ندوات تلفزيونية - قناة القصيم - مقاصد الشريعة - الدرس (19- 27) : الوقت
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-10-09
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أهمية الوقت:
1 – الإنسان زمنٌ:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة الإسلامية، والحقيقة أن الوقت يمضي سريعاً، بل إن أهل الآخرة:
﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾
(سورة الكهف: الآية 19 )
لذلك من المناسب أن نتحدث عن الوقت، لأن الإنسان وقت، لأن الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ولأنه ما من يوم ينشق فجره إلا و ينادي: يا بن آدم، أنا خًلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
2 – الفوز أن نعمل في الوقت المحدّد لنا:
اطلعت على كتاب فيما مضى عن قصص العرب، وهو من أربعة أجزاء، وقرأته، ثم استنبطت أن الأذكياء ماتوا، والأغبياء ماتوا، والأقوياء ماتوا، والضعفاء ماتوا، والأصحاء ماتوا، والمرضى ماتوا، وأن الظُلاّم ماتوا، والمظلومين ماتوا، وأن الموت ينهي كل شيء، لذلك البطولة أن تعمل في هذا الوقت المحدود الذي يمضي سريعاً عملاً ينفعك بعد مضي الوقت، كيف مضت هذه الأيام سريعاً وكأنها لمح البصر ؟
3 – لك الساعة التي أنت فيها فقط:
كذلك الوقت يمضي سريعاً، والوقت لا يسترجع، لذلك ما مضى فات، و المؤمل غيب، الماضي لا تملكه، لأنه مضى، والحديث عنه مضيعة للوقت، لأنك لن تستطيع استرجاعه، ما مضى فات، و المؤمل غيب لا تملكه، وكم من إنسان وضع آمالا عريضة لم يحقِّقها.
كنت مدرِّساً في ثانوية، نشأت معي ساعة فراغ فجائية، فأمضيتها عند المدير، المدير حدثني عن متاعبه، وعن همومه، وقال لي: حصلت على موافقة إعارة تدريس إلى الجزائر، و المدرس المعار راتبه مضاعَف، قال: سأمضي هناك خمس سنوات، ولن آتي إلى الشام في هذه السنوات الخمس، سأمضي الصيف الأول في بريطانية، والصيف الثاني في فرنسة، والثالث في إسبانية، والرابع في إيطالية، سأطلع على هذه البلاد، وعلى ثقافة هذه البلاد، وعلى تراث هذه البلاد، ومتاحف هذه البلاد، ثم أعود بعد خمس سنوات، وأقدم استقالتي من العمل، وأفتح محلاً تجارياً أبيع فيه التحف، وسيكون هذا المحل منتدى لي ولأصدقائي، القصة طويلة، أنا لا أبالغ حدثني لعشرين سنة قادمة، وكيف سيكبر أولاده، ويريحونه من العمل، ويجعل المحل منتدى فكريا يلتقي فيه مساء كل يوم مع أصدقائه، وهكذا، وأنا أستمع له، خرجت من عنده إلى صفي، ثم إلى بيتي، وفي المساء عندي ساعة تدريس في مركز المدينة، أردت أن أرجع إلى بيتي مشياً، فإذا نعيُه على الجدران، والله الذي لا إله إلا هو في اليوم نفسه، في اليوم نفسه حدثني الذي حدثني عن عشرين سنة قادمة، ما مضى فات، و المؤمل غيب لا تملكه.
ماذا تملك ؟ لك الساعة التي أنت فيها، لا تملك إلا هذه الساعة، فالدنيا ساعة فاجعلها طاعة، اجعلها طلب معرفة، اجعلها عمل صالح اجعلها عبادة، اجعلها نصيحة، اجعلها أمرا بالمعروف، اجعلها نهيا عن المنكر، اجعلها مطالعة كتاب، اجعلها حركة نحو الخير للناس، لأن الدنيا ساعة.
4 – نحن بين خمسة أيام:
لذلك قالوا: أنت بين خمسة أيام، يوم مفقود هو الماضي، ويوم مشهود، هو الحالي، ويوم مورود، هو الموت، ويوم موعود هو يوم القيامة، ويوم ممدود، يوم مفقود لا جدوى من الحديث عنه، ويوم مشهود هو أخطر أيامك، الساعة التي أنت فيها، ويوم مورود هو الموت، ويوم موعود يوم القيامة، ويوم ممدود إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفذ عذابها.
لابد من التفكُّر في ساعة الموت والإعدادِ لما بعدها:
لذلك من أنت أيها الإنسان ؟ أنت زمن، أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.
إنسان الله عمره عند الله تسع وسبعون سنة وثمانية أشهر وثلاثة أسابيع وأربعة أيام وخمس ساعات وأربع دقائق وثماني ثوان، انظر إلى ساعتك، كلما تحرك العقرب ثانية واحدة قرّبك من النهاية، والنهاية صفر، النهاية تنهي كل شيء، القوي يموت، والضعيف يموت، والطاغية يموت.
كنت في قصر في استنبول اسمه دولما بهجت، رأيت ساعة ثابتة على التاسعة وخمس دقائق، فسألت عنها، فقيل لي: هذه ساعة وفاة كمال أتاتورك، ثبتوا الساعة في لحظة وفاته، كان قويا، وأراد ما أراد، ولم يحقق ما أراد، فالإنسان يمضي بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم، أنا خَلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
وأنا في طريقي إليكم شعرت كيف مضت هذه الأيام العديدة كلمح البصر، وهكذا العمر.
قد يقول الإنسان: عمري ستون عاما، أو خمسون، أو أربعون، هذه الأعوام كيف مضت ؟ يقول لك: البارحة كنت طالبا في الابتدائي، الآن أنا في سن الستين، فإذا مضت الستون كلمح البصر ففي الأعم الأغلب السنوات الباقية تمضي أيضاً كلمح البصر، وفجأةً يكتَب النعي، فجأة كان شخصاً فأصبح خبراً، فجأة وضع في النعش، فجأة وضع في القبر، وقف أهله للتعزية، بعد شهرين أو ثلاثة نسي هذا الرجل، وعاشوا حياتهم اليومية، وكأنه لم يكن، فإن أمضى حياته في طاعة الله فلا يعنيه ما الذي سيكون.
حينما يولد الإنسان كل مَن حوله يضحك، وهو يبكي وحده، فإذا وافته المنية، وكان محسنًا فكل مَن حوله يبكي، فإذا كان بطلاً يضحك وحده.
والله أيها الإخوة الكرام، مرة شيّعنا ميتا، وقفت على قبره، والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على سطح الأرض إنساناً أذكى ولا أعقل ممن يعدّ لهذه الساعة التي لا بد منها، الغني يموت، والفقير يموت، والقوي يموت، والضعيف يموت، والوسيم يموت، والدميم يموت، والمحسن يموت، والمسيئ يموت، وكل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذي العزة والجبروت.
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
***
كل ابن أنثى وإن طـالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمــــول
فإذا حملت إلى القبـــور جنازة فاعلم بأنك بعدهــا محمــــول
***
أحد علماء دمشق الصالحين العاملين الربانيين اشترى قبرا في حياته، وقد كتب اسمه على الشاهدة، وكان يزوره كل خميس، يقول لمرافقه: يا ولدي، هنا المقام.
هذه هي فائدة التفكُّر في الموت:
التفكير في الموت أيها الإخوة ليس تشاؤماً، لكن له وظيفة إيجابية، التفكر في الموت يجعلك على الصراط المستقيم، تأخذ أعلى شهادة تؤسس معملا، تقيم مشروعا ضخمًا، هذا لا يمنع، لكن التفكر في الموت يمنعك أن تعصي الله، يمنعك أن تنحرف، والتفكر في الموت يسرع الخطى إلى الله.
مرة كنت في مطار، ورأيت شريطًا متحركًا، وقفت عليه، وأنا واقف أمشي، شيء جميل، إن مشيت عليه كانت السرعة مضاعفة، وعليه سوران يمنعانك أن تنحرف، شريط متحرك له سوران، تصورت أن هذا الشريط المتحرك مع السورين يرمز إلى التفكر في الموت، فيسرع الخطى إلى الله، ويمنعك أن تنزلق، لذلك:
(( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللّذّاتِ، يعني الموت ))
[ الترمذي ]
مفرق الأحباب، مشتت الجماعات .
(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
[ أخرجه الشيرازي، و الحاكم، والبيهقي، عن علي ]
قبل عدة أشهر أو بعض السنوات عدد لا بأس به من إخوتنا صلى الفجر في جماعة، وفي صلاة العصر كان مدفونا، ولا يشكو شيئاً، تقريباً في كل شهر أو شهرين حادثة نادرة، أن إنسانا لا يشكو شيئًا إطلاقاً، وصلى الفجر في جماعة وفي المسجد، وفي العصر كان تحت التراب.
لي قريب له سهرة أسبوعية، أحد الجالسين قال هكذا: أنا لن أموت قريباً، هكذا قال، فلما سئل: ما السبب ؟ قال: أنا صحتي جيدة جداً، ووزني ممتاز، وأكلي صحي، أمارس الرياضة كلَّ يوم، وتكلّم عن أسباب طول العمر، كلامه علمي، ما عنده شدة نفسية، ولا وزن زائد، ولا ضغط، ولا أي مرض، ويمارس رياضة يومية، هذا الكلام قاله يوم السبت، السبت الموالي كان تحت الأرض، لذلك: كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذي العزة والجبروت.
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
***
حوادث كثيرة لرجال ينام أحدهم فلا يستيقظ، أو يستيقظ فلا ينام بعد ذلك، يخرج من بيته فلا يرجع، أو يرجع فلا يخرج، هذه حقيقة.
لا، ثم لا، ثم لا للإنفاق الاستهلاكي للوقت:
في طريقي إليكم كنت أفكّر كيف مضت هذه الأيام كلمح البصر، إذاً: هو الوقت، الوقت أخطر شيء في حياتك، الوقت هو أنت، بل هو وعاء عملك، بل هو رأس مالك الوحيد، ولا تملك غيره، لذلك هذا الوقت يمكن أن ينفق إنفاقاً استهلاكياً.هؤلاء البشر أمامك يأكلون، ويشربون، ويتمتعون، ولا يعبئون بالمستقبل، يعيشون لحظتهم، هم مع الصرعات، صرعات الأزياء، صرعات الأفلام، صرعات الإعلام، صرعات السياسة، هم معها يتابعون الأخبار، يتسامرون، يغتابون، يأكلون المال الحرام، يطلقون بصرهم في الحرام، لا يضبطون ألسنتهم، لا يؤدون عباداتهم، يعيشون وقتهم، وصحتهم طيبة، وهم في بحبوحة، وعندهم دخلٌ جيد، وكل يوم في نزهة، وكل يوم في سهرة للعب النرد... واختلاط وسرور، وروح مرحة، وفكاهة، وأناقة، وبيت من الدرجة الأولى، يأتي الموت فجأة لم يكن في الحسابان، لذلك ما هو الذكاء ؟ قالوا الذكاء هو التكيف مع أي شيء ؟ مع أخطر حدث في المستقبل، إنه الموت.
تصور بيتا من خمس غرف، وصالونات، وغرف نوم، وغرف استقبال، ومطبخ، وحمّام، وحديقة، إضافة إلى مركبة، ومكتب تجاري، تصور أنّ هذا الوضع فجأةً ينتهي بقبرٍ عرضه سبعون سنتيمترا، وطوله مئة وثمانون، كله تراب تحت الأرض.
والله أيها الإخوة، إنّ الذي لا يعدّ لِما بعد الموت يجب أن يوصف بأنه غبي.
مرة سأل الإمامُ الغزالي نفسَه فقال: " يا نفس، لو أن طبيباً منعك من أكلة تحبينها، لا شك أنك تمتنعين...".
مرة كنا في سهرة فقدِّم طعام نفيس جداً، لكنّ طبيب قلب رفض أن يأكل، فلما ألحّ عليه قال: والله إني أحب هذا الطعام حباً جما، لكن لكثرة ما أرى الأوعية مسدودة من هذا الطعام كرهته، نظر إلى المستقبل فوجد هذا الطعام الدسم يسبب ضيقا في الشرايين، ثم جلطات، ثم موتا مفاجئا.
لما يعيش الإنسان المستقبل يتكيف معه، والتكيف مع أخطر حدث في المستقبل وهو الموت يكون بالطاعة، وبالصلح مع الله، وبالاستقامة على أمر الله، وبطلب العلم، وبتربية الأولاد، وبإنفاق المال، وبالأعمال الصالحة، هذا هو التكيف، والذكاء هو التكيف.
لذلك أيها الإخوة، إنفاق الزمن إنفاق استهلاكي كما ترون، فالناس يعيشون لحظتهم فقط، يتابعون الصرعات، و يتداولون الأخبار الممتعة، ويرتادون الأماكن الجميلة، و يشترون الأكلات الطيبة، ويتندرون بالأخبار اليوم، كم مات في العراق اليوم ؟ خمسمئة، يقول: العدد كثير، العيار مئة في اليوم، هو مرتاح، والمسلمون ماتوا وقُهِروا، وهو مرتاح، تهمّه ولائمه وحفلاته ومُتَعه.
المؤمن ينفق الوقت إنفاقاً استثماريا نفعِيًّا:
أما المؤمن فينفق الوقت إنفاقاً استثماريا نفعِيًّا، يفعل في الوقت الذي سيمضي عملاً ينفعه بعد مضي الوقت، تأتي الآية الكريمة:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) ﴾
( سورة العصر )
يقسم الله بمطلق الزمن، لهذا المخلوق الأول رتبة، الذي هو في حقيقته زمن، يقسم بهذا الزمن، بمطلق الزمن، فيقول:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) ﴾
( سورة العصر )
نحن بمقاييس الدنيا يقال: بيل غيت حجمه المالي تسعون مليار دولار، شاب بالأربعينات يملك تسعين مليار دولار، يأتي الموت فينهي هذه الثروة، فلا ينفعه إلا عمل صالح، لذلك مر النبي عليه الصلاة والسلام على قبر قال:
(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم ))
[ ورد في الأثر ]
إن ركعتين نفلا صلاهما بسرعة كنقر الديك خير له من كل دنياكم، هذا كلام سيد الخلق المعصوم.
حديث آخر قاله النبي عليه الصلاة والسلام لعليٍّ:
(( فَوَاللَّهِ، لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ))
[ البخاري ]
(( يا علي، لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس ))
[ لجامع الصغير عن أبي رافع ]
كم شركة عملاقة في الأرض ؟ هناك شركات تصنع من الإبرة إلى ناقلة النفط، شركات يابانية، وهناك شركات الأموال المجمدة التي لم تعثر لها على طريق للاستثمار تفوق ميزانيات دول، لكن هداية رجل واحد خير لك من حمر النعم، وخير لك من الدنيا وما فيها.
حينما يأتي الموت تكشف هذه الحقيقة، قال تعالى:
﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ﴾
( سورة ق )
حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، حجمك عند الله بحجم استقامتك، بحجم تضحيتك، بحجم انضباطك، فلذلك المؤمن ينفق الوقت إنفاقاً استثمارياً.
أربعة بنود لتفادي الخسارة:
هناك أربعة بنود:
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
( سورة العصر )
إن فعلت هذه الأشياء الأربعة فأنت ناج من الخسارة، وما سوى هؤلاء فخاسرون
ترك رجلٌ فندقا من ثمانين طابقا في أرقى بلد أوربي، والفندق ممتلئ دائماً، فندق من خمس نجوم، مات الرجل ووضِع في قبر، أين هذه الثروة ؟ ذهبت.
الآية الدقيقة التي كان سيدنا عمر بن عبد العزيز يقرؤها دائماً:
﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) ﴾
( سورة الشعراء)
لذلك هذه الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما سقى الكافر منها شربة ماء، لذلك اليوم الذي تزداد به معرفة بالله، وتزداد عملاً صالحاً ترقى به عند الله، وتزداد به دعوة إلى الله، وتزداد صبراً على طلبك للحقيقة، وعلى عملك وفقها، وعلى دعوتك إليها، هذا اليوم رابح، وما سوى هذا اليوم فخاسر، لأن الأيام تمضي سريعاً.
الخسارة في إنفاق الوقت إنفاقا استهلاكيًّا:
ما معنى خسارة ؟ لأن مضي الزمن يستهلك الإنسان، يمضى أول عشر سنوات، كلنا نعيش هذه سنوات الستينات، الأخيرة، كنا سنة ستين وتسعمئة وألف، بعد ذلك ثمانينيات، تسعينيات، بعد ذلك سنة ألفين، الآن ألفين وسبعة، كل عقد يمضي سريعاً.
كنت مدير ثانوية في بلد في الجنوب، وكان عندي طالب وصل إلى منصب رفيع، دعاني بعد ثلاثين سنة إلى قريته أين كنت مديرها، قلت: سبحان الله ! مضى على ما كنت مديراً للثانوية في هذا البلد ثلاثون عامًا، كيف مضت ؟ يقول لي طالب: أنت كنت أستاذي سنة ألف وتسعمئة وسبع وخمسين، مضى عليها خمسون سنة، نصف قرن، كيف مضت هذه السنوات ؟ كلمح البصر، لذلك:
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيهـا
***
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=10770&id=189&sid=799&ssid=1469&sssid=1470