ندوات تلفزيونية - قناة القصيم - مقاصد الشريعة - الدرس (16- 27) :غض البصر
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-10-06
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة الإسلامية.
غضُّ البصر:
1 – من الموضوعات المهمّة في القرآن الكريم:
بادئ ذي بدء، حينما يوجد في القرآن الكريم موضوع فهو من الأهمية بمكان، لأنه احتل جزءًا من كتاب الله الذي تعبدنا الله بتلاوته وفهمه إلى يوم القيامة، من هذه الآيات التي احتلت جزءًا من كتاب الله آية غض البصر، قال تعالى:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾
( سورة النور )
2 – الإنسان بين طبع إطلاق البصر والتكليف بالغض منه:
بادئ ذي بدء، الله عز وجل أعطانا تكليفاً من بنود هذا التكليف، غض البصر، وأعطانا طبعاً، من خصائص هذا الطبع إطلاق البصر، فطبعُ الإنسان يميل إلى إطلاق البصر، وإلى إملاء العينين من محاسن المرأة، والتكليف غض البصر، التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة، الدليل:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
( سورة النازعات)
التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة، الطبع يدعوك إلى أن تنظر، والتكليف يأمرك أن تغض البصر، هنا تتدخل الإرادة، معك تكليف، وفيك طبع، فإن استجاب الإنسان إلى طبعه سقط، وإن استجاب على التكليف نجح.
إذاً: سمي التكليف تكليفاً لأنه ذو كلفة، ويحتاج إلى جهد، يحتاج إلى إرادة، يحتاج إلى جَلَد، هذا هو ثمن الجنة، الجنة مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون بلا ثمن، ومَن طلب الجنة من دون عمل فطلبه ذنب من الذنوب، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية.
حينما تدعو آية في كتاب الله إلى غض البصر فهناك حكمة بالغة في ذلك، لكن هذه الآية تقترب من آيات الصيام، بمعنى أن غض البصر والصيام عبادة الإخلاص، وليس في قوانين الأرض قانون واحد يمنعك من أن تنظر، لكن القانون الإلهي أمرك بغض البصر، فحينما لا تكون في الأرض مُداناً إطلاقاً وتغض البصر فهذا دليل إخلاصك لله، ودليل محبتك له، ودليل أنك آثرت رضاه على شهوة نفسك.
3 – غض البصر عبادة الإخلاص:
إذاً: غضُّ البصر باب كبير من أبواب القرب من الله، أنت تصلي في اليوم خمس مرات، لكن كلما غضضت بصرك عن محارم الله ارتقيت إلى الله، فكأنك في اليوم الواحد ترتقي آلاف المرات بغض البصر، لذلك الآية:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ (30)﴾
( سورة النور )
4 – موجِبُ الإيمان غضُّ البصر:
أي: بمقتضى إيمانهم، وهناك عقد إيماني بينك وبين الله، والله عز وجل يخاطب العوام بأصول الدين، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تََّقُونَ (21) ﴾
( سورة البقرة)
لكن يخاطب المؤمنين بفروع الدين، فغض البصر أحد فروع الدين، قال تعالى:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) ﴾
( سورة النور )
لا معنى أن تقول لغير المؤمن: غض بصرك، بل هذا شيء مضحك بالنسبة له، لأنه ألِف أن يطلق البصر، وأن يملأ عينيه من محاسن المرأة، فلا داعي لغض البصر، أما المؤمن فينصاع للتعليمات التفصيلية، لذلك الله عز وجل خاطب المؤمنين بما يقترب من ثلاثمئة آية، ولم يخاطب الكفار إلا بآية واحدة يوم القيامة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ (7) ﴾
( سورة التحريم)
الكافر غير مخاطب بالتفاصيل، مخاطب:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ (21) ﴾
( سورة البقرة)
شأنه شأن كل البشر، لذلك هذه آية دقيقة خاصة بالمؤمنين:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) ﴾
( سورة النور )
5 – غضُّ بعض البصر:
( مِن ) للتبعيض، فلك أن تنظر إلى أمك، وهي امرأة، وإلى ابنتك، وإلى أختك، وإلى عمتك، وخالتك، وابنة أخيك، وابنة أختك، هذه من المحارم، إذاً: ليس غض البصر عن كل النساء، بل عن بعض النساء، أي عن النساء الأجنبيات اللواتي لسن من محارمك.
مرة في أمريكا في أثناء إلقاء درس جاءتني رسالة من أخت، أنها طبيبة في مستشفى، وهي تقع في حرج شديد حينما يمد أحد الأطباء يده ليصافحها فتمتنع بحكم أنها ملتزمة، فتقع في حرج، فسألتني: ما الحل، قلت لها وقتها: إن الملِكة اليزابيث لا يصافحها في مجتمعها إلا سبعة رجال، لعلو مقامها في مجتمعها بحسب القانون البريطاني، والمرأة المسلمة ملكة أيضاً لا يصافحها إلا سبعة رجال من محارمها لعلو مقامها في مجتمعها بحكم القانون القرآني.
الأشياء التي يتمثل بها المؤمن ترفع قدره عند الله عز وجل، لذلك الآية:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) ﴾
( سورة النور )
6 – نظرة الفجأة لا إثم فيها:
هذه حالة، فلك أن تنظر إلى محارمك بقيود طبعاً بثياب الخدمة، أما المرأة الوحيدة التي لك أن تنظر إليها من دون قيد أو شرط فهي الزوجة، وما سوى الزوجة فضمن ثياب الخدمة، ثياب فيها احتشام.
الآن الإنسان يمشي في طريق، وفيه منعطف حاد، فلما دخل في المنعطف رأى أمامه امرأة، اصرف بصرك، هذه الأولى، الأولى لك، والثانية عليك، إذاً: هذا أيضاً من التبعيض، نظرت إلى امرأة فجأةً، هذا أيضاً من التبعيض.
7 – غضُّ البصر عن تفاصيل النساء المحارم:
الآن عندنا حالة ثالثة، أنك إذا نظرت إلى امرأة تحل لك عدا زوجتك فينبغي ألا تدقق في التفاصيل، أن تنظر نظرة عامة، وهناك إنسان يدقق في التفاصيل، بخطوط الجسم مثلاً، وإذا انحسر الثوب فرضاً فأنت مأمور أن تكون عفيفاً، إلى درجة أنك لو نظرت إلى محارمك فينبغي ألا تدقق في التفاصيل، وأن يغلب عليك غض البصر إذا بدا من محارمك ما لا ينبغي أن تراه، فعندنا غض بصر نوعي وغض بصر اسمي، بحسب المحارم وعدم المحارم، وغض بصر فجائي، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ (30) ﴾
( سورة النور )
8 – غضُّ البصر طريقٌ لحفظ الفرج:
لكن الشيء اللطيف جداً أن كلمة غض البصر جاءت قبل كلمة حفظ الفرج، لأن طريق حفظ الفرج هو غض البصر، قال تعالى:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾
( سورة النور )
9 – إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
الله عز وجل خبير، علم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
كنت أضرب هذا المثل: هناك إنسان غير منضبط بالشرع، جاءته صديقة زوجته، جلست مع زوجته في غرفة، والوقت وقت شتاء، وغرفة الجلوس مدفّأة، فصاح بزوجته أن تعالوا إلى هنا، هنا أدفأ لكم، يا ترى هو يقصد أن يكرم هذه الضيفة بالدفء أم يقصد شيئًا آخر.
﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)﴾
( سورة النور )
هناك آلاف التصرفات ظاهرها بريء، لكنها تنطوي على رغبة وتجاوز لحدود الله عز وجل، لذلك إيّاكم فـ:
﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾
( سورة النور )
الآية الكريمة:
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ (19)﴾
( سورة غافر)
10 – الضرورة المحدودةُ تجيز النظر إلى المرأة الأجنبية:
الطبيب مسموح له أن ينظر إلى مكانٍ في جسم المرأة تشكو منه، لكن لو أنه اختلسن إلى مكان آخر نظرة بلا مبرر مَن يكشف هذه الحقيقة ؟ ليس على وجه الأرض إنسان واحد يمكن أن يكشف هذا الخطأ إلا الله.
أنت جالس في غرفتك، والنافذة مفتوحة، وأنت في جو مظلم، والجو بالخارج مضيء، فأنت لا ترى، ظهرت امرأة على شرفة البيت الذي يقابلك، مَن الذي يضبط إذا نظرت إليها أو لم تنظر ؟ الله وحده، فحينما تكون في البيت لوحدك، وتخرج جارتك إلى الشرفة بثياب متبذلة، ولا أحد على وجه الأرض بإمكانه أن يضبط هذه المخالفة إلا الله، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) ﴾
( سورة غافر)
من فوائد غضِّ البصر:
لذلك أيها الإخوة، علماء كثيرون عددوا فوائد غض البصر، والله في بعض الأبحاث عُدَّتْ أكثر من مئة بند.
من فوائد غض البصر، لكن من فوائد غض البصر عند الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
1 – الامتثال لأمر الله:
أنه امتثال لأمر الله، وهل هناك من عمل يفوق أن تمتثل لأمر الله فشعر براحة أنك طيع، أنت عبد مستقيم، أنت استجبت لأرب العالمين، وأمر الله عز وجل مقدس عندك، فأول فائدة من فوائد غض البصر امتثال أمر الله تعالى الذي هو غاية السعادة.
2 – منعُ وصولِ سهم إبليس المسموم إلى القلب:
البند الثاني: لأنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم، النظرة الحرام كما وصفها النبي عليه الصلاة والسلام سهم مسموم، الفرق بين سهم مسموم وسهم غير مسموم أنّ السهم غير المسموم يصيب مكانا واحدًا في الجسم، أما المسموم فيسري السم في الجسم كله.
إذا أطلق الإنسان بصره أَثَرَ هذا على دراسته، وعلى تجارته، وعلى عمله، وعلى نشاطه، لأن السم يسري، ودائماً المكبر حينما تضعه في الشمس، وتضع ورقة في محرقه تحترق الورقة، لماذا ؟ لأن هذا المكبر يجمع أشعة الشمس في بؤرة واحدة، أما ضع ورقة في الشمس فلا تحترق، ولو أبقيتها ساعات طويلة، لأن الأشعة متوازية، أما في المكبر فتجتمع الأشعة في بؤرة واحدة، فتحرق، والمؤمن إذا غض بصره تجتمع طاقاته وقدراته في بؤرة واحدة، فيحقق النجاح، أما إذا كان مطلقًا للبصر تكون قدراته مبعثرة ومشتتة، وقد لا يتفوق في عمله، وقد ينعكس إطلاق بصره على عمله فيكون محبطاً أحياناً.
3 – غضُّ البصر يورث في القلب أُنسًا بالله عزوجل:
شيء آخر، يورث غض البصر في القلب أنساً بالله واجتماعاً عليه، فأنت بكل غض بصر عن امرأة لا تحل لك ترقى عند الله، وتتصل به، وتؤكد لنفسك أنك مطيع لله، لذلك عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ ))
[ مسند الإمام أحمد ]
إن الله ليباهي الملائكة بالشاب المؤمن، يقول: انظروا عبدي، ترك شهوته من أجلي، وما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب، وأنا أقول: كل مرحلة من العمر فيها عبادة، تأتي الأولى للشباب الذين لا يزالون من دون زواج، العبادة الأولى لهم غض البصر، وكلما تقدم الإنسان في السن كانت عنده عبادات تأتي في الدرجة الأولى.
4 – غضُّ البصر يقوِّي القلب:
أيها الإخوة الكرام، غض البصر يقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعف القلب ويحزنه، فترى المؤمن الذي غض البصر متفائلا نشيطًا متألقًا يشعر أن الله راض عنه.
5 – غضُّ البصر سببٌ للنور في القلب:
شيء آخر، الذي يغض بصره في بقلبه نور، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (28) ﴾
(سورة الحديد)
في قلبه نور.
6 – غضُّ البصر يورِث الفِراسة الصادقة:
أيها الإخوة، شيء آخر، غض البصر يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها الإنسان بين الحق والباطل، هذا النور في القلب يقذف في قلبك بسبب غض بصرك، هذا النور يفرق لك بين الحق والباطل.
7 – غضُّ البصر يورِث الرؤية الصحيحة:
بالمناسبة، ما من عمل، ما من سلوك إلا قبله رؤية، إما أنها رؤية صحيحة، أو رؤية مغلوطة، فكل سعادتك وسلامتك أن تمتلك رؤية صحيحة، والرؤية الصحيحة أساسها غض البصر، ما دام هناك غض البصر فهناك إنابة إلى الله، ونور يقذفه الله في قلبك، يريك الحق حقاً فتتبعه، والباطل باطلاً فتجتنبه.
8 – غضُّ البصر يورِث القلب ثباتًا وشجاعة وقوةً:
غض البصر يورث القلب ثباتاً وشجاعة وقوة، فقد يحس الإنسان بقوة، يشعر أن الله معه بقوة قرار، بسداد تفكير، بطلاقة لسان، بشرح، ببيان، هذه المعنويات المرتفعة من أين جاءت ؟ من طاعته لله، إذا كان ممكنًا أن يكون للمعنويات المرتفعة سُلَّم قيمي فالمؤمن معنوياته في أعلى درجة، لأنه مطيع لله عز وجل، موصول بالله عز وجل.
كنت أقول لكم دائماً: حال واحد في ألف خير من قول ألف في واحد، فإذا كان الإنسان مقطوعًا عن الله لو أتينا بألف إنسان على غير اتصال بالله معهم علم قوي فالألف متكلم ليس لهم اتصال بالله لا يعادلون مجتمعين إنسانًا موصولاً يقول واحدا في ألف، فألف في واحد لا شيء، وواحد في ألف كل شيء.
لذلك واحد كألف، وألف كأف، لا نقيم لهم يوم القيامة وزنا، لهم صغار عند الله، فابتغوا الرفعة عند الله، غض البصر بينك وبين الله، ما من إنسان يكشفه، وما من إنسان يكشف مخالفته، هذا بينك وبين الله، بإمكانك أن تطرق رأسك في الأرض أحياناً، أن تتشاغل في تصفح كتاب، أنت بهذا تغص البصر، وهناك مواقف محرجة، فالإنسان يتشاغل في تقليب دفتر، يفتح مذكرته أحياناً، يكون قد غض بصره ولا أحد يشعر به.
9 – غضُّ البصر يسدُّ على القلب مداخل الشيطان:
غض البصر يسد على الشيطان مدخله على القلب، قال تعالى:
﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)﴾
0سورة آل عمران)
إطلاق البصر جعلت للشيطان منفذاً إلى القلب، بغض البصر تغلق هذا المنفذ، بالتعبير العامي هذا كلام على ألسنة العوام، لا عين تشوف، ولا قلب يحزن، بإطلاق البصر ينشغل الإنسان، يتمنى هذه التي أطلق البصر في محاسنها أن تكون زوجتُه مثلها، دائماً هو في حزن، أما حينما يقطع على قلبه هذا السبيل فكأنه قطع منفذًا كبيرًا جداً للشيطان، ويسد على الشيطان منفذه على القلب.
بإطلاق البصر تحدِث فتحة للشيطان إلى القلب، والشيطان عنده فتحة سالكة ما دام إطلاق البصر متتاليًا، وهذه الفتحة خطيرة جداً، منها ينفذ الشيطان إلى قلب المؤمن، وما من شيء يبقى ثابتًا.
يكون بإطلاق البصر بعد إلى كلام معسول، وقد يتطور إلى لمس، وقد تقع الفاحشة، والإنسان لا يدري، لذلك الآية الكريمة:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)﴾
(سورة الإسراء)
ما قال: ولا تزنوا، لا تقربوا الزنا، الزنا له مقدمات، أحد أكبر مقدماته إطلاق البصر، لذلك:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ (30)﴾
(سورة النور )
10– غضُّ البصر يفرِغ الإنسان لمصالحه:
شيء آخر، غض البصر يفرغك لمصالحك، فترى التاجر كل طاقاته في عمله، والطالب كل طاقاته في دراسته، كل إنسان له موقع له عمل، له اختصاص، إذا غض بصر فكل طاقاته مركزة على عمله، أو على دراسته، أو على إنجازاته، أما إذا تمادى في إطلاق البصر تشتت، وأصبح الإنسان ضائعًا .
خاتمة:
أيها الإخوة، علامة قوة الإرادة غض البصر، وأنت في اليوم ممكن أن تنعقد صلتك بالله مئات المرات بل آلاف المرات، كلما غضضت بصرك عن محارم الله، ودائماً وأبداً هناك أدعية رمضان، اللهم أعنا على الصيام والقيام، وغض البصر وحفظ اللسان، لكن بطولتنا أن نتابع هذه العبادة بعد رمضان إلى نهاية العام، وهذا شيء ثابت في حياة المؤمن.
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=10691&id=189&sid=799&ssid=1469&sssid=1470