ندوات تلفزيونية - قناة الفجر - سنريهم آياتنا - الندوة 29-21 : البعوضة، النحل، النمل، رحمة الفيلة بصغارها
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2009-09-11
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى حلقةٍ جديدة من برنامج:" سنريهم آياتنا"، الذي سيتناول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، يسعدني أن أرحب بفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، في كليات الشريعة وأصول الدين، أهلاً بكم.
الدكتور راتب:
بارك الله بك أستاذ معتز.
الأستاذ معتز:
أستاذي الفاضل، لفتتني الآية الكريمة التي تقول:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً ﴾
( سورة البقرة الآية: 26 )
لماذا اختار الله عز وجل هذا الكائن لهذا المثل ؟.
الآية التي تتحدث عن البعوضة مدرجة في آيات الإعجاز التي كشف العلم مؤخراً حقيقتها:
الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أستاذ معتز، حُق لك أن تعجب من أن خالق السماوات والأرض يذكر في قرآنه الكريم الذي يتلى إلى يوم الدين ـ وقد تعبدنا الله بتلاوته ـ مخلوقاً هو أهون مخلوقٍ على بني البشر، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام أكّد هذا المعنى حينما قال:
(( ولو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماءٍ ))
[ أخرجه مسلم وأبو داود عن جابر بن عبدالله ]
ما هي البعوضة ؟ أتفه مخلوقٍ بالنسبة إلى الإنسان، قد يقتل إنسان بعوضة، ولا يشعر أنه فعل شيئاً، ولكن أيعقل أن ترد البعوضة في القرآن الكريم ؟ و أيعقل أيضاً أن يقول الله عز و جل:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً ﴾
الحقيقة هذه الآية مدرجة في آيات الإعجاز العلمي التي كشف العلم مؤخراً عن حقيقتها، أي وقت نزول الوحي ما كان هناك أي دراسة عن هذه الحشرة، لكن مؤخراً اُكتشفت المجاهر الإلكترونية التي تكبر الشيء أربعة آلاف مرة، أو أربعين ألف مرة، أو أربعمئة ألف مرة، بعد أن وضعت هذه البعوضة تحت المجهر الإلكتروني تبين أن في رأسها مئة عين، وفي فمها ثمانيةٌ وأربعون سُناً، وفي صدرها ثلاثة قلوب، قلبٌ مركزي، وقلبٌ لكل جناح، وفي كل قلبٍ من الثلاثة قلوب أذينان، وبطينان، ودسامان، ثم إن البعوضة تملك جهازاً لا تملكه الطائرات، تملك جهاز استقبال حراري، سمِه إن شئت الرادار، إن البعوضة لا ترى الأشياء لا بأشكالها، ولا بأحجامها، ولا بألوانها، ولكن البعوضة ترى الأشياء بحرارتها فقط.
فقد ينام طفلٌ في غرفةٍ في أيام الشتاء، لأن الحرارة عند الطفل سبع وثلاثون، وما حوله خمس درجات، البعوضة لا ترى إلا الطفل، إذاً مع البعوضة جهاز استقبال حراري، مع البعوضة رادار، هذا الجهاز حساسيته واحد على ألف من الدرجة المئوية، الإنسان بكل ذكائه قد يقرأ على ميزان الحرارة سبعة وثلاثين وثلاث أرباع، أما أن يدرك واحد على ألف من الدرجة هذا شيء فوق طاقته.
البعوضة أحقر مخلوق عند الإنسان و هي من آيات الله الدالة على إعجازه:
شيء آخر: البعوضة ما كل دمٌ يناسبها، معها جهاز تحليل للدم، فقد ينام أخوان على سريرٍ واحد، تفحص قبل أن تمتص، فإن كان الدم يناسبها تابعت عملها، وعندما يستيقظ الأخوان يكون الأول قد مُلئ بلسع البعوض، والثاني لم يصب بشيء، إذاً معها جهاز تحليل، ولكي لا تقتل، في أثناء الامتصاص معها جهاز تخدير، تخدر ثم تمص الدم، لكن الإنسان لجهله أحياناً يشعر بلسعها، فيضربها على يده، فيضرب يده بقوةٍ بالغة، ولا يجد شيئاً، شعر بلسعها بعد أن انتهى مفعول التخدير، وهي في سماء الغرفة تضحك عليه.
ثم إن البعوضة تملك جهاز تمييع للدم، لأن دم الإنسان لا يسري في خرطومها، لابد من تمييع الدم، فمن جهاز استقبالٍ حراري، إلى جهاز تحليل، إلى جهاز تخدير، إلى جهاز تمييع، أما خرطوم البعوضة، ففيه ست سكاكين، أربع سكاكين لإحداث جرحٍ مربع، وسكينان تلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم، وفي أرجل البعوضة مخالب إذا وقفت على سطحٍ خشن، ومحاجم على الضغط إذا وقفت على سطحٍ أملس، بعد هذه الحقائق المتواضعة عن البعوضة التي كشفها المجهر الإلكتروني، يصح أن ندخل البعوضة في بنود الإعجاز العلمي، في القرآن الكريم أحقر مخلوقٍ بالنسبة إلينا،
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾
هذا عن البعوضة.
الأستاذ معتز:
أيضاً هناك ما ذكر في القرآن الكريم من أمثلةٍ أخرى وضرب المثل بالنحل أيضاً.
الله عز و جل سخر النحل خصيصاً للإنسان ليصنع له العسل:
الدكتور راتب:
سبحان الله ! النحل حشرة اجتماعية، غريبة جداً، هذه الحشرة مختصة بتخزين الرحيق، هي تخزنه ولا تعلم لمَ ؟ تخزنه لنا ليكون عسلاً، وهذه الحشرة أيضاً تبني البيوت، بناءة ماهرة جداً.
الأستاذ معتز:
أي أنها لا تستفيد من هذا العسل ؟.
الدكتور راتب:
لا، لا تستفيد، العسل للإنسان، لأن الله عز و جل سخر هذا النحل خصيصاً للإنسان، ثم إنها تقوم بمهمة كبيرة جداً هي تلقيح الأزهار، وتلقيح النباتات.
شيءٌ آخر: من أجل أن تأخذ قطرةً واحدةً من الرحيق، عليها أن تقف على ألف زهرة، ومن أجل أن تأخذ مئة غرام من الرحيق، عليها أن تقف على مليون زهرة، ومن أجل أن تصنع كيلو عسل واحد لوحدها عليها أن تطير أربعمئة ألف كيلو متر، لو كلفنا نحلةً واحدة أن تقدم لنا من العسل ما يساوي كيلو غرام، تحتاج أن تطير أربعمئة ألف كيلو متر، محيط الأرض أربعون ألفاً، أي عشر دورات حول الأرض، من أجل أن تصنع لنا كيلو عسل واحد، شيء مدهش !.
النحلة إذا كانت محملة، سرعتها خمسة وثلاثون كيلو متراً بالساعة، فإن كانت فارغة سرعتها خمسة وستون كيلو متراً.
استغلال النحلة الوقت إلى أقصى درجة:
شيء آخر بالنحل قد يلفت النظر: أنها تُصنع أثناء الطريق ـ الآن هناك تقنية عالية بالسفن، تأخذ خامات الألمنيوم من استراليا، وفي الطريق إلى الشرق الأوسط، تكون هذه السفينة قد صنعت من هذه الخامات معدن الألمنيوم ـ والنحلة كذلك توفير للوقت في أثناء طيرانها، وقد يبعد مرج الأزهار عن خليتها عشرة كيلو متر، وسرعتها ثلاثون كيلو متراً في الساعة، فمن أجل أن تصل، تستفيد من الوقت في أثناء طيرانها وتحاول أن تكثف هذا الرحيق، تمهيداً ليكون عسلاً، هذا أيضاً ملمح لطيف جداً في استغلال الوقت.
شيء آخر: لو أن هناك موسم أزهار كثيف جداً، لها خطة، تأتي النحلة إلى باب الخلية وتعطي حمولتها لنحلةٍ ثانية، أما إذا كان الموسم ضعيفاً، تدخل هي إلى داخل الخلية، وتضع الرحيق في مكانه الصحيح، إذاً هذه المرونة في الخطة.
الإنسان أحياناً عنده جمود عقلي، يحكمه الروتين، فيعطل تقدمه، أما هذه النحلة إن كان هناك إنتاج كثيف جداً، تعطي رحيقها إلى نحلةٍ تقف على الباب، وترجع إلى مكان الرحيق كي تستغل الوقت إلى أقصى درجة.
إشارة قرآنية إلى أن النحلات اللواتي يجمعن الرحيق ويصنعن العسل من الإناث لا من الذكور:
شيء آخر: الله عزّ و جل قال:
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي ﴾
( سورة النحل الآية: 68 )
ياء مؤنثة مخاطبة، النحلات اللواتي يجنين الرحيق، ويصنعن العسل، هن الإناث، من كان يعلم وقت نزول القرآن أن النحلات المؤنثات هن العاملات ؟
﴿ اتَّخِذِي ﴾
لذلك عندما خاطب الله النمل قال:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا ﴾
( سورة النمل الآية: 18 )
لأن الأمر موجه إلى الذكور والإناث معاً، فإذا كان المخاطب مجموع ذكور وإناث معاً، نغلب أسلوب التذكير على أسلوب التأنيث.
الأستاذ معتز:
إن مجتمع النحل بالتأكيد يعلمنا كيف نكون عاملين وفاعلين في هذا المجتمع.
مجتمع النحل مجتمع في أعلى درجات المسؤولية و التنسيق و الإنجاز:
الدكتور راتب:
من هذه العاملات ما هن وصيفات، وصيفة تخدم الملكة، تأتيها بالطعام، تهيئ لها الطعام من غبار الطلع، هذا طعام نفيس جداً، اسمه غذاء الملكة، وله فوائد طبية كبيرة جداً، من هذه النحلات ما هن مربيات، تربي الصغار، وكأنها في قطاع التعليم، من هذه النحلات ما هن منشطات للهواء في الخلية، يقفن على باب الخلية، ويخفقن بأجنحتهن حتى يتجدد هواء الخلية، فإذا كان الوقت شتاءً أغلقت أبواب الخلية كي تدفأ، من النحلات العاملات ما هن منظفات، والتنظيف عندها شيء دقيق جداً، تنظف، وتصقل، وتلمع، لو أن هذه النحلات المنظفات وجدن فأرةً في الخلية، ما العمل ؟ هذه الفأرة الميتة تحاط بطبقة من الشمع كي تعزلها، وتعزل تفسخها عن العسل، وكأنهن طبيبات.
شيء آخر: هناك حارسات، لا يمكن أن تدخل النحلة إلى خليتها، إلا إذا نطقت بكلمة السر، فإن لم تنطق بكلمة السر تُقتل، أية نحلةٍ تقع عينك عليها لا يمكن إلا أن تبيت بخليتها، ولا يمكن أن تبيت نحلةٌ بخليةٌ أخرى، لأن لكل خليةٍ كلمة سر، إن لم تنطق بها النحلات يُقتلن، بل إن كلمة السر من حين لآخر تبدل، وكأنك أمام مجتمعٍ في أعلى درجات النظام، وفي أعلى درجات الضبط، وفي أعلى درجات المسؤولية، وفي أعلى درجات التنسيق، وفي أعلى درجات الإنجاز ، إلا أن هذا النظام ليس بأمرٍ تكليفي كما هو عند الإنسان ولكن بأمرٍ تكويني.
الأستاذ معتز:
ما الفرق ؟.
الأمر التكليفي و الأمر التكويني:
الدكتور راتب:
الأمر التكويني هو فعل الله مباشرةً، الأمر التكليفي أمره ونهيه، فالإنسان مأمور بمكارم الأخلاق، وبالتعاون، وبأن يكون مسؤولاً بأمر تكليفي، فقد ينفذ، وقد لا ينفذ، لكن النحل مأمور بهذا النظام الرائع، بأمرٍ تكويني.
بالمناسبة: لا فضل له بهذا الأمر، بهذا النظام، أما الإنسان غير مجبر، مخير، معه أمر أن يكون صادقاً، وقد لا يصدق، معه أمر أن يكون أميناً، وقد لا يكون أميناً، فنحن أوامرنا تكليفية.
تماماً كطريق كُتب عليه ممنوع المرور، لكن بإمكانك أن تتجاوز، أن تسلك في هذا الطريق، لكن هناك مخالفة، أما لو كان أمراً تكوينياً، تجد مكعبات إسمنت، لا يمكن أن تتجاوز ، فالأمر التكويني فعله، والأمر التكليفي أمره ونهيه.
عجائب النحل:
هناك شيء آخر: هناك نحلاتُ تصنع أقراص الشمع، تبني بيتاً مسدساً رائعاً جداً، وقد مرّ هذا معنا في لقاءٍ سابق، هناك نحلات راقصات، تستطلع مكان الأزهار، وتعود، وترقص ، رقصها يخبر زميلاتها عن الجهة، والمسافة، والكثافة، هناك رقصة للجهة، ورقصة للمسافة، ورقصة للكثافة، عندهم عمل جماعي، عمل فردي لا يوجد، كل هذه الخلية تنتقل بمجموعها إلى مكان واحد، من الذي يحدد هذا المكان ؟ النحلات المستطلعات، يذهبن، ويجبن الآفاق، فإذا عثرن على حقل أزهار جيد، تعود هذه النحلات، وترقص أمام النحلات رقصةً تعلمهم بجهة الحقل، ورقصة تعلمهم بالمسافة، ورقصة تعلمهم بالكثافة.
الأستاذ معتز:
هذا عن النحل، هل لديكم شيء آخر عن النحل ؟.
الدكتور راتب:
النحلة إذا وقفت على زهرة تبقي إشارة، أو رسالة، أن هذه الزهرة امتص رحيقها، من أجل توفير الوقت والجهد أيضاً، والنحل عنده إحساس بالزمن عجيب جداً، وحتى الآن لا أحد يعلم، كيف يحس هذا النحل بالزمن ؟.
الأستاذ معتز:
أنتقل إلى مثال آخر ورد في القرآن الكريم وهو النمل، كيف ورد ذكره في القرآن الكريم ؟
النمل حشرة اجتماعية وهي من آيات الله الدالة على إعجازه:
الدكتور راتب:
الحقيقة : الله عز و جل جعل هذه الحشرة اجتماعية في أعلى الدرجات، الحقيقة في البحث عن النمل ما رأيت تفسيراً أعمق ولا أدق من قوله تعالى:
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 38 )
أستاذ معتز، النمل حشرة اجتماعية، لو وضعت وحدها مع طعامٍ، وشراب، ومع كل حاجاتها تموت، لا تعيش إلا في مجتمع، إذاً هي أعلى الحشرات الاجتماعية.
شيء آخر: هناك تسعة آلاف نوع من النمل.
أيضاً: النمل بعضه يعيش في مساكن مستقر، وبعضه كالبدو الرحل، أي بعضه مدني، وبعضه ريفي، والنمل بعضه يكسب رزقه بجهده وتعبه بشكلٍ مشروع، وبعضه يكسب رزقه عن طريق الغزو، والسلب، والنهب، شيء عجيب !
﴿ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾
هذا النمل أيضاً معه جهاز ضخ، إن رأت نملة نملةً جائعة، تضخ لها من عصارتها المهضومة في جهاز هضمها، وإن كانت النملة جائعة تستخدم جهاز المص، النمل يأخذ ويعطي، بعض البشر يأخذ ولا يعطي، يمص ولا يضخ، إطلاقاً.
هناك قطاع تربية في النمل، و قطاع جيش، و قطاع بلديات ـ تنظيف، دفن موتى ـ و قطاع استيراد للمواد الغذائية ، و قطاع زراعة، و قطاع تربية مواشي، هذه كلها في عالم النمل،
﴿ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾
بيوت النمل دقيقة جداً، غرف، و صالونات، و مستودعات للقمح، والمؤن، و جسور، وأنفاق، هذا كله مصور ومقيد في بعض البحوث العلمية الدقيقة، تحفظ الحبوب، الحبة فيها رشيم، لو بقي الرشيم، وجاءت الأمطار، لنبت الحب، تأكل الرشيم، وفي بعض الحبوب كحب العدس له رُشيمان، تأكل الرشيمين معاً لحفظ الحبوب.
الأستاذ معتز:
وصلنا إلى فقرة المادة العلمية لهذا اليوم، على ماذا ستطلعنا أستاذنا ؟.
رحمة الفيلة بصغارها من آيات الله الدالة على عظمته:
الدكتور راتب:
المادة العلمية عندنا اليوم متعلقة بالفيلة، من أجل أن نرى رحمة الحيوان بصغاره، شيء دقيق جداً، هذا الموضوع يعلم الآباء والأمهات، كيف تكون العناية بالصغار ؟ خرج قطيعٌ من الفيلة، هذا القطيع من الفيلة خرج للتنزه اليومي، ولإيجاد الطعام، قائد القطيع أنثى، هذه التي نشاهدها هي قائدة القطيع، أي أفلحوا حينما ولوا أنثى عليهم هم طبعاً.
في أحد أيام الصيف، تضع الفيلة مولوداً جديداً، لا يختلف هذا الفيل الصغير المحبوب الذي ولد منذ ساعات فقط عن أمه أبداً، غير أن هناك مشكلةً مهمةً جداً يصعب على الصغير الوقوف لوجود شيءٍ في قوائمه، هناك حالة مرضية، رجل هذا المولود لا تقف، إنها لا تستقيم، المشاهدون في هذه المنطقة يعتقدون موت هذا الصغير حتماً كما نرى، تترك الأم قطيع الفيلة في اليوم التالي لوجود مشكلاتٍ صحيةٍ للصغير، ولا تستطيع قيادة القطيع أكثر من ذلك، ولابد من أن يستمر القطيع برحلته للبحث عن الطعام، التحاق الصغير العاجز بالقطيع مستحيل، الأخت الكبرى مضطرة للذهاب مع القطيع، إذا أرادت البقاء على قيد الحياة إلا أنها تقع في مأزقٍ كبير، تحاول الفيلة الأم أن ترفع صغيرها من الأرض بخرطومها، وتؤمن له الوقوف على قدميه، وفي النهاية تستسلم الأخت الكبرى، وتبدأ بالمشي شيئاً فشيئاً، للالتحاق بالطريق، وبالقطيع، لكنها تقف تجاه خيارين صعبين وتنظر خلفها، الفيلة الأم لا تزال تحاول إلى الآن مساعدة الصغير، ورفعه على قدميه، فجأةً تطلق الأخت الكبرى صرخةً مدويةً كبيرةً، وتسرع نحو أمها، وأخيها العاجز، تضع الموت بين عينيها، ولا تفارق أمها وأخاها أبداً، الأم والأخت الكبيرة بقيا وتركا القطيع من أجل الصغير.
في اليوم التالي، لا تزال الأم والأخت الكبيرة إلى جانب الصغير العاجز حتى الآن، الصغير الذي يتألم من كل خطوةٍ، لا تتركه أمه وأخته الرحيمة المضحية، يبدو موت الصغير حتى الآن أصبح محققاً كما نرى.
في نهاية اليوم الثالث، تتحقق حادثة مثيرة، تبدأ أرجل الصغير بكسب التمطط شيئاً فشيئاً، حاول الاستقامة على قدميه تحت إشراف أمه، ويستمر للتجربة، دون مللٍ، أو استسلام، في النهاية يقف على قدميه لحظةٍ، ثم يرقد على ركبتيه مرةً أخرى، ويكرر ذلك كما نرى، وفي نهاية اليوم الرابع يستطيع الصغير الوقوف على قدميه، الصبر الرائع للأم، والأخت، ومحبتهما وحنانهما، أعطى الفيل الصغير الوقت في الدعم الذي يحتاجه لبقائه على قيد الحياة.
فحين يرى بعض التطوريين وجوب قتل الأولاد العاجزين لضرورة التطور، ترعى الحيوانات في الطبيعة صغارها، وتهتم بها رحمةً، وتضحيةً، وهذا درسٌ بليغٌ أيضاً للأمهات.
هذا من آيات الله الدالة على عظمته، والتفكر في خلقه طريقٌ سريعٌ إلى الله، وبابٌ واسعٌ ندخل منه على الله.
خاتمة و توديع:
الأستاذ معتز:
جزاكم الله كل خير، في نهاية هذه الحلقة مشاهدينا نشكر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، في كليات الشريعة وأصول الدين، شكراً جزيلاً لكم، إلى لقاءٍ في حلقةٍ جديدة.
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=5252&id=189&sid=799&ssid=811&sssid=1211