ندوات تلفزيونية - قناة القصيم - مقاصد الشريعة - الدرس (17- 27) : الزواج
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-10-07
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة الإسلامية، وكنا في أركان الإيمان، ثم في أركان الإسلام، ثم في موضوعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحدثنا في درس سابق عن غض البصر، والحديث اليوم عن مقاصد الشريعة من الزواج.
حقائق عن الزواج:
1 – كلُّ شهوة في الإنسان له قناة نظيفة:
أيها الإخوة الكرام، الحقيقة الأولى: أنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أي أنه ليس في الإسلام حرمان، ولكن فيه تنظيم، فالله عز وجل حينما قال:
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ (14) ﴾
( سورة آل عمران )
شهوة المرأة قناتها النظيفة الزواج.
بل عن الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (22) ﴾
( سورة الروم )
والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني به الكون، والكون ما سوى الله:
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (37) ﴾
( سورة فصلت)
2 – الزواج آية من آيات الله:
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ (21) ﴾
( سورة الروم )
يعني خصيصَى لكم.
﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا (21) ﴾
( سورة الروم )
الزوجة إنسان لها فكر، لها قلب، لها مشاعر، لها كرامتها، لها حاجاتها، تسمو، وتسقط كالرجل تماماً.
﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا (21) ﴾
( سورة الروم )
إن الله هو الذي صمم الذكر والأنثى وهما من آيات الله الدالة على عظمته.
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) ﴾
( سورة الليل)
3 – كل من الذكر والأنثى مفتقرٌ إلى الآخر:
خلقهما متكاملين، أي أن كل طرف مفتقر إلى الطرف الآخر، كما أن الرجل مفتقر إلى امرأة، كذلك المرأة مفتقرة إلى الرجل.
﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا (21) ﴾
( سورة الروم )
4 – الزواج سكنى للرجل والمرأة:
علّةُ الزواج السكنى: أيْ أن الرجل يكمل نقصه العاطفي بزوجته، وعلة السكنى للمرأة إلى الرجل أنها تكمل نقصها القيادي به، هي تكمل نقصها به، وهو يكمل نقصه بها، إذاً: هناك تكامل بينهما.
﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21) ﴾
( سورة الروم )
جعل هنا بمعنى خلق، المودة والرحمة بين الزوجين من خلق الله عز وجل، وهذه المودة والرحمة من آيات الله الدالة على عظمته، لذلك حينما سئل النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَن أعظم الرجال حقاً على المرأة ؟ قال: زوجها، فلما سئل: مَن أعظم النساء حقاً على الرجل ؟ قال: أمه ))
[ الجامع الصغير عن عائشة بسن فيه ضعف ]
إنّ أعظم رجل في حياة المرأة زوجها، وأعظم امرأة في حياة الرجل أمه، هذا من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام.
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21) ﴾
( سورة الروم )
التعليق: إن لم يكن بين الزوجين المودة والرحمة فهناك خلل كبير في العلاقة الزوجية، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
[ ورد في الأثر ]
عدّ النبي عليه الصلاة والسلام محبة عائشة رزقًا منه:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
لابد من السعي لأسباب المودة بين الزوجين:
لكنني أقول: الإنسان من دون ما يسعى إلى إقامة هذا الود مع زوجته قد تتطور الأمور إلى بغضاء أو إلى مشاحنة، أو إلى فتور بالعلاقة، فهذا الحب المتأجج يمكن أن يبقى مستمراً، لكن يحتاج إلى جهد يحتاج إلى كلمة طيبة، يحتاج إلى اعتذار، يحتاج إلى هدية يحتاج إلى علاقة طيبة يحتاج إلى رحمة، كما أن الإنسان قادر أن يجعل من حوله ملتفين حوله أيضاً قادر أن يجعل هذه المرأة التي في البيت شريكة حياته تميل إليه وتحبه، ثم حينما تحبه يحبها، يحبها فتحبه، تحبه فيحبها، لذلك من الخطأ الكبير أن تبقى العلاقة الزوجية فاترة بين الزوجين، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى المرأة فقال:
(( انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))
[ ورد في الأثر ]
الجهاد ذروة سنام الإسلام.
لقد أوصى الرجال بالنساء فقال:
(( أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))
[ ورد في الأثر ]
أربعة فصول لابد أن يكون الإنسان ناجحًا فيها:
أيها الإخوة الكرام، لذلك أنا أعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يمكن أن أسمي النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً، فأنت كرجل عندك أربعة فصول خطيرة، فصل في علاقتك بالله، وهذا أخطر الفصول، وفصل في علاقتك بأهلك وبأولادك، وفصل في علاقتك بعملك، وفصل في علاقتك بصحتك، وأيّ خلل في واحدة من هذه الأربعة تنسحب على الثلاثة الباقية، لذلك أنا لا أسمي الناجح ناجحاً إلا إذا أحكم هذه الفصول الأربعة.
هناك أشياء ثانوية يمكن أن نتساهل فيها، أما صحة الإنسان فهي قوام حياته، وعلاقته مع الله عز وجل أساس نجاحه، علاقته مع بيته أساس سعادته في بيته، علاقته مع عمله أساس كسب رزقه، فالبطولة أن نسعى جاهدين إلى علاقات ناجحة في فصول أربعة.
1 – علاقة العبد بربِّه:
علاقتك مع الله أن تتعرف إليه، أن تتعرف إليه خالقاً ورباً ومسيراً، أن تتعرف إلى أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، أن تتعرف إلى منهجه ثم أن تحمل نفسك على طاعته، ثم أن تتقرب إليه بالعمل الصالح، هذا فصل.
ما دمت في استقامة فأنت في ظل الله، وما دمت في استقامة فأنت في توفيق الله، وما دمت في استقامة فأنت في حفظ الله، وهذا المعنى أشارت إليه الآيات الكريمة حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) ﴾
( سورة الأنفال)
قال علماء التفسير: هذه معية خاصة، هناك معية عامة، وهناك معية خاصة، المعية العامة: وهو معكم أينما كنتم، مع الكافر مع الملحد، مع المجرم، معه بعلمه، هذه معية عامة، لكن المعية الخاصة أن الله مع المؤمنين، معهم بالتوفيق، معهم بالتأييد، معهم بالنصر، معهم بالحفظ، قال تعالى:
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا (48) ﴾
( سورة الطور)
هذه الآية في الأصل لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن أيّ مؤمن بقدر استقامته وإخلاصه له من هذه الآية نصيب، فأنت باستقامتك على أمر الله جعلت الله وليك، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا (257) ﴾
( سورة البقرة)
باستقامتك على أمر الله جعلت نفسك في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، جعلت نفسك في حماية الله، في توفيق الله، في تأييد الله، في نصر الله، هذا أول فصل.
لابد من طلبِ العلم للنجاح في العلاقة مع الله:
هذا الفصل يحتاج إلى طلب علم، وما مِن شيء يأتي من لا شيء، بل يحتاج هذا الفصل إلى طلب علم، يجب أن تعرف حقيقة الذات الإلهية، كيف أنه خالق، ومربٍّ ومسيّر، وأن تعرف أسماءه الحسنى اسماً اسْمًا، ومنهجه وأحكامه الشرعية.
أنت بالكون تعرفه، و بالشرع تعبده، هذا فصل، فما لم تقتطع من وقتك جزءاً ثميناً لمعرفة الله فالمشكلة كبيرة.
دققوا، هذا الذي يتفرغ لدراسة الطب، هل يعد التفرغ لهذه الدراسة تضيعاً للوقت ؟ مستحيل، يمكن بعد نيل شهادة عليا يملك اختصاصا نادرا فيصير دخل الطبيب فلكيا يومياً، لأنه أمضى وقتا في كسب هذه المعرفة، ثم جاء وقت الاستفادة منها، لذلك أيّ وقت تصرفه في حضور درس علم، في قراءة القرآن، في متابعة سنة النبي العدنان، في السؤال عن أحكام الشريعة، فأيّ وقت تقتطعه من وقتك الثمين.
أنا أسمي هذا استثماراً للوقت، وليس تضيعاً له، وأحيانا يتوهم الإنسان أنه إذا حضر الدرس يضيع نصف ساعة، هنا الخطأ الفاحش، لأن حضور الدرس استثمار للوقت.
أذكر أن إنسانا يقود مركبة ركبت معه امرأة ظاهرها محجبة، لكن الحجاب تجعله مطية لمأربها، ثم سألها: إلى أين تذهب، فأجابته بكلمة أغرته بها: أيّ تريد مكان أذهب معك، فقضى منها حاجته، أعطته ظرفين، ظرفا فيه مبلغ ضخم، وظرفا فيه رسالة، المبلغ الضخم مزور، فدخل من أجله السجن، والرسالة مكتوب فيها: مرحباً بك في نادي الإيدز.
هذا الرجل لو حضر درس علم واحدا لما قالت له: خذني إلى أي مكان تشاء، بل لفتح باب المركبة وركلها بقدمه، ونجا من السجن ومن الإيدز.
مرة قال لي إنسان: زوجتي تخونني، قلت: مع من ؟ قال: مع جاري، كيف عرفها جارك ؟ قال: مرة زارني الجار، وأنا أشفقت عليها أن تبقى وحدها في غرفتها، فدعوتها إلى أن تسهر معنا، أنت لو حضرت درس علم واحدا ما قبلت بهذا الاختلاط.
يا أيها الإخوة الكرام، حضور درس العلم استثمار للوقت، وليس هدراً له، أن تعرف الله استثمار للوقت، أنت كائن متحرك.
إذا كان الشيء ساكنا فما مِن مشكلة، كسيارة واقفة، لكن السيارة ستنطلق بسرعة مئة وعشرين كيلومترا في الساعة، إذا لم يكن لها قائد ماهر، ولا مقود محكم، ولا مكابح، ولا إشارات ضوئية، ولا إرشادات بالسير كان الحادث محققا، أليس كذلك ؟ فما من شهوة أودعها الله فينا جميعاً، وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها.
الفصل الأول: أن تعرف الله، أن تعرف ذاته العلية، أن تعرفه خالقاً مربياً مسيراً، أن تعرق أسماءه الحسنى، ومنهجه، ثم تحمل نفسك على طاعته، ثم تتقرب إليه.
2 – علاقة العبد بأهله وولدِه:
الفصل الثاني: أهلك أقرب الناس إليك، شريكتك حياتك، بإمكانك أن تصنع الحب بيدك، ولو في سن متقدمة، بالكلمة الطيبة، قال تعالى:
﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا (83) ﴾
( سورة البقرة)
هذه زوجتك، وقد يدخل الرحل إلى البيت ولا يتكلم كلمة طيبة، تفتيش وسؤال فقط، وتدقيق وتمحيص، وتهجُّم، أمّا ابتسامته ورقته ونعومته واعتذاره وانحناء نصفين فهي للغريب، أما هذه التي تخدمه طوال الليل والنهار قلها الكلمة القاسية، لها فقط الاستهزاء بأهلها، يخرب بيته بيده.
إنّ الحب يُصنَع صناعة بالكلمة الطيبة، يإلقاء السلام، الاعتذار أحياناً، والهدية تجعل الود بين الزوجين، والمرأة من السهل جداً أن تكسب قلبها بكلمة طيبة، لأن طبيعتها عاطفية، لذلك الله نهاها أن تخضع بالقول، فيطمع الذي في قلبه مرض، فهي تستجيب لقول طيب من زوجها ومن غير زوجها، فإذا كان زوجها قاسيا جداً وغير زوجها أسمعها كلاماً ليناً فهنا المشكلة.
إذاً: أيها الإخوة:
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21) ﴾
( سورة الروم )
هذه مِن خَلق الله عز وجل، أما لما تنجح في علاقتك مع الله فتطبق منهجه، ,من تطبيق المنهج:
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (19) ﴾
( سورة النساء)
قال علماء التفسير: ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها، وبطولة الزوج أن يكون محسناً.
أخلاقُ الإنسان تظهر حقيقةً في البيت مع أهله:
بالمناسبة أيها الإخوة، أنا أصر على هذا المعنى: مقياس الخلق الكريم في البيت فقط، أمّا خارج البيت بالتعبير المعاصر ( بزنس )، فمصلحتك تقتضي أن تكون لطيفاً، المصلحة تقتضي أن تكون متواضعاً، المصلحة تقتضي أن تعترف بخطئك، المصلحة تقتضي أن تكون مجاملاً، كل الأعمال التي تفعلها خارج المنزل تنتمي إلى مصالحك، وإلى كسب رزقك، وإلى تعزيز مكانتك.
أما في البيت فما مِن رقابة عليكَ، لذلك كان الخُلق الحقيقي في البيت، الدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء الدليل:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))
[ الترمذي ]
مقياسك الدقيق أن ترحم التي في البيت، أن تعتني بالتي في البيت، أن تكون ودوداً مع التي في البيت، أن تبتسم للتي في البيت، أن تشكر هذه المرأة، وهذا الود بين الزوجين شيء نفيس جداً، البيت يصبح جنة.
هناك الآن من يقول: يجب أن يكون البيت جنة بتصرف بسيط، بإلقاء السلام، بالمودة، بالاعتذار، بالهدية، تجعل هذا البيت الذي هو فيما مضى جحيم لا يطاق تجعله جنة في الأرض.
إذا دخل الإنسان إلى البيت فليسلّم على أهله، ويجلس، ويذكر الله، وإلا استحوذ الشيطان على البيت، مأكلا ومناما وتصرفا، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ ))
[ مسلم ]
يصبح البيت قطعة من الجحيم، فإذا دخلت إلى البيت فهاك دعاء وإذا خرجت هناك دعاء.
أنا الذي ألح عليه أن تهتم بأربع محطات كبرى في حياتك، علاقتك بالله، والمحطة الثانية علاقتك بأهلك وأولادك.
3 – علاقة في عملك:
والمحطة الثالثة: علاقتك بعملك، أحيانا يكون للإنسان مكانة في البيت عالية جداً، وهو ناجح في علاقته مع أهله، وله علاقة مع الله طيبة، لكنه يتأخر عن العمل، وكل يوم يسمع كلمات قاسية تهز كيانه، لأنه قصّر في عمله، فالنجاح الحقيقي نجاح شمولي لا نجاح جزئي، النجاح الجزئي لا يسمى نجاحاً، فالحكمة من الزواج أن تسكن إليها.
الحكمة من الزواج إنجاب الأولاد الصالحين:
لذلك بعض الكلمات قالها سيدنا عمر: << أقوم إلى زوجتي، وما بي من شهوة إلا ابتغاء ولد صالح ينفع الناس من بعدي >>.
الذرية الصالحة لا تقدر بثمن، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ (21) ﴾
( سورة الطور)
كل أعمال الذرية في صحيفة الأب، إلا في حالات نادرة وقليلة جداً، أحيانا يكون الابن له اختيار معاكس لوالده، ويكون الأب قد بذل كل شيء من أجل ابنه، عندئذ الأب معفى من المسؤولية، وتنطبق عليه الحالة التي ذكرها الله في القرآن الكريم مع سيدنا نوح وابنه، هذه حالة أخرى.
أيها الإخوة الكرام، الحكمة من الزواج إنجاب ولد صالح ينفع الناس من بعدك.
كنت أقول دائماً: الإنسان مجبول على حب وجوده، هذه حقيقة، ومجبول على حب سلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، فسلامة وجوده منوطة باستقامته على أمر الله، والاستقامة سلبية، أنا ما كذبت، ما غششت، ما اغتبت، ما ذكرت إنسانا بسوء، ما أكلت مالاً حراماً، كل بنود الاستقامة تسبقها ما سلبية، الاستقامة كف.
أما العمل الصالح فعطاء، أعطى من وقته، من ماله، أعطى من خبرته، أعطى من علمه، لأنه آمن أنه مخلوق للجنة، فلما آمن أنه مخلوق للجنة بنى حياته على العطاء، وهناك صفة ثابتة في المؤمن ؛ أن حياته أساسها العطاء، يعطي من وقته، من ماله، من خبرته، ولا يقبل في بعض الأعمال الصالحة أجراً، ولو قبِل أجراً لكان محدوداً جداً.
العمل الصالح أجره أخروي وليس دنيويًا:
أنا أضرب هذا المثل دائماً: كلّف ملِكٌ أستاذ العلوم بتدريس ابنه بعض الدروس، هذا المدرس أُفُقه ضيق، لما أصبحت الدروس عشرًا قال له: لابن الملك: أين الأجرة ؟ قال حاضر، أستاذ كم تريد ؟ قال: ألف على الدرس، قال: هذه عشرة آلاف، لكن الأب بنيته أن يقدم له بيت ومركبة، لأنه ملِك، فهذا أخذ عشرة آلاف، وضيع البيت والمركبة، فأنت لما تقبل أن تأخذ أجرا على عمل صالح في الدنيا تكون أخطأت مع الله خطأ كبيرا، قال تعالى
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)﴾
( سورة الإنسان)
بالعكس، الذي يقدم أعمالاً صالحة لوجه الله يعد طَموحاً طُموحاً لا حدود له، لأنه طلب الأجر من الله، وهناك آيات كثيرة بهذا المعنى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) ﴾
( سورة الشورى)
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (40) ﴾
( سورة الشورى)
أنا أكافئك يا عبدي، وإذا كافأك الله منحك الأمن، والحكمة، والجنة، وحياة أبدية، لذلك الزواج من نعم الله الكبرى.
خاتمة:
صدقوا مرة حضرت تعزية، الأب في سن التسعين، والزوجة المتوفاة في سن الثمانين، وبكى الأب بكاء مذهلا، أردت أن أخفف عنه في نهاية التعزية، قال لي: والله عشت معها خمسًا وخمسين سنة ما نمت يوماً غاضباً عليها، هذا الزواج السعيد، الزواج فيه بركة من الله، فيه معونة من الله، عندك أولاد أبرار، عندك زوجة صالحة تسرك إذا نظرت إليها، تحفظك إذا غبت عنها، تطيعك إن أمرتها، فلذلك فرق كبير بين النكاح والسفاح، الفرق بينهما كالفرق بين قطعة لحم طازجة ومشوية، وأنت جائع جداً، هذا والطعام نفيس جداً، وهناك قطعة لحم متفسخة، الروائح التي تصدر منها تشمها من مسافة خمسين مترًا، كلاهما قطعة لحم، الأولى مشتهاة، والثانية تخرج من جلدك من رائحتها، وكذلك المرأة ؛ إن كانت زوجة صالحة فهي الحسنة الطيبة، قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً (201) ﴾
( سورة البقرة)
قال علماء التفسير: " حسنة الدنيا الزوجة الصالحة "، والعلاقة الآثمة علاقة الزنا، والعياذ بالله علاقة فيها مقتٌ، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) ﴾
( سورة الإسراء)
أنت مخيّر، ولأنك مخير كل شيء في حياتك حيادي، والحظوظ حيادية، والشهوات حيادية، فإما أن تتزوج فترقى إلى أعلى عليين، وإما أن يمارس الإنسان هذه الشهوة بطريق غير مشروع، فيهبط إلى أسفل السافلين.
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=10696&id=189&sid=799&ssid=1469&sssid=1470