بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..
سنة اليوم وقانون اليوم من أهم القوانين والسنن التي لابد أن تكون في معتقد أي إنسان منا، وأي إنسان لا يفهم هذه السنة سيعيش أقرب للفشل في حياته وأما العبد الرباني المؤمن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرفون معنى الفشل في هذه الدنيا. هذا الفشل له قانون ونحن نريد أن نقول اليوم ابعد عن قانون الفشل وابقى مع قانون النجاح والسعادة لأن ربك عدل حق سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن يجتهد إنسان ويتعب إلا ولابد أن يكافئه الله لأنه سبحانه وتعالى أتى بنا إلى الدنيا من أجل الخلافة [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] {البقرة:30} فأنت كبير جدا عند الله عز وجل، أنت أكرم مخلوق عند ربنا سبحانه وتعالى، ربنا أسجد الملائكة لأبيك آدم وطرد الشيطان لأنه لم يرض أن يسجد لأبيك آدم، وعظمك وكرمك وخلق لك الدنيا والآخرة [وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ] {الجاثية:13} كل هذا من أجل هذه الخلافة؛ أن تكون هنا في الدنيا كي تُنفذ مراد ربنا سبحانه وتعالى ويكون ذلك بهذه الأمور الثلاثة:
1. تعمر الأرض بالقيم والأخلاق.
2. بالعمل والبناء.
3. بالذكر والدعاء.
إن هذا الأمر يحتاج إلى تعب وشغل وعمل ومجهود، لذا فقد وضع لنا الله سبحانه وتعالى القانون والسنة الربناية التي هي محور حديثنا اليوم وهي: قال رب العالمين: [هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ] {الرَّحمن:60} سؤال من ربنا؛ هل تتصورون أن هناك من سيتعب وأنا لن أكافئه؟!.. إذن قانون اليوم والسنة الربانية التي سنتكلم عنها هي: لكل مجتهد نصيب.
الاجتهاد والشغل والتعب في أي حلم أو في أي أمل تبحث عنه ثق يقينًا أن هناك قانون لن يتغير وهو أن ربنا سحانه وتعالى سيكافئك على هذا التعب، ولذلك فقد قالها ربنا سبحانه وتعالى بضمير العظمة -ضمير العظمة: ربنا واحد يتكلم عن نفسه سبحانه وتعالى بالجمع- قال الله: [إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا] {الكهف:30} وكأن ربنا سبحانه وتعالى يقول أنه ليس من شيم الكرام أنك تتعب ثم لا يعطيك الكريم أجرك وثوابك ومجهودك ويكافئك. وقد قال رب العالمين متحدثا عن هذا القانون في القرآن في كتابه العزيز: [إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ] {يوسف:90} فالإنسان كي ينجز أي مهمة أو يحقق أي نتيجة أو يفرح بأي حلم يحلم به لا بد أن يتعب وهذا التعب يحتاج إلى استمرارية، فهذا المجهود لا يمكن أن يضيعه الله سبحانه وتعالى.
وقد خلق ربنا سبحانه وتعالى لهذه السنة قانون في الأرض وهذا القانون غير موجود في الجنة ولكنه موجود في الأرض فقط واسم هذا القانون: قانون الأخذ بالأسباب؛ أنك إذا كنت تبحث عن أي نتيجة أو تفكر في أي حلم أو تتمنى أي هدف حتى ولو كان بسيطا جدا أو قصيرا جدا لا بد أن تأخذ بأسباب تحقيق هذه النتيجة التي تحلم بها، وإن لم تأخذ بأسباب تحقيق النتيجة التي تحلم بها فلا تلم إلا نفسك. إنه قانون خلقه الله عز وجل في هذا الكون كي يكون هو قانون لكل مجتهد نصيب.. أي قانون الأسباب. فعندما تفكر في أي لحظة من اللحظات في أي مرحلة من عمرك أن تقطف ثمرة فهذه الثمرة لا تأتي إلا بالتعب كأن تتمنى أن تشتغل وأن يطور الله حالك في الدنيا أو تتمنى أن تتزوج أو أن تنجح أو أي شيء تتمنى أن تنتقل إليه يحتاج إلى مجهود الأخذ بالأسباب. ولذلك فقد قال ربنا سبحانه وتعالى أنه من سيأخذ بهذه الأسباب فإنه لن يضيع أجر إحسانه ومجهوده.
لقد حصل ذلك في الماضي.. فأي شيء مرتبط بالرزق لابد أن تأخذ له بالأسباب.. إن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض ورفع السماوات بغير عمد وخلق معجزات كل يوم يجعلنا نقف مذهولين أمام قدرة الله وقد كانت معجزة رهيبة أن تحمل السيدة مريم بدون رجل، فقد كان سيدنا عيسى آية، وقد تعبت السيدة مريم وجاءها المخاض بجوار جذع النخلة والمرأة عندما تلد تكون متعبة جدا وكانت تقول يا رب أنا جائعة.. إن ما حدث للسيدة مريم وآية ولادة سيدنا عيسى عليه السلام أمر عظيم جدا وربنا سبحانه وتعالى على كل شيء قدير ولكن بالرغم من ذلك عندما تكون جائعة فلابد أن تتعب ولابد أن تأخذ بالأسباب قدر المستطاع. قال رب العالمين: [وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ] {مريم:25} فلو أردتِ أن تأكلي يا مريم مع قدرة الله على أن يرزق من يشاء بالطريقة التي يشاء ولكنه كتب أنه لا بد من وجود أسباب. إن جذع النخلة إذا تم هزه فإنه لا يسقط البلح فلابد أن تصعد إلى الأعلى كي تقطف البلح، كما أن كتب التفسير تقول أن هذه النخلة لم يكن بها زعف أو بلح ولكن لابد من أن تتعب للحصول على البلح فلما هزت النخلة هزة بسيطة وهي امرأة ضعيفة يحدث أن [تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا] {مريم:25} [فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا] {مريم:26} فأي شيء مرتبط بالأرزاق أو أي نجاح تبحث عنه لابد له من الأخذ بالأسباب.
أيضا ما حدث مع سيدنا موسى.. فسيدنا موسى الذي آتاه الله المعجزات أمام فرعون وشق البحر، هو أيضا الذي أكل ثعبانه الأوحد السبعين ألف ثعبان الذين ألقاهم السحرة، سيدنا موسى المؤيد من الله عز وجل بعد أن نجاه الله وقومه من فرعون وعبروا من البحر كانو عطشانين.. ولاحظوا أن الأكل والشرب رزق فلكي تحقق الرزق لابد أن تأخذ بالأسباب ولابد أن تجتهد، يقول تعالى: [وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ] {البقرة:60} ضربة بسيطة فربنا سبحانه وتعالى يعلم أنكم متعبين وكنتم مرعوبين من فرعون لكن كي تحصل على أي شيء فيه قانون لسنة ربانية هي لكل مجتهد نصيب فلابد من ضربة خفيفة.. وفور أن ضربها [فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ] {البقرة:60} ولذلك سبحان الله هناك نباتات خلقها الله في الدنيا يقال عنها تخرج شيطاني في الصحراء وطبعا لا تصح هذه التسمية بل تسمى نباتات ربانية فلا علاقة للشيطان بهذا الأمر.. هذه النباتات نحن لا نأكل منها بل نحن نأكل من النبات الذي نحرث له الأرض أولا فتوسع الأرض ثم تضع البذرة ثم تقفل عليها وتسقيها وترعاها وهذا هو النبات الذي نأكله وليس النبت الرباني الذي يطلع في الصحراء وكأن ربنا سبحان وتعالى يقول أنا قادر أن أطعمكم بدون أسباب ولكن قانون الدنيا هو أنك لابد أن تجتهد كي تأخذ نصيبك ومكافأتك على هذا الاجتهاد.. [أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ] {الواقعة:63} [أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ] {الواقعة:64} والزارعون يعني المنبتون.. فقط أنت عليك أن تتعب والنتيجة على الله سبحانه وتعالى هو من سيخرجه لك بماء السماء وهذه البذرة التي تبدو ميتة ستنبت شجرة تطعمك أنت وعائلتك ومن حولك من هذه البذرة الصغيرة بقدرة ربنا لأن هذا نصيبك عندما اجتهدت.
ولذلك لابد أن يحدث إدراك لهذا المعنى، إدراك بأن الله لا يمكن أن يخلف وعده، بأنني إذا تعبت فهل سيجازيني الله على هذا التعب ويوفقني ويكرمني؟ إن هذا الشك يقتل أي طموح عند أي إنسان، هذا الشك في أنه من الممكن أن يغير الله القانون وأن أجتهد وأتعب ولا يعطيني الله على قدر تعبي لا يمكن أن يحدث، إن الله كريم والكريم سبحانه وتعالى يعطي دون أن يُسأل فكيف إذا تعبت واجتهدت وطلبت منه فكيف سيعطيك سبحانه وتعالى، فهو ليس كقانون الجنة ففي الجنة تجلس وتشتهى التفاحة فتنزل لك بغصن الشجرة كي لا تتعب، أو يأتي لك الطير في الجنة فيقول لك: "يا ولي الله أتشتهيني؟" فعندما تنظر إليه يقول لك:"لقد شربت من نهر نبع من تحت العرش" فإذا اشتهيته يسقط بين يديدك مشويا، أو تمشي في الجنة وتريد أن تلبس لبسا جديدا.. يقول صلى الله عليه وسلم عن لبس الجنة:"تشقق عنه ثمار الجنة" أي يكون في الجنة ثمار كبيرة تفتحها تخرج منها ملابسك.. فأنت في الجنة لست محتاجا أن تتعب وهذا هو قانون الجنة أما قانون الدنيا فمن يريد أي نتيجة أو أي نجاح أو أي إنجاز أو أي حلم لابد أن يتعب وهو على يقين أن لكل مجتهد نصيب.
أتعرف لما لابد من هذا القانون؟ لأن السعي والاجتهاد الذي تسعاه لتحقيق أحلامك هو عملك الذي سيحاسبك الله عليه يوم القيامة، هل كنت تسعى بأمانة أم بغش، بانتهازية أم بتعاون، هل كنت متوكلا على الله سبحانه وتعالى وأنت تجري على رزقك أو على أي أمنية أم كنت متشككا [أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ] {إبراهيم:10} هذا السعي هو العمل ولاتنسى أن هذا العمل هو الذي سنسئل عنه يوم القيامة والنتيجة على الله سبحانه وتعالى، فكتب الله عز وجل على الإنسان أن يسعى لإعمار الكون بالقيم والأخلاق والعمل والبناء والذكر والدعاء.. فإذا عمرت كان هذا هو تعبك والاجتهاد هو ما ستُسئل عنه.
أريد أن أتفق معكم اتفاقا قبل أن نكمل لأننا ونحن نتكلم ونحكي هذه القصص نثبت هذه السنة الربانية كي نخرج بعد ذلك ونحن مجتهدين وهذا الاتفاق هو:
1- المؤمن العبد الرباني حياته واحدة لا تنفصل وهو يعرف أنه سيعيش هذه الحياة ولكنها تنقسم إلى مرحلتين مرحلة اسمها العاجلة أي الدنيا، ثم تليها مرحلة اسمها الآجلة وهي الآخرة، أنت من سيعيش الدنيا وعندما تنتقل إلى ربنا وتموت أنت أيضا من سيعيش الآخرة فهي حياة واحدة تنقسم لمرحلتين فعندما تجتهد في الدنيا يقينا سيكافئك الله لأنه وعد وربنا عندما يعد لا يخلف وعده، فبما أنه وعد فانظر لكل حياتك ولا تكن قصير النظر وتقول أنا أريد الآن لأنه أي إنسان يجتهد سيحدث له أمر من ثلاثة:
· إما أن يأخذ ما اجتهد فيه في الدنيا لو أن الله يرى أن هذا فيه خير له.
· أو أنه يريد الدنيا ولا يريد الآخرة فمن الممكن أن يجتهد في أمر من أجل الدنيا فقط ومن الممكن أن يكون الاجتهاد في شيء لا يرضي الله عز وجل وقد قال الله أنه من سيجتهد في أمر لا يرضيني سأعطيه إياه ولكن لا يسأل عن الآخرة ولا يسأل عني في الآخرة. قال رب العالمين: [مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ] {هود:15} إذا كنت تريد الدنيا فقط.. النصف الأول أو الجزء الأول من حياتك والثاني لا تريده فتجتهد في أمور خطأ سيعطيك بمشيئته سبحانه لأنه عدل حق لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولهذا قد تجد حضارات لا تؤمن بالله سبحانه وتعالى.
· ومن الممكن أن تجتهد ويعطيك الله في الدنيا وفي الآخرة، ومن الممكن أن تجتهد ولعلم الله ولحكمة الله وبرحمته يعلم الأنفع ليك أن يؤخر لك على اجتهادك ويكون عطاءك فقط في الآخرة.
أي إما في الآخرة فقط أو في الدنيا والآخرة أو في الدنيا فقط لمن لا يريد الله سبحانه وتعالى، وأنا هنا قد اتفقت معك على أن تنظر لحياتك على أنها حياة واحدة.
2- أتريد الدنيا أم الآخرة؟ أم تريد الاثنين مع بعض؟ لقد سألت نفسي وبحثت في كلام الله وجدت نفسي وكي أكون صادقا أن أريد الاثنين مع بعض.. الدنيا والآخرة.. أنا بني آدم أتمنى أن أكون سعيدًا وعندما أجتهد أرى ثمرة نجاحي في الدنيا فرجعت إلى كلام ربنا وجدته سبحانه في سورة البقرة يقول سبحانه: [فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ] {البقرة:200} فيريد الدنيا فقط ويسعى بطريقة خطا لأمور لا ترضي الله أو يجتهد في أمور تغضب الإله ولا ترضي النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يريد الدنيا والآخرة معًا: [وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] {البقرة:201} إذن نحن يا رب عندما نجتهد نعلم أن سنتك في إدارة شئون عبادك أنك ستعطينا فنحن نتمنى الدنيا والآخرة ولكننا مُسَلّمين، أتعرف لما نحن مسلمين؟ لأن اسمك عند الله المريد أي الذي يريد رضا الله سبحانه وتعالى وأهل الله عندهم قاعدة تقول: على المريد ألا يريد، فأنت تجتهد لأن هذا عملك الذي كلفك الله به أن تخلفه سبحانه، فأنت خليفة في الأرض تعمرها وهذا هو العمل الذي ستحاسب عليه، ولو أحب أن يعطيك في الآخرة فقط سيعطيك لأن هذا الأنسب لك، ولو كان الأنفع والأصلح والأسعد لك أن يعطيك في الدنيا والآخرة فسيفعل ذلك لأنه لا يخلف الوعد ولا يخلف الميعاد، أما نحن سنجتهد ونقول على المريد ألا يريد وكلنا ثقة يا رب يا من لا تخلف الميعاد أنك لا يمكن أن تضيع أجر من أحسن عملا.
إن سنة الله عز وجل التي يدير بها شئون الخلق أن لكل مجتهد نصيب، فأي إنسان يريد أن يحقق أي نتيجة عليه أن يتعب ويجتهد وربنا وعد أنه سيوفيه عمله ويجازيه على تعبه، قال رب العالمين: [وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى] {النَّجم:39} تدبر في كلام الله وفي القوانين التي يعلمنا إياها الله التي يدبر بها شئوننا كي نفهم عن الله وعندما نفهم نتصرف بشكل صحيح [وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنْتَهَى] {النَّجم:39-42}
قبل أن نبدأ في القصص التي حدثت على مدار التاريخ التي ظهرت فيها سنة الله أن لكل مجتهد نصيب هناك حديث من كلام النبي عليه الصلاة والسلام وقفت أمامه وقلت سبحان الله كيف أن النبي نقل لنا اليقين في أن لكل مجتهد نصيب وكيف أنه ينقل لنا شعور اتعب ولا تقلق فسوف يوفيك الله، قال صلى الله عليه وسلم:"إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة -زرعة صغيرة- فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرزها فليغرزها".. الدنيا تقوم والسماء تتشقق وستقوم القيامة ولا توجد أعمال نعملها ولكن إذا كانت في يديك بذرة ازرعها.
البراق والهجرة إلى المدينة
لنرجع إلى الوراء ألف وأربعمائة سنة لسيد المحبوبين والمحبين وصلى الله عليه وسلم الذي يفهم هذه السنن الربانية والذي أفعاله قدوة لنا كي نمشي عليها فنصل إليه صلى الله عليه وسلم عند الله سبحانه وتعالى ونكون قريبين من الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة ومن رسوله. سيدنا محمد صلى الله عيله وسلم يريد أن يعمل أمرا كبيرا؛ يريد أن ينقل مقر الدعوة من مكة إلى المدينة فهو ليس إصلاحا بسيطا بل إنه يقوم بنقل مقر الدعوة من بلد إلى بلد وهو لا يعرف من المدينة إلا ستة وبعد سنة أصبحو اثنا عشر ثم اثنان وسبعون ولا يعرف سواهم في المدينة، فما العمل كي ينقل الصحابة من مكة فتصبح المدينة منطلق الدعوة..؟ إن هذه النتيجة التي يراد الوصول إليها تحتاج إلى أسباب للأخذ بها وحلم كبير يحتاج إلى اجتهاد ولكن ربنا لا يضيع أجر من أحسن عملا فقد وعد الله إذن فلابد من الأخد بالأسباب. سيهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه منذ فترة قليلة ركب على البراق كي يصعد في رحلة الإسراء والمعراج فخطوتين وأصبح في السماء وخطوة وأصبح في بيت المقدس، فقد وصف بأنه يضع حافره عند منتهى بصره أي إذا وضع بصره على شيء وضع قدمه عندها.. فالنبي صلى الله عليه وسلم لف الكون في لحظات، والنبي الآن يريد أن يهاجر 450 كيلو والبراق من الممكن أن يطير به هو وأبو بكر.. ولكن لا.. لتحقيق هذه النتيجة لابد من الأخذ بالأسباب فهذا أمر مختلف عن معجزة الإسراء والمعراج، فأنت قدوة يا رسول الله في هذه الدعوة فلابد من الأخذ بالأسباب، وهذه ثمانية أمور قام بها النبي صلى الله عليه وسلم للأخذ بالأسباب:
1- يرسل صديقه مصعب بن عمير أولا كي يهيء جو المدينة.
2- سيدنا على بن أبي طالب ابن عم النبي سينام مكانه كي لا يلاحظو أن النبي قد ترك المكان.
3- سيجهز رفيق للسفر معه يهون عليه تعب السفر وهو أبو بكر الصديق.. الرفيق قبل الطريق.
4- سيحضر دليلا ماهرًا في الصحراء كي يدلهم على طرق لا تتوقع قريش أن يمشو فيها وهو عبد الله بن أريقط.
5- سيذهب إلى مكان من غير المتوقع الوصول له وهو في جنوب مكة والمدينة في الشمال فخرج النبي بالعكس، وصعد إلى الأعلى لمدة 3 ساعات في غار ثور.
6- وهم في الغار يريدون أن يمدهم أحد بالأخبار لكي يعملوا وهم في الغار لمدة 3 أيام ماذا تفعل مكة وفيما يفكرون تجاههم.. فكل أمر مدبر بفكر واجتهاد ومدروس، وعبد الله بن أبي بكر الصديق سيمدهم بالأخبار.
7- ولكن هل سيترك آثار نعله وهو خارج من مكة في طريقه إليهم وقد كان عند العرب وقتها فكرة البحث والمشي وراء آثار الأقدام وقد كانو علماء فيها، فيأتي عامر بن فهيرة خادم سيدنا أبي بكر بالغنم كي يمشو على آثار هذه الأقدام ويمحوها.
8- البحث عن شخص غير متوقع كي يصعد إلى الأعلى ليقوم بإحضار الطعام، فيختار أسماء بنت أبي بكر الحامل في شهرها السابع أو الثامن.
لقد أخذ النبي بالأسباب واجتهد مع أنه صلى الله عليه وسلم منذ فترة قليلة صعد إلى السماء في لحظة بدون أسباب فهي معجزة يؤيد بها رب العالمين النبي، أما الآن فلابد من الاجتهاد والتعب كي نحصل على النتيجة والنبي صلى الله عليه وسلم كان على يقين أن الله سبحانه وتعالى سيكافئه. وبالفعل يسيروا وينزل القرآن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله معه ومع كل واحد يتعب ويأخذ بالأسباب.. ينزل القرآن ما بين مكة والمدينة يقول فيه الله تعالى: [إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ] {القصص:85} فالذي نزل عليك القرآن يا محمد سيعيدك فاتحا لمكة بعد فترة وسيجازيك على تعبك، وكذلك تنزل آية أخرى بين مكة والمدينة [وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ] {محمد:13} ما يحدث لك يا محمد صلى الله عليه وسلم وبالنسبة لأعين الناس وتصورهم وتأخر النصر ليس من قلة قدرة عند الملك فكم من قرى أهلكها الله وهي أقوى من قريتك التي أخرجتك ولكن لحكمة حتى إذا اجتهد أحد وتأخر النصر لحكمة الله قليلا يعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدث معه ذلك لحكمة وسيأتي الفتح المبين بعد ذلك.
ويصل النبي صلى الله عليه وسلم ويحميه الله من مشركي مكة بعد أن يصلوا إلى الغار ويحميه من سراقة بن مالك بعد أن يصل إليه بالفرس في القصة المشهورة. قصة الهجرة التي كانت نتاج تعب واجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وقد وفاه الله تعبه.
مهاتير مُحمد.. نموذج للاجتهاد
لنذهب إلى قصة أخرى تدور أحداثها منذ حوالي ستين أو سبعين سنة وانظر إلى السنن الربانية كيف تتكرر عبر العصور مع كل الناس.. فقد كان هناك طفل اسمه مهاتير يعيش في ماليزيا وكان والده مدرس بسيط جدا، وكان حلم حياة مهاتير وهو طفل أن يكون عنده دراجة يذهب بها إلى المدرسة كي لا يمشي ويتعب ولكن والده للأسف الشديد لم يكن عنده القدرة على شراء الدراجة، فكان مهاتير يذهب إلى المدرسة صباحا ثم يعاود للدراسة وكان عنده سيارة موز صغيرة يبيع عليها الموز.
كبر مهاتير وظل يدخر المال من تجارته الصغيرة.. يدرس نهارا ويعمل مساء في تجارة الموز وظل يترقى حتى دخل كلية الطب، وهي كلية تحتاج إلى مذاكرة وتعب وجهد، ومن شدة اجتهاده فقد كان شعلة نشاط وأصبح رئيسا لاتحاد الطلاب المسلمين وهو أمر ليس بالهين فالأمر يحتاج إلى تعب وذكاء وإلى مشاركة، ثم بعد ذلك تخرج من كلية الطب وفتح عيادة بسيطة مما ادخرة من عربة الموز. مهاتير كان حنونا طيب القلب وكان مجتهدا يعرف الله سبحانه وتعالى فخصص نصف وقته لعلاج الفقراء، فبدأ أهل مدينته في ماليزيا يحبونه ويتعلقون به وانتخبوه في انتخابات مجلس الشعب لكي يصبح هذه الرجل الحنون هو المسئول عنهم، واستمر في مجلس الشعب خمس سنوات ثم خسر مقعده! سبحان الله إنه رجل مجتهد ومكافح فلما يخسر مقعده في مجلس الشعب؟! نحن الآن نرى ما كان غيبا بالنسبة له.. لقد كان الله سبحانه وتعالى يفرغه ليفكر في مشروع ينهض بماليزيا، فجهز مشروعه وانتخبوه مرة أخرى عضوا في مجلس الشعب ثم وزيرا للتربية والتعليم. كل هذه القصة حصلت في ثلاثين سنة.. ثلاثين سنة في عمر إنسان، ثم أصبح نائبا لرئيس الوزراء، ثم في عام 1981 أصبح رئيسًا لوزراء ماليزيا ووضع لها خطة للنهضة وأصبحت ماليزيا من دولة زراعية فقيرة إلى دولة من أكبر وأعظم الدول الصناعية على يد إنسان بعون الله هو مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، وكلما أحببنا أن نتكلم كمسلمين عن الإسلام أو عن النهضة أو عن الناس المجتهدين ذكرنا ماليزيا وكل ذلك على يد إنسان.
أنا عند ظن عبدي بي
اعلم أنه عندما يكون لديك يقيناً في الله تعالى أنك ستصل بعون الله لمرادك، وقد تصل لما هو أفضل مما تتمنى بحكمة وعلم الله بك، نعم إنه اليقين.. يقول تعالى في حديث قدسي (أنا عند ظن عبدي بي) فاجتهد واسعى، وخذ بالأسباب، وسنة الله في كونه أنه [هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ] {الرَّحمن:60} هل تتصور أن تتعب ولا يكافؤك الله؟! وتأتي الإجابة في الآية الكريمة [إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا] {الكهف:30} وفي آية أخرى [إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ] {يوسف:90} وقد حدث هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع الطفل مهاتير الذي لايفوقك في شيء، وليس هذا فحسب فقد أصبح رئيس وزراء ماليزيا، بل هو صاحب المشروع التنموي لنهضة ماليزيا، وسيقف أمام الله بعملٍ عظيم نسأل الله له القبول.
قصة فتحي.. الشاب السوداني
أسوق إليكم قصة أخرى لرجلٍ منا، إنه فتحي، شاب سوداني أسمر البشرة يعمل هنا في مصر، عمل في بادىء الأمر في إحدى شركات الدعاية والاعلان كمندوب لإنهاء بعض إجراءات العمل والموظفين داخل وخارج الشركة، فكان موظفاً بسيطاً جداً في وظيفة محترمة، حيث لكل الوظائف الشريفة احترامها، وقد تجلت العديد من الصفات الرائعة في شخصيته؛ كالأمانة، وعدم تعاليه عن العمل، فلم يرفض وظيفةً أبداً، لأنها تختلف عن مؤهله أو لأنه لا يعرفها، بل كانت لديه دائماً حالة من المبادرة لينال مكانته، وهنا انبهك لشيء هام وهي أن مكانتك ليست ما يمنحك إياها الناس بل إن قيمتك وسط الناس أنت صانعها، وليست عطاءً من الخلق؛ بل باجتهادك تصل إليها..
مرت ثلاث سنوات أصبح خلالهما عصب المكتب؛ حيث أصبح الجميع يعتمد عليه، وفي غيابه تشعر بنقص في الشركة، ثم رشحه صاحب الشركة للعمل في إدارة الإنتاج بدلا من وظيفته البسيطة كمندوب، وأكاد أكون متيقناً أنه عندما انضم لإدارة الإنتاج توارد إليه الحلم الذي لابد وأن يكون بدأ حياته العملية به ليكون شخصاً هاماً، فكان يذهب للمدير ويطلب منه أن يكلفه بمهامٍ أكبر، ويعده أن يكون على قدر المسؤولية، وبالفعل كان ينجح، وتمر عليه أياماً قد لا يعرف فيها للنوم مذاقاً وهنا أتذكر الحديث الذي جاء فيه (إن من الذنوب ما لا يكفر إلا بالسعي على الرزق) وتدرج في الوظيفة حتى نجح أن يكون عضواً اساسياً لا يُستغنى عنه في إدارة الانتاج.
وتمر الأيام التي اجتهد فيها ولم ينم ولم يرفض أي عمل، حتى تقلد مقاليد العمل وأصبح مديرًا للعمليات، وهو منصب هام جدًا حيث يعد عمود الشركة؛ يعرف خبايا العمليات ويخدم العملاء ذو مستوى عالٍ، ويلف العالم.. ارجع للوراء خمس أو ست سنوات، وهي التي تمر سريعة من عمر الإنسان، تجده هو ذات الشاب الصغير الذي كان يعمل عملاً بسيطاً وينجز المهام للموظفين ويلبي طلباتهم، والآن أصبح أحد أكبر مديري الشركة، إنه انسان مثلي ومثلك، بل قد يكون لا يملك من المقومات التي يملكها كثيرون ممن يتابعوننا الآن! وقد تكون بدأت في سلمك الوظيفي بوظيفة أعلى مما بدأ هو منها، لكنه كان مدركاً لحقيقة [إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ] وكم أتمنى أن تكون بلادنا جميعاً مليئة بأمثلة مثل فتحي.
الغرب.. بين الرفعة والضنك
من هنا لا تستغرب أن الله رافعٌ لشأن الغرب؛ لأن هذه السنن تجري على الكل ولا تحابي أحداً، وقد تعلمت أمراً من بعض الشركات التي عملت بها، إذ تشير إلى أن أحد الأسباب في نجاح الغرب هو التفكير المستقيم Straight thinking"" وقد رأيت هذا الأمر بأم عيني عندما سافرت لأمريكا وأوروبا، حيث تجد الفرد منهم يعمل طوال الأسبوع بشكلٍ منتظم، فلا تجد أحدهم ساهرأً على أحد المقاهي وسط أيام الأسبوع، أما في العطلة وهي يومي السبت والأحد يصلوا لذروة المتعة مع تحفظنا على ما يحدث من محرمات في تلك العطلات، أما باقي أيام الأسبوع فهم منغمسون في أعمالهم، وعندما كنت استيقظ مبكراً وأذهب للترجل في أحد شوارع انجلترا مثلاً أجدهم يسارعون في الذهاب لأعمالهم حريصين على عدم التأخير، وعند الخامسة تجدهم في طريق عودتهم لمنازلهم، ومن بعد الثامنة مساءً تجد الشوارع خاليةً من المارة، وقد يقاطعني أحداً بأنه رغم عملهم وتفوقهم فلا تجدهم سعداء، وهنا أجيبك بأن هناك سنةً أخرى تجري عليهم وسنتحدث عنها لاحقاً ألا وهي الانفلات في الحريات، الذي لابد وأن يصحبه الضنك، ويوازيه الرفعة التي تصاحب العمل والاجتهاد، وربك الحكيم هو المدبر.
فقرة الأخبار مع الداعية/ عمرو مهران
الأستاذ مصطفى: أهلاً عمرو.. كيف حالك؟
الأستاذ عمرو: الحمد لله على مايرام
الأستاذ مصطفى: ماذا في جعبتك؟
الأستاذ عمرو: لدي خبر سنعود معه للوراء لنصل إلى الحرب العالمية الثانية، يقول الخبر أن اليابان أرسلت طالب علم لأوروبا ليدرس هناك
الأستاذ مصطفى: هذا الخبر منشور على الانترنت؟
الأستاذ عمرو: منشور في جريدة المجتمع عام 1998، واتفقنا منذ البداية أنه لا يوجد خبر ينشر ويقرؤه الملايين إلا ووراءه قصة ورسالة واضحة جداً، وهذه القصة وراءها قصة جهاد، وقصة أخذ بالأسباب، قصة هامة جداً
الأستاذ مصطفى: أعد الخبر من فضلك
الأستاذ عمرو: أن حكومة اليابان أرسلت طالباً للدراسة في ألمانيا
الأستاذ مصطفى: عذراً للمقاطعة، لكن عند سماعي هذا الخبر أشعر أنه سطحي، خبر عادي
الأستاذ عمرو: لكن بعد سماع القصة سنعرف عمق الخبر؛ لأن الحكومة كان لها هدف من وراء البعثة وهو أن ينقلوا قوة أوروبا عندهم، حيث كانت لديهم قناعات أن قوة أوروبا في صناعة المحركات والطائرات، وقدرتهم على الصناعة، فأرسلوا هذا الطالب لينقل هذه الفكرة والقدرة، فسافر إلى ألمانيا طالباً العلم لمدة خمس سنوات، اكتشفت بعدها أنه لا يملك إلا الخبرة النظرية، وليست لديه القدرة على تصنيع حتى محرك موتور
الأستاذ مصطفى: بعد خمس سنوات؟
الأستاذ عمرو: بعد خمس سنوات، وقد يقول البعض أنها فترة طويلة
الأستاذ عمرو: لكنها تمر سريعاً على صاحب الرحلة؛ لأن لديه هدف، فمن يلعب في المباراة غير المشاهد لها
الأستاذ مصطفى: صحيح
الأستاذ عمرو: بعد هذه الفترة غير طريقته لتكون خبرته عملية، فسافر من إيطاليا لألمانيا واشترى موتور وفكك أجزاءه ورقمها وأعاد تركيبها، ثم عاد لأستاذه الذي قال له: ليس بعد لايزال أمامك وقت، عليك بفك وتركيب موتور معطل، وبعدما فعل ذلك قال له: لابد وأن تعرف كيف تصنع كل جزء فيه، يقول الطالب: وفي هذا الوقت المفترض فيه أن أنال الدكتوراه ارتديت لبس الفنيين ووقفت تحت أيدي عمال النحاس والحديد لأتعلم منهم، واستغرق الأمر ثمان سنوات
الأستاذ مصطفى: كل هذا ليصنع قطع الغيار؟
الأستاذ عمرو: بالضبط
الأستاذ مصطفى: أود هنا أن ألفت نظر المتابعين أنه كانت لا توجد علاقة بين أوروبا واليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بل كان مفروضاً عليها عقوبات، فقد يظن البعض أن اليابان لا تحتاج لمثل هذه التقنيات، وما وصلت إليه من تقنية فهو بعد فضل الله للمهندس أوسي هايو
الأستاذ عمرو: وبعد أن تعلم هذه الصناعة، وضحى بالدكتوراه، معلناً أن اليابان أهم، أرسل له رئيس اليابان منحة نقدية، فاشترى بها معدات لبناء مصنع في اليابان، ثم عاد لبلده ورفض مقابلة أي شخص حتى رئيس اليابان، وعكف على العمل تسع سنوات انتج خلالها عشر موتورات كلها في اليابان، وهنا تظهر قصة الكفاح من وراء الخبر
الأستاذ مصطفى: يعني أن ما تعيش فيه اليابان هو خلاصة اجتهاد هذا الشخص
الأستاذ عمرو: خلاصة السنين، إذا عزمت فتوكل على الله، طالما أمامك هدف، واستخرت واستشرت، فابذل قصارى جهدك
الأستاذ مصطفى: جميل، بينما تتحدث أقول صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم، صدق العلماء الذين فسروا لنا أن سنة الله لا تحابي أحداً، وأن القانون الرباني يسير على كل الخلق، فأنا أفكر ما هي عقيدة هذا الياباني.. أمؤمنٌ هو، يعرف الله أم ملحد؟ مصدقٌ بأي نبيٍ من الأنبياء؟ ثم تذكرت خلال حديثك أنه قانون، كلما اجتهدت أعطاك الله، وإن تقاعست فلا تلومن إلا نفسك وتذكرت حديث (ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم فمن وجد خيراً فليحمد الله)
الأستاذ عمرو: هناك خبر آخر يؤكد هذا المعنى.. خبر منشور على أحد المواقع الإلكترونية عن رجل يدعى "براين تيسي" قام بعمل دراسة على شريحة من المجتمع ليحصي كم منهم يحدد هدفه، ويخططوا لها ويبذلوا جهداً لتنفيذها، فوجدهم 3% فقط و83% يعيشون بلا أهداف، وأن نسبة ال3% نسبة أرباحهم السنوية تفوق بعشر أضعاف من لا يضعون أهدافاً وهذا يؤكد أن لكل مجتهد نصيب كما تطبق السنن الربانية، وقسمت الدراسة لثلاث شرائح، شريحة لها أهداف مكتوبة وخطط لتنفيذها، والشريحة الثانية 14% لهم أهداف في أذهانهم بلا خطط لتنفيذها، و83% بلا هدف بل يعيشون ويعملون فقط
الأستاذ مصطفى: ونسبة الـ 83% تعمل ويرزقهم الله نسبة بقدر اجتهادهم، فهذه سنة الله، أما نسبة الـ 14% تعمل ولكن بلا أهداف، وكل منهم له رزقه لأن عطاء الله للجميع، أما من وصل في الأخذ بالأسباب لأقصى درجة حتى لوضع خطة مكتوبة مثل الـ 3% هؤلاء فيزيد الله أضعافك عشر أضعاف، ونسأل الله أن نكون منهم؛ لأنها عبادة أن يضع المرء هدفاً نصب عينيه ويحاول تحقيقه؛ لأن هذا ليس عملاً دنيوياً فالمسلم ليس لديه دنيا وآخرة، بل إن الدنيا تصب في الأخرة، فهي حياة واحدة ذات مرحلتين، وما يوجد من حلاوة في المرحلة الثانية يأتي بالتعب في المرحلة الأولى
الأستاذ عمرو: الخبر الثالث يؤكد معجزة أن لكل مجتهدٍ نصيب، معجزة الأخذ بالأسباب، ولكن سنرجع للوراء مئتي عام.. يقول الخبر هذا ما حققه صاحب الدرجة المتوسطة في الكيمياء، وهي قصة رجل يسمى "لويس باستر" وهو عالم فرنسي فقير جداً كان والده دباغاً للجلود، وكانت لديهم مشاكل مادية عنيفة، وبدلاً من أن تعصف به وجه طاقته للعلم، وكان معلمه يقول عنه أنه يتنبأ بالفشل له لقلة ذكاؤه، أما هو فيقول عن نفسه أنه كان مقتنعاً بقدراته ومؤمناً بثلاث أشياء: الإرادة، الصبر، والعمل، وأي شخص يقتنع بهذه الأمور ويأخذ بالأسباب لابد وأن يصل، فهم ركائز النجاح، فهذا الشخص هو من اخترع التعقيم، فأنقذ ملايين المرضى
الأستاذ مصطفى: متى كان ذلك؟
الأستاذ عمرو: حوالي 1940 أو 1950 في هذه الفترة، وتوفي عام 1959م
الأستاذ مصطفى: من مئتي عام
الأستاذ عمرو: فهو أول مكتشف لعلم التعقيم والتطعيم، وكذلك علم الميكرو بيولوجي "علم الأحياء الدقيقة" وقام بعمل بحث عن دودة القز ربحت فرنسا من وراءه ملايين الدولارات في ذلك الوقت
الأستاذ مصطفى: من كلامك أتذكر كلام الأستاذ أحمد الأعور الذي يقول إن أحد أسباب النجاح أن تصدق نفسك، وتتغلب على عقلية الضحية، وتؤمن بقدرتك على الإنجاز، فهذا الشخص رغم ما كان يقال عنه من قلة ذكاءه، إلا أنه كان مقتنعاً بعكس ذلك في نفسه، وهذا يعكس أن اقتناع الشخص بأنه هو من يقود نفسه يدفعه لتحقيق حلمه
الخاتمة:
الخلاصة هي الثقة في الله، فقد وعد بمكافأة المجتهد، فخذ بالأسباب، وتوكل على الله، فأنت محاسبٌ على اجتهادك فإن كافئك الله في الدنيا بالوصول لمرادك فهو الأنفع لك، وأنت طالب للدنيا والآخرة بأن يريك الله نتيجة تعبك في الدنيا، وأن يرضى عنك في الآخرة ويدخلك الجنة، فإن كافئتني في الدنيا والآخرة فهو أمرٌ حسن، وإن كانت المكافأة في الآخرة فقط لأن هناك شيئاً آخر أفضل لي في الدنيا وهو ما يحدث بالفعل، فقد تبذل جهداً كبيراً في أمرٍ ما لكن لا يكون لك فيها خيراً وترى أثر جهدك في شيئ آخر، فالإنسان يريد نتيجة ملموسة لما يبذله بشكل سريع، وأعرف شخصاً أخذ بالأسباب ليتزوج من فتاة معينة واجتهد لكنها لم تكن تصلح له، فعوضه الله نتيجة جهده بالزواج من فتاة أخرى هي الأنسب له، وهذا ما يتكرر مع الكثير من الشباب في الزواج أو العمل أو أي هدف آخر أو لإصلاح عيب ما، أو حل مشكلة معينة علينا بالاجتهاد.. فلكل مجتهدٍ نصيب، والأخذ بالأسباب ثم اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء، وهنا نأتي إلى الخدعة وهي أن البعض يقول أنه يأخذ بالأسباب ولا يصل لنتيجة، فيرد عليه العلماء في قانون لكل مجتهد نصيب أنه لابد من الأخذ بالأسباب مع انتفاء الموانع، أي ألا يوجد أي عائق في تحقيق هذا الهدف، واضرب لك مثلاً.. الصحابة وهم أشرف الخلق بعد الأنبياء، في غزوة أحد أخذوا بالأسباب التي أهلتهم للانتصار في أول الغزوة وكانوا سبعمائة أمام ثلاثة آلاف من مشركي قريش، لكن حدث مانع جعلهم يُقتل منهم سبعين، ويحدث لهم شبه هزيمة من الجيش الآخر، والمانع أنهم خالفوا أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل الرماة من أماكنهم، فعندما وجد المانع توقفت النتيجة، كما حدث في غزوة حنين بعدما جهزوا الجيش وبعدما رؤوا الجيش الآخر قالوا لن نغلب اليوم لكثرتنا ولم يستعينوا بالله، فغلبوا في بادئ الأمر، وعندما رجعوا إلى الله وتابوا، انتصروا، فالأخذ بالأسباب مع انتفاء الموانع هو خلاصة حلقة اليوم
---------------------------------------------------------------------------------------------------
قام بتحريرها: قافلة التفريغ والإعداد بدار الترجمة
Daraltarjama.com© جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخرى فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
للاستعلام: management@daraltarjama.com
http://mustafahosny.com/article.php?id=1398