حلقة جديدة من التجربة العُمريّة، ونتحدث اليوم عن عمر بن الخطاب الرحيم بأمته، فكان عمر بن الخطاب ينظر لمنصب أمير المؤمنين (الرئاسة) على أنه خادم الناس والمسلمين، وأنه كلما رفعه الله كلما أنزل نفسه. أتتذكر ماذا قال في خطبته الأولى بعدما تولى الخلافة؟ "فإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال"، فأثناء الحروب كان يقوم بتوصيل رسائل زوجات المؤمنين إليهم في الحروب، بالإضافة إلى أنه كان يذهب إلى السوق ويقوم بشراء طلبات زوجات المؤمنين الغائبين في الحرب.
الحاكم عمر القائم على شؤون رعاياه:
في يوم من الأيام، أتى أحد سادات العراق إلى المدينة، وسأل عن أمير المؤمنين فوجده ينظف الإبل، فقال لهذا السيد أن يأتي ويعمل معه، فقال له هذا السيد "ألا تأمر أحد من عبادك"؟ فقال له عمر مقولته الشهيرة - والتي أتمنى أن يسمعها أي من كان سيتولى حكم مصر- "إنه من ولّي أمر من أمور المسلمين فهو خادم لهم، وينبغي عليه ما ينبغي على العبد لسيده". وكان عمر يذهب بعد الفجر ليخدم في بيت تسكنه امرأة عجوز لا ترى، يزيل عنها الأذى ويصنع لها الطعام.
كان أكثر ما يُشغل بال عمر رضى الله عنه كحاكم هو التخلق باسم الله الأحد، ومعنى اسم الله الأحد هو المتفرد والمتميز "..صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" (النمل 28).
وانظر إلى رأفة عمر مع العصاة، علم سيدنا عمر أن أحد كبار المجاهدين في الشام فتن بالخمر، فأرسل له خطاباً دون ذكر اسمه كي يستره وقال له فيها "حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ" (سورة غافر)، ثم قام يدعوا له، فوصل هذا الجواب إلى الرجل فأعلن توبته حتى بكى، فقال سيدنا عمر "يا إخوان هكذا افعلوا بإخوانكم إذا زلّوا ولا تكونوا عوناً للشيطان عليهم". وكان من عادة سيدنا عمر أن يقوم بعمل وليمة لأي جيش عائداً من الفتوحات، وفي أحد المرات رأى رجل يأكل بشماله، فقال له سيدنا عمر "يا أخى كُل بيمينك" قال الرجل "إنها مشغولة" فقال له عمر ثانية، فرد عليه الرجل أنها مشغولة، حتى قال لسيدنا عمر أن يديه اليمنى قُطعت في معركة اليرموك، فأمر سيدنا عمر بخادم له حتى يساعده.
سيدنا عمر الحاكم المتواضع:
وهذا كله ليس تقليلاً من شأن الحاكم، فالذي يملك قلوب العباد هو الله وحده، إذا شاء الله أن أكون محترماً فأنه سيلقي في قلوب الناس الاحترام لي، فما عليك إلا التواضع "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" (المؤمنون 115)، وكان عمر بن الخطاب يُصر أن يخدم الناس بيده كي يكسر سحر الكرسي، فحب الظهور قسم الظهور، أي حاكم سينظر للناس من برج عالي سيكون مغيباً عن احتياجتهم، وسيصدر سياسات بعيده تماماً عن احتياجات الناس.
زوجة أمير المؤمنين:
واُختم بزوجة سيدنا عمر، سيدة العالم حينها، وأدعو زوجة من سيتولى الحكم أن تكون مصدر تواضعه وعدم فتنته، تزوج سيدنا عمر بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وفي إحدى المرات كان يقف بجانب رجل يجلس أمام بيته، فسمع صوت صراخ من داخل منزله، فسأله عمر، فقال له "امرأة تتمخص"، أي تضع مولود، فقام وطلب من زوجته أم كلثوم رضى الله عنها بأن تساعدها، ثم قام سيدنا عمر باعطاء هذا الرجل الغطاء الشهري للغلام