بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، في حلقة جديدة من برنامج يا رب نقول وندعوا في البداية.. نقول: يا رب نحمدك على فضلك، يا رب نسألك قوة في الله تعيننا على طاعتك ونجتمع معها على محبتك وتظلنا بحقها يوم القيامة تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، الأخوة في الله، كثر الحديث حول الأخوة ولكن أعجبني منه هذا البيت من الشعر.. يقول الشاعر:
أو يختلف ماء الوصال كمائنا
عذب تحدر من غمام واحد
الأخوة في الله التي يتمثل صفاء العلاقة فيها كالماء الذي يتحدر من غمام واحد، إنه ماء الوصال، ماء العلاقة والمحبة، ماء التعاون الذي فيه من الصفاء وفيه من النقاء وفيه من التمازج كالماء الذي يغتم من غمامة واحدة فنجده يحمل نفس الصفات ونفس التركيبة ونفس الدرجة من النقاء، وما تلك الغمامة وما ذاك المفتر للعلاقة الأخوية إلا المنهج الرباني والعقيدة الإسلامية التي تمثل أصل هذه القوة وأساسها ومنبعها وإنه والله حب الله سبحانه وتعالى، هذا الحب يجتمع في القلوب ويؤلف بين القلوب، يروي الحبيب في الله جمال تلك العلاقة، يذوقون حلاوتها، يجدون عبيرها الفواح، تنتشر بينهم، يشعرون بها، يعتادون عليها، تسري بين أرواحهم فنجدهم تذوق بحق هذه الألفة، أرواحهم إلى ظل عرش الرحمن مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم النبي صلى الله عليه وسلم اثنان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه" فما جمعهم كان حب الله عز وجل وافترقا على حب الله سبحانه وتعالى، هذه الأخوة جميلة راغبة بيننا وما أغلاها من منحة وما أعظمها من هبة من الله سبحانه وتعالى، ووقف عليها سيد قطب في تفسيره لقول الله عز وجل {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} وانظر كيف شرح سيد قطب هذه الآية.. يقول: لقد وقعت المعجزة التي لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى والتي لا تصنعها إلا هذه العقيدة فاستحالت هذه القلوب النافرة الطباع إلى هذه الكتلة المتراصة المتآخية الذلول بعضها لبعض والمحب بعضها لبعض والمتآلفة بعضها لبعض، ويقول أيضا: إن هذه العقيدة عجيبة فعلا، إنها حين تخالط القلوب تستحيل مزيجا من الحب والألفة والمودة، ومودات تجمع هذه القلوب مع بعضها تربط بين هذه القلوب برباط وثيق، برباط عميق، في نفس الوقت رفيق، فنجد.. سبحان الله في هذه العلاقة، فإذن نظرة العين ولمسة اليد ونطق الجارحة وخفقة القلب هي ترانيم من التعارف والتعاطف والولاء والتناصح والسماحة، هذه الأمور كلها لا يعرف سرها إلا من ألف بين هذه القلوب ولا تعرف مذاقها إلا هذه القلوب، هذا السر يعرفه الله سبحانه وتعالى ولكن لم يذق حلاوة هذه العلاقة إلا قلوب أهل الإيمان، إنها الأخوة، يقول سيد: إنها الأخوة القائمة في الله والمتواصية بطاعة الله والمتناصحة فيه، المتذاوبة فيه، المتبادلة فيه، فنجد في حق هذه الأخوة نراها تبذل المال والجهد بنصر النصرة، بتقديم العون، نجدها أخوة جمعها حب القرآن، حب السنة كان من القلب الواحد.. لكن قلبها قلب واحد، كما ذكرنا في البداية
أو يختلف ماء الوصال كمائنا
عذب تحدر من غمام واحد
فكان كالقلب الواحد، واليوم ما أحوجنا إلى تلك الأخوة التي يخفق فيها القلب خفقا واحدا كما وصفها الشيخ الراشد: لا نشاز في موالاتها ولا تذبذب في موجتها، إنها خفقة تواسي عند القرب، خفقة تكون في الشدة وتصبر عند البلاء، ما جدوى الأخوة إذا لم نشعر أن عند الكرب هناك من يقف ويعين وعند البلاء هناك من يصبر وهناك من يواسي؟ إنها خفقة الأخوة التي تنصح عند الخطأ وتعين عند الحاجة وتسعد بالخير الذي يرزقه الله سبحانه وتعالى، للأخوة في الله تفرح للنجاح وتتمنى دوام النجاح وتدعو الله سبحانه وتعالى الإخلاص في العمل وأن يرزقه القبول بعد إنجاز هذا العمل، هذه حقيقة الأخوة، تشعر أن نجاح الآخرين هو نجاح لك وأن.. لا يعني أنا لم أكن جزأ من هذا العمل.. أن هذا العمل غير ناجح.. إنما أفرح وأسعد بهذا النجاح وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم، إنها خفقة الأخوة، خفقة تعرف معنى التسامح، معنى العدل عن الذلة والخطأ، من منا لا يخطئ؟ من منا لا يذل؟ من منا لا يخطئ على الآخر؟ إن وقفنا بالمرصاد بعضنا لبعض كيف تستمر الحياة بيننا وكيف تكون هذه العلاقة؟ إن كان رب العالمين فوق السموات يغفر للعبد إذا أخطأ فكيف لا نتسامح وكيف لا نعفوا عن الذلة وكيف لا نسامح بعضنا البعض؟ وخفقه فيها سعة الصدر ولين الجانب وأدب التعامل، سعة الصدر، نحتمل بعضنا البعض، نصبر على بعضنا البعض، هناك أدب في التعامل بين بعضنا البعض، ولما نقول أدب التعامل لننظر إلى كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم في أدب تعامله مع الصحابة رضوان الله عليهم فهو خير قدوة لنا، {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} هل يمكن أن ننطلق بهذه الخفقات؟ وهل يمكن أن نحمل كل تلك المشاعر؟ وهل يمكن في هذا اليوم أن نتسابق في الحب الأخوي؟ نتسابق في الصفاء القلبي كما نتسابق اليوم في الحرص على الفرص وعلى المجالات وعلى النجاحات، كل واحد فينا يحاول أن يصل قبل الآخر للفرص والنجاح في هذه الفرص، هل تسابقنا في الحب الأخوي والصفاء القلبي، أخواتي وإخوتي إن الأخوة في الله نعمة ومنحة ربانية قال عنها عمر بن الخطاب: ما أعطي عبد بعد الإسلام خير من أخ صالح فإذا رأى أحدكم ودا من أخيه فليتمسك به، إنه الود الذي فيه أمر بالمعروف، لما نقول: ودا أحيانا تفهم هذا الود أن أسكت عن كل ما يقبل عليه أخي أو أختي ما يرتكبه.. لا هذا.. الود لا يقف أمام الأمر بالمعروف وأن أنهى عن منكر وأن آمر بالمعروف، إنه الود الذي فيه تواص بالحق، فيه تواص بالصبر وفيه اجتماع على الطاعات، في ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} ود في الدنيا وود في الآخرة، يلتقون بحق هذا الحب تحت ظل عرش الرحمن، اسمحوا لي.. لقد تكلم في الأخوة الكثير، وصيغة الأخوة، الكثير من الأدبيات، بل ونرى
الحماس في أحاديث الأخوة كبير جدا، نستمع إلى المواعظ ونقرأ الكتب، ولكن دعونا ننظر إلى الواقع العملي.. ننظر إلى التطبيق.. لماذا نجد التطبيق في قضايا الأخوة صعب على كثير من الناس؟ ولكن حين نصف الحقيقة الصافية الصحيحة.. حين تكون هي أساس هذه العلاقة نجد أن أصعب الأمور علينا تكون هي أحبها إلينا بل وأكثرها تشعر معها الأجر والثواب، عندها إذا حدث هذا الأمر فنجد أن أدبيات الأخوة.. نراها في أدب التعامل نراها في التناصح، ليس فقط نتناصح بل ونطلب النصيحة من بعضنا البعض، نرى الأدبيات هذه في التكافل ونرى الأدبيات في الحب، نجدها في الوفاء ونجدها في التسامح، وإذا قيل: إن على من أراد أن يصاحب أحدا أن يتأدب بأول الآداب وهو أن يكون حبك لأخيك خالصا لوجه الله تعالى، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ومنها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ويكره أن يعود للكفر كما يكره أن يلقى به في النار" اللهم يا ربنا إن كانت الأخوة التي ترضيك هي في التواضع والتسامح وفي العفو وفي المغفرة وفي كل المعاني التي ذكرناها.. اللهم ارزقنا إياها وأعنا على أن نحمل في أنفسنا كل هذه الصفات حتى نحافظ على هذه القوة وحتى نجتمع عليها في الدنيا لنرفع راية لا إله إلا الله وحتى نلقاك بحقها تحت ظل عرشك يا رب العالمين، ألقاكم في الحلقة القادمة لنتكلم ونستكمل الحوار مع موضوع الأخوة.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=944_0_2_0