بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على أكرم خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، القلوب الحية عنوان حلقة اليوم من نداء يا رب، يقول الله سبحانه وتعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم لذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} يا رب ارزقنا قلوبا حية واجعل ذكرك أحب الأمور إلى قلوبنا واجعل ذكرك حياة قلوبنا وارزقنا ذكرك بالعشي والإبكار، القلوب الحية هي قلوب مبصرة ترى الحق وتعرف الحق وتتبع الحق أما القلوب الضعيفة الميتة هي لا تبصر وهذا مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} ولذا كان صلاح العمل بصلاح النية وصلاح القلب يكون بصلاح هذه النية، القلب هو أشرف ما في الإنسان والله سبحانه وتعالى جعل الجوارح الأخرى هي أتباع لهذا القلب، ولكن يا ترى هذا القلب الذي تتبعه هذه الأرواح وهذه الجوارح ما صفاته؟ يجب أن يكون قلبا حيا حتى يسير بهذه الجوارح إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، نريد أن نعرف صفات هذا القلب الحي ونعرض قلوبنا عليه، يا ترى أين موقعنا؟ القلوب الحية تدرك تمام الإدراك معنى الكلام الجيد وترفض الكلام الرديء، القلوب الحية تدرك تمام الإدراك ما تدعو إليه الآيات البينات وما مغزاها القريب والبعيد، القلوب الحية تنظر وترى كل ما يدور حولها وتستطيع أن تميز بين الضار والمهلك وبين النافع المفيد بل وتشعر بكل هذا شعورا قويا، تشعر أن هذا الأمر لن أدخله لأن فيه خطر، فيه إثم من الله سبحانه وتعالى.
رابعا: هذه الصفات الحية تجدها صفات تعرف المثل العليا والصفات السامية، تعرف معنى قول الله سبحانه وتعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلى ليعبدون} تتوجه إلى الله عند جهودها وتبدأ تنتفع بالجوارح حتى تصل إلى الهدف السماوي وهو مرضاة الله سبحانه وتعالى، تجدها صابرة مهما وجدت من عناء ومن مشقة ومن بلاء في الطريق، يقول الشاعر: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت من مرادها الأجسام، من الصفة التي تدل على أن هذا القلب حي أنها تتصور.. ترى في كل حصاة.. في كل حجر.. في كل ورقة.. في كل حيوان.. مع كل إنسان تشعر هناك أمر الله سبحانه وتعالى لأنها كلها تسبح، وكما قال الله عز وجل: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده } أي بطريقته، أيضا من صفات القلوب الحية أن القلب يكون قلبا خاشعا.. لماذا خشع؟ لأنه دائم لطاعة الله سبحانه وتعالى مستحضر عظمة الله وهيبة الله ونعم الله سبحانه وتعالى ويتذكر دائما تقصيره فيكون عنده هذه الرغبة والخشية فيسارع إلى التوبة وإلى الندم {الذين يقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا}يقول ابن القيم رحمه الله: في القلب شعث أي حلة لا يلمه إلا الإقبال على الله سبحانه وتعالى وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله سبحانه وتعالى وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته سبحانه وتعالى وبصدق معاملته وفي القلب نيران حسرة لا يطفئها إلا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على هذا حتى يلقون الله سبحانه وتعالى وفي القلب فاقة أي فقر لا يسدها إلا محبة الله والإنابة إليه ودوام ذكره والإخلاص وصدق الإخلاص. ونجد هذا الإنسان لو أعطي الدنيا وما فيها ما سدت الفاقة التي في قلبه لأنها مرتبطة بالله ومن صفات القلوب الحية أيضا أنه قلب يتحرك.. يتحرك مع الأمور، يرحم.. يرحم الضعيف، يشفق على المسكين، يقول الله سبحانه وتعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} لا يمر على الأحداث أمامه وهو لا يشعر بها، يمر على المسكين ولا يشفق عليه، وأيضا من صفات القلوب الحية.. هذا القلب لا غل ولا حقد فيه لأحد ولكن دائما قلب متسامح يعفو ويغفر، يقول الله سبحانه وتعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} وهذا القلب أيضا دائما يخفق بحب الله سبحانه وتعالى، هذا القلب صاف مخلص، يقول الله عز وجل: {إلا من أتى الله بقلب سليم} وأيضا هذا القلب الحي تملؤه السكينة والطمأنينة، يقول الله عز وجل: { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} قيل لبعض العارفين: أيسجد القلب؟ قال: نعم يسجد سجدة لا يرفع منها إلى يوم اللقاء فإذا سجد القلب سجدت معه جميع الجوارح، ولكن ما هي سجدة القلب هذه؟ هي سجدة الخضوع لله، وفي الخضوع حياة القلب، يقف الجسد كالجدار بين الناس وبين الدنيا فنجد الجسد يأتمر بأمر القلب الحي المؤمن فإذا مرت على المؤمن ابتلاءات ومحن وبعض هذه الابتلاءات والمحن تذهب.. يعني يذهب معها الصبر ويطيش معها العقل.. في هذا الحين يبرز القلب الثاني، العقل الروحاني، وهو القلب، وبسرعة يتولى سياسة هذا الجسد والتحكم فيه حتى يعود القلب الأول إلى رشده من جديد، شوفوا فائدة القلب لما يكون حي، ومن الأمور التي كثيرا ما نشتكي منها أن كثيرا ما نريد أن نعمل عملا ثم نفتر، تفتر الهمة، وهذا يدل إن دل على شيء.. يدل على أن الإنسان أحيانا يضعف الإيمان وينسى الآخرة والإيمان لا يثبت.. الإيمان يعني يضعف ويقوى، هذا الإيمان لما يقوى نشعر بقوة القلب وبحياة القلب وبالحب وبالخشية وإذا ضعف القلب تجد الفتور في العبادات، الفتور في الأعمال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لكل عمل شرة أي قمة يصل إليها ولكل شره فترة أي ضعف بعد تلك القوة والهمة فمن كانت فترة إلى سنة فقد اهتدى، يعني ممكن يضعف الإنسان ويصيب قلبه الضعف لكن على الأقل لا تغيب عنه الأنوار.. لا يخرج عن الدين ولا يخرج عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويصحى ويعود مرة ثانية، وفي حالة ما نشعر أنا نحن في القمة قد يكثر الإنسان من الأعمال.. من الطاعات لأنها تعطي القلب من القوة التي جاءت في لحظات الضعف ولحظات الانكسار ولحظات التهاون يجد أنه يستيقظ بسرعة، يصح فيعود مرة ثانية إلى القوة من جديد، هناك وسائل تعين على حياة القلب.. أولا استنصاح أهل العلم وأهل الخير يساعدونه، جاء رجل إلى أم الدرداء يستنصحها فيقول: إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء، أجد قسوة شديدة وأمل بعيد، فقالت أم الدرداء: اطلع في القبور وشهد الموتى لما يحي القلب، الأمر الثاني: العيش مع معاني القرآن الكريم.
والأمر الثالث: المواظبة على حلقات العلم وجلسات الموعظة التي قد نسمع فيها ما يفتح الله سبحانه وتعالى به مغاليق القلوب فيهدي الضال، فنتذكر أنا نعيش غفلة ولابد من العودة إلى الله سبحانه وتعالى، ومن الأمور التي تساعد أيضا على حياة القلب المحافظة على قراءة القرآن الكريم والوقوف على معاني الآيات، وكلما ازددنا ارتباطا بكتاب الله عز وجل ضعفت صفات إبليس من الوسوسة- ليس فقط لا يستطيع أن يوسوس- ضعفت صفته، أيضا لا يستطيع أن يطيل علينا الغفلة لأن استمرى معاني القرآن، ومع تدبر الآيات تجعل القلب كلما ضعف عاد إلى الحياة من جديد، يا رب إنا نسألك القلب الحي بالإيمان الخاشع للذكر والحافظ للقرآن، يا رب ارزقنا الهمة للعمل الصالح والاستعداد للآخرة وتجديد النية.. هذا الدعاء لما ندعو فنقل: اللهم ارزقنا الهمة للعمل الصالح، الناس أحيانا تتحمس وتتأثر، فلان يقول أن أستنهض هذه النية وأن أقوم بالعمل الصالح لكن أحيانا في لحظة نجد الحماس في درجات عالية، ثم إذا قمنا من هذا المجلس هبط هذا الحماس، هنا يجب أن نراجع النية.. نيتنا من وجودنا في هذا المجلس، نيتنا من السماع، نيتنا من.. أنا نستنهض هذه الهمة.. لماذا؟ ليقال فلان عمل وعمل أم لأبلغ الدرجات العلا عند الله سبحانه وتعالى؟ يجب أن نجدد هذه النية وأن يكون هناك صفاء في القلب وأن يكون هناك سلامة في القصد وأن يكون هناك حسن عمل لنقف على حسن العمل، هل هناك عمل حسن وعمل لا، خلينا نرجع فيها إلى البداية، إن استطعنا أن نحسن النية وننويها لله سبحانه وتعالى سنبدأ بمحاولة أن نصل بالقلب هذا إلى الصفاء، لنفرض أنا لا أستطيع إلى هذا الصفاء.. الفتن كثيرة والنفس تأمر بالسوء والشيطان موجود.. نبدأ الآن ومع النية وهي الأساس.. نقول: من صحت بدايته صحت نهايته ومن فسدت بدايته فقد هلك، نبدأ في البداية بالأساس، نجعل هذه النية لله سبحانه وتعالى.. اللهم إني أنوي أن أجدد الهمة والعزيمة وأن أصفي هذا القلب حتى أجتهد في العمل الصالح لبلوغ مرضاتك، هذا الأمر.. النية، الآن كيف نحقق هذه النية في الواقع؟ كما ذكرت سابقا: ابحثوا عن أهل التقوى والصلاح، ابحثوا عن الصاحب التقي والأخ الناصح، لنفتح هذا القرآن الكريم، القرآن فيه آيات وفيه معجزات وفيه كلام، والله أحيانا نفتح القرآن ونحن نقرأ نشعر أن الكلام في هذه اللحظة موجه لي أنا لأن في القرآن إجابة وشفاء لما في الصدور، نشعر في هذه اللحظة أن ما أعاني ما أنا منه.. نعاني ربما في تقصير في بر الوالدين، قد يكون التقصير في حق الله سبحانه وتعالى، في عباداتي، في صلاتي، في إمساك لساني، في حسن التعامل مع الناس، حتى في عملي لا أجتهد فيه ولا أحسن فيه، فإذا راجعت في الأساس ثم بدأت أحاول أن أبحث من يعني ننتقل بعد ذلك أن هذا القلب أصبح خاشعا لله سبحانه وتعالى يبدأ الواحد منا يقول: كيف؟! هو يستنكر أفعاله لأن القلب حي، وحي بالموعظة والتذكرة، بالقرآن والتأمل والتفكر وبالتدبر، بدأ القلب يستنكر ويستنكر معنى الجوارح.. ماذا أفعل؟ كيف وصلت إلى هذه المرحلة؟ كيف وصلت إلى مرحلة أن أغتاب؟ كيف وصلت إلى مرحلة أن يبدأ قلبي هذا يتعلق بغير حب الله سبحانه وتعالى؟ يتعلق بالناس؟ يتعلق بالأغاني؟ يتعلق بالفساد؟ يتعلق بأشياء كثيرة، كيف تطرب هذه الأذن لغير كلام الله عز وجل، يصفو القلب ويبدأ العمل، يصبح عملا صالحا، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم ارزقنا قلبا خاشعا، ارزقنا قلبا يقظا يتدبر فينعكس هذا على جوارحنا فنطيعك يا رب العالمين. أستودعكم الله وألقاكم في حلقة أخرى مع يا رب.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=909_0_2_0