اسمه ونسبه:
هو الإمام جعفر بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوج ابنته فاطمة البتول رضي الله عنها وأرضاها.
هذا نسبه من جهة أصوله ، ومن جهة أخواله فهو ابن أبي بكر الصديق أفضل أولياء الله ، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين ، حيث كان جعفر الصادق يقول : ولدني أبو بكر الصديق مرتين .
وذلك أن أمه هي : أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق . وأمها -أي جدته من قبل أمه - هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين
ولد سنة ثمانين من الهجرة ، وتوفي سنة 148هـ وعمره ثمان وستون سنة ، وبالمدينة ولادته ووفاته .
لقبه:
لقب جعفر بن محمد بالصادق ، وغلب هذا اللقب عليه ، فلا يكاد يذكر إلا وانصرف إليه ؛ وسببه أنه كان صادقا في حديثه وقوله وفعله ، لا يعرف عنه سوى الصدق ولم يعرف عنه كذب قط .
وقد اشتهر لقبه هذا بين المسلمين ، وكثيرا ما يلقبه به الشيخ ابن تيمية وغيره .
ومن ألقابه الإمام وهو جدير به ، والفقيه ..
كرمه وسخاؤه:
بلغ في الكرم شأنا عظيما ، ومبلغا كريما ، وليس بغريب عليه وعلى بيته النبوي الكريم ، وجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أجود من الريح المرسلة شهدت له المواقف العديدة في المدلهمات والغزوات وغيرها بالكرم البالغ الذي لا يخشى معه الفقر عليه الصلاة والسلام .
وأما جعفر بن محمد الصادق رحمة الله عليه فمما جاء في كرمه وبذله ما رواه تلميذه هياج بن بسطام التميمي قال : كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء .
وهذا عطاء من لا يخشى الفقر .
وروي أنه لما سئل عن علة تحريم الربا فقال : لئلا يتمانع الناس المعروف ، وهذا يدل على أريحية نفس وسخائها.
وذكروا عنه أنه كان يمنع الخصومة بين الناس ، بتحمله الخسائر على نفسه وإيثار الصلح بينهم .
كما ذكروا عنه أنه شابه جده علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه في الإنفاق سرا ، وذلك أنه إذا كان الغلس في الليل حمل جرابا فيه خبز ولحم ودراهم على عاتقه ، ثم وزعه على ذوي الحاجات من فقراء المدينة ، دون أن يعلموا به ، حتى مات ، وظهرت الحاجة فيمن كان يعطيهم بعد موته .
حكمته وسعة فهمه:
أكثر مترجموا الإمام جعفر الصادق من نقل حكمه ، وأجوبته المسكتة للأسئلة المشكلة ، تلك الأجوبة التي تبين عن سعة علمه وبعد فهمه ، وما حباه الله به من سرعة البديهة ، واللسان المفصح عن جوامع المعاني ، وفقهه لمقاصد التشريع وأسراره ، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء .
فقد سأله تلميذه سفيان الثوري بمكة في موسم الحج ، فقال : قدمت مكة ، فإذا أنا بأبي عبد الله جعفر بن محمد قد أناخ بالأبطح ، فقلت : يا ابن رسول الله لم جعل الموقف من وراء الحرم ، ولم يصير في المشعر الحرام فقال : الكعبة بيت الله ، والحرم حجابه ، والموقف بابه ، فلما قصده الوافدون ، أوقفهم بالباب يتضرعون ، فلما أذن لهم في الدخول ، أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة ، فلما نظر إلى كثرة تضرعهم ، وطول اجتهادهم ، رحمهم ، أمرهم بتقريب قربانهم ، فلما قربوا قربانهم ، وقضوا تفثهم ، وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابا بينه وبينهم ، أمرهم بزيارة بيته على طهارة . قال : فلم كره الصوم أيام التشريق قال : لأنهم في ضيافة الله ، ولا يجب على الضيف أن يصوم عند من أضافه .
وروى أبو نعيم في الحلية بسنده إلى أحمد بن عمرو بن المقدم الرازي قال : وقع الذباب على المنصور - أبي جعفر الخليفة العباسي - فذبه عنه ، فعاد فذبه حتى أضجره فدخل جعفر بن محمد عليه ، فقال المنصور : يا أبا عبد الله لم خلق الله الذباب قال : ليذل به الجبابرة .
هيبته:
رزق الله الإمام الصادق مع كريم سجاياه وتواضعه هيبة ووقارا ، خضع له به أكبر ملوك الأرض في وقته وهو الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ؛ حيث روى شمس الدين الذهبي بسنده إلى الفضل بن الربيع عن أبيه قال : دعاني المنصور فقال : إن جعفر بن محمد يلحد في سلطاني، قتلني الله إن لم أقتله . فأتيته ، فقلت : أجب أمير المؤمنين . فتطهر ، ولبس ثيابا - أحسبه قال : جددا - فأقبلت به ، فاستأذنت له ، فقال : أدخله ، قتلني الله إن لم أقتله . فلما نظر إليه مقبلا ، قام من مجلسه ، فتلقاه ، وقال : مرحبا بالنقي الساحة ، البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمي . فأقعده معه على سريره ، وأقبل عليه بوجهه ، وسأله عن حاله ، ثم قال : سلني عن حاجتك . فقال : أهل مكة والمدينة قد تأخر عطاؤهم ، فتأمر لهم به . قال : أفعل . ثم قال : يا جارية ائتني بالتحفة . فأتته بمدهن زجاج فيه غالية ، فغلفه بيده ، وانصرف . فاتبعته ، فقلت : يا ابن رسول الله أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك ، فكان منه ما رأيت ، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول ، فما هو قال : قلت : اللهم احرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك علي ، ولا تهلكني وأنت رجائي ، رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري ، وكم من بلية ابتليتني بها قل لها عندك صبري فيا من قل عند نعمته شكري ، فلم يحرمني ، ويا من قل عند بليته صبري ، فلم يخذلني ، ويا من رآني على المعاصي ، فلم يفضحني ، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا ، ويا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ، أعني على ديني بدنيا ، وعلى آخرتي بتقوى ، واحفظني فيما غبت عنه ، ولا تكلني إلى نفسي فيما خطرت ، يا من لا تضره الذنوب ، ولا تنقصه المغفرة ، اغفر لي ما لا يضرك ، وأعطني ما لا ينقصك ، يا وهاب أسألك فرجا قريبا ، وصبرا جميلا ، والعافية من جميع البلايا ، وشكر العافية . اهـ.
وهذا الذي وقع له - فأبدل الله قلب خصمه من السخط حبا ، والبعد قربا - هو كرم الله وعنايته ولطفه بأوليائه ، مع ما كان بين العباس وآل علي بن أبي طالب من الأمور العظام التي لا يناسبها هذا التكريم لأحد كبرائهم، فسبحان من جعل القلوب بين إصبعين من أ صابعه يقلبها كيف يشاء .
ثناء العلماء عليه:
حسبك أن تعلم من ذلك أنه روى له جماعة الكتب الست في كتبهم خلا الإمام البخاري فلم يخرج له في الصحيح ولكن في بقية كتبه .
ولذا قال ابن حجر في ترجمته في " التقريب " : " صدوق فقيه إمام ... " .
فقال أبو حاتم الرازي : " ثقة ، لا يسأل عن مثله " ، ، ووثقه الشافعي وابن معين وغيرهما. وقال ابن حبان : هو من سادات أهل البيت ، وعباد أتباع التابعين ، وعلماء أهل المدينة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " المنهاج"... فإن جعفر بن محمد من أئمة الدين باتفاق أهل السنة ..." ،
وقال أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي - لما سئل عنه : ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد ، لما أقدمه المنصور الحيرة ، بعث إلي ، فقال : يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد ، فهيئ له من مسائلك الصعاب . فهيأت له أربعين مسألة ، ثم أتيت أبا جعفر وجعفر جالس عن يمينه ، فلما بصرت بهما ، دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر ، فسلمت ، وأذن لي ، فجلست . ثم التفت إلي جعفر ، فقال : يا أبا عبد الله تعرف هذا قال : نعم ، هذا أبو حنيفة . ثم قال : يا أبا حنيفة هات من مسائلك ، نسأل أبا عبد الله . فابتدأت أسأله ، فكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا ، فربما تابعنا ، وربما تابع أهل المدينة ، وربما خالفنا جميعا ، حتى أتيت على أربعين مسألة ، ما أخرم منها مسألة . ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس
موقفه من الشيخين أبي بكر وعمر:
فقال جعفر : برئ الله من جارك ، والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر ، ولقد اشتكيت شكاية ، فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم .
وقال حفص بن غياث : سمعت جعفر بن محمد ، يقول : ما أرجو من شفاعة علي شيئا ، إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله ، لقد ولدني مرتين .
وأيضا شهد لهما بالجنة ، وأولئك الأباعد يشهدون عليهما بالنار والخلود فيها ؛ فقد روى الدارقطني بإسناده إلى حنان بن سدير ، سمعت جعفر بن محمد ، وسئل عن أبي بكر وعمر ، فقال : إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة .
موقفه من الجدال
درج الإمام جعفر بن محمد رحمة الله عليه على ما درج عليه أجداده - من النبي عليه السلام ، والصديق ، وعلي بن أبي طالب ، وعموم الصحابة والتابعين وتابعيهم - من التحذير من الجدال والمراء في الدين وفي كتاب الله وشرائعه . وهذا الأمر - أعني التحذير من الجدال وتوابعه وآثاره على الدين والقلوب - من الأمور المسلمة عند المسلمين ، مضى على التحذير منه والتشديد فيه صدر الأمة وسلفها الصالح في كل قرن إلى عصرنا هذا ممن تبع السلف في مذهبهم ، ومضى على منهجهم ومنوالهم.
ومن أقوال الإمام الصادق في هذا ، مارواه الذهبي بسنده إلى عنبسة الخثعمي - وكان من الأخيار - سمعت جعفر بن محمد ، يقول : إياكم والخصومة في الدين ، فإنها تشغل القلب ، وتورث النفاق .
مؤلفاته وآثار الصادق العلمية :
لا بد من استصحاب أن القرن الذي عاش فيه الإمام جعفر رضي الله عنه 80 - 148 هـ تميز بندرة التأليف ، حتى لم يؤثر عن أهله إلا أقوال رويت عنهم ، وهي متفرقة لم تصل إلى حد التأليف ، وكثرة الكتب والرسائل .
وأيضا يبرهن على كثرة مؤلفات الإمام الصادق بما جمعه أبو موسى جابر بن حيان الصوفي الطرطوسي الكيمائي الشهير ت200 هـ الفيلسوف المترجم
المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=261_0_2_0