خطبة الجمعه بتاريخ 11-1-1435هـ الموافق 15-11-2013 م
الخطبة الاولى
إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضلّ له ومن يضلل فلا هادي له ,وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, جل عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ,وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه أرسله ربنا رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين, فهدى الله به من الضلاله ,وبصر به من الجهاله وكثر به بعد القله واغنا به بعد العيله , ولم به بعد الشتات فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين واصحابه الغر الميامين ما اتصلت عين بنظر , ووعت اذن بخبر وسلم تسليما كثيرا ..
اما بعد :
ايها الإخوة الكرام : دخل بعض التابعين إلى مسجد في الكوفه قال فرأيت رجل يصدر عنه الناس
فسألت من هذا ..فقالوا : هذا ابو هريرة .. قلت : صاحب رسول الله صل الله عليه وسلم
قالوا : نعم ..قال: فدنوت منه حتى إذا تفرق الناس عنه وقعد ..اقبلت اليه ..قلت له : ياصاحب رسول الله صل الله عليه وسلم ..اخبرني بحديث سمعته من رسول الله عليه الصلاة والسلام ليس بينك وبينه أحد ..قال : فقال ابو هريرة لأحدثنك بحديث سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم ليس بيني وبينه أحد ..قال إذا جمع الله الاولين والآخرين يوم القيامة ..
قال: ثمَّ نشَغ أبو هُريرةَ نَشغةً -أي:شهق شهقة - قال: ثم مال فغشي عليه
ثمَّ أفاق فقال: لَأُحَدِّثَنَّك حديثًا حدَّثنيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليس بيني وبينه أحد
قال : ثم شهق ابو هريرة شهقة أخرى ومال وغشي عليه ثم افاق وقال : لأحدثنك حديثا ليس بيني وبينه أحد قال : ثم بكى وشهقى ومال فاسندته طويلا ثم قال لي : اجمعوا الأولين والآخرين يوم القيامة - يعني - يجمع جل وعلا بين يديه وذلك حين تبلغ الروح الحلقوم وحين يبلغ الناس من الخوف ومن العرق بما يبلغهم ..
قال عليه الصلاة والسلام فاول من تسعر بهم النار يوم القيامة ..قل : يا ابا هريرة الا اخبرك بأول من تسعر بهم النار يوم القيامة -يعني اول من يقون في النار يوم القيامة - قال بلى يارسول الله فقال عليه الصلاة والسلام هو مجاهدا وقارئ للقران ومتصدق ..
ثم بين النبي صل الله عليه وسلم ذلك ..قال: يؤتى بالرجل فيعرفه الله تعالى نعمه فيعرفها ..ثم يقول الله تعالى له فماذا عملت فيقول يارب ماترك بابا يجاهد فيه في سبيلك إلا جاهدت في سبيلك فيقول الله تعالى له كذبت ..وتول الملائكة كذبت ..وانما جاهدتليقال جريء ..ليقال شجاع ..قال ثم يجاء به فيسحب في النار ..قال : ثم ياتى بالرجل القارئ ..فيعرفه الله تعالى نعمه ..يعرفه بما اتاه الله تعلى من حسن في صوته ومن سلامة في جسده وسعة في ماله يعرفه بنعمه فيعرفها ويقر بها ثم يقول الله تعالى له ماذا عملت قال: فيقول يارب قرأت القرآن واقرأته فيك ..انا كنت اقرأ القرآن وكنت اعلمه الناس فيقول الله تعالى كذبت ..,تقول الملائكة كذبت ..س ذبت أك لم تقرأ ولم تقرئ ..هو قد قرا واقرا..انما
انما قرأته ليقال : مخلص لك في ذلك ..كذبت لأن الله
يعلم حقيقة قلبه ويعلم مراد نفسه ..ويعلم حقيقة قصده
قال كذبت وتقول الملائكة كذبت وانما قرأت ليقال قارئ
حتى يمدح الناس صوتك أو يجتمع بين يديك قال ثم يسحب على وجهه إلى النار
قال عليه الصلاة والسلام ثم يؤتى بالثالث المنفق فيعرفه الله تعالى نعمه
فيعرفها ثم يقول الله تعالى له فماذا عملت فما اعطيتك .. أنا قد وسعت عليك
وطرحت البركة في مالك وجعلت لك جاه ومنصبا بين الناس وجعلت لك في تجارتك ارباحا
فماذا عملت فيما اعطيتك فيقول يارب ماترك بابا ينفق فيه في سبيلك
إلا انفقت وضعت مالا في ذلك المسجد وبنيت بيت لاولئك الفقراء وتصدقت على اولئك الأيتام
وساعدة تلك الأرملة ..ماتركت بابا ينفق فيه المال للصدقة إلا
إلا انفقت فيه لأجلك فيقول الله تعالى كذبت - يعني مافعلت ذلك لأجلي - وتقول الملائكة التي سجلت عمله
تقول له كذبت انما انفقت ليقال جواد ..
من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون
اولئك الذين ليس لهم في الاخرة إلا النار ..."
ثم قال صل الله عليه وسلم : يا ابى هريرة هؤلاء الثلاثة هم اول من تسعر بهم النار يوم القيامة
نص الحديث :
" أنَّه دخَل مسجدَ المدينةِ فإذا هو برجلٍ قد اجتمَع عليه النَّاسُ فقال: مَن هذا ؟ قالوا: أبو هُريرةَ قال: فدنَوْتُ منه حتَّى قعَدْتُ بينَ يديه وهو يُحدِّثُ النَّاسَ فلمَّا سكَت وخلا قُلْتُ له: أنشُدُكَ بحقِّي لَمَا حدَّثْتَني حديثًا سمِعْتَه عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عقَلْتَه وعلِمْتَه فقال أبو هُريرةَ: أفعَلُ، لَأُحدِّثَنَّك حديثًا حدَّثَنيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عقَلْتُه وعلِمْتُه ثمَّ نشَغ أبو هُريرةَ نَشغةً فمكَث قليلًا ثمَّ أفاق فقال: لَأُحَدِّثَنَّك حديثًا حدَّثنيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا وهو في هذا البيتِ ما معنا أحدٌ غيري وغيرُه ثمَّ نشَغ أبو هُريرةَ نَشغةً أخرى فمكَث كذلك ثمَّ أفاق فمسَح عن وجهِه فقال: أفعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّك حديثًا حدَّثنيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا وهو في هذا البيتِ ما معه أحدٌ غيري وغيرُه ثمَّ نشَغ نشغةً شديدةً ثمَّ مال خارًّا على وجهِه واشتدَّ به طويلًا ثمَّ أفاق فقال: حدَّثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( أنَّ اللهَ تبارَك وتعالى إذا كان يومُ القيامةِ ينزِلُ إلى العبادِ ليقضيَ بينَهم وكلُّ أمةٍ جاثيةٌ فأوَّلُ مَن يدعو به رجلٌ جمَع القرآنَ ورجلٌ يُقتَلُ في سبيلِ اللهِ ورجلٌ كثيرُ المالِ فيقولُ اللهُ تبارَك وتعالى للقارئِ: ألم أُعلِّمْكَ ما أنزَلْتُ على رسولي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قال: بلى يا ربِّ قال: فماذا عمِلْتَ فيما علِمْتَ ؟ قال: كُنْتُ أقومُ به آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ فيقولُ اللهُ تبارَك وتعالى له: كذَبْتَ وتقولُ له الملائكةُ: كذَبْتَ ويقولُ اللهُ: بل أرَدْتَ أنْ يُقالَ: فلانٌ قارئٌ فقد قيل ذاك ويُؤتَى بصاحبِ المالِ فيقولُ اللهُ له: ألم أُوسِّعْ عليك حتَّى لم أدَعْكَ تحتاجُ إلى أحدٍ ؟ قال: بلى يا ربِّ قال: فماذا عمِلْتَ فيما آتَيْتُك ؟ قال: كُنْتُ أصِلُ الرَّحِمَ وأتصدَّقُ ؟ فيقولُ اللهُ له: كذَبْتَ وتقولُ الملائكةُ له: كذَبْتَ ويقولُ اللهُ: بل إنَّما أرَدْتَ أنْ يُقالَ: فلانٌ جَوَادٌ فقد قيل ذاك ويُؤتَى بالَّذي قُتِل في سبيلِ اللهِ فيُقالُ له: في ماذا قُتِلْتَ ؟ فيقولُ: أُمِرْتُ بالجهادِ في سبيلِك فقاتَلْتُ حتَّى قُتِلْتُ فيقولُ اللهُ له: كذَبْتَ وتقولُ له الملائكةُ: كذَبْتَ ويقولُ اللهُ: بل أرَدْتَ أنْ يُقالَ: فلانٌ جريءٌ فقد قيل ذاك ) ثمَّ ضرَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رُكبتي فقال: ( يا أبا هُريرةَ أولئك الثَّلاثةُ أوَّلُ خلقِ اللهِ تُسعَّرُ بهم النَّارُ يومَ القيامةِ ) قال الوليدُ بنُ أبي الوليدِ: فأخبَرني عقبةُ أنَّ شُفَيًّا هو الَّذي دخَل على معاويةَ فأخبَره بهذا الخبرِ قال أبو عثمانَ الوليدُ: وحدَّثني العلاءُ بنُ أبي حكيمٍ أنَّه كان سيَّافًا لمعاويةَ قال: فدخَل عليه رجلٌ فحدَّثه بهذا عن أبي هُريرةَ فقال معاويةُ: قد فُعِل بهؤلاء مِثلُ هذا فكيف بِمَن بقي مِن النَّاسِ ؟ ثمَّ بكى معاويةُ بكاءً شديدًا حتَّى ظنَنَّا أنَّه هالكٌ وقُلْنا: قد جاءنا هذا الرَّجلُ بِشَرٍّ ثمَّ أفاق معاويةُ ومسَح عن وجهِه فقال: صدَق اللهُ ورسولُه مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود: 15، 16]"
صحيح ابن حبان
ايها المسلمون :
إن من نظر في كتاب الله تعالى وتأمل في سنة رسول الله صل الله عليه وآله وسلم وجد التأكيد العظيم على أن تكون كل الأعمال خالصة لله جلا وعلا { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}، العمل الصالح عبادة ، الصلاةعبادة ، الصدقة عبادة , صلاة الرحم عبادة تعليم الناس عبادة ، قراءة القرآن عبادة ، فلا تشرك مع الله تعالى في ذلك احدا
ووجه الله تعالى سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقال الله جل وعلا له { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ(2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (3){[الزمر:2-3]
فأي دين لا يكون خالصا لله فليس هو العمل الذي يرضاه الله جل وعلا..
وقال سبحانه وتعالى موجه نبيه جل وعلا {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} ان دعوا ما ارادوا وجه الله وإن تصدقوا ،وإن نصحوا وعملوا يريدون وجهه
{ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)..
وكان نبينا صل الله عليه وسلم يحذر من ان يعمل العبد العمل غير مخلصا فيه
أو أن أو يريد أن يمدحه الناس أو أن يثنوا عليه فاقبل رجل الى النبي صل الله عليه وسلم
قال يارسول الله الرجل يقاتل ليرى مكانه ..يخرج الى القتال ..ليمدح ليقول الناس ما اغنى عنا فلان قد ساعدنا وقاتل معنا .. قال : الرجل يقاتل ليرى مكانه ..والرجل يقاتل للغنيمة ..أي ذلك في سبيل الله
فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يحمل الثلاثة ويضرب بهم عرض الحائط
ويختار رجل رابعا ويقول من قاتل لتكون كلمة الله هي العلياء ..فهو في سبيل الله
ليس الذي يقاتل ليمدح ..أو لأجل دنيا يصيبها انما الذي يقاتل بنية خالصة ..أن يرفع الله تعالى به راية الدين وأن يعز به شريعته من قاتل لتكون كلمة الله تعالى هي العليا ..فهي في سبيل الله .
نص الحديث:
جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : "الرجلُ يُقاتِلُ للمَغنَمِ، والرجلُ يُقاتِلُ للذِّكرِ، والرجلُ يُقاتِلُ ليُرَى مكانُهُ، فمن في سَبيلِ اللَّهِ؟ قال: ( من قاتَلَ لتَكونَ كلمَةُ اللَّهِ هي العُليا،فهو في سَبيلِ اللَّهِ) .[صحيح].
وكان السلف رحمهم الله تعالى من اشد الناس حرصا على أن يخلص العبد عمله لله تعالى
ورأى أبو أمامة الباهلي رجلا في المسجد يبكي في سجوده فقال: أنت أنت لو كان هذا في بيتك.
*مادام هذا خشوعا فلماذا تعمل هذا والناس ينظرون اليك وحولك يسمعون بكائك ودعائك !
وجلس سفيان الثوري رحمه الله يوما يحدث اصحابه عن الآخرة ،فرق قلبه وغلبه البكاء وبكى ..
قالوا:فأخذ طرف عمامته وجعل يمسح انفه وعينه ويقول ، ما اشد الزكام اليوم ..ما اشد الزكام اليوم
حتى لا يقول الناس ما ارق قلبه وما اطيب نفسه وما اسرع الخشوع اليه
يظهر لهم أن الذي عليه زكام يقول:"مااشد الزكام اليوم"
وقال ابو اسماعيل الصائغ : ادركت ابي ومشيخة الحي إذا كان يوم صوم احدهم ادهن وتطيب
ولبس من احسن ثيابه ثم خرج إلى الناس ..حتى لا يرى أنه صائم يدهن في شفتيه وفي يديه وفي وجهه
ويتطيب ويخرج حتى لا يرى الناس فيه شحوبا فيقولون يافلان أنت صائم اليوم ما افطرت
انت صائم اليوم ما افطرت .. قال : حتى لا يعلم الناس انه صائم ..
وقال ابن سرين : انا ادركنا رجالا يكون أحدهم رأسه بجانب رأس امرأته على وسادة واحدة
وقد بل ماتحته من دموعه من خشية الله وامرأته لا تعلم عنه شيئا
وضع رأسه لينام وتذكر عظمة ربنا جل وعلا وما اعده الله تعالى في الأخره فبكى حتى ابتل الوساد
من دمعه وامرأته التي بجانبه لا تعلم عنه شيئا ..
وكان أكثر السلف يصومون وفلا يعلم أحد بصيامهم بل حتى بعضهم حتى اهله لا يعلمون به
ذكروا عن بعضهم انه صام أكثر من عشر سنين يصوم يوما ويفطر يوما واولاده لا يعلمون ،وذلك انه كان صاحب دكان فكان يخرج بالطعام إلى دكانه كل يوم يخرج بعد صلاة الفجر يأخذ معه افطارا وغداء، ثم إذا كان مفطرا أكل ذلك الطعام في افطاره وغدائه وإن كان صائما تصدق به ثم إذا غابت الشمس ورجع إلى اهله كما يفعل عادة ووضعوا له العشاء وإذا هي بالنسبة اليه افطار وهم يضنونه عشاءا
ولا يقول لهم وهو خارج لا احتاج الى طعام أنا اليوم صائم ثم الغد يقول لا تعطوني طعاما انا اليوم صائم ..من شدة اخلاصه حتى امرأته ..واولاده لا يعلمون انه صائم وذلك انه يريد ان يكون العمل لله ..
كلما كان العمل ايها الإخوة الكرام مخلصا العبد فيه لربه جل وعلا نفعه في تكفير سيئاته وفي رفع درجاته وإن كان ذنبه عظيما ..فإن العمل الصالح المخلص لله ..يرفع الله به الكربات عنه
اخبرنا النبي صل الله عليه وسلم بخبر تلك المرأة البغي من بني اسرائيل وهي التي تقع في الفاحشة وتدعو الناس الى الوقوع في الفاحشة وإذا هذه المرأة نزلت في بئر في وسط الطريق وشربت ماء ، فلما خرجت وهي في صحراء ،وإذا بكلب يطوف بهذا البئر لا يستطيع أن يشرب وجعل الماء يتقاطر من ثيابها فهو ياكل الثرى من شدة العطش فقالت المرأة لقد اصابه مثلما اصابني من العطش
فلم تجد دلولا لتخرج به الماء فنزلت في البئر وملئت حذائها بالماء ثم خرجت وامسكت هذا الحذاء بأسنانها حتى صعدت واسقت الكلب وكانت قد فعلت ذلك لله صدقه لله لا ترجوا نفعا ولا دفع ضر من هذا الكلب ولا ترجوا أن يمدحها أحد من الناس فلا يراها أحد وانما فعل ذلك لله فكان ذلك العمل الصالح سقت كلب نظر الله تعالى اليها فغفر لها ..
كم من ليلة وقعت فيها بالفاحشة ..!
كم من مال اكلته فعغر لها ..!
كم من عبد مؤمن اغوته فغفر لها..!
بهذا العمل الصالح المخلص فلما طرد الله ابليس من رحمته قال الله تعالى لابليس
{ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}
فقال ابليس { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}
العباد الذين قلوبهم لله واعمالهم لله ونياتهم لله ولا يرجون إلا الله.. حتى الشيطان لا يستطيع أن يتسلط عليهم ..المخلص لله في اعماله يدفع الله عنه الكربة إذا وقعت عليه ..
اخبرنا النبي صل الله عليه وسلم أن ثلاثة نفر من بني اسرائيل ..كانوا يسيرون فاصابهم مطر فدخلوا الى غار يحتمون به من المطر ..فأشتدت الريح شديدة ..فانحدرت صخرة من اعلى الجبل حتى سدت عليهم فم الغار.. فاخذوا يصيحون ويدفعون الصخرة فلا يستطيعون ..فاصبح هذا الغار كانه قبرا لهم يموتون صبرا بغير طعام ولا شراب ..وقال لن ينجيكم مما انتم فيه إلا أن تدعون الله تعالى بخالص اعمالكم
رفع الاول يديه .."اللهم انه قد كانت لي ابنة عم احببتها اشد ما يحب الرجال النساء
طلبتها للزواج فابت ..حتى المت بها سنة من السنين افتقرت تريد مال فاعطيتها 100الف على أن تخلي بيني وبين نفسها..حتى إذا قعدت منها مقعد الرجل من امراته
قالت لي : اتق الله
قال : فتركتها وتركت لها المال ..
ثم قال : اللهم إن كنت تعلم أني مافعلت ذلك..تركت هذه الفاحشة وتصدقت بالمال عليها
إن كنت تعلم اني ماتركت هذا المنكر وبذلت الصدقة إلا ابتغاء وجهك..لا رياء ولا سمعه
ولا ليثني علي الناس كلا إلا ابتغاء وجهك والتماس مرضاتك..ففرج عنا مانحن فيه..
قال عليه الصلاة والسلام : فتحركت الصخرة..
وقال الأخر : إنه لي ابوآن شيخان كبيران وكنت امضي ارعى الغنم ثم من لبن فاسقيهما ثم اسقي اولادي.. وانه نأى بي الغنم يوما فلم اعود إلا وقد ناما فجئت ووقفت باللبن فلم اشاء أن اوقظهما
ولم اشاء أن اسقي الصبية قبلهما فضللت واقفا يتضاغون عند قدمي حتى طلع الفجر
فدفعته إلى ابوي فشربا اللهم إن كنت تعلم اني فعلت ذلك إلا ابتغاء وجهك
لا رياء ولا سمعة ولا ليثني علي الناس ولا لأجل أن تذكر امي القصة لغيرها ويذكر ابي القصة لغيره
فيمدحوني ويثنوا علي لا .
.انما فعلت ذلك تعبدا واخلاصا وقربة اليك انت ..قال انكنت تعلم اني مافعلت ذلك
إلا ابتغاء وجهك والتماس مرضاتك ..ففرج عنا مانحن فيه ..
قال عليه الصلاة والسلام فتحركت الصخرة ..
فقال الثالث اللهم انه كانت لي ارض :
فاستأجرت اجراء .. فيها ثم اعطيتهم حقهم ..إلا احدهم تقال حقه ..ومضى غاضبا .. ما اخذ الحق مضى غاضبا .. يقول المال قليل
قال : فنميته له ..اشتريته له فيه حتى جائني بعد سنين وقال لي يافلان ..اتذكرني .. انا الذي اشتغلت عندك قبل كذا وكذا ..اتق الله واعطني حقي ..
قال: فاشرت إلى وادي بين جبلين واذا هو مليء بالنعم ومليء بالعبيد المماليك التي ترعاها
قلت هذا مالك فخذه .. فالتفت وراى المال وكان دريهمات معدوده .. فاصبح هذا المال العظيم ..
ثم قال : اتق الله ولا تستهزء بي ..انما هي دريهمات ..قلت هذا مالك قد نميته لك ..قال فاستاقه كله
ولم يترك منه شيئا ..ثم قال اللهم إن كنت تعلم أني مافعلت ذلك إلا ابتغاء وجهك
والتماس مرضاتك ففرج عنا مانحن فيه ..
قال عليه الصلاة والسلام فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون ..
نص الحديث:
(( بينما ثلاثةُ نَفَرٍ يتماشَونَ أخذَهمُ المطرُ فمالوا إلى غارٍ في الجبلِ فانحطَّت على فمِ غارِهم صخرةٌ منَ الجبلِ فأطبَقتْ عليهِم فقالَ بعضُهم لبعضٍ انظروا أعمالًا عمِلتُموها للَّهِ صالحةً فادعوا اللَّهَ بها لعلَّهُ يفرِّجُها فقالَ أحدُهم اللَّهمَّ إنَّهُ كانَ لي والدانِ شيخانِ كبيرانِ ولي صِبيةٌ صغارٌ كنتُ أرعى عليهم فإذا رُحتُ عليهم فحلبتُ بدأتُ بوالديَّ أسقيهما قبلَ ولدي وإنَّهُ نأى بيَ الشَّجرُ يومًا فما أتيتُ حتَّى أمسيتُ فوجدتُهُما قد ناما فحلبتُ كما كنتُ أحلِبُ فجئتُ بالحلابِ فقمتُ عندَ رؤوسِهما أكرهُ أن أوقظَهما من نومِهما وأكرهُ أن أبدأَ بالصِّبيةِ قبلَهما والصِّبيةُ يتضاغونَ عندَ قدميَّ فلم يزل ذلكَ دأبي ودأبَهم حتَّى طلعَ الفجرُ فإن كنتَ تعلَمُ أنِّي فعلتُ ذلكَ ابتغاءَ وجهِكَ فافرُج لنا فُرْجةً نرى منها السَّماءَ ففرَّجَ اللَّهُ لهم فُرجةً حتَّى يرونَ منها السَّماءَ وقالَ الثَّاني اللَّهمَّ إنَّهُ كانت ليَ ابنةُ عمٍّ أُحبُّها كأشدِّ ما يحبُّ الرِّجالُ النِّساءَ فطلبتُ إليها نفسَها فأبت حتَّى آتيَها بمائةِ دينارٍ فسعيتُ حتَّى جمعتُ مائةَ دينارٍ فلقيتُها بها فلمَّا قعدتُ بينَ رجليها قالت يا عبدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ولا تفتحِ الخاتمَ إلا بحقِّهِ فقمتُ عنها اللَّهمَّ فإن كنتَ تعلمُ أنِّي قد فعلتُ ذلكَ ابتغاءَ وجهِكَ فافرُج لنا منها ففرجَ لهم فرجةً وقالَ الآخرُ اللَّهمَّ إنِّي كنتُ استأجرتُ أجيرًا بفَرَقِ أَرُزٍّ فلمَّا قضى عملَهُ قالَ أعطني حقِّي فعرضتُ عليهِ حقَّهُ فتركهُ ورغِبَ عنهُ فلم أزل أزرعُهُ حتَّى جمعتُ منهُ بقَرًا وراعيها فجاءني فقالَ اتَّقِ اللَّهَ ولا تظلِمني وأعطني حقِّي فقلتُ اذهب إلى تلكَ البقرِ وراعيها فقالَ اتَّقِ اللَّهَ ولا تهزأ بي فقلتُ إنِّي لا أهزأُ بكَ فخُذْ تلكَ البقرَ وراعيَها فأخذهُ فانطلقَ بها فإن كنتَ تعلَمُ أنِّي فعلتُ ذلكَ ابتغاءَ وجهِكَ فافرُج ما بقِي ففرَّجَ اللَّهُ عنهم))الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5974- خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صيد الخاطر : فتأمل في نفسك إذا وقعت في كربة .. وانظر في صحائف عملك عن عمل صالح مخلص تقول اللهم اغفر لي كذا بكذا
اللهم اكشف عني كذا بكذا .. ابحث عن عمل صالح اتقرب به إلى الله تعالى وقت كربتك .. وقت مرضك وقت حاجتك .. وقت ظلمك .. وقت وقوعك في كربه ..فتقول اللهم اني قد تصدقت بكذا وكذا ولم اخبر أحد .. فعلته لأجلك فاكف عني كذا ..أو اللهم اني قد كفلت اليتيم الفلاني ..ولا يعلم بي أحد إلا انت ..أو اللهم اني قد وصلت فلان الى المكان كذا وكذا قربة اليك
أو اللهم اني قد نصحت فلان ..او دعوت فلان ..او طبعت كذا أو عملت كذا..احرص على أن يكون لك عمل صالح مخلص لله جل وعلا لا يعرفه أحد حتى إذا وقعت في كربة ..تقول اللهم اكشف عني كذا بكذا ..
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وقد جرت الله تعالى التي لا تتبدل ، وسنته التي لا تتحول
أن الله تعالى يكسوا المخلص من المهابة ويضع له من المحبة في قلوب الخلق مايكون بقدر اخلاصه ..يكسوا المخلص من المهابة عند الخلق ..ومن المحبة في قلوب الخلق..
مايكون بقدر اخلاصه وأن الله تعالى ينزع عن المرائي المهابة عند الخلق ..ويضع لهم البغض في قلوبهم ..بقدر مرائاته ..
وهذا يدفعنا ايها الإخوة المسلمون على أن يكون العمل لله جل وعلا في كل ما يعمله الإنسان ..
اسأل الله تعالى أن يجعلنا مخلصين له الدين وأن يجعل اعمالنا خالصة له سبحانه
اقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظيم لي ويكم فاستغفروه وتوبو اليه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلَّانِه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين..
اما بعد ايها الاخوة الكرام : خرج عبد الله ابن المبارك يوما في غزو الروم فلما التقا الصفان خرج رجل من الروم وجعل ينادي للبراز.. فتأخر عنه المسلمون لما يرون من قوته وبأسه فخرج اليه عبدالله ابن المبارك ملثما ثم قاتله حتى قتله عبد الله ابن المبارك ذاك الرومي
فخرج رومي آخر فقتله ابن المبارك فخرج ثالث فقتله ابن المبارك فثار المسلمون فتشجعوا وهجموا وجعل ابن المبارك يضع اللثام على وجهه لينستر عن الناس
حتى لايثني عليه الناس فيفسدوا عمله ..أو يقع في قلبه العجب فاقبل اليه صاحب له اسمه ابو عمر وجعل يحاول ان ينظر اليه حتى مد يده وكشف اللثام عنه ..فقال له ابن المبارك : حتى انت يا ابن عمر ممن يشنع علينا -يعني - يريد ان يفضحنا وهو يعمل عملا صالحا
ويقول حتى انت ممن يشنع علينا ..
وقال بعضهم دخلت على فلان ..من الصالحين قال: فرأيته يخبء شيئا عني سريعا ..
قال: فلما قام ليحضر طعاما قال : فنظرت فإذا هو كان يقرأ في المصحف فلما دخلت خبئه ..حتى لا يقع في نفسي اعجاب به وبكثرة تلاوته وحتى لا يفسد قلبه عندما ..اعجب بعمله واثني عليه انه كثيرا انه يقرأ القرآن
اسال الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يخلصون لله تعالى في اعمالهم ..اسأل الله أن يعيذنا من الرياء والسمعة..اللهم اجعل اعمالنا خالصة لك وحدك لا شريك لك ياذا الجلال والاكرام ..
اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين واذا اردت بعبادك فتنة فاقبضنا اليك غير خزايا ولا مفتونين ...
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد , سبحان ربك رب العزة عم يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
:: مع الشكر لفريق التفريغ في منتدى الشيخ محمد العريفي
http://3refe.com/vb/showthread.php?t=239940