اليقين
هناك موقف حتمي، من المؤكد أنه سيمر به كل الخلق؛ وقد أسمى رب العزة هذا الموقف باليقين، حيث يقول في كتابه العزيز: [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليقين] {الحجر:99} واليقين هو لحظة مفارقة الروح للجسد؛ كل بنو آدم بل كل أهل الدنيا، سيمرون على تلك اللحظة، إنتبهوا معي إخواني الكرام!! هذا الموقف هو موقف الموت، هذا الموت له قانون؛ نعم قانون، يحدد لك شكل لحظة خروج الروح، يحدد لك إن كانت ستكون هذه اللحظة لحظة جيدة أم سيئة! يوجد في هذا الموقف شيءا قد يعد ميزة كما يمكن أن يعد في نفس الوقت مشكلة! ميزة لحظة الموت؛ أنه في تلك اللحظة تكون منفردًا تمامًا، حتى وإن كنت وسط آلاف الناس، هذه اللحظة تكون بينك وبين الله وحده، لا يشعر بك أي من الموجودين حولك، فإن الموت يأتيك وحدك، هذه اللحظة الفريدة لها قانون.
كيف عشت حياتك..؟
أتريد أن تكون لحظة موتك كلحظات موت الصالحين؟ التي ما أكثر أن سمعنا عنها، أم تريدها كلحظة الكثير من الناس الذين ماتوا ونساهم الترايخ؟ لذلك سنة اليوم أو قانون اليوم هو ((من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه)). قال الله وهو يعلمنا أن لحظة الموت مبنية على قانون اسمه كيف عشت؟ [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عليهمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ] {فصِّلت:30}
آيات الحب
عندما يحبك حبيبك فإنه يحذرك من بعض الأشياء التي يعلمها عنك، حتى لا تقع فيها لأنه يريد أن يراك في أبهى صورة. فقد سمعنا في القرآن الكريم: [وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ * حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعلى أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] {المؤمنون: 97-100}، متى يحدث هذا الحوار ؟ إن هذا الحوار سمعه الله دخل قلب شخص لم يعش على الخير، وندم على عمره الطويل الذي لم يحيى فيه على الخير، وحين حانت لحظة الفراق أخذ يترجى الله أن يعيده للدنيا لعله يعمل عمل صالح ينفعه في هذا الموقف العصيب.
توجد لفتة طيبة في هذة الآية الكريمة، حين قال رب العزة { إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ } وكأنه يقول أن ذلك الشخص العاصي ليس منكم ليس من أمتي، وكأنه يقول لنا إياكم أن تصبحوا مثله؟
منازل الشهداء
انظروا إلى نبي الرحمة، صلى الله عليه وسلم، كان كلما رأى أحد الصحابة يلبس ثوبًا، سأله أهو جديد؟ فإن قال نعم، قال له صلى الله عليه وسلم: (البس جديدًا، وعش حميدًا، ومُت شهيدًا) هذا الدعاء يقال لمن يلبس الجديد، وكأنه صلى الله عليه وسلم يقول لهم، تمتع بحياتك (فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) ولكن لا تجعل هذا التمتع يصرفك عن الله، بل عش حميدا تحمد ربك، مستشعرًا لفضله، ويذكرهم في آخر حديثه الكريم، بأن لنا غاية في دنيانا ألا وهي الشهادة في سبيل الله، ولنا هنا وقفة، مع الإستشهاد في سبيل الله، خاصة في الثوارات الأخيرة، سواء في تونس، أو ليبيا، أو مصر، فحين نرى شهداء هذه الثورات، يداخلنا شعور [يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (للشهيد ست خِصال: يُغفر له عند أول دفعة دم، يُؤمَّن من عذاب القبر، ويُؤمَّن من الفزع الأكبر، ويرى مقعده في الجنة، ويلبس تاج الوقار، إلىاقوتة فيه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين من أهله) وفي حديث آخر (للشهيد سبع خصال: ويزوج من اثنين وسبعين من الحور العين) تلك هي منازل الشهداء، وما أروعها من منازل، لذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، دائما ما يذكر أصحابة بالشهادة في سبيل الله، ولكن الشهادة ليست فقط لمن يُقتل في سبيل الله، فالحمد لله ليست كل بلاد المسلمين في حالة حرب فكيف ننال الشهادة إذًا؟ يقول الشيخ الغزإلى: من الصعب أن تموت في سبيل الله، ولكن من الأصعب أن تحيا في سبيل الله.
عيشة الشهداء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله، أو من تمنى الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، ولو مات على فراشه)
إذًا سنتنا اليوم كانت من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بُعث عليه، وأمنيتنا أن ننال مرتبة الشهداء، إذًا يجب أن نتفق بعد هذه السنة وتلك الأمنية على أن نعيش عيشة الشهداء.
الشهيد مصطفى الصاوي
الشهيد مصطفى الصاوي هو أحد شهداء ثورة الخامس والعشرين من يناير لعام الفين وأحد عشر، شهد كوبري قصر النيل آخر لحظات حياة هذا الشهيد، حيث أصيب بطلق ناري توفى على أثره، ذهبنا إلى مقر سكن الشهيد مصطفى الصاوي ونحن نردد [وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ] {آل عمران:169} كنت أردد هذه الآيات لنفسي ولكن الواقع الملموس أن هؤلاء الشهداء قد ماتوا، ولكن حين ذهبت إلى المنطقة التي كان يعيش بها مصطفى قلت صدق الله العظيم.. هم بالفعل أحياء، لقد تم تسمية الشارع الذي يقطن فيه بأسمه وامتلأت شوارع المنطقة كلها بصوره رحمه الله، تقول أمه الثكلاء: إنها ما زالت حتى الآن تشعر بأنفاسه وبأقدامه في موعد كل صلاة وهو يخطو لباب المنزل متجهًا إلى المسجد، ويقول أخوه: إن المشاعر تختلف بداخلي فقد نزلنا إلى ميدان التحرير ونحن نتمنى الشهادة، وأنا سعيد أن أخي قد نالها، إلا إني في ذات الوقت حزين على فِراقه وأني لن أراه بعد اليوم، روت لنا أمه: حين سمعنا بما حدث تخيلنا أنه قد أصيب فقط، ولكن حين ذهبت أخته لتتحق مما حدث ووجدته وتأكدنا أنه بالفعل هو مصطفى، أخبرتني أنه كان (زي القمر) بل ومبتسم أيضًا، وحين ذهبت له في الصباح قولت له، ألم أقل لك لا تذهب إني أخاف عليك، ولكني الآن قد سامحتك يا بُني.
ويقول عنه أخوه: أنه رحمه الله كان قد حفظ القرآن في المسجد الحصري بل وكان إمامًا فيه لصلاة التراويح في رمضان، وكان شديد التعلق بالقرآن الكريم، وكان دائمًا ما يتلوه، سواء كان حفظًا أو تسميعًا أو تجويدًا أو حتى تحفيظًا، فقد كان يُحفظ الأطفال القرآن الكريم.
ذهبنا إلى أحد المساجد القريبة من سكن الشهيد مصطفى الصاوي وجلسنا مع الأطفال الذين كان يحفظهم القرآن، ورأينا بصمته التي خلفها ورائه.
كنا نتمنى أن نزور كل أهإلى الشهداء في كل ثوارات البلاد ، ولكن الله هو من يختار [وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ] {القصص:68} تحية وعرفان وتقبيل على أيادي وأقدام هؤالاء الشهداء، وذويهم، وأر يد أن أقول لأهإلى هؤلاء الشهداء، أن الكريم إذا وهب ما سلب، فإن كنتم لا ترون شهدائكم الآن، إلا أنكم تحيون الآن في خيرهم، أريد أن أذكركم أن الحديث الشريف كان يقول، أنه يشفع في سبعين من أهله ومن يدخل الجنة منهم يُرفع إلى مقام شهيدهم، ويوجد نص آخر للحديث يقول: (أنه يُشفع لسبعين من أهله كلهم وجبت لهم النار) أي أنه لو لا قدر الله كان من أهل هذا الشهيد من يدخلون النار، يشفع لهم الشهيد ليدخلوا معه الجنة، يقول الله عز وجل: [وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ] {الطُّور:21}، اطمنئنوا يا أهإلى الشهداء فإن كان الله قد سلبكم رؤية شهدائكم فإنكم ستنعمون في الدنيا والأخرة من أجلهم، فهنيئًا لكم.. حين سألت أم الشهيد مصطفى هل زغردت النساء عند استشهد مصطفى؟ قالت لي: يا ابني لسنا معتادين هنا في مصر على أن نزغرد في حالة الوفاة، ولكن اتصل بي ناس من غزة وباركوا لي استشهاد مصطفى رحمه الله وزغردو لي على الهاتف.
إن كنت تريد أن تموت شهيد، ولكي تنال الشهادة تقول السنة - كما علمنا رب العزة - إنه من عاش على شيء مات عليه، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يُبعث العبد على ما مات عليه) ويقول رب العزة في كتابه العزيز: [وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {البقرة:130-132} اللهم اجعلنا من ذرية سيدنا ابراهيم، لقد اختار لنا الله الإسلام دينًا، لذا يجب علىك حين يطرق الموت بابك أن يجدك مسلمًا، قد يقول قائل إننا كلنا مسلمون، كلا بل يجب علىك أن يجد في وضع مستسلمًا فيه لأمر الله عز وجل، حافظ على دينك لتموت عليه وتُبعث عليه.
الخلاصة:
من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه، فإذا كان الكل سيموت فلنأخذ قرار من اليوم أن نموت ميتة طيبة لأنه كيفما نموت كيفما نبعث.. في أحد الأيام كان أحد الصحابة يحج مع النبي صلي الله عليه وسلم، سقط من فوق جمله فكُسر عنقه فمات وكان مُحرماً، فأمر النبي صلي الله عليه وسلم بتكفينه بملابس الإحرام ولا تغطوا وجهه لأنه يبعث يوم القيامة مُلبياً يوم القيامة، يوم يجري الناس في كل اتجاه كالفراش المبثوث كما قال الله في سورة القارعة.. يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، كل شخص في اتجاه وأحدهم قادم يهتف لبيك اللهم لبيك، لأنه مات عليها، وعكس هذا الكلام كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يدعوا بعد التشهد وقبل السلام "اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنه المحيا ومن فتنة الممات، ومن فتنة المسيح الدجال" قيل أن فتنة الممات هي حضور الشيطان عند الموت في صورة حبيب مات له من قبل يقول له: أنا فلان لقد ذهبت إلى الجنة لم أجد المسلمين وذهبت إلى النار وجدت المسلمين! مت على أي شيء غير الإسلام، وقتها لو كان المسلم قد عاش على لا إله إلا الله سيقول له لا وسيردد لا إله إلا الله محمد رسول الله.. قال الله في هذه اللحظة في فتنة الممات [يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ] {إبراهيم:27}
خذ القرار.. نريد أن نحيا حياة الشهيد. والشهيد يقوم بثلاثة أشياء:-
1- يراعي عبادة الوقت؛ فلكل واجب وقته فللصلاة وقتها وللأهل وقتهم، وللعمل وقته.
2- أي شيء رخيص في سبيل الله حتى روحي.
3- خَدوم للخَلق وله أيادي ومساعدات للناس، فإن مات وجد من يتصدق عنه ومن يعتمر له.
تلك صفات من يحيا حياة الشهيد..
الواجب العملي
الأول: الثورة لصلاة الفجر.. من لا يصلي الفجر حاله أن ربع ساعة نوم أغلى عنده من الله. هلموا إلى صلاة الفجر، قال صلى الله عليه وسلم "من صلي الفجر فهو في ذمة الله"
الثاني: تدبر الربع الأخير من الجزء الثاني من سورة البقرة واستنباط السنة الربانية التي تتناولها الآيات.
--------------------------------------------------------------------------------------------
قام بتحريرها: قافلة التفريغ والإعداد بدار الترجمة
Daraltarjama.com© جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخرى فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
للاستعلام: management@daraltarjama.com