ندوات تلفزيونية - قناة الفجر - سنريهم آياتنا - الندوة 29-23 : خلق الله للنبات
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2009-09-13
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم مشاهدينا الكرام، إلى حلقةٍ جديدة من برنامج:" سنريهم آياتنا"، عبر حوارٍ طيب مع فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين، مرحباً بكم.
الدكتور راتب:
بكم أستاذ معتز، جزاك الله خيراً.
الأستاذ معتز:
أستاذي الكريم، تناولنا عبر حلقات برنامجنا العديد من آيات خلق الله، بدءاً من الكون، الكواكب، والمجرات، مروراً بالإنسان، عقله، فطرته، وتحدثنا عن بعض أنواع الحيوانات، التي ذُكرت في القرآن الكريم، مثل البعوضة، مثل النحل، مثل النمل، وحتى نكون منصفين مع باقي مخلوقات الله عز وجل، يجب أن نتحدث قليلاً عن النباتات، أبدأ مع أحد النباتات الأساسية التي ذكرت في القرآن الكريم، وهي القمح.
القمح هو الغذاء الكامل للإنسان:
الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحقيقة أن الله عز و جل أمرنا أن نفكر بطعامنا، قال تعالى:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
[ سورة عبس ]
لأن في الطعام آيات دالة على عظمته، قد لا يصدق الإنسان أن هناك خمساً وأربعين ألف نوع من القمح، القمح هو الغذاء الكامل للإنسان، ولأنه غذاءٌ كامل ينبغي أن ينبت في رؤوس الجبال، وفي الوديان، وفي الصحارى، وفي السهول، وفي الأماكن الحارة، والباردة، والخصبة، والقاحلة، غذاءٌ أساسي، وقد يغيب عن الناس أن ساق السنبلة هو الغذاء الأساسي الآخر للحيوان، الأول يسمى في علم الاقتصاد محصول استراتيجي، فالسنبلة للإنسان، وساقها للحيوان، هذا القمح الذي هو الغذاء الأول للإنسان، ينبغي أن نأكله وفق سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فالنبي في حياته كلها ما عُرف عنه أنه نخل الدقيق، لكن أول بدعةٍ ابتدعت بعد وفاته، نخل الدقيق، نحن ماذا نفعل ؟ نحن ننخل الدقيق، ونأكل نشاءً صرفاً، قيل: احذروا السموم الثلاث البيضاء؛ الدقيق الأبيض، والملح الأبيض، والسكر الأبيض، هذه ثلاثة سموم.
فوائد القمح:
الحقيقة القمحة لها قشرة، هي النخالة، نسبة وزنها إلى القمح تسعة بالمئة، وهناك غلالة رقيقة، نسبة وزنها ثلاثة بالمئة، و رشيم وزنه أربعة بالمئة، أي أربعة وثلاثة، سبعة، سبعة وتسعة، ستة عشر، بقي أربع وثمانون بالمئة، نشاء صرف، غراءٌ جيدٌ للمعدة، مادةٌ لا تقدم ولا تؤخر، الآن هذه القشرة ماذا يوجد فيها؟ شيء غريب جداً أن فيها ستة فيتامينات، وفيها الفسفور، وهو غذاء الدماغ، المادة الأولى في تغذية الأعصاب هو الفسفور، وفيها الحديد، وهو الذي يشكل المادة الأساسية في الدم، أي الحديد أحد مقومات وجود الإنسان، وفي النخالة يوجد الكالسيوم المادة الأساسية في العظام، والسيلكون المادة الأساسية للشعر، و اليود المادة الأساسية للغدة الدرقية، و البوتاسيوم، و الصوديوم، و المغنيزيوم، كل هذه المعادن، وكل تلك الفيتامينات، في قشرة القمح ننزعها ونطعمها للدواب، ونأكل الغراء الأبيض، أي النشاء الأبيض.
فلذلك ما عُرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نخل الدقيق.
أصل المرض هو خطأ في الإنسان:
وأنا أقول: نحن في حاجةٍ ماسة إلى ثقافةٍ غذائية، قد نأكل طعاماً يسبب الأمراض، ومرةً قلت: حينما قال الله عز و جل:
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾
[ سورة الشعراء ]
ما قال والذي أمرضني، قال:
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾
[ سورة الشعراء الآية: 80 ]
استنبط من هذا التركيب الدقيق، أن أصل المرض هو خطأٌ في الإنسان، خطأٌ في غذائه، أي في أغذية معلبات فيها مواد حافظة مسرطنة، وهناك أوعية مطلية بالبلاستيك بعد حين ترجع حديداً صرفاً، هذا البلاستيك نقل إلى طعامنا، هناك أخطاء كبيرة جداً، هناك زيوت مهدرجة مشبعة لا تهضم تبقى عالقةً في الأوعية، هناك أخطار كبيرة جداً تهدد صحتنا، هناك لحوم معالجة معالجة غير صحيحة.
مثلاً لا يدعون الدجاجة تنام الليل، تُعطى هرمونات مُنمية، الآن هناك بعض الدراسات أن بعض المزارع الضخمة لتربية الدواجن، صار فيها تصرف بالجينات، فهذه الدجاجة ليس لها ريش إطلاقاً، ليس لها حواس، شيء غير طبيعي، وقد ذكر الله ذلك في القرآن الكريم حيث قال:
﴿ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾
[ سورة النساء الآية: 119 ]
نحن حينما أطعمنا البقر طحين الجيف، فجن البقر، وقال بعضهم: إن جنون البقر من جنون البشر، أي هناك حيوانات نباتية، و حيوانات لاحمة، و حيوان لاحم نباتي، نحن إذا غيرنا خلق الله ندفع الثمن باهظاً، أنا أتمنى على الأخوة الكرام أن يُكوّنوا ثقافةً غذائية، أن يأكلوا الأغذية الطازجة، أن يأكلوا الطعام الذي لم تتدخل به يد الإنسان، لأن الصحة أثمن شيءٍ بعد الإيمان.
أنا أقول دائماً: إن الشيء الأول هو الهدى، نعمة الهدى، ثم نعمة الصحة، ثم نعمة الكفاية، ومن أدرك الهدى والصحة والكفاية ما فاته من الدنيا شيء، فلذلك يقول عيه الصلاة والسلام:
(( مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه، مُعافى في جَسَدِهِ، عندهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها ))
[ أخرجه الترمذي عن عبيد الله بن المحصن ]
الأستاذ معتز:
أريد أن نتحدث عن ذكر القمح في القرآن الكريم، ذُكرت عن طريق السنابل وذُكرت عن طريق الخير.
على الإنسان أن يأكل وفق منهج الله عز وجل:
الدكتور راتب:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 261 ]
كنت مرة في الغوطة الشرقية التي تجاور دمشق، أطلعني صديقي صاحب المزرعة على حبة قمحٍ أنبتت خمساً وثلاثين سنبلة، أخذت سنبلةً وعددتها بيدي، فإذا هي خمسون حبة قمح، ضربت خمسين بخمس وثلاثين فكان الرقم ألفاً وسبعمئة وخمسين حبة، وهو العاطي لا يسأل أي:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
[ سورة الأعراف الآية 96 ]
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
[ سورة الجن الآية: 16-17 ]
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾
[ سورة المائدة الآية: 66 ]
لذلك يجب أن نأكل وفق منهج الله.
بطولة الإنسان أن يعرف ماذا يدخل إلى فمه وماذا يخرج منه من كلام:
قرأت دراسةً رائعةً جداً عن غذاء الشرق الأوسط وفيها إيجابية كبيرة، الدراسة قد لا تصدق أن غذاء الشرق الأوسط يعد أول غذاءٍ في العالم، لماذا ؟ لأن سكان الشرق الأوسط في الأعمِّ الأغلب فقراء يستخدمون البروتين النباتي، كالفول والحمص، والبروتين النباتي أفضل ألف مرة من الحيواني، ونسب أمراض القلب في الدول الغنية التي تأكل كثيراً من اللحم هي ثمانية أضعاف، ويستخدمون زيت الزيتون، ويستخدمون الخضار الطازجة، معنى الطازجة فيها سيللوز، هذا السيللوز مادة مالئة تعين على سرعة الهضم، وتعين على أن تمر الأغذية في الأمعاء بأقل وقتٍ ممكن، وتمتص الكولسترول الزائد، حينما نأكل نحن الفاكهة كما خلقها الله ننتفع بها أكثر، لذلك أعلى نسب الأورام الخبيثة في القولون في اليابان، لأنهم يستخدمون العصائر كثيراً، أعلى نسب الفشل الكلوي في البلاد التي تبالغ في شرب المشروبات الغازية، لذلك قضية الغذاء قضية مصيرية.
أنا أتمنى أن ندقق فيما نأكل، بل إن المؤمن يعلم ما ينبغي أن يدخل إلى فمه، ويعلم أيضاً ما ينبغي أن يخرج من كلام، لأن:
(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))
[ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وأحمد عن أبي هريرة ]
لذلك البطولة أن تعرف ماذا تدخل إلى هذا الفم؟ وماذا يخرج منه من كلام؟.
قضية الغذاء تحتاج إلى ثقافة واسعة جداً، حيث هناك بلاد تصدر مواد غذائية ممنوع أن تستخدمها في بلادها، فقط للتصدير، وكأن بعض البلاد النامية لا يعبؤون بصحتهم، ونحن ندفع ثمناً باهظاً، ثمن غفلتنا عن بعض المواد الغذائية.
الأستاذ معتز:
اشتهر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان أيضاً يأكل التمر، فحدثنا عنه ؟.
سنة النبي عليه الصلاة و السلام في أكل التمر:
الدكتور راتب:
أولاً: في العالم تقريباً تسعون مليون نخلة، والنخل من أطول الأشجار عمراً، تعمر النخلة قريباً من ستة آلاف عام، وهناك نخلٌ في المدينة المنورة أكل منه النبي عليه الصلاة والسلام ونأكل نحن منه الآن، فهذا التمر صدق إنه صيدلية، فيه ست وأربعون مادة غذائية، فسكر التمر ينتقل من الفم إلى الدم في أقل من عشر دقائق، لذلك الإنسان متى يشبع؟ يشبع في حالتين إما أن تمتلئ معدته ويحس بالشبع، أو ينبه مركز الشبع في مخه، إذا نبه يحس بالشبع، الإنسان إذا أكل مواد دسمة أي بدأ بأكل المواد الدسمة لا يشعر بالشبع إلا إذا امتلأت المعدة، أما إذا بدأ بثلاث تمراتٍ كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، سكر هذه التمرات يصل إلى الدم بعد عشر دقائق أو أقل من وضعها في الفم تصل المادة السكرية إلى مركز الشبع.
الأستاذ معتز:
هل هناك عدد من حبيبات التمر التي أوصانا بها النبي صلى الله عليه وسلم ؟.
الدكتور راتب:
لا، نحس بالشبع، إن أحسّ بالشبع أقدم على الطعام بشكلٍ معتدل.
لذلك أنا أقول: من العادات السيئة أن نبدأ بالطعام ولاسيما المواد الدسمة، ونثني بالفاكهة، في بعض البلاد كما أعلم في أوروبا يبدؤون بالفاكهة، إنسان دخل إلى بيته لو أكل تفاحة، أو بضع حبات من العنب، أو بضع تمرات وصلى الظهر، يجلس إلى المائدة بحالةٍ رائعةٍ جداً من دون جوعٍ شديد يدفعه إلى أن ينكب على الطعام.
هذه سنة النبي عليه الصلاة و السلام ولاسيما في رمضان، كان يفطر على تمرات، ويصلي المغرب، وبعدها يجلس إلى الطعام، وهذا من سنة سيد الأنام.
(( بَيتُ لا تمر فيه جياعُ أهله ))
[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة أم المؤمنين ]
فوائد التمر:
إذاً التمر أهم شيءٍ فيه أنه يصل سكره إلى مركز الشبع في عشر دقائق، التمر فيه شيء مهم جداً، حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ﴾
[ سورة مريم ]
هناك حكمةٌ بالغة: أن المرأة التي على وشك الولادة ينبغي أن تأكل التمر، لماذا ؟ لأن في الولادة تقطيع لمئات أو لألوف الأوعية الدموية، وفي التمر مادةٌ قابضةٌ للأوعية، ولأن خروج الطفل من الرحم يقتضي مكاناً واسعاً، لذلك التمر فيه مادة ملينة لا تبقي في الأمعاء الغليظة بقايا تعيق خروج الطفل إلى الدنيا.
في التمر مادةٌ مهدئةٌ مسكنة، وكأن التمر غذاءٌ كاملٌ للحوامل، مادة ملينة، مادة قابضة، مادة مهدئة.
في التمر ست وأربعون مادة غذائية، بل هو صيدلية، والتمر لا يتلوث أبداً لأن تركيز السكر فيه يمتص ماء أية جرثومة تقف عليه.
وأنواع التمور لا تعد ولا تحصى، وقد علمت قبل أيام أن في بعض بلاد الخليج والحمد لله ملايين أشجار التمر، وهو محصول من أروع المحصولات.
طبعاً هناك معادن في التمر، أستاذ يمكن أن نتأكد أنه إذا تناولت في اليوم مئة غرام من التمر، تأخذ نصف حاجتك من المعادن كلها، لذلك أنا حينما أعود إلى الفطرة، إلى التمر، إلى اللبن، هذا غذاء رائع جداً، في بلد في الإتحاد السوفييتي سابقاً، يُعمر أهله فوق المئة والعشرين عاماً، لأنهم يشربون اللبن بشكلٍ عجيب، واللبن يؤخر شيخوخة الخلايا.
أتمنى على المشاهدين أن يملكوا ثقافةً غذائية، التمر شيء دقيق جداً مثلاً: التمر يقي ارتفاع الضغط، والضغط هو القاتل الصامت، التمر يقضي على فقر الدم، التمر يقضي على الإمساك، والإمساك يسبب خمسين مرضاً.
الأستاذ معتز:
كثيرةٌ هي فوائد التمر، حان الآن وقت الانتقال إلى المادة العلمية، ماذا لدينا لهذا اليوم ؟
الموضوع العلمي:
التمساح
الدكتور راتب:
والله لدينا شيء يشبه بعض الدول في العالم.
الأستاذ معتز:
كيف ذلك ؟.
الدكتور راتب:
التمساح من أشرس الحيوانات في الأرض، ومن أرحمها بصغارها، فالبلد الذي يعتني بأهله عنايةً فائقة، ويقصف الشعوب الأخرى، وينتهك ثرواتها، وأموالها، ويقتل أبناءها يشبه التمساح تماماً.
نقول في هذا الموضوع اللطيف: لنقم برحلةٍ إلى قارة إفريقيا، ولنتابع هذا الشكل من الحماية التي تصل إلى حدِّ الروعة، إلى نهر النيل، تعيش في هذه المياه تماسيح النيل، والتماسيح من أشد أصناف الحيوانات افتراساً على الأرض، ومع ذلك تأخذ هذه الكائنات مكاناً لها بين أشفق الأمهات في العالم، تغرز أنثى التمساح بيوضها في رمال الشاطئ، وعندما يحين فقس البيض تبدأ بحفر الرمال بدقةٍ واهتمام، إنها دقيقةٌ جداً كي لا تتضرر بيوضها، تبدأ البيوض بالفقس بمجرد إزالة التراب عنها، وتظهر التماسيح الصغيرة، وفي هذه الأثناء تحدث واقعةٌ عجيبةٌ جداً، تحرك التمساح الأم أسنانها الحادة وتفتح فمها الضخم، وتضع صغارها في فمها، أوائل المشاهدين لهذه الحادثة من العلماء ظنوا أن التمساح يأكل صغاره، لكن الحقيقة مختلفةٌ تماماً، فآمن مكانٍ في الساحل لأجل الصغار أفواه أمهاتها، تضع الأم جميع صغارها في فمها برحمةٍ واهتمامٍ كبيرين، الصغار الخارجة من البيوض كأنها تستنجد بأمها كي تدخل في فمها، تأخذ التمساح البيوض التي لم تفقس بعد أيضاً، ماذا تفعل بها ؟ تضغط على البيض بخفةٍ بحيث تذيب قشرتها فقط، هذه الأسنان الحادة كالشفرة يمكن أن تمزق جاموساً، وأن تمزق غزالاً، عندما يعض التمساح فريسته يصل الضغط الذي قامت به أسنانها إلى أبعاد هائلة، إلا أنها عندما تدخل الصغار إلى فمها، تتصرف برحمةٍ ودقةٍ إلى درجة أن الصغار لا يتأثرون بأي ضررٍ من هذه الأسنان الحادة.
تعود الأم إلى النهر بعد أن ملأت فمها تماماً بصغارها، تأتي إلى الماء الضحل الآمن، ثم تفتح فمها وتهزه باهتمام، وتضع الصغار والبيوض التي لا تزال في قشورها في ذلك الماء بلطف، وفي لحظةٍ يغطي الماء صغار التمساح، ويتحول حيوانٌ مفترسٌ ومتوحشُ كالتمساح إلى أمٍ حنونٍ ذات رحمةٍ بإلهامٍ من الله تعالى في فكرة وضع بيضها.
الله تعالى خالق كل كائنٍ حي على وجه الأرض:
الصغار من الآن تحت حماية أمهاتها كل لحظة، وفي الأيام نفسها يُلاحظ نشاطٌ تحت التراب قرب عش التمساح، تفقس بيوض السلاحف تحت الرمال، وتخرج صغار السلاحف إلى السطح شيئاً فشيئاً، هذه الكائنات الصغيرة التي لا تملك حماية تجاه الأخطار مضطرةٌ إلى الوصول إلى الماء في أقرب وقتٍ لتعيش هناك، إنها تركض بشكلٍ معجز إلى الماء بمجرد ولادتها، وفي طريقها تماسيح ضخمة لا تضر التماسيح الصغار أبداً، بل تَمُر صغار السلاحف بأمانٍ أمام هذه الوحوش الضارية، هذه السلحفاة الصغيرة التي تشاهدونها ضلّت طريقها، وتواجه في لحظةٍ تمساحاً جائعاً على الشاطئ يكبرها بآلاف المرات، يشعر التمساح بالصغير، ولأول وهلةٍ تبدو السلحفاة وكأنها فقدت حياتها، تفتح التمساح فمها فجأةً، وتأخذ صغير السلحفاة بين أسنانها الحادة كما نرى، إلا أن هدفها ليس أكلها، تعدل التمساح وضع الصغير المقلوب في فمها إلى الوضع الصحيح، تحمل التمساح السلحفاة الصغيرة التي أضاعت طريقها ولم تستطع الوصول إلى الماء بشكلٍ محيرٍ جداً، الرحمة والعناية التي ألهمها الله تعالى لهذه الحيوانات المفترسة ليس لصغارها فقط، بل لتنقذ حياة صغيرٍ للسلحفاة أيضاً، الله تعالى خلق كل كائنٍ حيٍ على وجه الأرض، وكل كائنٍ يتصرف بالشكل الذي قدره الخالق له، يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾
[ سورة الروم ]
أرأيت إلى هذا التمساح، يحمل سلحفاةٍ صغيرة ويعدل وضعها في فمه، وينقذها.
خاتمة و توديع:
الأستاذ معتز:
سبحان خالق هذا الكون! في نهاية هذه الحلقة لا يسعني مشاهدينا، إلا أن أشكر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين، شكراً جزيلاً لكم، إلى لقاءٍ جديد بإذن الله.
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=5255&id=189&sid=799&ssid=811&sssid=1211