مولده ونشأته
هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي من ذرية أبي بكر الصديق الفقيه الحنبلي الحافظ المفسر الواعظ المؤرخ الأديب المعروف بابن الجوزي وعرف بابن الجوزي نسبة إلى جده الأكبر جعفر الجوزي وسمي جده بالجوزي نسبة إلى جوزة على شاطئ دجلة قريبا من بغداد
ولد سنة ثمان وخمسمائة وتوفي والده وهو صغير فكفلته أمه وعمته وتوجها به إلى العلم فحملته عمته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر فأولاه عناية كبيرة لما
رأى من بوادر نبوغه وإقباله وحرصه على العلم وهو صغير وحفظ القرآن الكريم وقرأه على جماعة من أئمة القراء
وسر نجاح ابن الجوزي يكمن في قوة بديهته مع كثرة محفوظه وسعة روايته
ولقد انقطع ابن الجوزي للدرس ومجالس العلم وترك ما كان أترابه يلهون به من اللعب وكان لا يخرج من بيته إلا للجمعة ولا يلعب مع الصبيان
وقد تحدث ابن الجوزي في كتابه لفتة الكبد فقال
كان الصبيان ينزلون إلى دجلة ويتفرجون وأنا في زمن الصبا آخذ جزءا أقعد حجرة من الناس إلى جانب الرقة فأتشاغل بالعلم
وكانت بغداد مشرقة زاهرة بعلومها وفنونها زاخرة بالعلم والعلماء فنهل ابن الجوزي من هذا المنهل الفياض الذي لا يغيض دفعه إلى ذلك حبه للعلم وولوعه به وتحدث هو عن نفسه في كتابه صيد الخاطر فقال فأقول عن نفسي وما يلزمني حال غيري إنني رجل حبب إلي العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به ثم لم يحبب إلي فن واحد منه بل فنونه ثم لا تقتصر همتي في فن على بعضه بل أروم استقصاءه والزمان لا يسع والعمر أضيق والشوق يقوى والعجز يقعد فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات
أخذ الحديث والوعظ
ودرس الفقه ودرس اللغة
ذكر ستة وثمانين شيخا من شيوخه
يجلس الواعظ في بغداد منذ سنة خمس مائة وسبع وعشرين للهجرة وسنه دون العشرين ومازال يدرس ويعظ ويؤلف حتى أصبح إمام بغداد وواعظها الأول
حرز الجمع في بعض المجالس بمائة وكان الخليفة يحضر وعظه ومجالسه في المناسبات
وذكر أنه تكلم يوما بحضرة الخليفة وحكى له موعظة شيبان للرشيد وقال فيما قال يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك وإن أمسكت خفت عليك
وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك
وفي آخر حياته وشى به حساده عند الخليفة فأرسل من أهانه وشتمه وختم على داره وشتت عياله وأخذ في سفينة إلى واسط فحبس في دار هناك ومكث على ذلك الحال خمس سنين وهو يقوم بشئون نفسه من غسل وطبخ حتى استطاع ابنه يوسف أن يجتهد وباجتهاده توصل إلى أم الخليفة فشفعت للشيخ فأطلق سراحه
طلبه للعلم
وقد وصل ابن الجوزي قمة النضج العلمي حتى أطلق عليه لقب الحافظ دلالة على مكانته العلمية الكبيرة وقد تحدث عن نفسه فقال أنا كتبت الحديث ولي إحدى عشرة سنة
ولقد برع وتفوق في كل علم من العلوم وفن من الفنون فكان في الفقه إماما يحضر مجلسه جماعة من الفقهاء الحنابلة
أما في التفسير فكان لا يجارى ولا يبارى حتى أنه قد فسر القرآن الكريم
على منبر وعظه وكان يقول ما عرفت واعظا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن فالحمد لله المنعم
ولقد بلغت مؤلفاته وتصانيفه في القرآن وعلومه سبعة وعشرين كتابا كان من أبرزها كتابه الشهير زاد المسير في علم التفسير
وكان من المبرزين في التاريخ المتوسعين فيه فكتب وترجم لكبار الصحابة والفقهاء أما في الوعظ فكان وحيد عصره ونابغة قرنه بدليل تسابق العامة والخاصة والأمراء والخلفاء على مجالس وعظه وكان الناس يقصدونه للتوبة على يديه ولقد حضر بعض هذه المجالس الرحالة العربي ابن جبير عند زيارته لبغداد عام خمسمائة وثمانين من الهجرة وقد أطنب في وصفها وتأثيرها العام في المجتمع حتى قال تساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح وقال ابن رجب إذا وعظ اختلس القلوب وتشققت النفوس دون الجيوب وكان ابن الجوزي كذلك أديبا ومحدثا
وقد اختلف المؤرخون في عدد تصانيف ابن الجوزي ما بين الثلثمائة والأربعمائة مصنف
كان ابن الجوزي على مذهب أهل السنة ومذهب الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه
وقد كان له خطة ومذهب ظهرا واضحين في كتابه تلبيس إبليس الذي تحدث فيه عن كثير من المفاسد والمبتدعات التي تفشت في ذلك العصر ومع ذلك فإن بعض أصحاب مذهب الإمام أحمد نقموا على ابن الجوزي بعض آرائه لأنه لم يكن يتعصب تعصبا كاملا للمذهب وكان يرى في نفسه عدم وقوفه على رأي بل لا بد من استعمال العقل والفكر
وقد بنى ابن الجوزي مدرسة بدرب ديناء ودرس بها سنة سبعين وذكر أول يوم تدريسه بها أربعة عشر درسا من فنون العلم وزاد عدد المدارس بعد ذلك حتى صارت خمس مدارس كلها في خدمة العلم والتعليم ويكفيه من العمل تلك المصنفات الكثيرة التي ألفها في كل علم وكل فن
وفاة ابن الجوزي
بعد حياة حافلة بالعمل الدائب المستمر لخدمة الإسلام ورفعة شأن السنة المحمدية ومحاربة البدع والمبتدعة مرض الشيخ مدة لا تزيد على خمسة أيام توفي على أثرها رحمه الله رحمة واسعة
وكانت وفاته ليلة الجمعة الثاني عشر من رمضان بين العشاءين سنة سبع وتسعين وخمسمائة ودفن من الغد في باب الحرب وأجمع من ترجموا له على أن يوم وفاته كان يوما مشهودا في بغداد فقد ازدحم الناس لتشييعه إلى مثواه الأخير وغلقت الأسواق وأفطر بعضهم لشدة الزحام والحر ولم يصل إلى حفرته عند قبر الإمام أحمد بن حنبل إلا وقت صلاة الجمعة وحزن الناس عليه كثيرا حتى قيل لم يخلف بعده مثله
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=325_0_2_0