الحقوق محفوظة لأصحابها

بثينة الإبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين في حلقة جديدة من نداء يا رب، ندخل بعنوان جديد وقد يكون غريبا "الإنسان الطفل" والحقيقة هذا العنوان هو فقط قرأته في كتاب للشيخ البهي الخولي، ولنبدأ في البداية بقول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} وقال تعالى: {وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون} وقال تعالى: { وفي الأرض آيات لموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون} عن تقي رحمة الله عليه: إذا أراد الإنسان أن ينال فضل التفكر يتفكر في خلق أشياء أولها الآيات والعلامات الدالة على الله سبحانه وتعالى، والثاني في الآلاء والنعماء من الله عز وجل والثالث ثواب الله سبحانه وتعالى والرابع في عقاب الله عز وجل والخامس في إحسان الله عز وجل علينا وفي الجفاء الذي يقابل به الله سبحانه وتعالى.

من هو الإنسان الطفل؟ يقول البهي الخولي في هذا الفصل إن طفولة الإنسان معناها أن الإنسان رأى السماء وهو طفل ويرى السماء الآن وهو رجل.. هل تغير نظرة الرجولة عن نظرة الطفولة وهو رآها هو طفل شيء أزرق يغطي السماء ولكن هل تأمل فيها وهو رجل؟ هل تأمل في سعة أقطار هذه السماء وعظمة خلقها؟ هل حاول أن يمد يده لينظر؟ هل طبيعي أن يصل إليها؟ وعرض حقيقة عجزة أن ينام، أن يصل إلى هذه السماء، هل فكر في أن يقارن بين ما يصنعه هو أشياء بنفسه وبين ما صنع الله سبحانه وتعالى في هذه السماوات الهائلة الرائعة؟ هل حدق بعين قلبه في هذا المخلوق الجليل العجيب باحثا عن خالقه العظيم الذي يصنع ما تراه العيون؟ هل نظر هذا الإنسان إلى السماء وهو رجل أو ظل ينظر إليها كما هو كان ينظر إليها وهو طفل؟ إن الإنسانية تتقدم وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة والنظر القوي.. النظر الفاحص.. هذا الإنسان الذي بهذه الطريقة يفتح عينه وقلبه على روعة الآيات وروعة المعجزات فينظر إليها ثم هذا النظر الذي ينظر به يبعث فيها الانفعال، ما هي هذه الآيات وما آثرها وما الحكمة منها؟ نظرة الإنسان هي عنوان صاحبها وعنوان ما في داخل نفسه فإن كانت نظرة جامدة في عنوان هذا الباطن الجامد والشعور الخامد فإن القلب ميت لكن إن كانت نظرة قوية حية فهي تدل على هذا الباطن القوي الحي والوجدان المنفعل والقلب اليقظ وهذا القلب حين ينفعل وحين يتأثر يفيض بالمشاعر الكثيرة والمشاعر الكريمة، الإنسان ينظر إلى السماء وينتقل.. سبحان الله يعني ينظر بترفه إلى أطراف هذه السماء لكن ما يتحرك فيه أي إحساس، لا إحساس الرهبة ولا إحساس الجمال، ننظر إلى الشمس مسخرة في السماء فلا ينقطع إعجابا بها لشأنها، هذا هو الإنسان الطفل حتى وإن بلغ من العمر ما بلغ، يقول الشيخ: هي الطفولة التي لا تفهم ما يدور في محيطها الصغير، لننظر إلى الطفل نفسه، الطفل حين يسير فيمر على مجموعة من الرجال يتحدثون في شأن ما، في أمر من الأمور يسمع كلامهم ما يفهم شيئا فينظر إليهم ما يفهم شيئا فيذهب ويبتعد عنهم، أما إذا رأى أطفال يلعبون أو يتحدثون يسرع إليهم.. ليش؟ لأنه فاهم ما يقولون، هذا هو الإنسان يطل على السماء في كل ليلة ويرى فيها ما لا يحصيه.. ملاين الكواكب والنجوم تتحدث كلها عن عظمة الله وعن جلال الله سبحانه وتعالى، آيات في الليل والنهار لا يفهما إلا الإنسان الكبير وليس الإنسان الطفل أو كما قال الشيخ البهي.. يقول: يفهما كبار الرجال لا كبار الأطفال، إنه الإنسان الذي يكون طفلا رغم عوامل النضج التي تزدحم في فؤاده، هذه الإنسانية التي نتعجب من وقوفها أمام سماء باهرة وفوق أرض ضخمة وجبال وبحار حافلة بالأسرار فيها من النبات والحيوان والجماد ومع هذا فإنها تسير كأنها لا تعيش تحت شيء أو فوق شيء، ولو أن هذه الآيات أمر خفي يحتاج أن الواحد يتعب نفسه للتعرف عليها لالتمسنا العذر، ولكن أشياء بارزة واضحة للعيان شاخصة تعترض الإنسان ويراها وفي كل حين تفرض نفسه عليه، الليل والنهار الشمس والقمر، ليس من الغريب والعجيب ألا نشعر ولا نتأثر بها ونرى فقط بالعين التي في رؤوسنا كم مما نرى من عجائب الله سبحانه وتعالى ينطبق في هذا الكون، فالعين تبصر ولكن يجب أن يتبعها حفظ ما ترى، وقد ذكر الشيخ البهي.. يقول كمثل يعطي مثل لهذا المعنى.. يقول: نتخيل أن الإنسانية قررت الهروب من ويلات الحروب والمشاكل وقررت أن تنشأ مدن تحت الأرض بعيدة عن المصاعب والمتاعب والمصاعب فاخترعوا الناس لأنفسهم مدن تحت الأرض فيها تهوية وفيها إضاءة صناعية، بعدين ما على وجه الأرض من نعم الطبيعة وهباتها، وبعد فترة ولد أطفال في تلك الأجواء لم يروا السماء، لم يروا السماء إلى أسمنت مسلح ومصابيح كهر بائية تضيء الليل والنهار وكبروا على ذلك وساروا شباب فاقترح عليه أحد الكبار أن يسافروا إلى أهل الأرض فيقول: هل لنا أن نتصور حالهم لما خرجوا إلى ظهر الأرض، تخيلوا وهم يحدقون في روعة السماء وهم ينظرون إليها لأول مرة ويقارنون بينها وبين سماء مدينتهم! هناك سماء تقيد البصر قائمة على أعمدة لكن هذه السماء رائعة يسرح فيها الطير في آفاقها علوا، اتساعا، رفعة، هذه السماء مخلوقة بلا عمد وما في شيء يمسكها بلا دعائم، فلنتخيل دهشتهم وهم ينظرون إلى الشمس وهم يرونها مشرقة بالضياء تغمر الوجود يفيض أنوارها فيستحضرون الفرق الهائل بين أضواء السراج في داخل بيوتهم في القبو وبين هذا السراج السماوي الباهر وهو يجري في فضائه الشاسع متنقل بين الشرق والغرب فيتساءلون: كيف ينتقل وبأي قوة يتحرك ومن أين له هذا الضوء ومن أين يدبر كل هذا؟ ثم نتصور حالهم وقد جن الليل وبدأ المنظر يتغير وظهرت في السماء هذه الكواكب الدرية تملأ أقطار السماء في كل

جهة، شيء جميل جدا، شيء يشعر معه الإنسان أن قلبه امتلأ حيرة، أي نظام هذا وأي جمال وأي آيات في الكون الرائع العجيب! هل يمكن أن يكون هذا حالنا؟ وهل يمكن أن نخرج من تلك الظلمة إلى نور هذا الكون الواسع؟ وهل لهذه الغفلة من علاج؟ وهل من سبيل لإزالة الحجاب الكبير؟ وهل من سبيل للارتقاء بالإنسانية وتجاوز دور الطفولة إلى حيز الرجولة القوية المدركة، نعم نستطيع أن نصحوا من هذه الغفلة إذا نظرنا وتأملنا حولنا بنظرتين، النظرة الأولى نظرة العين الباصرة وهي التي لا ترى من الشيء إلا الصفحة الخارجية الصماء ولكن إذا أضفنا إليها النظرة الثانية.. نظرة العين الباطنة وهي التي نلقي على الشيء ونحن ننظر بالعواطف، عواطفنا، عواطف قلوبنا ونظل نبحث عن القائم عليه وندبر لهذا الأمر حتى نصل إلى الله سبحانه وتعالى، إذن هما نظرتان في نظرة واحدة فما علينا إلا أن ننظر ونتأمل ونتدبر وأن ننبه العين الباطنة والغافلة وأن نوقظ هذا الكيان الداخل الراقد، نوقظه ونصل الباطن بالظاهر والظاهر بالباطن فنصل بأنفسنا إلى فهم الوجود وعندها نصل التيارات.. تيارات قلوبنا مع ملكوت السماوات والأرض، ملكوت الله الأعلى، وهذا كمال الراقي والتقدم، قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} أعرابي في يوم في الصحراء نظر إلى السماء والنجوم فقال: أشهد أن لك ربا وخلقا، اللهم فاغفر لي، اللهم اجعلنا من المتأملين ومن المتفكرين ومن المتدبرين، اللهم وارزقنا بعد هذا التأمل والتدبر إيمانا خالصا وقلبا خاشعا يا رب العالمين، وألقاكم في حلقة أخرى من نداء يا رب.

المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=933_0_2_0