ندوات تلفزيونية - قناة الفجر - سنريهم آياتنا - الندوة 29-2 : الإنسان عقل يدرك ـ خلق الإنسان2 : النطفة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2009-08-23
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
مشاهدينا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، و أهلاً و مرحباً بكم إلى حلقةٍ جديدة من برنامج: "سنريهم آياتنا"، برنامجنا الذي يتناول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم و السنة، ويشرفني أن أحاور فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة و أصول الدين.
دكتور كنا قد تناولنا في حلقتنا السابقة عن الإنسان من هو ؟ ولماذا وجد في هذه الدنيا ؟ وانتقلنا إلى معجزة خلقه، وكنت قد قلت في النهاية أن الإنسان هو عقلٌ يدرك وقلبٌ يحب، حبذا لو فصلنا في هذا الموضوع.
أولويات الإنسان في هذه الدنيا هي طلب العلم:
الدكتور راتب:
الحقيقة كيان الإنسان عقلٌ يدرك، وقلبٌ يحب، وجسمٌ يتحرك، العقل يشير إلى أن الله أودع في الإنسان قوةً إدراكية، وما لم تلبَ هذه القوة الإدراكية بالعلم يهبط الإنسان عن مستوى إنسانيتهُ إلى مستوىً لا يليق بهِ، قال تعالى:
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
( سورة الفرقان )
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
( سورة المنافقون الآية: 4 )
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾
( سورة الجمعة الآية:5 )
فهناك أوصاف في القرآن الكريم لمن عطل عقله، ولمن التفت إلى شهوته، ولمن غفل عن سرّ وجوده، وعن غاية وجوده.
فالإنسان عقلٌ يدرك أي أن الله أودع فيه قوةً إدراكية، وقد نسمي حاجة العلم الحاجة العليا في الإنسان، فإذا لباها ارتقى إلى مستوى يليق به، الحقيقة تلبى هذه بطلب العلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرءُ عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل.
المذيع:
إذاً فأولويات الإنسان في هذه الدنيا هي العلم.
طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً:
الدكتور راتب:
طلب العلم، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا، فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة، فيخسرهما معاً، بل إن أزمة أهل النار في النار أزمة علم، الدليل:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَو ْنَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير ﴾ِ
( سور ة الملك )
كيف يبحث الإنسان عن رزقه كل يوم ؟.
أنا أرى أن المؤمن يبحث عن العلم الذي يجنبه الخطأ كل يوم، يبحث عن سرّ وجوده، عن غاية وجوده، يتعرف إلى ربه من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض، من خلال النظر في أفعال الله، من خلال تدبر القرآن، يبحث عن شيءٍ يسمى منهجاً يسير عليه، افعل ولا تفعل، ما الحرام ؟ ما الحلال ؟ ما الفرض ؟ ما الواجب ؟ ما السنة غير المؤكدة ؟ ما الشيء المستحب ؟ ما الكراهة التنزيهية ؟ ما الكراهة التحريمية ؟ لماذا أنا في الدنيا ؟.
فلذلك الإنسان عقلٌ يدرك، ما لم يبحث عن غايةِ وجوده، عن حكمة وجوده، عن سرّ وجوده، عن علة وجوده، عن حياته الأخرى حياته الدنيا، عن المنهج التفصيلي، افعل ولا تفعل، كيف يأكل ؟ كيف يشرب ؟ كيف يكسب ماله ؟ هل هناك محرماتٌ في كسب المال ؟ هل هناك مصادر للمال مشروعة يرضى الله عنها ؟ كيف تكون علاقته بالأنثى ؟ يا ترى علاقة مشروعة ـ علاقة زواج ـ أم علاقة معصية ؟ كيف يعامل الناس ؟ من فوق أم بتواضع ؟ بإخلاص أم بعدم إخلاص ؟ باستقامة أم بعدم استقامة ؟ الإنسان بحاجة إلى أن يعرف الآمر، وأن يعرف الأمر، والإنسان إذا عرف الآمر، ثم عرف الأمر تفانى في طاعة الآمر، أما إذا عرف الأمر ولم يعرف الآمر تفنن في التفلت من الأمر.
العلم أكبر قيمة في حياة الإنسان:
الإنسان عقلٌ يدرك، وأي إنسانٍ لا يبحث عن الحقيقة، ولا يسعى لها، ولا يضع كل جهوده في الوصول إليها، إنسان غفل عن أخطر شيءٍ فيه، القوةُ الإدراكية، والناحية العلمية التي ترفع الإنسان، قال تعالى:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
(سورة الزمر الآية:9)
﴿ َرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
( سورة المجادلة الآية:11 )
و فرقٌ كبيرٌ كبير وشاسعٌ شاسع بين من يعرف ومن لا يعرف، بين العالم وبين الجاهل، الجهلة كمٌ كبير لا وزن لهم عند الله.
الإمام عليٌ رضي الله عنه يقول: "الناس ثلاثة ؛ عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق "، هذا ثقافة القطيع، كمٌ كبير لا يقدم ولا يؤخر.
الأمةُ بالمتفوقين، بالعلماء، لذالك العلم أكبر قيمة في حياة الإنسان.
المذيع:
إذاً هل هناك وجوب لارتباط الإيمان بالعلم ؟.
وجوب ارتباط الإيمان بالعلم:
الدكتور راتب:
طبعاً، ولكن قبل أن أتابع، أتابع نص سيدنا علي: "الناس ثلاثة ؛ عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع لم يستضيئوا بنور، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا كميل أن تكون منهم ".
أي بحياة الإنسان جانب عقلي ما لم يلبَ هذا الجانب بطلب العلم، بطلب المعرفة، بمعرفة المنهج، بمعرفة الله عز وجل، بمعرفة حقيقة الإنسان، يهبط الإنسان بمستواه.
أقول لك: الإنسان لابد له من أن يملك تصوراً صحيحاً عن حقيقة الكون، وعن حقيقة الحياة الدنيا، وعن حقيقة الإنسان، يملك هذا التصور إذا اتبع هدى الله.
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
( سورة طه الآية:123 )
لا يضل عقله ولا تشقى نفسه.
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
( سورة البقرة )
﴿ فمن اتبع هداي ﴾
لا يضل عقله و لا تشقى نفسه
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
لو جمعنا الآيتين الذي يتبع هدى الله لا يضل عقله و لا تشقى نفسه ، و لا يندم على ما فات و لا يخشى مما هو آت، فماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة ؟ فالعقل أحد أركان الإنسان، يلبى بطلب العلم، و العلم قوام حياة الإنسان، والناس رجلان عالمٌ ومتعلم، ولا خير فيما سواهم، كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً، ولا تكن الخامسة فتهلك، أعدى أعداء الإنسان الجهل، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
أنا أقول لك بصراحة: هناك أعداء تقليديون للأمة، هؤلاء ليسوا أعداءها الحقيقيين، أعداء الأمة الحقيقيون هم الجهال، لأن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، هذا عن العقل الذي يدرك وغذاؤه العلم، وقيمته في حياة الإنسان.
المذيع:
في ضوء هذا الكلام الذي قلناه عن أن الإنسان عقل يدرك و قلب يحِب.
بطولة الإنسان أن يعرف من يحب:
الدكتور راتب:
الإنسان كائن إن لم يشعر بحاجة إلى أن يحِب أو إلى أن يحَب ليس من بني البشر، لأن كيان الإنسان كيانٌ انفعاليٌ عاطفي، فلابد من أن تحِب، و عندك رغبةٌ جامحة أن يحِبك الناس، و لكن البطولة أن تعرف من تحِب، إما أن تحِب جهةً تكون سبب دمارك، و سبب هلاكك، و إما أن تحب جهةً تكون سبب سعادتك في الدنيا و الآخرة، فالبطولة من تحِب ؟ إن أحببتَ ما سوى الله، ما سوى الله في قلق عميق من حبهِ لا بدّ من أن تغادره، أو لا بدّ من أن يغادرك، أي شيء من دون تفصيل، أي شيءٍ ما سِوى الله إن أحببته، و تعلقت به، و بذلت لأجله الغالي و الرخيص مع هذا الحب هناك قلقٌ عميقٌ عميق، هذا الشيء قد تفارقه أو يفارقك، لكنك إذا أحببت خالق السماوات و الأرض، الله عز وجل أزليٌ أبدي، لذلك:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وابشروا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
(سورة فصلت)
علامة إيمانك أن تحب الله عزّ وجل:
محبة الله أصل، محبة الأنبياء جميعاً فرع، محبة النبي الكريم فرع، محبةُ أصحابهِ جميعاً فرع، محبةُ التابعين فرع، محبة المؤمنين فرع، محبة العلم الديني فرع، محبةُ المساجد فرع، محبة كتاب الله فرع، و محبة الزوجة فرع، إن الله يبارك هذا الزواج، النبي عليه الصلاة و السلام يقول:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
[ ورد في الأثر ]
فأنت عقلٌ تدرك، و قلب يحِب، العقل الذي يدرك ينبغي أن يصل إلى الله، الدليل
﴿ اقْرَأْ ﴾
أي تعلم، و لكن:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
يجب أن يقودك العلم إلى الإيمان بالله، هذه قراءة بحثٌ و إيمان، و هناك قراءة شكرٍ و عرفان، و هناك قراءة وحي ًوإذعان، و نعوذ بالله من قراءةٍ رابعة هي قراءة العدوان و الطغيان.
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
(سورة العلق)
المذيع:
فضيلة الدكتور في ضوء هذا التقسيم هل هناك تقسيم اعتمده القرآن الكريم ؟
تقسيمات البشر:
الدكتور راتب:
قبل أن أذكر لك التقسيم القرآني لا بد من وقفة عند تقسيمات البشر، أنا أقول دائماً: الناس على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، و أعراقهم، و أنسابهم، و طوائفهم، ومذاهبهم هم عند الله نموذجان ؛ فالبشر اعتمدوا التقسيم العرقي، العرق الآري، العرق السامي، العرق الأنجلو سكسوني، الملونون، البيض، دول الشمال، دول الجنوب، المتخلفون، الدول النامية، المتقدمة، الصناعية، المستَغِلون، المستَغَلون، هناك تقسيمات في الأرض لا تعد و لا تحصى، و لكن كل هذه التقسيمات عند الله باطلة.
البشر عند الله عز وجل زمرتان:
1 ـ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة:
الله عز وجل اعتمد تقسيمين فقط، البشر زمرتان عند الله عز وجل ، الزمرة الأولى: جهةٌ عرفت ربها فانضبطت بمنهجه، وأحسنت إلى خلقهِ، فسلمت و سعدت في الدنيا و الآخرة.
2 ـ ورجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فهلك في الدنيا والآخرة:
وجهةٌ غَفلت عن ربها، و تفلتت من منهجهِ، و أساءت إلى خلقه أي بنت مجدها على أنقاض الشعوب، بنت غناها على فقر الشعوب، بنت عزها على إذلال الشعوب، بنت أمنها على إخافةِ الشعوب، جهةٌ عرفت ربها فانضبطت بمنهجهِ، و أحسنت إلى خلقهِ، فسلمت و سعدت في الدنيا و الآخرة، و جهةٌ غفلت عن ربها ففلتت من منهجه ِ، وأساءت إلى خلقه، فشقيت وهلكت في الدنيا و الآخرة، أنا أرى ولن تجد نموذجاً ثالثاً، طالبني بالدليل ؟ و لولا الدليل لقال من شاءَ ما شاء، قال تعالى:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * َمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
(سورة الليل)
التيسير مكافأة من الله عز وجل لمن صدق بالحسنى و بنى حياته على العطاء:
النموذج الأول: صدقَ أنهُ مخلوقٌ للجنة، و أن هذه الدنيا دار التواء و ليست دارَ استواء، و منزلُ ترحٍ و ليست دار فرح، و من عرفها لم يفرح برخاء و لم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، و جعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، و جعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي و يبتلي ليجزي، هذه الدنيا ممرٌ للآخرة، هذه الدنيا طريقٌ إلى سعادةٍ أبدية، فلذلك
﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
والحسنى هي الجنة لقوله تعالى:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾
(سورة يونس الآية:26)
صدق أنه مخلوقٌ للجنة، أن هذه الدنيا دار عمل و ليست دار أمل، هي دار تكليف و ليست دار تشريف، صدق أنه مخلوقٌ للجنة، فلما صدق أنه مخلوقٌ للجنة اتقى أن يعصي الله، و بنى حياته على العطاء، أي بالتعبير المعاصر المؤمن إستراتيجيته العطاء، إن أردت أن تعرف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة، اسأل نفسك ما الذي يسعدك ؟ أن تعطي أم أن تأخذ ؟ إن كنت ممن يسعد بالعطاء فأنت من أهل الآخرة.
إذاً هؤلاء الفريق صدق بالحسنى فاتقى أن يعصي الله، بنى حياته على العطاء، هذا النموذج الأول، كيف سيكافئه الله تعالى ؟ قال:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
( سورة الليل الآية:7)
أموره ميسرة، زواجه موفق، عمله موفق، سمعته راقية، محب لله، يشعر بالأمن، عنده حكمة،
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
الإنسان الذي كذب بالحسنى وآمن بالدنيا واستغنى عن طاعة الله يستحق التعسير لا التيسير:
النموذج الثاني:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
( سورة الليل )
كذب بالآخرة وصدق بالدنيا، الدنيا عنده هي كل شيء، هي منتهى آماله، محط رحاله، غاية سعيه، لذلك قال تعالى:
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾
(سورة الروم )
صدق بالدنيا وكذب بالحسنى، لذلك شيء طبيعي جداً أن يستغني عن طاعة الله، وشيء طبيعي آخر بنى حياته على الأخذ، فلذلك يمكن أن نقسم البشر إلى أقسامٍ كثيرة.
على كلٍ موضوعٌ يحتاج إلى متابعة إن شاء الله.
المذيع:
فضيلة الدكتور عودتنا في ختام لقائنا بك، أن نشاهد لقطات بالغة التأثير عن الإعجاز العلمي في خلق الإنسان، ماذا سنشاهد اليوم ؟.
مشهد من عظمة الله في خلق الإنسان "النطفة":
الدكتور راتب:
نتابع موضوع خلق الإنسان إن شاء الله. وصلنا إلى موضوع النطفة ؛ النطفة خليةٌ موظفة لإيصال معلومة الذكر الوراثية إلى خلية البويضة في الأنثى
خلق الإنسان : النطفة
صورة توضح النطفة
إذا دققنا عن كثبٍ نرى جهازاً مصمماً بشكلٍ خاص لحمل هذه النطفة، فالقسم الأمامي للنطفة مغطى بدرعٍ واقٍ، وتحته درعٌ ثان، وتحت هذا الدرع الثاني أيضاً يوجد ما يشبه الشاحنة التي تحمل النطفة، ويوجد داخل هذه الشاحنة ثلاثةٌ وعشرونَ صبغياً عائداً للرجل ، جميع المعلومات العائدة لجسم الإنسان وأدق تفاصيله مخفيٌ في هذه الصبغيات، ولظهور إنسانٍ جديدٍ يجب أن تتحد الصبغيات الثلاثة والعشرين الموجودة في نطفة الرجل مع الصبغيات الثلاثةِ والعشرين الموجودة في بويضة المرأة، وهكذا سيظهر أول تكوينٍ لجسم الإنسان من ستةٍ وأربعين صيغياً
خلق الإنسان : النطفة
صورتان توضحان الصبغيات عند الذكر و الأنثى
تصميم الدرع الموجود في الجهة الأمامية للنطفة سيحمي هذا الحمل الثقيل والثمين طوال هذه المسافةِ الطويلة من جميع أنواع الأخطار، وتصميم النطفة غير محصورٍ بهذا فقط، فهناك في القسم الأوسط للنطفة محركٌ قويٌ جداً ويرتبط بطرف هذا المحرك قسم ذيلٍ للنطفة، القوة التي ينتجها المحرك تدور الذيل كالمروحةِ تماماً، وتؤمن للنطفةِ قطع الطريق بسرعة، ولوجود هذا المحرك لابدّ له من وقودٍ لتشغيله، وقد حُسبت هذه الحاجة أيضاً فركب له وقودٌ هو أكثر اقتصاداً أي سكر الفوكتوز على السائل الذي يحيط بالنطفة، وهكذا فقد تمّ توفير وقود المحرك خلال الطريق الذي ستقطعه النطفة
خلق الإنسان : النطفة
صورة توضح النطفة
عند ملاحظةِ حجم النطفة بالنسبةِ إلى المسافة التي قطعتها تظهر حركتها السريعة التي تشبه قارب السباق، هذا الجهاز المدهش ينتج بمهارةٍ كبيرة حيث يوجد داخل كل خصيةٍ مركز إنتاج النطف، أقنية مجهرية يصل طولها إلى خمسمئة متر
خلق الإنسان : النطفة
مقطع في الخصية و البربخ و الأسهر يوضح الأنابيب المنوية التي يتم فيها إنتاج النطاف
الإنتاج في هذه الأقنية يشبه تماماً نظام السكة الحديدية المستخدمة في المعامل الحديثة أيها الأخوة
خلق الإنسان : النطفة
صورتان بالمجهر الضوئي لمقطع في الخصية توضحان الأنابيب المنوية التي يتم فيها انتاج النطاف (قد نرى نطاف في لمعة الأنبوب ) الصورة رقم1 بالتكبير القوي , الصورة رقم 2 بالتكبير الضعيف
فأقسام النطفةِ من درعٍ ومحركٍ وذيلٍ تركب مع بعضها على الترتيب، وفي النهايةِ تظهر الروعةُ الهندسية ُالكاملة تماماً.
كيف تعلمت النطف صنع الدرع والمحرك والذيل بحسب حاجةِ جسم الأم ؟ بأي عقلٍ تتركب هذه القطع بالترتيب الصحيح ؟ من أين تعلم أن النطف ستحتاج إلى سكر كوقود لهذا المحرك ؟ كيف تعلمت صنع محركٍ يعمل بهذا السكر الخاص ؟ هناك جوابٌ واحدٌ فقط لكل هذه الأسئلة هو أن هذا من خلق الله عز وجل، فالنطف والسائل المرتب داخلها خلقه الله عز وجل بشكلٍ خاص لاستمرار نسلِ الإنسان.
في لقاءات قادمة إن شاء الله نتابع عرض فقرات من هذا الموضوع الأول في حياتنا، وهو خلق الإنسان.
خاتمة و توديع:
المذيع:
سبحان الخالق العظيم، يقول الله تعالى:
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
(سورة لقمان الآية:11 )
ملاحظة : الصور مأخوذة من المراجع التالية :
1- Fox Human Physiology
2- the developing human clinically oriented embryology
3- Anatomy and Physiology in Health and Illness
4-Text and Atlas of Histology
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=5233&id=189&sid=799&ssid=811&sssid=1211