بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أكرم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، مرتقى الخلود، الكل يبحث عن الارتقاء، ولمَ يريدون الارتقاء؟ ليزدادوا سعادة وليأنسوا وليحصلوا على الراحة، ولكن ما الارتقاء؟ الارتقاء هو الصعود، هو الارتفاع وأن نعتلي شيئا، الحصول والوصول إلى المراتب العليا، هذا هو الارتقاء، ويقال: مازال فلان يرتقي به الأمر حتى بلغ غايته، ويقال: قال فلان: كنت رقَّاء على الجبال أي صعادا عليها، ويقال: ترقى في العلم أي ترقا فيه درجة درجة، صعد فيه درجة، ولكن أليس لهذا الارتقاء نقطة نهاية؟ الإنسان يصعد.. يصعد إلى أين؟ فمن هو الصاعد ولابد أنه يريد أن يبلغ نقطة معينة وهدفا معينا محددا، ولذا قدم هدف الصعود قد يكون في مختلف الجوانب، هناك أناس تسعى للصعود في المستوى المالي.. تريد أن تصعد في المستوى التعليمي الأكاديمي، هناك أناس تسعى للصعود في المستوى الاجتماعي، الصعود في مستوى البذل والعطاء والإنفاق، يتسابق الناس، ولكن: هل هناك أسمى من بذل الجهد والسعي وتكبد معاناة الصعود وتحمل الصعاب لبلوغ أسمى هدف وهو بلوغ مرضاة الله سبحانه وتعالى ونيل الجنة، إنها نقطة الخلود، نرتقي لنصل إلى هذه النقطة.. نقطة الخلود، ولكي لنصل إلى مرتقى الخلود حق علينا أن نبحث عن ما يجب أن نسعى إليه.. عن ما يجب أن نسعى للارتقاء به، لماذا نريد أن نرتقي.
أولا: نريد أن نرتقي بالإيمان، نريد أن نرتقي بالعمل الصالح.
كيف نرتقي بالإيمان؟ الإيمان.. كلنا نطمح أن نرتقي فيه، دعونا نقدم وسائل.. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على الارتقاء من خلال هذا الإيمان، أولا: دوام الذكر فدوام الذكر يعين على دوام الصلة بالله سبحانه وتعالى وعلى ترك الشيطان ووساوس الشيطان، والذكر يعين على حياة القلب ونباهة القلب من المنكر فيعرف هذا الحق ويعرف هذا الباطل، الأمر الثاني الذي يعين على الارتقاء أن نستحضر معاني الآخرة باستمرار، لا ننس، ولا نستطيع أن نتذكر معاني الآخرة باستمرار إلا من خلال قراءة القرآن الكريم فنتذكر متعة الحياة الدنيا أنها لا تساوي شيئا في الآخرة وأنها لا تستحق أن تجرنا إلى المعاصي، والأمر الثاني لتحقيق الارتقاء أن نتذكر أهل الصلاح في الآخرة، يقول عنهم الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. ونتذكر أهل الضلالة.. يقول عنهم الله عز وجل: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} هؤلاء أهل الشقاء، يقول عنهم الله عز وجل: { فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} ولننظر إلى أهل السعادة.. سعادة الآخرة ونتذكر ماذا قال الله عنهم؟ الله عز وجل قال: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها} فيقفز القلب من السعادة ومن الشوق إلى هذه المرتبة في الجنة، والأمر الرابع الذي يعين على الارتقاء أن نتذكر الموت. يقول الله عز وجل: {كلا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون} {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} قال أبو الدرداء: أضحكني مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه وضاحك ملء فيه لا يدري أأرضى ربه أم أسخطه، من الأمور أيضا التي تساعد على الارتقاء الشعور بالغربة في الدنيا وإن الدنيا هذه ليست سوى معبر وقنطرة للآخرة وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فهيا" وقد ذكر عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: يا بني، إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه كثير من الناس فاجعل سفينتك فيها تقوى الله تعالى، بهذا المفهوم للدنيا نستطيع أن نحقق الكثير، إذا فهمنا أن الدنيا لا تساوى شيئا سنحقك الكثير.
أولا: يهون علينا ما نلقاه في هذه الحياة الدنيا من الشدائد لأننا ننتظر الآخرة فما عند الله خير وأبقى، الأمر الثاني: ينكسر القلب وينقبض عن الفرح المذموم، يفرح ولكن ليس الفرح الذي ينسيه أن يشكر ويحمد الله سبحانه وتعالى، الأمر التالي: التجافي عن دار الغرور والاستعداد دائما للرحيل، والأمر الخامس: الحرص على الطاعات وأن يتقن الفرائض وأن نحافظ على النوافل، ثم الأمر السادس: الدعوة لدين الله سبحانه وتعالى دون يأس ولا ملل.. ففي الدعوة قراءة وفهم ومعرفة ترتقي بالإيمان، أما الأمر السابع: الحرص على الصحبة الصالحة الطاهرة التي نتواصى معها على الحق ونتواصى على الصبر حتى نبلغ مرتقى الخلود، ولكن هل هناك خلود؟ نعم، إنه الخلود في الآخرة، الخلود الذي نطمح إليه هو الخلود في جنات النعيم حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، من يستحق هذه المرتبة وهذه المنزلة؟ يستحقها أهل الصلاح، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين} من هم الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون؟ قال سبحانه: {الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } استقاموا على قول لا إله إلا الله، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)}.
كلنا يطمع للارتقاء، وعرفنا أسباب تعين على الارتقاء، ولكن هل هناك أمور تعيق هذا الارتقاء؟ نعم، مما يعيق الارتقاء قسوة القلب وذلك بسبب الانشغال
بالدنيا وكثرة اللهو وكثرة اللعب، مما يعيق الارتقاء هجر المصحف وعدم التدبر في القرآن الكريم، يقول الله سبحانه وتعالى: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلاد} مما يعيق الارتقاء أيضا اليأس وعدم الصبر على النفس، اصبر عليها حتى تتجنب المعاصي، اصبر عليها إن كانت مقصرة، مما يعيق أيضا الارتقاء العزلة والتكاسل عن أعمال الخير، الانخراط معا الناس يسمعنا الكلام الطيب.. ونعرف الدين فنستطيع أن نبادر بالعمل الصالح، ولكن إن كان في العزلة فكان التكاسل عن أعمال الخير، من الأسباب التي تعيق الارتقاء التعلق بالصحبة السوء والعياذ بالله، والمرء على دين خليله، وإذن مما يعيق الارتقاء أيضا ضعف العلم والمعرفة وعدم وضوح الغاية والهدف، الهدف والغاية، الهدف خلافة الله سبحانه وتعالى في الأرض لبلوغ مرضاته عز وجل، من أسباب الإعاقة أيضا عدم تعهد هذا الإيمان بالرقي، يقول أبو الدرداء: من فقه العهد أن يتعاهد إيمانه ما نقص منه ومن فقه العهد أن يعلم أيزداد أم ينقص هذا الإيمان؟ وقال عمير بن خبيب: الإيمان يزداد وينقص، إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحناه فتلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا فذلك نقصان الإيمان، الصعود والارتقاء خير ما كان فيه إصلاح للنفس والتأديب لها.
الصعود يجب أن يتحقق فيه أمور هامة.. أولا: موافقة شرع الله عز وجل وأن تكون وراؤه نية خالصة لله سبحانه وتعالى حرة من كل القيود.. من قيود الأهواء، الأطماع والمصالح، لا يستعبدها الدرهم ولا الدينار، وإن من الارتقاء أيضا ما يكون في تباعد درجات الجنة حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف أي أهل الدرجات العليا في الجنة كما تتراءون الكوكب الدري في السماء" هذا ثمرة عمل الإنسان في الدنيا وإخلاصه في هذا العمل.
ومما يؤدي للارتقاء أيضا حفظ كتاب الله عز وجل حيث يقال يوم القيامة لحافظ القرآن: اقرأ وارتق فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها، وتظهر درجات الجنة والارتقاء فيها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم- الكفيل- ببيت في ربض الجنة- أي أدنا الجنة- لمن ترك المراء ولو كان محقا، وفي وسط الجنة لمن ترك الكذب ولو كان مازحا، وفي أعلى الجنة لمن حسن خلقه.
اللهم اجعلنا مما يستحقون أعلى درجات الجنة حيث رفقة النبي صلى الله عليه وسلم، ونستحق ذلك بحسن الخلق، اللهم اجعلنا هادين مهديين غير ضالين ولا مضلين،
وألقاكم في الحلقة القادمة من نداء: يا رب.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=971_0_2_0