بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
في حلقة جديدة نتكلم فيها حول النفس وعيوب النفس، وأن أتم الناس أعرفهم بنفسه. بادئ ذي بدء نقول: يا رب ارزقنا حسن مراقبتك وطول النظر في عيوب أنفسنا، وارزقنا سترك في الدنيا والآخرة، كثير ما نغفل نحن عن عيوب أنفسنا، وقد نتعامل مع هذه المعايب وعن هذه النقائص، وقليل ما نتفقد أحوالنا وقليل ما ننظر إلى مواطن الخلل فينا، بل وكثير ما نحسن الظن بأنفسنا فنزكيها بالأقوال وندعي لهذه النفس الكمال، وأحيانا نبرأها من النقائص، وكأن هذه النفس كاملة. ولكن لنعلم أن الله إذا أراد بعبد خير ذكره بعيوب نفسه، ومن كانت له بصيرة لم يخف عليه ولم تعص عليه عيوبه. سبحان الله أحيانا قد نغفل عن عيوبنا وقد نحمل نحن أعلى التخصصات في معرفة عيوب الناس نعرف عيوب الناس جملة وتفصيلا، ولكن إذا سمعنا بخلق حسن نسبناه إلى أنفسنا وكأننا نحن أحق الناس بهذا الفضل وإذا سمعنا بخلق سيء نسبناه إلى الناس إلى غيرنا، وهذا سلوك والعياذ بالله يورث الإعجاب بالنفس وعدم رؤية التقصير من أنفسنا، وأحينا يؤدي إلى نسيان كيفية علاج هذا النقص وكيفية إصلاح هذه النفس، وهذا يدل على الغفلة في داخل هذه النفس. والمطلوب منا دائما أن نتفكر قبل عيوب هذه النفس باستمرار. قال ابن المقفع: "من أشد عيوب الإنسان إخفاؤه عيوبه عليه". هو لا يرى هذه العيوب لأنها أخفيت عنه هذه العيوب، فإن من خفي عليه عيبه خفيت عليه محاسن غيره؛ لأنه هو يرى أنه المحاسن كلها فيه ويرى العيوب كلها في الناس فهو لا يرى هذه العيوب في نفسه ولا يرى أن للناس محاسن، ومن خفي عليه عيب نفسه ومحاسن غيره فلا يقلع عن هذا العيب أبدا؛ لأنه ما يعرفه هو ما يعرف العيب في نفسه ولا يرى إلا العيوب في الناس، فهو لا يستطيع أن يكتشف ماذا ينقصه، ولن يستفيد من محاسن الآخرين لأنه لا يبصر هذه المحاسن، يرى أمامه فقط المساوئ عند الناس، لذلك قال محمود الوارق: "أتم الناس أعرفهم بنقصه وأقمعهم لشهوته وحرصه"، طبعا لما نذكر بعض أقول هؤلاء السلف الصالح نجد سبحان الله كلمات عجيبة وغريبة فيها درر الكلام، يقول البغدادي: "ما رأيت شيئا أحبط للأعمال ولا أفسد للقلوب ولا أسرع في هلاك العبد ولا أدوم للأحزان ولا أقرض للوقت ولا ألزم لمحبة الرياء والرياسة من قلة العبد بنفسه ونظره في عيوب الناس كلا". اللي يراه عيوب الناس ولا عيوب نفسه، وأحيانا قد يسلك الإنسان طرق كثيرة، وهذه الطرق يأثم عليها.. لماذا؟ ليريد أن يصل من خلالها إلى اكتشاف عيوب الناس، فقد يأتي فيدخل في الغيبة ويدخل في النميمة ويدخل في التجسس حتى يصل إلى طريقة يعرف ما هوعيب فلان وفلان، وتغيب عنه أبسط الطرق اللي تعرفه وتنوره بعيوب نفسه.
إنه فقط يسجل جلسة مراجعة جلسة توبة جلسة استغفار ويراجع نفسه يكتشف هذه العيوب، وهذه يأجر فيها ولا يأثم والغريب في خلق الغيبة حين يسرف عليها الإنسان حين يلبسها إبليس رداء النصح رداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنجد الإنسان الشيطان يقنع الإنسان.. لا أنت حين تتكلم أنت تريد الإصلاح، وما دفع في ذلك الحديث إلا لتبحث عن منفعة الآخرين.. يزين الغيبة فيقع فيها. قال عمرو بن عبد الله: "ما أحسب أحد تفرغ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه". غفل عن نفسه فصار فاضي يمسك الناس يشوف كل عيوبهم. ونجد أن أصحاب هذا المرض يتوافون بينهم وبين بعض بالإخفاء العلاقة بالآخرين وفضح شهواتهم، أين أخطاؤهم؟ متغافلين عن عيوب أنفسهم والانشغال باستكمال مواقفها، قال البكري: أعداء المروءة بنو عم السوء (من هم؟) إن رأوا حسنا ستروه وإن رأوا سيئا أذاعوه. سبحان الله ويقول الشاعر:
إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا الشر أذاعوه
وإن لم يسمعوا كذبا يألفوه
تأليف كما أننا نجد أصحاب هذا المرض يتبعون أسلوب ثاني أسلوب التهويل والمبالغة، ويأتون على عيوب الناس وكأنهم يستعملون عدسة مكبرة، يبحثون فيها عن صغائر الناس صغائر الآخرين، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عين نفسه. الأمر الصغير يراه كبيرا إن كان عيبا في الآخر، ويرى أن هناك عيبا كبيرا في ذات نفسه كجذع الشجرة.
وحتى نعالج هذه الغفلة عن عيوب أنفسنا هناك أمور أولا لازم نتذكر رقابة الله تعالى فهو يعلم السر وأخفى، يقول الشاعر:
وإن كان عيبي غاب عنهموا
فقد أحصى ذنوبي عالم الغيب
الأمر الثاني الجلوس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس يعرفنا بعيوب أنفسنا، وكيف نستطيع أن نعالجها، ومن وجد مثل هذا الشيخ أو هذا الأخ الناصح فيجب أن لا يفارقه، هذه فرصة أن يتعرف على عيوب نفسه، أما الأمر الثالث هو يطلب صديقا صدوقا أصيلا متدينا يجد رقيبا على نفسه، ينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله. قال عمر بن عبد العزيز لوزيره: الأمراء جُعلوا وزراء عيون لهم على الناس، وأنا أجعلك عينا لي على نفسي.
الأمر الرابع التزام خلق الصمت والتقليل من الكلام وتذكر عيب النفس.
الأمر الخامس مخالطة الناس وترك ما نراه مذموما عندهم لما نخالط الناس نكتشف من خلال تعاملهم الأخلاق الذميمة فنتجنبها.
الأمر السادس أن يحدث صاحب العيب، إذا كنت أنا رأيت هذا العيب عند هذا الإنسان فأحدث صاحب العيب وأنصحه بسر وأستر عليه.. لماذا الكلام وسط الناس، الأمر السابع هو أن ننصح من يقوم بالكلام عن الناس ومن يفضح عيوب الناس لماذا؟ حتى نقضي على هذا الخلق السيء للمجتمع، قال الشاعر:
لا تلتمس من مساوئ الناس ما فتروا
ليكشف الله سترا كان مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا
ذكروا ولا تعب أحدا منهم بما فيك
قد يكون العيب فيهم وهو أمر فيك أنت، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن من صلاح التوبة أن تعرف الذنب وإن من صلاح العمل أن نرفض العجب، وإن من صلاح شكر الإنسان أن يعرف ما هو تقصيره. ولذلك قال مطرف بن عبد الله قال: لإن أبيت نائما وأصبح نادما على ذنوبي أحب إلي من أن أبيت قائما (أي مصل) طوال الليل وأصبح معجبا. معجبا بنفسي بعملي. وكذلك عن مسروق رحمه الله قال: كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله. جاهل من كان معجبا بعمله، وقيل إن الإعجاب بالنفس هو أن يغالي الفرد بنفسه، يعطي النفس سعرا أعلى من سعره، وذلك حين استكثر عمله هو واستقل العمل الآخر حين رفع سعره عن سعر الناس. ولأن المكانة هذه وهذا السعر من الذي يحددها؟ يحدده الله سبحانه وتعالى، حتما الله سبحانه وتعالى.. إن لا يستحق هذا السعر وهذه المكانة رده الله سبحانه وتعالى إلى قيمته الحقيقية، وقال سفيان الثوري: "إعجابك بنفسك حتى لا يخيل إليك أنك أفضل من أخ لك". وهذا عكس التواضع عند الشخص دائما يرى من هم أفضل منه، وعسى أن لا تصيب من العمل مثل الذي يصيبون، قد يكون أنت تنظر أنت أفضل منه ولكن قد يكون هم قد أصابوا من العمل ما لم تصب أنت، ولعله يكون هذا الشخص هو أورع منك عما حرم الله وأذكى منك عملا، ولذلك كان في وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى خالد بعد انتصاراته في العراق، قال له: "..يا أبا سليمان لا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل. وإياك أن تدلي بعملك"، الإنسان بالانتصارات الإنسان بالانتصارات وبالنجاحات أحيانا ينسى نفسه فيصيبه العجب. وهكذا كانوا يتواصون أي لا تتفاخر يا خالد بعملك وبانتصاراتك فإن الله سبحانه وتعالى له المن وهو ولي الجزاء. خشى أبو بكر على خالد أن يلحقه العجب وهو استعظام النعمة التي فيه، وهي أصلا من الله سبحانه وتعالى، وأن يركن إلى هذه النعمة وينسى أن يتذكر أنها من المنعم سبحانه وتعالى، وكذلك لما جاء عن الغزالي أنه قال: إن في العجب الجهل المحض، ومن أعجب بضاعته فليتذكر أنها بالتوفيق من الله حصلت، ما هو بقوة الإنسان ولا بقدرته، إنما هي بتوفيق الله سبحانه وتعالى. فإن قال رآني الله أهلا لها فوفقني لها. تلك أيضا نعمة من الله وفضل، فلا تقابلها بإعجاب؛ لأنه اختار من الناس من يكون لهذا العمل.
ومما يخلصنا من إعجاب النفس أيضا أن نتذكر أن العجب سببه جمال ذاكرة، سببه جمال جسدي، فعلاجه يتذكر الإنسان من أين بدأ وإلى ماذا ينتهي.. ينتهي إلى الموت، وأين الوجوه الجميلة في القبور، وكذلك من العلاج أنه بمرض العجب هذا يجب أن يتخلص منه.. أن نتذكر أننا بمرض يطير هذا الذي نفتخر به، وهذا العقل الذي نحظى به ولذلك يعودن بعد ذلك يبكون على حالهم.
اللهم بصرنا بأنفسنا وبصرنا بعيوبنا، وارزقنا نعمة النظر لما رزقتنا وتفضلت به علينا، وأدم علينا نعمة حمدك وشكرك وحسن عبادتك.
وألقاكم في حلقة أخرى مع نداء يا رب.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=901_0_2_0