الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم المرسلين سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، يا رب سبحانك.. ربي إنك تعلم السر وأخفى، سبحانك ربي إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، إن الذي خلق الظلام يراني...
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإثم ما حاك في صدرك وخفت أن يطلع عليه الناس".. الإنسان يختبئ من أخيه الإنسان حتى لا .. يخجل مما يراه منه، فإذا لم يره أحد فعل ما بدا له، بل ونجده يعدو كل ما يضمن أن لا أحد يشاهده.. لماذا؟ لأنه يستحي أن يراه الناس وهو على هذا الفعل.. لكن لهذا نقول: أين الله.. الناس تتخفى في الظلام وتنسى أن الذي خلق الظلام يراها، فأن الحياء منه سبحانه وتعالى؟ معنى الحياء نأخذه.. لكلمة الحياء من الحياة وعلى حسب حياة القلب يكون فيه خلق الحياء وكلمة الحياء.. إذن قل الحياء فهذا لموت.. القلب والروح يقول الجنيد: الحياء هو رؤية الآلاء، أي رؤية نعم الله سبحانه وتعالى، وبالمقابل رؤية التقصير.. التقصير في حق الله عز وجل، سيتولد بينهما حالة تسمى الحياء.. أن يرى الإنسان نعم الله عز وجل ويرى تقصيره فيشعر بالخجل والحياء، وحقيقة الحياء أنه خلق يبعث إلى ترك القبائح من الأفعال ويمنع الإنسان من أن يفرط في حق صاحب الحق سبحانه وعز وجل.. فالحياء في أسمى منازله وأكرمه يكون هو الحياء من الله عز وجل، نحن كثيرا ما نخجل أن نسيء لمن قدم لنا فضلا من البشر وهم أمثالنا، يتفضل إنسان علينا بعمل تجدنا حذرين وحرصين على أن لا نسيء إليه بأي كلمة وبأي تصرف، وهم البشر أمثالنا.. ولا نستحي مِن مَن نأكل من خيره ونتنفس في جوه ونسير على أرضه ونستظل بسمائه.. وحتى فضل الناس علينا الذي نراه فضل منهم إنما هو بتيسير من الله سبحانه وتعالى، واللي يجب أن نعرفه أن الله سبحانه وتعالى حين عمل شخص بي فضلا فإن الله سبحانه وتعالى استخدم هذا الإنسان ليصل هذا الخير إليك.. ففي النهاية كله لله سبحانه وتعالى، فكيف نستحي ممن له فضل علينا من الناس، ألا نستحي من الله سبحانه وتعالى الذي تغمرنا آلاؤه من المهد إلى اللحد، بل وإلى أبعد من هذا الحد.. كيف في الدنيا فضله وآلاؤه تصل إلى ما بعد هذه الدنيا.. حين يدخلنا جنته ويكون الخلود في الجنة.. إن حق الله سبحانه وتعالى علينا أن نقدره أن نقدره حق قدره، وحين يكون هذا الأمر في داخل أنفسنا يقول الله سبحانه وتعالى: {وما قدروا الله حق قدره} إن قدرنا الله سبحانه وتعالى حق قدره فينجد أنفسنا نسارع في الخيرات نسارع من تلقاء أنفسنا لا نحتاج من يدفعنا إلى العمل الصالح من يدفعنا إلى هذه الخيرات.. أحيانا بعض الناس حين نجد أنفسنا كأن يعني نشد نفسنا للطاعة شدا أو نجبر أنفسنا على فعل الخيرات، سبحان الله.. القلب إذا امتلأ بيحب الله سبحانه وتعالى وتقواه، نجده يسارع في عمل الخيرات وهو سعيد وهو يجري إليها، وهو يبحث عن مجال الخيرات حتى يعملها من تلقاء نفسه، ويترك السيئات خجلا من مقابلة الفضل بالجحود، كيف يقابل فضل الله بهذا الجحود وبالمعصية، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الاستحياء من الله حق الحياء، ما هو؟ أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وتذكر الموت وما بلى.. ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.
خلق الحياء يستوجب الكثير أو يستوعب الكثير من آداب الإسلام، فنجد في ظل الحياء هناك آداب كثير يدخل فيه، فمنها.. لأن الإنسان يستحي من الله ينزه لسانه عن الخوض في الباطل، ولأنه يستحي من الله يترفع بالبصر عن النظر لعورات الناس، ولأنه يستحي من الله يمنع الأذن عن اختراق الأسرار والاستماع إلى المنكر، ولأنه يخاف من الله سبحانه وتعالى يستحي من الله.. يفطم البطن عن الحرام، ولأنه يستحي من الله لا يقبل أن يصرف الأوقات إلا في مرضات الله سبحانه وتعالى، وأن يؤثر ما عند الله سبحانه وتعالى من ثواب على ما في الدنيا، فإن فعل ذلك الشعور بأن الله يراقبه فهو قد استحى من الله سبحانه وتعالى حق الحياء.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعين شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.. ولذا وصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ حين بعثة إلى اليمن قال: يا معاذ استح من الله كما تستحي من الرجل ذا هيبة من أهلك، إحنا لما نتذكر إنسان لما يكون مدير في مكان أو رئيس في مؤسسة.. الوالد في البيت، عادتا ستبني هيبة ومكانة، والإنسان يستحي أمامه أن يتصرف بعض التصرفات التي لا تليق بمكانة هذا الإنسان وهيبة هذا الإنسان.. فالرسول صلى الله عليه وسلم يوصي معاذ أن يستحي من الله كما يستحي من ذا الهيبة من أهلك، ولكن في حقيقة الأمر الحياء من الله أجلى وأعلى وأكبر... قال بعض العارفين: استح من الله على قدر قربك منه سبحانه، وقال الفضيل بن عياض: خمس من الشكوى، قسوة القلب وجمود العين وقلة الحياء والرغبة في الدنيا وطول الأمل..
هذه أقوال الصالحين، يقول يحيى بن معاذ: من استحى من الله مطيعا استحى الله منه وهو مذنب، أي استحى الله سبحانه وتعالى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا، كم هو فضل الله سبحانه وتعالى وكرمه.. لا ينسى للعبد أنه كان يطيعه، كان يقدم العمل الصالح وأنه كان يستحي وهو في الطاعة وكان يستحي أن يقصر في جنب الله عز وجل، فحين يذنب هذا العبد ويقصر ويعود تائبا مستح من الله سبحانه وتعالى ومستح من ذنبه، الله سبحانه وتعالى لا يرده خائبا، يقبل توبته وييسر له طريق الخير ويعوضه عما فات أو قد يقدر عليه من المصائب ما يكفر بها سيئاته ليبقى صافي نقيا، انظروا هذا هو حب المولى سبحانه وتعالى لعباده.
هو الغني، والذي لا يزيد ولا ينقص في ملكه.. والعباد أمام هذا الفضل من المولى عز وجل نجدهم في إعراض على الفقراء إليه عز وجل، وهم الذين لا حول لهم ولا قوة، وهم الذين لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ومع هذا نجدهم يقصرون ونجدهم يعصون، وتغلب عليه النفس والهوى والشيطان، والحق واضح.. الحق واضح أمامهم والحق سبحانه وتعالى معهم أين ما كانوا، ولكنهم يقدمون رضا الناس ويجاربونهم ويستحون منهم على حساب الحق سبحانه وتعالى، وعلى حساب دينهم.. وأحيانا يقفون خرصاء أمام الحق، بل وستجدهم يقفون موقفا مؤيدا للباطل مقابل ماذا؟ مقابل نسيان حق الله سبحانه وتعالى.. مقابل نسيان مراقبة الله سبحانه وتعالى...
الحياء له أنواع، من أنواع الحياء: حياء الجناية.. أي الحياء من الذنب، ومنه حياء آدم عليه السلام لما فر هاربا من الجنة، قال له الله: تعال أفرارا مني يا آدم، قال: لا يا رب بل حياء منك.. ومن أنواع الحياء حياء التقصير، وحياء الملائكة الذين يسبحون الله الليل والنهار لا يفطرون، فإذا كان يوم القيامة قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، وهناك حياء الإجلال وهو حياء المعرفة وعلى حسب معرفة العبد بربه يكون حياؤه. وهناك حياء العبودية، وهو حياء ممتزج بين محبة وخوف ومشاهدة عدم صلاح عبودية الإنسان لمعبوده سبحانه وتعالى، وإن مكانة المعبود عز وجل أعلى وأجل وأكبر.. وهناك حياء الرقابة وهو حياء يتولد من علم العبد بنظر الله تعالى إليه، سيورث هذا العلم حياء منه فيحتمل الطاعة ويستقبح الجناية ويسكت عن الشكوى حتى لو صعب عليه الأمر.. يتحمل هذه الطاعة حتى لو المعصية كانت جميلة، وكانت بالنسبة له تروي شيئا في نفسه... يستقبحها ويسكت عن الشكوى..
ربنا ارزقنا إيمانا صادقا وقلبا مخلصا نقيا يخشاك ويستحي منك حق الحياء، يارب لا تجعل للشيطان علينا من سبيل أن يوسوس إلينا أن ندع الدعاء حياء من الذنب، يا رب إليك نرفع اليد وندعوا اللهم اغفر وأرحم وأنت خير الراحمين، ومع لقاء آخر مع نداء يا رب.
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=884_0_2_0