ندوات تلفزيونية - قناة القصيم - مقاصد الشريعة - الدرس (27- 27) : الجماعة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-11-23
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة الإسلامية.
الجماعة رحمة والفرقة عذاب:
الحقيقة أن موضوع اليوم الجماعة.
(( الجماعة رحمة والفرقة عذاب ))
[ أخرجه عبد الله، والقضاعي عن النعمان بن بشير ]
(( عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ))
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم في المستدرك عن عمر ]
(( فإنما يأكل الذئب من الغنم القاسية ))
[ رواه أبو داود عن أبي الدرداء ]
في القرآن الكريم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
( سورة التوبة )
كأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لن تستطيعوا أن تتقوا ربكم إلا إذا كنتم مع الجماعة، أي إلا إذا كنتم في أجواء الإيمان، في أجواء الطهر، في أجواء البطولة، في أجواء الورع، في أجواء الحب لله عز وجل، في أجواء الصدق، في أجواء الأمانة، في أجواء العفة، الإنسان ابن البيئة التي يعيش فيها.
من أراد أن يسير إلى الله سيراً حثيثاً عليه أن يكون مع الجماعة:
بشكل أو بآخر اجلس مع التجار، واستمع إلى حديثهم، وإلى دخولهم، وإلى أرصدتهم، وإلى سفرهم، تشتهي أن تكون واحداً منهم، لا سمح الله ولا قدر لو جلست مع أهل الفجور والعصيان، واستمعت إليهم، ورأيت أنهم غارقون باللذائذ، ربما اشتهيت أن تكون معهم، أكيد.
لذلك وطن نفسك لن تستطيع أن تسير إلى الله سيراً حثيثاً إلا إذا كنت مع الجماعة.
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾
( سورة الكهف الآية: 28 )
معنى
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾
الجلسة على الأرض، ضيافة لا يوجد، والدرس طويل، لزيارة صديق في فلم، في فضائية، في موقع....إلخ، في جلسة وثيرة، في ضيافة.
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾
( سورة الكهف )
علاقات العمل أو علاقة الإنسان برئيس عمله ليس مؤاخذاً عليها:
إخوتنا الكرام، إخوة كُثر يشتكون إليّ هذه الظاهرة أنه في ساعة من ساعات اتصاله بالله يتألق، قال لي: ثم أنتكس، قلت له: هل مع النكسة معصية ؟ قال لي: نعم ، أين وقعت هذه المعصية ؟ قال لي: أجلس مع أناس لا عهد لهم، ولا استقامة لهم، ولا عقيدة لهم، ولا ورع عندهم، هذا السبب.
لذلك لا بد من حمية إيمانية.
(( لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))
[ أخرجه، وأبو داود والترمذي وابن حبان، والحاكم،عن أبي سعيد ]
علاقات العمل لست مؤاخذاً عليها إطلاقاً، أنت مدرس بمدرسة، فيها من جميع الأطياف، فيها الملتزم، والغير ملتزم، والمستقيم، والغير مستقيم، والصادق، والغير صادق، والمتصل بالله، والغير متصل، فيها من جميع الأطياف، أنت علاقتك بعملك دخلت إلى صفك ألقيت درسك، في غرفة المدرسين سلمت على إخوتك وزملائك فقط، سألك عن صحتك ؟ الحمد لله، صار في مطر، الحمد لله، كم ميلي ؟ معلومات محدودة جداً علاقات العمل لست مؤاخذاً عليها إطلاقاً.
بل علاقتك برئيس العمل، أنت بجامعة لها رئيس ، أنت بمؤسسة لها مدير، أنت بوزارة لها وزير، علاقة الاحترام والأدب، أنت مؤدب، مستقيم، غير مستقيم، عقيدته سليمة هذا ليس من عملك، عملك أن تحترم هذا الذي يقع على رأس هذه المؤسسة، تدخل تسلم عليه، إياكم، ثم إياكم، ثم إياكم أن تفهموا من كلامي أنك إذا تعاملت مع إنسان ليس مستقيماً عليك أن تهاجمه، لا.
عرض الإسلام بشكل منطقي وحضاري لا بشكل قمعي ليقبل الناس عليه:
صدقوا أيها الأخوة ما من مقالة قرأتها في مجلة وجعلتها منهجاً لي في الدعوة كهذه المقالة، مقالة بمجلة تموينية، قد تستغربون ما علاقة التموين بالدعوة إلى الله ! لا يوجد أي شيء يجمع بين التموين والدعوة إلى الله، تقول المقالة:
لو أن الغش انتشر في البلد، باعة يكذبون، يغشون، يدلسون، يرفعون الأسعار ، يبيعون بضاعة سيئة، بسعر عالٍ، يستغلون جهل المشتري، ماذا على وزير التموين أن يفعل ؟ قال: أمامه طريقان، طريق القمع، قمع الغش، يرسل جيشاً من الموظفين يفاجئون أصحاب المحلات، يأخذون البضاعة، يحللونها، يدققون في الأسعار، يطلبون الفواتير، فإذا كان هناك مخالفات كتبوا الضبوط، وأغلقوا المحل، وساقوا أصحابها إلى السجن، هذا أول أسلوب، ماذا اسمه هذا الأسلوب ؟ القمع.
قال في طريقة أخرى أرقى بكثير، لا أدري إن طبقت أم لم تطبق، يفتح وزير التموين مؤسسة استهلاكية، يبيع فيها أفضل بضاعة، بأرخص سعر، بأطيب معاملة، فكل الناس يقبلون على هذه المؤسسة، ويدعون الباعة الغشاشين، الباعة الغشاشون إن لم يقلوا المؤسسات ماتوا من الجوع، تمام ؟ الموضوع تمويني محض، أنا جعلته منهجاً بالدعوة.
لا تتهم أحداً، لا تنتقد أحداً، لا تكفر أحد، دعك والناس، اعرض الإسلام عرضاً واضحاً، مؤيداً بالأدلة، وطبقه فقط، الناس بفطرتهم، بعفويتهم، يقبلون عليك ويدعون هؤلاء الذين اتخذوا الدين تجارة، فقط لا انتقدت، ولا اتهمت، ولا تراشقت التهم مع أنداك، هذا الأسلوب الآن الأمثل، اسم هذا الأسلوب التدخل الإيجابي في السوق، أي التدخل الإيجابي في الدعوة، اعرض الإسلام بشكل منطقي، حضاري، واضح، مع الأدلة وطبقه، وانتهى الأمر، لست مضطراً أن تدخل بمهاترات، ولا أن تنشئ فتناً، ولا أن تستعدي الناس، والناس ليسوا أغبياء.
من كان مع الجماعة عاش بأجواء إيمانية:
أخوانا الكرام، من ظن أن الناس أغبياء فهو أغباهم، الناس يعرفون الحقائق يرون الصادق من الكاذب، يرون المستقيم من المنحرف، يرون الأمين من الخائن، أبداً وضح كل شيء.
فلذلك أنت حينما تكون مع الجماعة تعيش بأجواء إيمانية، تعيش مع الحق تعيش مع النص الصحيح.
يعني إذا في عدد كبير جداً من الأحاديث الصحيحة، في كم كبير جداً جداً من الأحاديث الموضوعة، من يعلمك أن هذا الحديث موضوع، وهذا صحيح ؟ العلماء، أما لوحدك تقرأ مقالة بمجلة، تقرأ كتاب كله ضلالات، ينطوي عليك ما فيه، لو أن الأمر ممكن أن نستغني عن المدرس لوفرت الدولة مليارات ميزانية التربية والتعليم، لو كان الموضوع كتاب فقط، نوزع كتباً، ونجري امتحانات، فقط، العلم لا يؤخذ إلا من معلم وفي الدين لا يؤخذ إلا من عالم تقي ورع، متحقق، متحقق صفة عقلية، ورع صفة سلوكية، في شبهات، في ضلالات، في مداخلات، في تناقضات.
من لم يأخذ العلم عن الرجال انتقل من محال إلى محال:
يقول لي: والله يا أخي شيء يحير.
(( احثوا التراب في وجوه المداحين ))
[ رواه مسلم عن المقداد بن الأسود ]
واضح الحديث، لا تمدح، يأتي حديث آخر:
((إذا مدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه))
[ أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن أسامة بن زيد ]
اجمع بينهما، سهل جداً، إن مدحت إنساناً إيمانه ضعيف يستعلي بهذا المديح إن مدحت إنساناً إيمانه قوي يزداد تواضعاً بهذا المديح، من يجمع لك بين الحديثين ؟.
(( لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ))
[ رواه مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ]
الحديث معناه لحق حالك بكم ذنب.
(( لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ ))
أنت بحاجة إلى عالم، يوضح لك أبعاد الحديث.
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾
( سورة السجدة الآية: 13 )
القراءة البسيطة للآية معنى ذلك أن الله لا يريد أن يهدي الناس.
﴿ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
( سورة السجدة )
أنت بحاجة ماسة وأنا بحاجة معك، إلى عالم متحقق ورعٍ، ومن لم يأخذ العلم عن الرجال فهو ينتقل من محال إلى محال، أكثر من مليون شبهة بالدين، وشيء فيه تناقض.
كل إنسان بحاجة إلى مرجع إسلامي:
اليوم جاءني سؤال، أنه أنت قلت المرأة كالرجل، مساوية له في التشريف والتكليف، والمسؤولية، ولها ما له، وعليها ما عليه، ويقول الله عز وجل:
﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ﴾
( سورة آل عمران الآية: 36 )
الآية بمعنى، وهذه بمعنى، المرأة كالرجل تماماً في التكليف، مكلفة أن تؤمن بأركان الإيمان، مكلفة أن تطبق أركان الإسلام، مكلفة أن تؤدي طاعة الواحد الديان ، مشرفة عند الله وعند الخلق، ومسؤولة عند الله وعند الخلق، تماماً، لكن بنية المرأة، هذا موضوع ثانٍ الآن، بنية المرأة، طريقة تفكيرها، بنيتها النفسية، والاجتماعية، والجسمية شيء، وخصائص الرجل بفكره، ونفسه، وعلاقاته الاجتماعية، وجسمه شيء آخر، فهما متكاملان، وليسا متشابهين.
صدقوا هناك آلاف الشبهات، والمداخلات، والتناقضات، من يكشف لك هذه الأمور ؟ العالم المتحقق الورع، إذاً أنت بحاجة إلى مرجع إسلامي، بحاجة إلى إنسان زميل لك في المسجد تراه مستقيماً، تراه يغض بصره، يضبط لسانه، ينبغي أن تغار منه، أن تقلده، أن تحبه، لذلك:
((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ))
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم عن عمر ]
(( وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ))
[ أحمد والترمذي عن عمر]
(( يد الله مع على الجماعة من شذ شذ في النار ))
[ رواه الحكيم وابن جرير عن ابن عمر ]
من عاش وحده أفتى بنفسه:
صدقوا أيها الأخوة، من دون جماعة يقرأ القرآن يقول لك الخمر ليس حراماً، ما هذا الكلام ؟! هات لي آية تحرم الخمر، في:
﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
( سورة المائدة الآية: 90 )
هذا توجيه إرشادي، افتح الآية الثانية، يقول لك الربا ليست محرمة، تحريم الربا بالنسب العالية فقط، الدليل:
﴿ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ﴾
( سورة آل عمران الآية: 130 )
النهي ليس على الأضعاف القليلة على الأضعاف المضاعفة، أي بالنهاية إذا ما لك مرجع ديني، لا يوجد إنسان يقدم لك المعنى الدقيق للآية، المعنى الدقيق للحديث، يكشف لك بعض المفارقات، يزيل من ذهنك بعض المفارقات، تقع بإشكال كبير، والإنسان إذا عاش وحده يفتي بنفسه.
حدثني أخ، قال لي: أنا أعمل في مكان، في إنسانة الله يهديها، متبرجة إلى أقصى درجة، ترتدي أحدث الأزياء، قالت له أنا أمسك ورقة روزنامة أجد فيها كلمة الله ماذا أفعل بها أحرقها، قال لها: بدها فرامة، قالت له: يبقى الحرف موجود، ما هذا الورع ! لكن تبقى الألف، واللام، والهاء، تفرقوا، لا يجوز، أليس من الأفضل حرقها أستاذ ؟ هي لم ترَ نفسها ماذا ترتدي إطلاقاً، لكن انتبهت إلى الموضوع ! هناك مفارقات بالمجتمع حادة جداً.
كل إنسان بحاجة إلى مؤمنين يرتاح لهم و ينصحونه:
أيها الأخوة، أنت بحاجة إلى مؤمنين تعيش معهم، بحاجة إلى أناس صادقين أناس ورعين، أناس أمناء، أناس أعفة، إنسان ما يغشك، ما يحتال عليك، ما يكذب عليك أنت بحاجة إلى أخ مؤمن في الله ترتاح له، يعينك، ينصحك، يتفقدك، يكون واقفاً معك.
(( عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة ))
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم عن عمر ]
مرة أذكر أنه عملت برنامجاً رياضياً مع بعض الأخوة، بعدها تفرقوا لأسباب أنا قلت لا يهم لوحدي أمشي كل يوم، ما مشيت ولا يوم، لوحده الإنسان لا يمشي، يحتاج جماعة، حتى بالرياضة، إذا ما في جماعة ما في حماس للمتابعة.
انظر الآن صيام يوم من دون رمضان صعب جداً، برمضان ما في مشكلة الناس كلهم صائمون، الفجر صليه لوحدك بالبيت، قل هو الله أحد، فقط ! تأتي إلى الجامع تجد صفحة، تقرأ بتجويد، في خشوع، أنت متوضئ، مشيت ربع ساعة بالطريق صحوت تنشطت، دخلت لمكان كله مقدس، بالبيت الولد استيقظ، الأم صرخت عليه، أنت في البيت، الجامع أكمل للصلاة.
((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ))
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم عن عمر ]
الله عز وجل يدفع الإنسان دائماً إلى أن يكون مع الجماعة الملتزمة المؤمنة:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾
أمر إلهي، النبي موجه، يريدون وجهه
﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾
أنت قوي بأخيك، الدليل:
﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ﴾
( سورة الفتح الآية: 29 )
لماذا كانوا أشداء ؟ لأنهم معه، لماذا كان قوياً ؟ لأنه معهم، رحماء بينهم.
﴿ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾
( سورة الفتح الآية: 29 )
آية رائعة جداً، لو تتبعت القرآن الكريم، والسنة الشريفة المطهرة، لوجدت أن الله يدفعنا إلى أن نكون مع الجماعة، الجماعة الملتزمة، الجامعة المؤمنة، الجماعة الطاهرة كلمة دقيقة، لا يوجد أحد معصوم، أنا أتعامل مع الناس كلهم، ممكن يرتكب خطأ، بالموعد بكلمة، برقم، كله ممكن، لكن مؤمن كذاب لا يوجد، مؤمن خائن لا يوجد.
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة ))
[ رواه أحمد عن أبي أمامة ]
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يكذب المؤمن، أنت مع إنسان لا يكذب أبداً.
(( كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقة وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ))
[ عن أم سلمة ابنة أبي أمية ]
بطولة كل إنسان أن يكتشف المقياس الإلهي في كل أموره:
أيها الأخوة ولا أبالغ لا يمكن أن تكون مؤمناً إلا وأن تكون أخلاقياً، مستحيل لا يمكن أن تكون مؤمناً إلا وأن تكون متعلماً.
(( كفى بالمرء علما أن يخشى الله ))
[ أخرجه البيهقي، عن مسروق مرسلاً ]
أقسم لكم بالله الأخ الأمي المستقيم هو عند الله عالم، والأخ المثقف الغير منضبط هو عند الله جاهل.
لو فرضنا إنسان يحتل مركزاً دينياً رفيعاً جداً (أعلى مركز)، واستقبل صحفية وملأ عينه من محاسنها، وعنده حاجب لا يقرأ ولا يكتب، لكنه غضّ بصره عنها، من الأقرب إلى الله ؟ الحاجب، بطولتك أن تكتشف المقياس الإلهي.
أعرابي قال للنبي الكريم: عظني ولا تطل، تلا عليه قوله تعالى:
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
( سورة الزلزلة )
قال: كفيت، لا عنده مكتبة، ثلاثة عشر ألف كتاب، ولا له مؤلفات، ولا عنده كمبيوتر، ولا عنده موقع بالانترنيت، ما عنده شيء أبداً، لكن قال له: كُفيت اكتشف المقاييس الإلهية.
كل مؤمن خطاء وخير الخطائين التوابون:
ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء، ولا الذي يطير في الهواء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام.
ابحث عن أناس طاهرين، ابحثوا عن جماعة طاهرين، جماعة صادقين ، جماعة أمناء، عن إنسان مخلص، عن إنسان يحب الله، عن إنسان لا يبيع دينه ولا بكل الدنيا.
والله الذي لا إله إلا هو لن تكون مؤمناً حتى يستوي عندك التبر والتراب.
شخص بتركيا نسي عنده سائح خمسمئة ألف يورو، بمحفظة، هذا التركي بحث طويلاً عن هذا السائح، ثم أبلغ الشرطة، فالشرطة أعلنت، والمبلغ أخذه صاحبه، فجاء كي يتشكره هذا الألماني، قدم له خمسمئة يورو قال له: لا آخذ قرشاً هذا واجبي، أنا ما فعلت شيئاً، صار في ضجة عالمية ما هذا الإنسان ؟ ما فعل شيئاً، فعل دينه فقط، فعل الحد الأدنى من الأمانة.
المؤمن شخصية فذة، والله بالشام نفسها نسي شخص بالسيارة 20 مليون ليرة صاحب السيارة مؤمن، بحث عنه أربعة أيام، يحوم محل ما أخذه، وضع أخباراً، حتى وجده وأعطاه إياها 20 مليون، أما صاحب المبلغ أخلاقي أخذه إلى سوق السيارات واشترى له سيارة، بمليونين.
هذا المؤمن، والله تعيش مع المؤمنين بجنة، في صدق، في أمانة ، في محبة، في تواضع، في تعاون، في تناصر، لكن المجتمع الآخر هذا مجتمع الذئاب، الذئب لا ينام بعينين ينام بعين واحدة، يخاف أن يغدروه، ينام بعين ويفتح عين، تشعر نفسك بمجتمع التفلت معركة، الشراء معركة، البيع معركة.
شخص معه مال لا بأس به اشترى دولارات طلعت مزورة كلها، فقد معظم ثروته بهذا الخطأ.
في ألغام، في مطبات كبيرة جداً، مع المؤمنين، أنا لا أدعي أن المؤمن معصوم أبداً، في أخطاء، لكن ما في خيانة، ما في كذب، ما في احتيال، ما في مؤامرة، ما في وجهين أبداً، في خطأ، في تقصر، التقصير موجود عند كل الناس، كل مؤمن خطاء وخير الخطائين التوابون.
من عاش وحيداً عاش بعيداً عن جو الإسلام:
أنا ألاحظ ملاحظة كبيرة تجد إنساناً عنده أفكار مضحكة، يعيش لوحده لأنه ما أحد صحح له، ما أحد نبهه، ما سأل السبب، ما استوضح، فكر لوحده.
فكرة لكن طريفة، المملكة في عندها مشكلة بالحج كبيرة، مشكلة المرور استخدموا لجنة من أمريكا لوضع نظام للمرور في مكة والمدينة، وعرفات، ومزدلفة ومنى، أحياناً تجد خمسة كيلو عشر ساعات، فجاء الوفد جلس شهراً، درس الطرقات، درس الكثافة، عمل تقريراً، أخذ مبلغاً فلكياً، اقترح على المملكة يكون الحج على خمس دورات.
بعيد عن جو الإسلام، أنت حينما تكون مع المؤمنين جوك جو إيماني، الأمور واضحة، الآيات واضحة، المحرمات واضحة، المباحات واضحة، أما ساعة يقول لك الربا محرم إذا كان بنسب عالية، يقول لك معي دليل، ما الدليل ؟
﴿ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ﴾
يا أيها الأخوة، نحن بحاجة لكم، وأنتم بحاجة إلى مرجع، الجماعة رحمة واسأل، ودقق، وحقق، وعش مع إخوانك، بعد ذلك الأخوة يحمسونك، تجد هناك روحاً جماعية، أنا أقول لكم بالرياضة مثلاً صعب أن تقوم بالرياضة وحدك، إلا حالات نادرة جداً، لكن مع مجموعة تمارسها كل يوم.
أحياناً يجلسون جلسة يقرؤون القرآن، من الصعب أن تجلس لوحدك، إذا في دور كل أسبوع عند شخص، و كل شخص يقرأ صفحة قرآن هذه المجموعة تنهض، وإذا كان كل الأخوة بحسب أماكن سكنهم، بحسب حرفهم يعملون لقاء أسبوعياً، ويتدارسون القرآن الكريم، درس الجمعة، درس الأحد فرضاً، كل شخص تكلم شيئاً، استفاد من خبرة الآخرين، سمع قصة مؤثرة جداً سمع حقيقة، قرأ كشفاً علمياً، تجد في تقوية للإيمان، كل أخ يقوي إيمان الثاني.
المؤاخاة من علامة الجماعة:
أنا أقول الجماعة من علامتها التآخي، ما يمنع الشخص بالجامع يختار أخاً له لكن أخ حقيقي، بحسب السن، بحسب السكن، جاره، أو بحسب العمل زميله، أو بحسب القرابة قريبه، ما في مانع، إما بحسب القرابة، أو بحسب العمل، أو بحسب السكن، أو بحسب السن، هذا أخوك حقاً، على الدرس ما جاء، خبره، لما تخبره ينتعش، معنى هذا أن أنا مهم، ما جئت انتبه الناس لعدم مجيئي.
إذا كل أخ آخى أخاً له يتفقده، يسأل عنه، يزوره، لم يأت من أسبوعين معناها في مشكلة يكون مريضاً، طرقت بابه.
والله مرة أخ من إخوانا عادي جداً فقير، مرض، الإخوان بعد الدرس ذهبوا لزيارته، قال لي كسبت مكانة عند أهلي، وجدوا أنه جاء إلى عندي مئة شخص تفقدوا صحتي، قوي مركزي.
(( يد الله مع الجماعة ))
[ رواه الحكيم وابن جرير عن ابن عمر ]
(( يد الله على الجماعة ))
[ أخرجه الترمذي عن ابن عباس ]
((... ومن شذّ شذ في النار ))
[ من الدر المنثور عن ابن عمر ]
((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ))
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم عن عمر ]
من مقاصد الشريعة في الجماعة أن تصلي في المسجد:
من مقاصد الشريعة في الجماعة أن تصلي في المسجد.
(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))
[أحمد]
تلاحظ برمضان صلاة الفجر سهلة جداً بالجامع، الناس كلهم بالجوامع والعشاء كذلك، والتراويح كذلك، لكن لوحده الإنسان صعب أن يصلي عشرين ركعة لوحده يقول كفى ركعتان، الله ما كلف الإنسان فوق طاقته، يأخذ أعذاراً كثيرة، يقرأ أقصر سورة لوحده، بالجامع هناك قراءة مطولة، قراءة جميلة، جو جماعي، جو طاهر، جو عفيف.
التنافس يحتاج إلى جماعة:
يا أيها الأخوة، أردت من هذا الدرس أن يكون الحديث عن فضل الجماعة وأحاديث كثيرة، وآيات كثيرة.
بعد ذلك سمعتم بالأرض شخصاً عمل سباقاً لوحده، أنا عملت سباق جري، مع من ؟ لوحدي، كيف لوحدك ؟ تتوازن مع واحد، لما الله قال:
﴿ سَابِقُوا ﴾
( سورة الحديد الآية: 21 )
ما معنى سابقوا ؟ أن تكون مع الجماعة، سابقوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ما معنى التنافس ؟
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
( سورة المطففين )
التنافس يحتاج إلى جماعة.
أيها الأخوة، لكن لو أن أخاً لك أخطأ لا تقاطعه فوراً انصحه، كن عوناً له على الشيطان، ولا تكن عوناً للشيطان عليه، أنا بهذا الكلام لا يعني كلامي أن الأخوة معصومون إطلاقاً، لكن أقول لك كلاماً دقيقاً، الأخ المؤمن لا يكذب، ولا يخون، ولا يحتال، ولا يتكبر، لا يوجد عنده باطن وظاهر، باطنه كظاهره، سره كعلانيته، خلوته كجلوته، واضح جداً، هذه صفات رائعة.
أنت مع أخ مؤمن صلحت عنده مركبتك يأخذ أجرة ويربح عليك، لكن لا يضع لك قطعة قديمة، ويقول لك جديدة، هذه لا يفعلها، في أشياء كثيرة جداً.
ممكن تستخدم شيئاً بغير محله، تقول للمريض تريد اثني عشر تحليلاً، يستطيع أن يناقش المريض ؟ لا يستطيع، أنت تريد تحليلاً واحداً، فالإيمان يضبط.
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=11088&id=189&sid=799&ssid=1469&sssid=1470