يشرح الدكتور عمرو خالد في الحلقة الثلاثين والأخيرة من برنامج (قصة الأندلس) الدروس والعبر التي يجب أن نستفيد منها، من خلال ما ذكرناه في الحلقات السابقة، وهي حلقة هامة جداً، لأن التعلم من تلك الدروس كفيل بعدم تكرار مأساة سقوط حضارة الأندلس مرة أخرى. قصة الأندلس هي قصة من التاريخ لإصلاح الحاضر والمستقبل.
-------------------
الماضي هو الحاضر وتاريخ الأندلس كان لنا كالكنز المفقود ولكننا قمنا بفتحه وأخرجنا ما به من ثروات ونتمنى أن نكون تعلمنا الكثير من أخطائنا ومن من سبقونا من الأجداد. ترى هل سترفع قصة الأندلس من قدرنا أم تكون شاهداً علينا يوم القيامة وهل ستشهد الأيام القادمة وحدة وتعايش ودروس مستفادة منها،؟هل تعلم الشباب كيف يستطيع المرء تغيير وجه العالم وهل تأكدت الفتيات أن المرأة لديها القدرة على تقويم الأجيال القادمة؟ فلقد شهدنا في الأندلس العلم، الحضارة، العلوم، الفنون والتفوق.
الدرس 1: التخطيط
على الرغم من النهايات الحزينة، مازال الأمل كبير في الله سبحانه وتعالى ثم الشباب والمرأة والأجيال القادمة التي يمكنها إصلاح تاريخنا واستعادة حضارة عظيمة لنا من جديد. من دروس قصة الأندلس الإعداد الجيد والتخطيط الذي يجعلك تفكر ملياً في خطواتك قبل أن تخطوها، مثل موسى بن نصير الذي أرسل لعبد العزيز بن مروان وهو والي مصر يعلمه برغبته في فتح الأندلس وهو حلمه الذي كان يأمل في تحقيقه منذ عشر سنوات مضت ولم يتحدث عنه، وقد بادر بسؤاله عن المعوقات التي منعته من تحقيق هذا الحلم وبدوره أجابه أن هناك أربع معوقات:
* لا أملك السفن كي أعبر بها
* عدد الجنود بجيش المسلمين عشرة آلاف فقط بينما يبلغ العدد بجيوش الفرنجة مئات الآلاف
* أرض الأندلس مكان مجهول ليس لديه أية معلومات عنه
* هناك جزر بين المغرب والأندلس وهي: سردينيا، مايوركا وشبه جزيرة سِبتة
بدأ في بناء ثلاث موانيء وأسطول بحري يضم العديد من السفن، ظل يعكف على الانتهاء منه طيلة ثلاث سنوات ومنهم ميناء القيروان، وكان يرغب في زيادة العدد لجيوش المسلمين بإدخال عناصر من البربر كما قام بتعيين طارق بن زياد قائد للجيش وأخذ كلٍ من جزيرتي سردينيا ومايوركا وفتحهما لتأمينه ضد أي خطر والآن كل شيء مُعًد لفتح الأندلس.
الدرس 2: اتقان العمل
لا يكتمل الفتح والتخطيط الجيد إلا بإتقان العمل. لابد من المُضي قدماً من بدايته حتى الانتهاء منه، فعلى سبيل المثال، استمر موسى بن نصير وطارق بن زياد في طريقهما في الشمال الغربي حتى وصلا لمنطقة تُسَمى "الصخرة" حيث فلول القوط المتواجدة بها تهرب منهم كلما ازدادوا تقدماً في سيرهما وهذه الفلول كانت تجري بلا هدف حيث لم يعد لها قائد، وكان إصرار موسى بن نصير على فتح هذه المنطقة لإدراكه إمكانية أن تصبح نقطة تجمع القوط ومهاجمتهم للمسلمين ولكن لم يتم فتحها حيث استهان بها كل من جاؤا بعد موسى بن نصير وطارق بن زياد لأنها كانت منطقة صغيرة حجماً ولكن بعد ثمانمائة عام هي التي تسببت في سقوط المسلمين.
الدرس 3: الوحدة
قرر عبد الرحمن الداخل قيادة هذه البلاد وتوحيد المسلمين لأن الأندلس حينذاك كانت بحاجة لمعجزة وقد كان هو هذه المعجزة، بدأ في الاتحاد مع أبو الصباح اليَحصُبي حيث اتفق مع اليمنيين وانتصرا في معركة حاسمة على والي الأندلس يوسف الفِهري وذلك في فترة امتدت خمسة وعشرين عاماً وأصبح عبد الرحمن الداخل قائداً للأندلس، ولكنه لم يتخل عن هدفه الذي وضعه نصب عينيه؛ وهو تكوين دولة موحدة على أسس قوية بالأندلس التي عانت كثيراً من التفكك والثورات في كل مكان، والهجمات تحيطها من الشمال، الغرب والفرنجة وهو الفاتح الثاني لدولة الأندلس بعد موسى بن نصير وطارق بن زياد، وكانت أولى خطواته المصالحة بين اليمنيين والشاميين لوجود صراع بينهما، وأيضاً بين اليمنيين والحجازيين وكانت أصوله من الحجاز ولكنه تحالف مع اليمنيين وكان بحاجة لوحدة وطنية. وبدأ يتساءل عن أولى خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم داخل المدينة وأخبروه أنه آخى بين المهاجرين والأنصار، فقال: "هذا هو المراد" وهذا هو ما نحتاجه اليوم في مصر، العراق، الشام، اليمن والأردن... الخ.
بدأ بالوحدة الوطنية بينما نحن نعجب الآن بما قام به نيلسون مانديلا من المصالحة الوطنية ونؤكد أن عبد الرحمن الداخل هو أول من بدأ بفكرة المصالحة الوطنية بين أطياف الشعب،
ولكن تبقى لديه مشكلة؛ ألا وهي عدم معرفة الناس بالأندلس هل هم تابعين للخلافة العباسية أم الأموية لأن الأمويين سقطوا بينما العباسيون نهضوا ولو ظلوا في صفوف العباسيين ستحدث فتنة ولذلك أعلن أنهم إمارة مستقلة عن الخلافة الإسلامية لأنه قام بأمر مغاير لذلك ستلحق به الهزيمة.
بدأت أمور الدولة تستقر وأقام الوزارات وجهز أسطولاً كبيراً وجيشاً من الجيل الثاني من المُولدين الذين وُلدوا بالأندلس وأدخلهم كعناصر بجيشه الذي كان قوامه مائة ألف فارس وكان أسطوله يمتد إلى خمسة من الموانيء وبنى ترسانة ومصانع للأسلحة في طليطلة، كما عمل على تقسيم ميزانية الدولة بين الوزارات والإعمار. كل هذا وهو يبلغ من العمر 25 عاماً وسيمتد حكمه 34 عاماً ويتوفى في التاسعة والخمسين من عمره بعد أن قام بتوحيد الأندلس وحمايتها لثمانمائة عام.
خلاصة نجاح الأندلس
تُعد الأندلس الخلطة السحرية التي جمعت بين: الثقافات، الشعوب، الأجناس، الحضارات والأديان. تلك هي قصة الأندلس أو هي قصتنا، وتاريخ الأندلس أشبه بمنحنى كلما ازداد التعايش كلما تحقق للناس النجاح المرجو وعندما ينقص يحدث الفشل، فنحن دخلنا الأندلس واستمر بنا البقاء فيها بالتعايش وخرجنا منها بسبب عدم التعايش، هل نذكر الآن موسى بن نصير وهو يتحرك بسفينته ليدخل الأندلس والرؤية التي رأى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له فيها: "أوصيك يا موسى" قال: "لبيك يا رسول الله" قال: "أوصيك يا موسى" قال: "لبيك يا رسول الله" قال: "أوصيك يا موسى" قال: "لبيك يا رسول الله" ثلاث مرات فقال النبي: "أوصيك بالرفق بغير المسلمين في الأرض التي ستدخلوها".
ما هو التعايش؟
هو أن نعيش سوياً مع بعضنا البعض. وأن نحترم الآخر ونسمع له ونتعاون معه. إذا أردتم العيش في هذه البلاد علينا بالتعايش والتزاوج وقد أحل الإسلام ذلك وبدأ ظهور الفتاوى من المشايخ والعلماء التي تسمح بهذا للمحافظة على فكرة الانصهار وظهر جيل اسمه الموُلدين.
وعندما بدأت فكرة إعداد الجيش الذي بلغ مائة ألف فارس لم يكن الجيش من العرب فقط، ولكنه من الجيل الثاني للمُولدين من الإسبان ذوي الأصول العربية أو المسلمة من ناحية الآباء أو من المسيحيين من ناحية الأمهات، وأصبح الجيش يضم عناصر من المُولدين، المسيحيين، البربر والعرب. وعندما شرع عبد الرحمن الداخل في بناء مسجد قرطبة العظيم كان جزء منه يتكون من كنيسة وكان يرغب في توسعة هذا المكان وكان يمكنه الاستيلاء عليه مثلما كان يحدث في العصور الوسطى ولكنه أصر على شرائه، وجمع القساوسة وسألهم عن ثمن الكنيسة ليحولها لمسجد ويدفع لهم الثمن الذي يريدونه ولكنهم رفضوا لأنهم يريدونها ككنيسة، فعرض سعراً أعلى ولكنهم رفضوا أيضاً وظل يرفع السعر حتى عشر مرات.
من أقوى الشخصيات التي تولت الحُكم وكانت تتسم بالشجاعة كان عبد الرحمن الناصر فعندما تولى زمام الأمور وجد أن كل من يتقلد مناصب في الدولة لابد أن يكون من العرب أي يتحلى بالثقة من وجهة نظر العرب، وبدأ يسأل عن أصحاب المناصب وهل هم من الأكفاء أم لا فيأتي ردهم بالإيجاب ولكنه يجد من البربر من يملك خبرة أكثر، فيأمر بعزل فلان ويُعين البربري وهكذا في مناصب أخرى يتولاها العرب ولكن عندما يعرف أن هناك من هو أفضل منه من المسيحيين يقوم بتعيينه وأصدر أوامره بأن الأفضلية في التعيين للأكفأ، وظل حكمه خمسين عاماً وهي من أطول فترات الحكم في تاريخ الأندلس بسبب حب الناس وكل الطوائف له وتأكيده على أن أهل الخبرة أفضل من أهل الثقة وعمل على الحفاظ على بلاده وعلى ملكه، وكانت النتيجة التعايش الذي أدام ملكه وأدام الأندلس.
شكر واجب
أتوجه بالشكر للعالم والمؤرخ الرائع المتخصص في تاريخ الأندلس والمغرب العربي الدكتور أحمد لقمان، فقد جمع من المؤرخين ممن كتبوا تاريخ الأندلس، والدكتور محمد عبد الله عناني والدكتور راغب السرجاني وأهل المغرب العربي الذين عرفناهم في قصة الأندلس وعرفنا الكثير عن حماسهم، عطائهم ونجاحهم في إنقاذ الأندلس، وإسبانيا التي حافظت على آثار المسلمين وتاريخهم. وترى، هل سيعيد التاريخ ذاته؟ وهل سنستفيد من الأخطاء ونكون من المتفوقين في تكرار الأمجاد؟ إن الأمل في الشباب والفتيات ممن سيحملون الرسالة ويبدأن في إصلاح الأرض
بالتعايش وليس بالصراع ويصنعون حضارة بالعلم والإنتاج ويعود العز للإسلام والمسلمين مثل السابق، أدعو الله أن تتكرر أيام الأندلس على أيدي الشباب المحب للبناء وليس الصراع.
قام بتحريرها: قافلة تفريغ الصوتيات – دار الترجمة
Amrkhaled.net© جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخري فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
management@daraltarjama.com