نكمل عُمريات سيدنا عُمر بن الخطاب في مبادئ تأسيس الدولية المدنية، وكأنه يضع لنا دستوراً؛ ليكون منهاجاً لنا نسير عليه في حياتنا. واليوم حديثنا عن سيدنا عُمر والقضية الفلسطينية التي ربّي النبي عليها أصحابه لأنها قضية المسلمين منذ فجر التاريخ، لذا كان اهتمامهم مختلف بالقضية الفلسطينية، فهم قد عاشوا مع النبي الذي رباهم على قوله تعالي "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الإسراء 1)، وعلى أنه ثاني مسجد بُني بعد المسجد الحرام بأربعين عام. ذلك المسجد الذي قيل فيه سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يحدث بأربع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأعجبني وآنفني، قال "لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا ، أَوْ ذُو مَحْرَمٍ ، وَلَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ ، وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، وَمَسْجِدِي هَذَا" صحيح البُخاري.
كان حلم عُمر بن الخطاب أن يصل الإسلام إلي المسجد الأقصي، فالأقصي هي قضية عاش عليها النبي وربّي عليها صحابته. ففي الفتوحات كان عمرو بن العاص محاصراً لمدينة القدس، ولكن من يملك مفاتيح المدينة كان يعلم تماماً أن من سيفتح القدس ليس عمرو بن العاص ولكن عمر، فأبلغه وبلغ بن العاص عُمر بن الخطاب، فأتى الفاروق ولكنه فعل شئ يُذكره بالنبي صلى الله عليه وسلم وحاله، وهو في طريقه إلي الفتوحات، جمع قادة الجيوش وتقابل معهم في مدينة قبل مدينة القدس، وخطب فيهم خُطبة رائعة تأسست مبادئها علي ترسيخ مبادئ الجيش الذاهب ليفتح مدينة عظيمة لها مكانتها في السماء الدنيا، ولكنه أمين لا يظلم أحد أثناء الفُتوحات، فلا يقتل طفلاً ولا شيخاً ولا يهتك عرض إمرأة، فهذا جيش النبي الذي رباه على الحق، فهذا الجيش الذي يُؤمن بكلمة "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو المؤمن".
"نحن قومٌ أعزنا الله بلإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله" قالها الفاروق حينما قال له أصحابه أن يركب الفرس الضخم ذا الحُلي، وجلباب فخم، لكنه أصر أن يركب جمله هو وغلامه، فدخل على الرومان وهو يمشي على الأرض وثوبه مُرقع بأربع عشر رُقعة وخادمه يركب الجمل، حتي تسلم مفاتيح القدس، فاللهم ارزقنا رئيساً عُمرياً.