نتحدث في حلقة اليوم عن سر السكينة وكيف في ظل أحداث كثيرة متناقضة يكون همك الأول والأخير هو الله، أي رضا الله عليك، ونرى ذلك في حياة النبي، كيف كان في أيام العزة والإنتصار وفي أيام الهزيمة والإنكسار، وكيف كان في أيام الفرح والسعادة وأيام الحزن والألم، وكيف كان في أيام الجوع والشبع.
نحن نعيش في الدنيا، نتعرض لأحداث سلبية وإيجابية، فنتعلم من كلاهما لأن الحياة ليست مثالية ولكن الإشكالية تكمن فينا حيث أن الأقدار تأخذنا بعيداً عن الله عز وجل في حين أن تلك الأقدار يجب أن تقربنا منه، فمثلا إذا أُنعم العبد بالمال نسيَّ حق العباد منه فلم ينفذ مشيئة الله فيما أتاه، وإذا سُلب منه المال سخط على قدره، قال تعالى: }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{ الأنعام 42.
حال النبي صلى الله عليه وسلم في العزة والإنتصار وفي الهزيمة والإنكسار
في العزة والإنتصار: ينسب الفضل إلى الله ويشهد التقصير من نفسه، ونرى ذلك بوضوح في حجة الوداع حينما كان معه 120 ألف صحابي ورغم ذلك كان يدعو دعاء المساكين وإبتهال الفقراء، وأوضح الله لنا ذلك في سورة النصر }إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابً{، والتسبيح إدلال على عظمة الله عز وجل.
في الهزيمة والإنكسار: كان النبي صلى الله عليه وسلم في حالة من الإستسلام للمشيئة الحاكمة المُعلمة، الحاكمة أي أننا أخطأنا وهذا قدر الله والمُعلمة أي نتعلم من حكمة الله فيما حدث، وتفهم دورك في الموقف السلبي الذى حدث.
حال النبي صلى الله عليه وسلم في الفرح والسعادة وفي الحزن والألم
في الفرح والسعادة: علمنا النبي أن نفرح ولكن دون إغضاب الله، قال النبي في حديث حسن " إن الله يُحِبّ أن يرى أثرَ نعمتهُ على عبدهِ" ، ولكن مع الأسف بعض الناس مع الفرحة يتخلون عن المبادئ، ويشبه ذلك عندما تتعامل مع شخص كريم بشدة فتأخذ عليه أكثر مما ينبغي ولله المثل الأعلى.
في الحزن والألم: علمنا النبي أن نتقبل بشريتنا، أي أن نتقبل أننا نُخطئ مع لزوم أدب العبودية، أي لا تسخط على الله، وعلمنا النبي أن نردد هذا الدعاء إذا أصاب العبد هم أو غم "اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أمَتِك، ناصيتي بيدِك ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ في قضاؤكَ، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيتَ به نفسَك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو علمتَه أحدًا من خلقِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أنْ تجعل القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلبي، وشفاءَ صدري، وجَلاءَ حزني، وذهابَ همِّي وغمِّي".
حال النبي صلى الله عليه وسلم في أيام الغنى والشبع وفي أيام الفقر والجوع
كان النبي في الشبع و الجوع همُّه هو الله، قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، فَقُلْتُ: "لا يَا رَبِّي، وَلَكِنِّي أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا"، وَقَالَ: ثَلاثًا أَوْ نَحْوَذَا: "فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ".
في أيام الشبع: كان النبي إذا أتاه الطعام جلس على الأرض وعندما سُئل عن ذلك قال "إنما آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد"، قال تعالى في سورة الإسراء }إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا{ 30.
في أيام الجوع: ساكن مع الأقدار ولكن مع عظيم الأمل في الله، ونرى ذلك في غزوة الخندق فقد قال أحد الصحابة: لَمَّا كَانَ حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ عَرَضَتْ لَنَا فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ لا تَأْخُذُ الْمَعَاوِلُ، فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا أَلْقَى ثَوْبَهُ، وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، فَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ"، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا، وَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ ". ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَلَعَ ثُلُثَهَا الآخَرَ، وَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قُصُورَ الْمَدَائِنِ الأَبْيَضِ". ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ " فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا السَّاعَةَ".
http://web.mustafahosny.com/article.php?id=2147