بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على أكرم خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحابه أجمعين، مرحلة جديدة من برنامجكم يا رب، وأمسك عليك هذا، يا رب لك الحمد على الإسلام ولك الحمد على القرآن، يا رب ارزقنا علما نافعا نزداد به إيمانا ويقينا، قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" اللسان الذي سيكون محور حديثنا هذا اليوم، المؤمن يحسبه الجاهل صامتا جاهلا وحكمته أصمتته والأحمق ثرثارا والنصيحة لله أنطقته، وقال لقمان: الصمت حكم وقليل فاعله.. أي الصمت حكمة وحزم ألا يعلو الصوت فهو إمساك.. اللي هو إمساك عن القول بالباطل.. قول الباطل والإمساك عن كل شيء دون الحق ولكن من الذي وراء هذا الكلام؟ من الذي يأتيه الخير والشر؟ إنه اللسان، وهو من نعم الله سبحانه وتعالى علينا، ولذلك يجب أن نستعمل هذا اللسان في ذكر الله وفي طاعته، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن نتجنب استخدامه للمعاصي أو أن نؤذي به الآخرين فيستعمل الإنسان أحيانا في السب والشتم واللعن وهو قد فطر على طاعة الله سبحانه وتعالى، وقد قيل: إن الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر ويخبر عن مكنونات السرائر والكلام إذا خرج.. لا يمكن إرجاع ما يخرج من هذا اللسان ولا يقدر على رد من فلت منه، فأي كلمة خرجت فلن ترد وتحصل آثارها يوم القيامة، ولذا علينا أن نستعين بالله على إمساك هذا اللسان وبالإقلال من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله من قال خيرا فغنم أو سكت فسلم" وقال بعض الحكماء: الزم الصمت تعد حكيما، جاهلا كنت أم عالما كل الأحاديث تذكر عن فضل الصمت، وسبحان الله.. هذا الخلق نلاحظه في كبار السن من الآباء والأجداد الذين لم يحصلوا على شهادات وتخصصات وقد يكون منهم من لا يقرأ ولا يكتب ولكننا نرى وقار الصمت يدل على علمهم بالحياة فنجد عدم خوضهم فيما يتحدث فيه الناس يدل على رجاحة عقلهم، ودائما نجدهم مرجعية هم في الأسرة فإن تكلم أحد نطق بأنواع الحكم التي يعجز عنها أصحاب العلم، وسبحان الله! قد سمعت بناس ممن حصلوا الشهادات وطافوا البلاد.. سمعت منهم بعض العبارات عند الخلاف أو عندما يدور الحوار أو حين تصل يعني المنافسة بينهم تصدر منهم بعض العبارات السيئة انتصارا للنفس أو دفاعا عنها أو ردا على عبارة من تأديبهم، نتساءل هنا: أين العلم وأين الثقافة؟ لو أنه أمسك لسانه في حينها يطبق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".. لكان خير له.. وقال بعض الأدباء: سعد من لسانه هموت.. وقال حاتم الأصم حين رأوه قليل الكلام: إني لا أحب أن أتكلم الكلمة قبل أن أعد لها جوابها لله سبحانه وتعالى، فإذا قال الله سبحانه وتعالى يوم القيامة: لمَ قلت كذا؟ قلت: لكذا يا رب، فهل أعددنا نحن الجواب؟ ما كان من أحاديث طويلة في مجالس شهدتها الملائكة وسطرت ما كان فيها من غيبة ونميمة وطعن وبعضها كان فيها شهادة زور والعياذ بالله، هل جهزنا جوابا لهذه المجالس وما ذكر فيها؟ وكم كان هناك مجالس أخرى.. التي شهدتها الملائكة، شهدت طيب الحديث فيها، حديث أصحابها وصدق عباراتهم ورغم ذلك حتى مع كل ما كان من كلام طيب في خلال المجلس.. إذا انتهى المجلس لا يتركون إلا بدعاء ختم المجلس خشية أن تكون قد وقعت منهم كلمة يوم القيامة لم يجدوا لها جوابا عند الله سبحانه وتعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يكفل لي ما بين لحييه- أقصد اللسان- وما بين رجليه أكفل له الجنة، وقال صلى الله عليه وسلم: يوصي أبو ذر عليك بطول الصمت فإنه مطردتا للشيطان وعون لك على أمر دينك وقال رسول صلى الله عليه وسلم طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته.
ومن أقوال الصحابة والصالحين عن ابن مسعود أنه قال: على الصفا يلبي ويقول: يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، وقال الحسن البصري: كم يقولون إن لسان الحكيم رأى قلبه فإذا أراد أن يقول.. يرجع إلى قلبه فإن كان الكلام هذا له.. قاله: وإن كان عليه أمسك، والعكس.. الجاهل قلبه في طرف لسانه، لا يرجع إلى قلبه، فما أتى على لسانه تكلم به، وقال عبد الله بن مسعود: والله الذي لا إله إلا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان، لو أمسكنا هذا اللسان، وقال طاووس: لساني سبعين أي إذا أرسلته أكلني، كاد يأكله بالمعاصي وبما يرتكب من حديث لا يرضي الله سبحانه وتعالى، وقال الحسن: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه، وقد قيل: إن الإنسان لا يغلب الشيطان إلا بالسكوت فإن حفظنا هذا اللسان نكون في حرز من الشيطان وأيضا نكون سترنا على أنفسنا وسترنا عورتنا لأن المرء لا يأمن وهو يتكلم أن يتعرض لعورة الناس ويتكلم عنهم.. عن ذنوبهم وعن معاصيهم.. عن خطاياهم وعن معاصيهم عن أخلاقهم السيئة فإذا تكلم سيكون هناك من يكشف عيوبه ومعاصيه، وذكر عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: يا بني من يصاحب صاحب السوء لم يسلم ومن يدخل مدخل السوء يتهم ومن لم يملك لسانه يندم، وقال قائل:
العلم زين والسكوت سلامة، فإذا نطقت فلا تكن ثرثارا.
ما إن ندمت على سكوتي مرة، ولقد ندمت على الكلام مرارا.
الإنسان أحيانا حين يتكلم الكلمة يجد أن يتذكر هذه الكلمة في حق من وماذا أراد بها؟ حق أم باطل؟ حتى يسلم في الدنيا والآخرة، يسلم في الدنيا ويسلم في الآخرة، أن ينال رضا الله سبحانه وتعالى، قال خالد بن صفوان: ما الإنسان لولا اللسان؟ ماذا نحن لولا اللسان؟ فاللسان هو يعبر عن معنى معبر.. يعبر عن كل شيء عن الإنسان، يعبر عن مفهوم تفكيره وعقله وروحه.. مبادئه، كل أمر يعبر عنه اللسان فلماذا يظهر إذا الإنسان أساء استخدام اللسان.. فهذا يقول أن هذا مكنون نفسك، إذا كان الكلام بذيئا هذا يدل على الخلق اللي يحمله الإنسان في نفسه، ولذلك اللسان يترجم حالنا في الداخل، فلنجعل الصورة هذه صورة حسنة، وقال بعض الحكماء: اللسان وزير الإنسان.. وزيره وهو يقوم بأعماله، وحسن بعض العلماء الرخصة في الكلام حين قالوا: إذا جالست الجهال فأنصت لهم وإذا جالست العلماء أنصت لهم فإن إنصاتك للجهال زيادة في الحلم وفي إنصاتك للعلماء زيادة في العلم، ماذا نقول للجهال؟ حين يقول الله سبحانه وتعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} يجب على الإنسان أن يكون عنده قدرة على أن يحتمل الناس في الكلام، عند العلماء يزداد في العلم، بعض الناس تجدها في مجالس العلماء وتريد أن تعرف هذه الأمور وأن الكلمة تحفظها لعل تكون كلمة وسط هذا.. الموعظة الكاملة لم أعلمها ولم أسمعها ولم أعرفها فلماذا نظلم هذه الجوارح التي فطرت على طاعة الله سبحانه وتعالى وعلى الاستسلام له؟ لما لا نشغل هذا اللسان بالذكر، بالتسبيح، بالتهليل وبقراءة القرآن الكريم، بالعلم، بالدعوة، بحديث خير.. لماذا ينشغل هذا اللسان بغير ذلك؟ ولماذا يكون هذا اللسان عنوانا على أخلاق لا ترضي الله سبحانه وتعالى؟ ولماذا لا يدل هذا اللسان على حسن الخلق وعلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى ويدل على مكنون داخل النفس، هذا من العلم بالله سبحانه وتعالى، العلم بالحلال والحرام، وأحيانا نجد بعض الناس في مجالس صامتين ساكتين لكن سبحان الله! نشعر أنهم إذا تكلموا فكأنهم في حديثهم بدؤوا يغردون، الإنسان يشعر: يا سلام.. تكلم فلان.. والله نسكت خلينا نسمعه، يشعر أن هذا الإنسان لا يتكلم، هذا قاعد يغرد بحديث.. يغرد بحديث.. يغرد بآية.. يغرد بموعظة.. بتذكرة، اللهم يا رب ارزقنا حسن الكلام، يا رب صن ألسنتنا عن ما يغضبك وأنطقها بما يرضيك واحفظنا من آفات اللسان وارزقنا حسن البيات، أستودعكم الله وألقاكم في حلقة جديدة من نداء يا رب.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=962_0_2_0