الحقوق محفوظة لأصحابها

راغب السرجانيمصطفى حسني
خدعوك فقالوا الجزء الرابع يتحدث عن السُنن الربانية وهي القوانين التي يدير بها رب العالمين شئون العباد سواء الأفراد أو الأُمم، وهذا من إصلاح المفاهيم فالعبد الرباني لابد أن يكون لديه فهم عن الله، وهناك قوانين ثابتة لا تتغير يسير الله سبحانه وتعالى بها شئوننا كعبد وأمم.

• الصفة الأولى: هي الثبات فقوانين الله عز وجل على من يحييون من سبعة آلاف سنة، هي ذاتها قوانينه أيام النبي صلى الله عليه وسلم، هي قوانينه منذ مائتي سنة، هي قوانينه الآن علينا، فهي متكررة وثاتبة عبر التاريخ.

• الصفة الثانية: أن هذه السُنن لا تتغير ولا تتبدل، {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الأحزاب62.

• الصفة الثالثة: أن هذه القوانين والسُنن لا تحابي أحدًا، فلا علاقة لها بمؤمن أو كافر، طائع أو عاصي، قريب أو بعيد ، بل هي تجري على كل من بالدنيا حتى أن الله سبحانه وتعالى قال للأنبياء: {... وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الأنعام88.

واليوم أتيت لأحدثكم عن معنى عام يحيط بالسُنن الربانية ألا وهو: التاريخ يُعيد نفسه، لأننا لن نفهم كيف يأتي النجاح وكيف يأتي بناء الأمم وهلاك الظالمين، إلا إذا نظرنا خلفنا في التاريخ سنعرف أسباب النجاح وأسباب الفشل وأسباب النهضة وأسباب الهلاك، وأسباب السعادة وأسباب الرزق من قصص الله سبحانه وتعالى عرفها لنا، فالتاريخ لا يحكمه إلا قوانين رب العالمين سبحانه وتعالى وهي السُنن الثابتة واللازمة لمعرفة أي شيء يحدث اليوم أو سيحدث في المستقبل.

التاريخ يُعيد نفسه

هناك مثل في القرآن تكلم عنه الله عز وجل ستة وسبعون مرة، وقد أصبح اسمه ولقبه رمز لمعنى معين وهو: فرعون، وفرعون ليس مجرد اسم أو لقب بل هو رمز للفساد والظلم ولاستعباد أي شخص ملكك الله أمره.

قال رب العالمين يصف فرعون رمز الفساد: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }القصص4، فأصبح الناس في عصره لا يحبون بعضهم بسبب فساده وسوء إدارته لمن معه، ووصفه الله تعالى أنه كان من المفسدين لاستضعافه المساكين، فكلما ذُكر الفساد أو الظلم يقول الله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ... }آل عمران11، فأصبح رمز لابد من التحدث عنه، فهو فاسد والناس متعبة، وإرادة الله عز وجل هي التي تُدير شئون الكون ليوقن كل إنسان أن الله معه، قال رب العالمين: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} القصص(5-6)، فإن كان الله معك فلن يغلبك أحد ولكن اصبر، فكل ظالم وفاسد يحيا وهو خائف لعلمه أن من يجور على غيره لا يتركه الله حتى وإن كانت على قلبه غشاوة بسبب ظلم السنين.

وكثيرًا جدًا ما نرى في الأخبار قصور العلماء التي فًتحت ورأوا فيها سراديب تحت الأرض لكون حياتهم مليئة بالحذر، من كان يقول أنا ربكم الأعلى بداخله خوف لعلمه أن لا أحد يحبه لسلوكياته مع الخلق.

مطالب أصحاب الحق

لم يكن في المطالب خطأ أو ظلم، إنما هي مطالب من حق الشعوب، ففي القرآن الكريم قول سيدنا موسى رسول رب العالمين: {... فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى }طه47، أي اترك الناس وارحل فقد جئنا لثورة سلمية فلا تُعذب الناس، ألا يكفي اجتماعنا جميعًا آية من الله وأننا لا نريد إلا أن نشعر أنها بلدنا.

فبدأ فرعون بخطاب يخاطب المشاعر، ليُذكر الناس من يكون، فقال كما ذُكر في القرآن الكريم: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ }الشعراء 18، فأنا من ربيتكم وخرجتكم الدنيا لتجدوني، {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ }الشعراء19، والكفر المقصود هنا هو إنكار النعمة، فظل يذكرهم بإنجازاته وتعبه وتضحياته من أجلهم وكيف يطلبون منه الرحيل بعدها !

فرد عليه طالب الحق نفس رد سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام، {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }الشعراء22 ، أن كيف يمُن بالإنجازات وهم في النهاية يحييون كعبيد محتاجين للطعام ! فأين هذه النعمة والشعب يمُد يده للآخرين وفقط الصفوة من رجال الأعمال لديهم ميزانيات دول!

ولكن فرعون مركزيته نفسه فقط، فبالتالي لا يتصور أن يتكلم أحد سواه أو يُهتَف لأحد سواه، {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ }الشعراء23، وإذا بأهل الحق لديهم صمود مستمد من إرادة الله سبحانه وتعالى، {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ }الشعراء24، فرعون غير معتاد على الحديث مع شعبه لتعاليه وبُعده عنهم فاتهم شعبه بتعاطي حبوب للهلوسة، فقال لمن حوله من الملأ الذين اعتادوا تشجيعه وخداعه، {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ، قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ، قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} الشعراء(25-27)، فرد عليهم طالبي الحق: {قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }الشعراء28.

في هذه اللحظة لم يجد فرعون حل في خطابة الحنون أو إدعائه بالباطل، فبدأ يلوح بالقوة: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ }الشعراء9 ، ولم يكن فرعون مؤيدًا في يوم، والإنسان المؤيَد يُعرف من كلامه إذا تكلم بنور الله، أما من تكلم فأصبح أُضحوكة للعالم تعلم أن الله سحب بساط الستر من على هذا الإنسان.

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ }القصص38، فكيف يقول إله إنه غير متأكد أو سأحاول! وكما يقول أهل السُنة والجماعة هذه تسمى إهانة إذا تكبر الإنسان على الخلق يسحب الله الستر من تحته فيُصبح مُهان في كلامه.

ثم بدأ المنتفعين يتقربوا من فرعون بأنهم سيساعدوه، لإن ثبات ملكه فيه ثبات لثرواتهم، وإذا تزواج المال مع السلطة حدث الفساد، {فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ }الشعراء41 ، فلم يعدهم فرعون بالمال فقط بل أيضًا بالسلطة التي تُعطي تكبر على العباد ورفعة عنهم، {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }الشعراء42 ، والظلم والفساد المرتبطين بالمال هما من يصنعوا الفاسدين والمتكبرين، فبدأ الفاسدين حول فرعون تحميسه لضرب طالبي الحق.

فإذا فرعون يقول سأكون مع شعبي ضد الثوار! على الرغم من إن شعبه كله ثوار، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }غافر26، وسأنزل معكم ضد الفساد! رغم أن فرعون هو مصدره! وشعبه يشكو منه.

فطلب من المؤيدين الخروج عليهم وادعى أنهم مئات أو آلاف! وأنه سيكون مع البلطجية، وسأقص عليكم قصة سريعة جدًا حدثت معي شخصيًا ومع فريق مصطفى حسني دوت كوم، فعندما نقوم بتسجيل أي فيديو لدينا كاميرا ومسجل جميل الشكل، فذهب صديق لي الفريق إلى التحرير ووضع المسجل في تابلوه السيارة وكان ظاهر، وفور أن نزل وجد بلطجية بالسيوف، فأوقفوه وأخذوا بطاقته ورخصة السيارة وسرقوه ثم ذهب هو للمظاهرة، وفي اليوم التالي وجد نفس البلطجي يطرق على باب بيته وأعاد له المسجل، فلما سأله، أخبره أنهم ليسوا بلطجية ولكننا نسكن في السيدة عائشة وهي منطقة بها المصريين أصحاب الشهامة ولكن بها بسطاء، فذهب لهم بعض المسئولين وأخبروهم أن متظاهري التحرير يقومون بمشكلات وعملاء لإسرائي ويأكلون الكنتاكي!! وأخذوا أموال 50 يورو في اليوم، فخرجنا من أجل الحفاظ على البلد، فعندما عُدت أعطيت المُسجل لأختي فوجدت به درس لمصطفى حسني وأخبرتني أن أصحابه طيبين وأن أُعيد لهم المُسجل، فأنا أعتذر لك لأننا لسنا بلطجية ولكننا كنا نظنكم غير ذلك.

فوقفوا في مواجهة {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى }طه65، ألف ساحر معهم عصي وحبال، وسيدنا موسى إذا وقفنا وراء ظهره سنرى سبعون ألف ساحر سيلقون بالحبال والعصي {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى } طه( 66-67) ، فإذا وقفنا وراء السحرة ونظرنا إلى سيدنا موسى ومن معه من عُزَّل فلا يوجد سوى طوبة وجدها في الأرض ليدافع بها عن نفسه، فلم ينزل أحد من بيته بسكين {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى، وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى }طه (68-69)، فانتصر الطوب على الرصاص الحي والقناصة، {... وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى ... }الأنفال17.

ثم بدأ يحدث تخلي عن فرعون، وبدأت تستيقظ فطرة من كانوا حوله، فلم يعودوا يستطيعوا الوقوف ضد الشعب ومع الفساد، {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }الشعراء( 47-48 )، أما فرعون لازال يظن أن مُسيطر على بلده {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }الأعراف123 فإذا بفرعون ورائهم تهديدات بالضرب والسحق بيت بيت وشارع شارع لكن الله معهم، ونختم القصة {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }يونس90.

فقال الله : {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }يونس91، أين كنت حين كان الفساد والمحتاجين لا يجدوا الطعام! أين كنت حين كان التعذيب! أين كنت حين كانت البلد تسقط! {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }يونس92، هذه كانت قصة فرعون، والتاريخ يُعيد نفسه..

لكل متشكك مما سيحدث غدًا، فبدأ يتشكك في قيمه وأين الحق وأين الباطل! ومن الذي سينتصر، اقرؤوا التاريخ، ويقول الله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }يونس94



----------------------------------------------------

قام بتحريرها: قافلة التفريغ والإعداد بدار الترجمة

Daraltarjama.com© جميع حقوق النشر محفوظة

يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخرى فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع

للاستعلام: management@daraltarjama.com

http://mustafahosny.com/article.php?id=1294