إلى عشرات القوميات، واللغات، وهناك حروب طاحنة بينهم، ومع ذلك اقتضت مصلحتهم أن يجتمعوا، فالأولى بنا أن نجتمع.
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ ﴾
لكن كلقطة لغوية، قال: من تفيد ابتداء الزمان قبل المكان، سافرت من عمان إلى دمشق، من ابتداء المكان، وانتظرتك من الصباح حتى المساء، من ابتداء الزمان، هناك معنى آخر: من للتبعيض، بما أنفقتم من أموالكم، من أموالكم للتبعيض.
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 159]
القاعدة في اللغة القرآنية أن كل أمر يقتضي الوجوب.
﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 159]
أو إذا أنفقتم مالكم كله، هكذا قال العلماء، إذاً من للتبعيض، من للابتداء، ابتداء المكان، أو الزمن، عندنا من بيانية، اشتريت ثوباً من القطن، بينت نوع الثوب، نوع خيوطه، من القطن، هناك من تعليلية ارتجفت من الخوف لا من البرد، من الخوف هذه من تعليلية، الآن إذا دخل أستاذ إلى صفه وقال: لكل طالب جائزة، كل طالب أمامه، لكن هناك طالب غائب، ليس له جائزة، أما لو قال: ما من طالب في هذا الصف إلا وله جائزة، حتى الغائبون لهم جائزة، سموها هذه المن لاستغراق أفرد النوع.
قال لك إنسان: أمعك مال كي ننشئ شركة تجارية رأسمالها مليون؟ قلت له: ما معي مال، أي ما معك النصف مليون، الكلفة مليون، والشركة بين اثنين كل واحد نصف مليون، ما معك النصف، أما إذا قلت له: ما معي من مال، ولا قرش، إذا قال من فلها معنى، ما معي من مالٍ، ولا قرش، ولا درهم، أما ما معي مالٌ كافٍ لهذا المشروع، فهذه المن لاستغراق أفراد النوع.
قد تأتي من بمعنى في، قال تعالى:
﴿ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ﴾
[ سورة فاطر الآية: 40]
وقد تأتي بمعنى إلى، اقتربت منك، أي اقتربت إليك، وقد تأتي بمعنى الباء، أمسكت من يده أي بيده، وقد تأتي بمعنى عن لا تبتعد من المكان، وقد تأتي بمعنى على، لعل الله ينصرنا من القوم الكافرين، هذه دقة اللغة، هذه اللغة من أرقى اللغات الإنسانية.
من أخطر الموضوعات في حياة المؤمن أن يعرف هل هو مؤمن أم لا ؟
لذلك كلمة:
(( ليس منا من غَشَّ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
قست عليها أحاديث كثيرة، ليس منا، النبي الكريم نفى عن هذا الإنسان انتماءه للإيمان، الآية:
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ ﴾
هذا من أخطر الموضوعات في حياة المؤمن، أن يعرف هل هو من المؤمنين أم ليس منهم؟ هو يدعي ذلك، كلٌ يدعي وصلاً بليلى، لكن البطولة أن تكون منهم حقيقة،
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ ﴾
لذلك تتبعت بعض النصوص النبوية ليس منا فوجدت العجب العجاب.
(( ليس منا من غَشَّ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
ما قولك تصلي وتصوم، تضيف إلى بعض المواد الغذائية مادة تجعلها ناصعة لكنها مسرطنة، لا تعبأ بنتائج تناول هذه المادة التي هي من صنعك، قد تعبأ بالربح الزائد، ليس منا نفى عنه الانتماء إلى الإسلام أصلاً:
(( ليس منا من غَشَّ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة]
(( ليس منا من لم يتغنَ بالقرآن))
[ سنن أبي داود عن أبي سعيد ]
كلام خالق الأكوان، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، لا تعلم حقيقة هذا الدين:
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
[ سورة الجاثية]
الصغير يحتاج إلى أن ترحمه و تعطف عليه :
((لَيْسَ مِنا مَن لم يَرحَمْ صغيرَنا، ويُوِّقرْ كَبيرنا))
[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك]
الصغير يحتاج إلى أن ترحمه، يحتاج إلى أن تعطف عليه، يحتاج إلى أن تحسن إليه، لأن الصغير كما ورد في بعض الآثار:
(( لاعب ولدك سبعاً، ثم أدبه سبعاً، ثم راقبه سبعاً، ثم اترك حبله على غاربه))
[ورد في الأثر]
في مرحلة لابد من الملاعبة والتحبب، فالذي يقسو على أولاده الصغار هذا إنسان بعيد عن منهج الله عز وجل، أما في مرحلة فتحتاج إلى مراقبة.
(( لاعب ولدك سبعاً، ثم أدبه سبعاً، ثم راقبه سبعاً، ثم اترك حبله على غالبه))
مرحلة ملاعبة حتى يتحبب إليك، مرحلة تأديب هذا غلط، هذا حرام، هذا لا يجوز، مرحلة مراقبة، المراهق وضعه صعب جداً، إن عاملته ككبير يخيب ظنك، وإن عاملته كصغير لا يحتمل ذلك، فيحتاج معالجة حكيمة جداً:
(( لاعب ولدك سبعاً، ثم أدبه سبعاً، ثم راقبه سبعاً، ثم اترك حبله على غالبه))
في بعض الروايات:
(( ويعرف لعالمنا حقه))
[ أحمد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ]
(( ليس منا من لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر))
[ كنز العمال عن ابن مسعود]
لماذا؟ لأن الله عز وجل حينما قال:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 110]
علة هذه الخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن كف الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقدوا خيريتهم كلياً.
علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
لذلك:
(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر - الصحابة صعقوا- قالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشدُ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف؟))
[أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]
وقد وصل المسلمين إلى هذا المستوى، فكان عجبهم أشد قالوا:
((قالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشدُ منه سيكون، كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً))
هنا الصاعقة:
(( قالوا: وما أشد منه؟ كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً؟ ))
هذا الزمن زمن تبدل القيم، هذا البيت الذي قاله شاعر في الجاهلية، وعده العلماء أهجا بيت قالته العرب:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
* * *
هذا الآن شعار كل إنسان، البيت الذي كان أهجا بيت قالته العرب شعار كل إنسان الآن.
ما دام دخله قوياً، ودخله كبيراً، وبيته واسعاً، وعنده سياحة، وسفر، وغارق في الملذات الدنيوية، هذا يعد عند الناس ناجحاً نجاحاً كبيراً، لذلك:
(( هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينهَ عن المنكر))
[ كنز العمال عن ابن مسعود]
الدنيا لم يسمح الله لها أن تمدَّ الإنسان بسعادة دائمة بل بسعادة متناقصة :
((ليس مِنا مَن تَشبَّه بغيرنا ))
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص]
باي، ما هذه باي؟ السلام عليكم، من تشبه بغيرنا، أحياناً الإنسان يستمد مكانته المتوهمة من تقليده للأجانب.
((لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه))
[أخرجه الحاكم عن أبي هريرة]
والله مرة قابلني شاب في الشام آلمني جداً، بنطاله فيه ثلاثة ثقوب كبيرة، والله تألمت جداً، كتبت عندي في دفتري الخاص- وكنت مسافراً إلى استراليا- بعد أن أعود أقدم له بنطالاً جديداً، هناك في أستراليا تفاجأت أن شباباً، أولاداً أغنياء أيضاً هناك ثقوب ببنطالهم، إذا كان الغربيون باعوا بنطالاً فيه ثقوب فصار هذا شيء مقدس عند الناس، شاب يرتدي ثوباً فيه رقع أحياناً، فيه تقطيع غير نظامي، شيء مزعج، هذا من ضعف إيمان الإنسان، حياته ملّ منها، الحياة تُمل بكل شيء، إذا لم يكن هناك هدف كبير، ما السبب؟ هذا موضوع دقيق جداً، الموضوع الدقيق أن الإنسان خلق لمعرفة الله، فالله زوده بنفس لا نهائية، أي هدف نهائي يمل منه، أي هدف محدود هو مصمم لمعرفة الله عز وجل، إذا اختار هدفاً محدوداً يمل منه، تجلس مع إنسان كبير، مع إنسان غني، تجده ملّ من حياته، هذه الدنيا ما سمح الله لها أن تمدك بسعادة دائمة بل بسعادة متناقصة.
لذلك الآية الكريمة:
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ﴾
يخافون.
الوصف الدقيق للمنافقين :
والتي بعدها:
﴿ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ﴾
[ سورة التوبة]
إذاً خوفهم دفعهم أن يلجؤوا إلى شيء، إلى حصن حصين، إلى ملجأ، إلى مغارة، إلى نفق، خوفهم من الخسران، وأن يكشف أمرهم، وهم يكذبون، المؤمن لا يكذب، المنافقون يكذبون، يدّعون أنهم مؤمنون ليأخذوا من مكاسب المؤمنين، هم في الحقيقة ليسوا مؤمنين، لذلك هذا الموقف الازدواجي أخلّ بتوازنهم، وكل إنسان يرتكب عملاً سيئاً، أو ينافق، أو يكذب، أو يعبر عما ليس في نفسه يختل توازنه، فإذا اختل توازنه لجأ كما إلى يسمى في علم النفس الدفاع عن النفس، فيلجؤون إلى ملجأ يحتمون به، الملجأ رمز.
﴿ أَوْ مَغَارَاتٍ ﴾
والمغارة لا يكشف أمرها،
﴿ أَوْ مُدَّخَلاً ﴾
أي نفق،
﴿ لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ﴾
كيف أن الفرس تجمح فتنطلق بأقصى سرعة، إذاً يعبرون عن خوفهم الشديد من أن يفضحوا، لذلك المؤمن لا يخشى شيئاً؛ ليله كنهاره، سره كعلانيته، سريرته كظاهره، الوضوح عند المؤمن يجعله مطمئناً، أما غير المؤمن فله موقف مزدوج، موقف معلن، موقف حقيقي، يفعل في البيت ما لا يفعله أمام الناس، فهذه الازدواجية في السلوك تجعله في حالة نفسية اسمها اختلال التوازن، هذا الاختلال يسوقه إلى أن يلجأ إلى ملجأ، أو مغارة، أو مدخل أي نفق
﴿ لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ﴾
كجموح الفرس أي ينطلق بأعلى سرعة، وهذه الآية تعطي وصفاً دقيقاً للمنافقين، كيف يظهرون ما لا يبطنون، يعلنون ما لا يعتقدون، هذا الموقف الازدواجي موقف من صفات المنافقين، أما المؤمن فواضح، ومع الأسف والكافر واضح، بينما المنافق ازدواجي الشخصية، عنده حالة مزدوجة.
والحمد لله رب العالمين